شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 3 > الموسوعة الضخمة المتنوعة ------------ رمضان
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: الختمة المرئية بجودة خيالية --القران مقسم اجزاء 30 جزء - مصحف مرتل- ل الشيخ مشاري العفاسي (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: الختمة المرئية بجودة خيالية --القران مقسم اجزاء 30 جزء - مصحف مرتل- ل الشيخ محمد ايوب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: الختمة المرئية بجودة خيالية --القران مقسم اجزاء 30 جزء - مصحف مرتل- ل الشيخ توفيق الصائغ (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: الختمة المرئية بجودة خيالية--القران مقسم اجزاء 30 جزء - مصحف مرتل- ل الشيخ فارس عباد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: الختمة المرئية بجودة خيالية --القران مقسم اجزاء 30 جزء - مصحف مرتل- ل الشيخ خليفة الطنيجي (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: الختمة المرئية --القران مقسم اجزاء 30 جزء - مصحف مرتل- ل الشيخ سعد الغامدي (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: الختمة المرئية بجودة خيالية --القران مقسم اجزاء 30 جزء - مصحف مرتل- ل الشيخ الحذيفي (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: الختمة المرئية بجودة خيالية --القران مقسم احزاب 60 حزب- مصحف مجود - ل الشيخ عبد الباسط - مجود (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: الختمة المرئية بجودة خيالية --القران مقسم احزاب 60 حزب - مصحف مرتل- ل الشيخ الحصري (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: --القران مقسم اجزاء 30 جزء -مرئي مصحف مرتل- ل اجمل الاصوات ختمه عام 1430 شهر رجب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 07-15-2014, 02:00 PM
منتدى فرسان الحق منتدى فرسان الحق غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 7,826
افتراضي صلة الأمة بالله






صلة الأمّة بالله











د. عبدالحكيم الأنيس






الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.





وبعد:


فإنَّ لرمضان شفافيةً خاصةً يحسُّها كلُّ مؤمنٍ صام نهاره، وقام ليله، وأخبت قلبُه لله.





وفي رمضان تعذب المناجاة والأذكار، وتطيب الدعوات والاستغاثات، ولا سيما حين تهبُّ نسمات الأسحار، وحين يصفو القلب ويسمو في لحظات الإفطار.





ولأمرٍ ما خلل اللهُ - تبارك وتعالى - آيات الصيام بآية الدعاء: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].





وهكذا بهذه الإضافة التي تُثير أشواق القلوب وحنينها، وتمسُّ النفوس وتَستدعي حياءها، هكذا بإضافة العِباد إلى نفسه سبحانه يستنهض الأرواحَ لتطير إليه، ويدعو القلوب لتقيم لديه، حيث الأمن والأمان، والرضى والرضوان، والرحمة والغفران، والجود والإحسان، حيث تُستر العيوب، وتُكشف الكروب، وتُداوى العلل، ويَتحقق الأمل، حيث العزة والمجد، والنصر والظفر، والحفظ والمنعة.





واليوم تُحيط بالأمة غواشٍ من الأرزاء والأسواء، وتُكاد، ويُتآمر عليها، ويُراد لها أن تخلع لبوسها الذي ألبسها الله إياه، لتكون سهلة المنال، قريبة المأخذ، فتُؤكل لحمًا، وتُفت عظمًا، ويَستدرك الحاقدون ما فاتهم منها، ويَبلغ المتآمرون ما يهوون فيها: مِن انفصام عُراها عن دينها، وانقسامها وتفكك أوطانها، ومن ثم الإمعان في سلب خيراتها ونهب بركاتها، وتعفير وجهها في تراب الذلة والهوان سنين وسنين.





وفي مثل هذه العواصف الهوجاء، والأجواء المربدة المكفهرَّة، فما أشدَّ حاجتنا إلى أنْ نَصلَ ما انْبَتَّ من حبالنا بحبل الله، ونجدِّد الصلة به: صلة الإيمان الراسخ والعبودية الحقة، وأنْ نقوم في محاريب الخضوع لله داعين متوسلين متململين، وأنْ نستغيث به سبحانه في ما نزل بنا وينزل، ونرجوه رجاءَ الشريدِ الطريدِ الجائعِ العاري الخائف الوجل أن لا يكلنا إلى أنفسنا ولا إلى الناس، وإلى هذا وجَّهنا النبيُّ الكريم الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم إذ قال لابنته السيدة فاطمة الزهراء - رضي الله عنها - وهو مِن خلالها يوجِّه حديثه الناصح الشفوق إلى الأمة كلها:


«ما يمنعك أنْ تسمعي ما أوصيك به، أنْ تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت:


يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين».





وإذ قال صلى الله عليه وسلم: «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت».





وفي الأمة اليوم كربات جاثمة فوق صدرها آخذة بخناقها، والأهوال تطرقها من كل جانب، فأنى لها النجاة بنفسها إنْ لم تلجأ إلى القوي العزيز القاهر المتين؟!





أجل إنَّ الوكول إلى النفس خذلانٌ وانهزامٌ، ولهذا كان النبي المعلِّم الأمين صلى الله عليه وسلم يقول:


«وأشهد أنك إِنْ تكلني إِلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة، وذنب وخطيئة، وأني لا أثق إلا برحمتك...».





وهذه دعوةٌ من دعاءٍ علّمه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن ثابت وأمره أنْ يتعاهد به أهله كلَّ يومٍ حين يصبح.





ومثل الوكول إلى النفس الوكولُ إلى الناس، وما أشدَّ هذا، وفي الناس أعداء في لباس الأصدقاء، وأصدقاء في لباس الأعداء، ولا ناصر إلا الله.





من هنا نتذوقُ الدعوات العظيمات التي جاءتنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلاغاً أنه لما خرج مهاجرًا قال:


«الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئًا.





اللهم أعنِّي على هول الدنيا، وبوائق الدهر، ومصائب الليالي والأيام.





اللهم اصحبني في سفري، واخلفني في أهلي، وبارك لي في ما رزقتني، ولك فذللني، وعلى صالح خلقي فقومني، وإليك ربي فحببني، وإلى الناس فلا تكلني.





أنت رب المستضعفين وأنت ربي.





أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له السمواتُ والأرض، وكُشفت به الظلمات، وصلح عليه أمرُ الأولين والآخرين أن يَحِلَّ بي غضبُك، أو ينزلَ علي سخطك.





أعوذ بك من زوال نعمتك، وفجاءة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سخطك، لك العتبى خير ما استطعت، ولا حول ولا قوة إلى بك».





إنها - والله - لدعواتٌ يشهدُ فيها المؤمنُ صدقَ العبودية لله، وصدقَ التذلل بين يديه، والتجرُّدَ المطلقَ من الحول والقوة إلا به سبحانه.





فاللهم لا حولَ لنا ولا قوة بنا - وقد زحفتْ رمالُ البلاء علينا، وعصفتْ الرياح الزعازع بنا - إلا بك وحدك، فبك نستعصمُ، وبك نلوذُ، يا صاحب الملك والملكوت، والعزة والجبروت، والقوة والرهبوت، ولن يَخيب مَنْ أمَّك وأملك، وتجرَّد مِنْ أنانيته وسجد لك...





ولقد أدركَ المُوَفَّقون - على مرِّ العصور - أهميةَ الصلة بالله، وقيمة الدعاء والاستنصار بالله، وعاشوا من حرصهم على هذه الصلة وهذا الدعاء في أمان، ونالوا بتنزلات المواهب الربانية، وبركات العطايا الرحمانية خِصْبَ الزمان والمكان.





والوقائعُ الدالة على هذا كثيرة فلنتوقف عند بعضها، ليستيقظ إيماننا الراقد، ويجري دمعنا الراكد، وتهب القلوب العطشى إلى الله هبوب الظامئ الحران إلى الماء المثلج الزلال.





1- يحدِّثنا الأديبُ البارعُ أحمد بن يوسف الكاتب (ت 340هـ) في كتابه «المكافأة وحسن العقبى» فيقول:


«حدثني الحسن بن مسلم الأقريطشي- ورأيته بعد أن علتْ سِنُّهُ وبلغ المئة سنة، وكان صحيحَ التمييز، سليمَ الحواس - قال:


ألحَ غزوُنا على الروم، ونالهم منا مكروهٌ عظيمٌ. فَوَجَدَ متملِّكُ الروم من هذه، ونذر أن يُخَرِّب أقريطش [جزيرة كريت] ولو أنفق ذخائرَ مملكته. فنظر إلى راهبٍ محبوب تتعالمُ الرومُ زهادته، فأنزله من متعبَّده، وضمَّ إليه أكثر جيوشه، فوافى بجمعٍ لم يُحِطْ بأقريطش مثلُه قط. ففزعنا إلى غَلَقِ الحصن، وتسرَّع الرومُ إلى بناء مساكن لهم، وخرجوا من المراكب، وغلبونا على ميرة البلد وما يكون في جواره. واشتدَّ الحصارُ ونزعَ السِّعْرُ، وتحلّقَ المأكولُ، وشاع الجَهْدُ. ثم زادت المكارهُ حتى أكل الناسُ ما مات من البهائم جوعاً، وأجمعوا على أنْ يفتحوا الباب له، فقال لهم الشيخ: «إني قد أراكم قد حُرِمتم التوفيقَ في قوَّتكم وضعفكم! والصواب أن تقبلوا مني ما أشير به».





قالوا: «قل»، قال: «اتركوا لله قبيحَ ما يحملكم عليه تظاهُرُ النعمة والسلامة، وأخلصوا له إخلاصَ مَنْ لا يجد فَرَجَهُ إلا عنده، وافصلوا صبيانكم من رجالكم، ورجالكم من نسائكم.





فلما ميزهم هذا التمييزَ صاح بهم: «عِجُّوا بنا إلى الله!» فعجوا عجةً واحدة، وبكى الشيخُ وبكى أكثرُ الناس.





ثم قال: «عِجوا أخرى، ولا تشتغلوا بغير الله»، فعجوا عجةً أعظم من الأولى، وبكى الناس أيضاً.





ثم عجَّ الثالثة وعجّ الناسُ معه، وقال: «تشرَّفوا من الحصن، فإني أرجو الله أن يكون الله قد فرَّج عنا».





فحلف لي الحسنُ: «إني تشرَّفتُ مع جماعة فرأيتُ الروم قد قوضوا رحالهم، وركبوا مراكبهم، وفُتِح بابُ الحصن، فوجدوا قومًا من بقاياهم فسألوهم عن حالهم: فقالوا:


«كان عميد الجيش بأفضل سلامة إلى اليوم، حتى سمع ضجتكم في المدينة فوضع يده على قلبه وصاح: «قلبي، قلبي!» ثم طفئ»(مات).





فانصرف مَنْ كان معه إلى بلد الروم.





وخرجنا عن الحصن، فوجدنا في تلك الأبنية من القمح والشعير ما وسع المدينة وأعاد إليها خِصبَها، وكُفينا جماعتهم من غير قتال».





2- ومثل هذا الوعي بأهمية الدعاء وحسن العلاقة بالله كانت لدى الوزير العالم الناصح نظام الملك الطوسي (ت: 485هـ).





يحدِّثنا الإِمامُ أبو بكر الطرطوشي في كتابه «سراج الملوك» فيقول: «كان الوزير نظامُ الملك، -والغالب على ألقابه «خواجه بزرك» رحمه الله تعالى- قد وزر لأبي الفتح ملك الترك ابن ألب أرسلان، وكان قد وزر لأبيه من قبله، فقام بدولتهما أحسنَ قيام، فشدَّ أركانها، وشيَّد بنيانها، واستمال الأعداء، ووالى الأولياء، واستعمل الكُفاة، وعم إحسانُه العدو والصديق، والبغيض والحبيب، والبعيد والقريب، حتى ألقى الملكُ بجرانه، وذلَّ الخلق لسلطانه.





وكان الذي مهَّد له ذلك بإذن الله تعالى وتوفيقه، أنه أقبل بكليته على مراعاة حَمَلَةَ الدين، فبنى دور العلم للفقهاء، وأنشأ المدارس للعلماء، وأسَّس الرباطات للعُبّاد والزُّهاد وأهل الصلاح والفقراء، ثم أجرى لهم الجرايات والكُسا والنفقات، وأجرى الخير والرزق لمن كان من أهل الطلب للعلم مضافاً إلى أرزاقهم، وعم بذلك سائر أقطار مملكته، فلم يكن من أوائل الشام - وهي بيت المقدس - إلى سائر الشام الأعلى، وديار بكر، والعراقين، وخراسان بأقطارها، إلى سمرقند من وراء نهر جيحون، - مسيرة زهاء مئة يوم - حاملُ علم، أو طالبه، أو متعبِّد، أو زاهد في زاويته إلا وكرامته شاملةٌ له، وسابغةٌ عليه. وكان الذي يَخرج من بيوت أمواله في هذه الأبواب ست مئة ألف دينار في كل سنة، فوشى به الوشاةُ إلى أبي الفتح «الملك» وأوغروا صدره عليه، وقالوا: إنَّ هذا المال المخرج من بيوت الأموال يقيم به جيشاً يركز رايته في سور قسطنطينية.





فخامرَ ذلك قلبَ أبي الفتح الملك، فلما دخل عليه قال: يا أبت، بلغني أنك تُخرج من بيوت الأموال كلَّ سنة ست مئة ألف دينار إلى مَنْ لا ينفعنا، ولا يغني عنا. فبكى نظامُ الملك وقال:


يا بُني، أنا شيخٌ أعجمي لو نُوديَ عليَّ فيمن يزيد لم أحفظْ (أي لم أساوِ) خمسة دنانير.





وأنتَ غلامٌ تركيٌّ لو نُوديَ عليك عساك تحفظ ثلاثين دينارًا، وأنت مشتغل بلذاتك، منهمك في شهواتك، وأكثر ما يصعد إلى الله تعالى معاصيك دون طاعاتك.





وجيوشُك الذين تعدهم للنوائب إذا احتشدوا كافحوا عنك بسيفٍ طوله ذراعان، وقوس لا ينتهي مدى مرماه ثلاث مئة ذراع، وهم مع ذلك مستغرقون في المعاصي والخمور، والملاهي والمزمار والطنبور.





وأنا أقمتُ لك جيشاً يسمى (جيش الليل)، إذا نامتْ جيوشُك ليلاً قامتْ جيوشُ الليل على أقدامهم صفوفاً بين يدي ربهم، فأرسلوا دموعهم، وأطلقوا بالدعاء ألسنتهم، ومدوا إلى الله أكفهم بالدعاء لك ولجيوشك، فأنت وجيوشُك في خفارتهم تعيشون، وبدعائهم تبيتون، وببركاتهم تمطرون وترزقون، تمرق سهامهم إلى السماء السابعة بالدعاء والتضرع.





فبكى أبو الفتح الملك بكاء شديدًا ثم قال: شاباش يا أبتِ شاباش، أكثرْ لي من هذا الجيش».





3- ونتقدَّم مع الزمن لنرى هذا الوعي واضحًا في ذهن الملك العادل نور الدين محمود زنكي (ت: 569هـ).





وقد ذكر عنه المؤرِّخ ابن الأثير في «الكامل» في حوادث سنة (559هـ) واقعةً معبرة لخصها ابن خلكان في «وفيات الأعيان» بقوله: «إن نور الدين المذكور نزل في البقيعة تحت حصن الأكراد في السنة المذكورة محاصراً لحصن الأكراد، وعازماً على قصد طرابلس وهو في جميع عساكره، فاجتمع من الفرنج خلق كثيرة وكبسوهم في النهار والمسلمون في غفلة عنهم، فلم يتمكنوا من الاستعداد لهم وهربوا منهم، ونجا نورُ الدين بنفسه، وهي وقعة مشهورة معروفة، ونزل على بحيرة قَدَس بالقرب من حمص، وبينه وبين الفرنج مقدار أربعة فراسخ، فسيَّر إلى حلب وبقية البلاد وأحضروا الأموال الكثيرة وأنفقها ليقوي جيشَه، ثم يعود إليهم فيستوفي الثأر.





فقال له بعضُ أصحابه: إنَّ في بلادك إدراراتٍ وصدقاتٍ وصلاتٍ كثيرةً على الفقهاء والصوفية والقرّاء، ولو استعنتَ بها في هذا الوقت لكان أصلح.





فغضبَ من ذلك غضبًا شديدًا وقال: إني لا أرجو النصرَ إلا بأولئك، فإنما تُرْزقون وتُنصرون بضعفائكم، كيف أقطعُ صِلات قومٍ يقاتلون عني وأنا نائمٌ على فراشي بسهام لا تخطئ، وأصرفها إِلى مَنْ لا يقاتل عني إلا بسهامٍ قد تصيب وتخطئ؟ وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال فكيف يحل أن أعطيه غيرهم؟».





ومِن وقعاته المظفَّرة وقعة حارم سنة (559هـ)، يقول الصفوري في «نزهة المجالس»:


«إِن الإِفرنج خرجوا على نور الدين، فخرج إليهم فلما اجتمعوا على «تل حارم» انفرد نورُ الدين عن عسكره وصلى ركعتين، وتمرَّغ في التراب وقال: يا رب انصر دينك ولا تمنعهم النصر بسبب محمود، ومن هو محمود الكلب حتى ينصر! [يقول هذا هضمًا لنفسه وتذللًا بين يدي ربه] فاستجاب الله دعاءه ونصره.





وكانت الإِفرنج تقول: لم يُنصر علينا إِلا بالدعاء وقيام الليل».





4- ومثل هذا الإِقبال على الله وحسن الصلة به كان لدى السلطان صلاح الدين الأيوبي (ت: 589هـ).





يحدثنا قاضيه ابن شداد عنه في كتابه «النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية» فيقول:


«وكان - قدَّس الله روحه - حسنَ الظن بالله، كثيرَ الاعتماد عليه، عظيمَ الإِنابة إِليه، ولقد شاهدتُ من آثار ذلك ما أحكيه:


وذلك أنَّ الفرنج - خذلهم الله - كانوا نازلين ببيت نوبة، وهو موضعٌ قريبٌ من القدس الشريف - حرسها الله - بينهما بعض مرحلة، وكان السلطان بالقدس، وقد أقام يزَكًا (اليَزَك: طلائع الجيش) على العدو محيطًا به، وقد سيَّر إليهم الجواسيسَ والمخبرين، فتواصلت الأخبار بقوة عزمهم على الصعود إلى القدس ومحاصرته، وتركيبِ القتال عليه، واشتدَّ خوفُ المسلمين بسبب ذلك، فاستحضر الأمراءَ، وعرَّفهم ما قد دهمَ المسلمين من الشدة، وشاورهم في الإِقامة في القدس، فأتوا بمجاملةٍ باطنُها غير ظاهرها، وأصرَّ الجميعُ أنه لا مصلحة في إِقامته بنفسه، فإِنها مخاطرة بالإِسلام، وذكروا أنهم يقيمون هُم، ويخرج هو -رحمه الله - بطائفةٍ من العسكر يكون حول العدو كما كان الحال بعكّا، ويكون هو ومَنْ معه بصدد منع ميرتهم والتضييق عليهم، ويكونون هم بصدد حفظ البلد والدفع عنه، وانفصل مجلسُ المشورة على ذلك وهو مصرٌّ على أن يقيم هو بنفسه، علمًا منه أنه إنْ لم يقم ما يقيم أحد، فلما انصرف الأمراءُ إلى بيوتهم، جاء مِنْ عندهم مَنْ أخبر أنهم لا يقيمون إلا أن يقيم أخوه الملك العادل أو أحد أولاده، حتى يكون هو الحاكم عليهم والذي يأتمرون بأمره، فعلم أنَّ هذه إشارة منهم إلى عدم الإقامة، وضاق صدره، وتقسم فكره، واشتدت فكرته.





ولقد جلستُ في خدمته في تلك الليلة - وكانت ليلة الجمعة - من أول الليل إلى أن قارب الصبح، وكان الزمان شتاء، وليس معنا ثالث إلا الله تعالى، ونحن نقسم أقساماً، ونرتب على كل قسم بمقتضاه، حتى أخذني الإشفاق عليه والخوف على مزاجه، فإنه كان يغلب عليه اليُبس، فشفعتُ إليه حتى يأخذ مضجعه لعله ينام ساعة، فقال - رحمه الله -: «لعلك جاءك النوم»، ثم نهض.





فما وصلتُ إلى بيتي وأخذتُ لبعض شأني إلا وأذَّن المؤذِّن، وطلع الصبح، وكنت أصلِّي معه الصبح في معظم الأوقات، فدخلتُ عليه وهو يمر الماء على أطرافه، فقال: «ما أخذني النوم أصلًا».





فقلت: «قد علمت».


فقال: «من أين؟».


فقلت: «لأني ما نمتُ، وما بقي وقتٌ للنوم».





ثم شُغلنا بالصلاة، وجلسنا على ما كنا عليه، فقلت له: «قد وقع لي واقع، وأظنه مفيدًا إِن شاء الله تعالى».





فقال: «وما هو؟»


فقلت: «الإخلاد إِلى الله تعالى، والإنابة إليه، والاعتماد في كشف هذه الغمة عليه».


فقال: «وكيف نصنع؟».





فقلت: «اليوم الجمعة، يغتسل المولى عند الرواح، ويصلي على العادة بالأقصى، موضع مسرى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقدِّم المولى التصدق بشيء خفيةً على يد من يثق به، ويصلِّي المولى ركعتين بين الأذان والإقامة ويدعو الله في سجوده فقد ورد فيه حديث صحيح، وتقول في باطنك:


«إلهي قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك، ولم يبقَ إِلا الإخلاد إِليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل»، فإن الله تعالى أكرم مِنْ أنْ يخيِّب قصدك.





ففعل ذلك كله، وصليتُ إِلى جانبه على العادة، وصلى الركعتين بين الأذان والإقامة، ورأيته ساجداً ودموعُهُ تتقاطر على شيبته، ثم على سجادته، ولا أسمعُ ما يقول.





فلم ينقض ذلك اليوم حتى وصلت رقعةٌ من عز الدين جُرْديك -وكان على اليَزَك- يخبر فيها أن الفرنج مختبطون، وقد ركب اليوم عسكرُهم بأسره إلى الصحراء ووقفوا إِلى قائم الظهيرة، ثم عادوا إلى خيامهم.





وفي بكرة السبت جاءت رقعةٌ ثانية تخبر عنهم بمثل ذلك.





ووصل في أثناء النهار جاسوس أخبر أنهم اختلفوا، فذهب الفرنسيسية إلى أنهم لا بد لهم من محاصرة القدس، وذهب الانكتار (الملك ريتشارد ملك إنجلترا) وأتباعه إلى أنه لا يخاطر بدين النصرانية ويرميهم في هذا الجبل مع عدم المياه، فإن السلطان كان قد أفسد جميع ما حول القدس من المياه، وأنهم خرجوا للمشورة، ومن عادتهم أنهم يتشاورون للحرب على ظهر الخيل، وأنهم قد نصوا على عشرة أنفس منهم وحكموهم، فأي شيء أشاروا به لا يخالفونهم.





ولما كانت بكرة الاثنين جاء المبشِّر يخبر أنهم رحلوا عائدين إلى جهة «الرملة».





فهذا ما شاهدتُه من آثار استنابته وإخلاده إلى الله تعالى».





وبعد: فإنَّ الإنسان إذا وُفِّق أتى الأمور مِنْ أبوابها، وطلبَ الحاجات من وجوهها، ولم يضيع وقتَه وجهده وعزمه فيما لا يُجدي، وما أجمل الخبر الذي رواه البيهقي في «شعب الإيمان» أنَّ الأمير عبيدَ الله بن زياد أخذ ابنَ أخي التابعي الجليل صفوان بن محرز (ت: 74هـ) فحبسه في السجن.





قال: فلم يدع صفوان أحدًا من الوجوه إِلا تحمَّل به عليه، فلم ير لحاجته نجاحًا، فبات في مصلاه، فأتاه آتٍ في منامه فقال: قم يا صفوانُ فاطلبْ حاجتك من قِبَل وجهها.





فقام فزعًا فتوضأ ثم صلى ثم دعا، فإذا بابن أخيه يَضرب الباب، فقال: مَنْ هذا؟


فقال: أنا فلان -يعني ابنَ أخيه- .


فقال: وأي هذه الساعة؟





قال: انتبه الأميرُ في جوف الليل فدعا بالنيران والشُّرط، وفُتِحَتْ أبواب السجون ونُودي: أين ابن أخي صفوان بن محرز، أخرجوه، فإني قد مُنِعتُ النومَ منذ الليلة!





ومن الشعر المُستعذب قول الأديب إبراهيم الصولي (ت: 243هـ):




ولرُبَّ نازلةٍ يضيق بها الفتى

ذرعاً وعند الله منها المخرجُ




ضاقت فلما استحكمتْ حلقاتُها

فُرجت وكان يظنُّها لا تُفرجُ









وقولُ بعضِهم:




وإني لأرجو الله والأمرُ ضيِّقٌ

عليّ فما ينفك أنْ يتفرجا




ورُبَّ فتىً سُدَّت عليه وجوهُهُ

أصابَ له في دعوة الله مَخْرجا


















ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 09:20 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات