مع قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}
محمد حسن نور الدين إسماعيل
مع قول الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
سورة التحريم مدنية، وآياتها اثنتا عشرة آية، وبها نداءان للمؤمنين في القرآن الكريم بترتيب المُصحَف الشريف، وتُسمَّى سورة التحريم سورة (النبيِّ).
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومجاهد وقتادَة: ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيتكم، قال ابن العربي - رحمه الله تعالى -: هذا هو الصحيح لما يُعطيه العطف الذي يَقتضي التَّشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى الفعل؛ كقول الشاعر: "علفتُها تبنًا وماءً باردًا"؛ أي: سقيتُها ماءً باردًا.
﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ الوقاية لا تتمُّ إلا بالإيمان وصالح الأعمال بعد اجتناب الشرك والمعاصي، وهذا يتطلب العلم بذلك وتوطين النفس على العمل بما يعلم من ذلك فعلاً لما يفعل، وتركًا لما يترك، فليأخذ العبدُ نفسَه وأهله بهذا نصحًا له ولهم؛ حتى يقي نفسه ويَقي أهله[1].
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسير الآية:
أي: يا مَن مَنَّ الله عليهم بالإيمان، قُوموا بلوازمه وشروطه فَـ: ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله امتثالاً، ونهيَه اجتنابًا، والتوبة عما يُسخِط الله ويُوجِب العذاب، ووقاية الأهل والأولاد بتأديبهم وتعليمهم وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بأمر الله في نفسه وفيمَن تحت ولايته وتصرُّفه، ووصَف الله النار بهذه الأوصاف؛ ليَزجر عباده عن التهاون بأمرِه، فقال: ﴿ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ كما قال: ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 98]، ﴿ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ ﴾؛ أي: غليظة أخلاقهم، شديد انتصارهم، يُفزعون بأصواتهم، ويُزعِجون بمَرآهم، ويُهينون أصحاب النار بقولهم، ويُنفِّذون فيهم أمر الله الذي حتم عليهم بالعذاب، وأوجب عليهم شدة العقاب، ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾، وهذا فيه أيضًا مدح للملائكة الكرام وانقيادهم لأمر الله وطاعتهم له في كل ما أمر به[2].
[1] أيسر التفاسير؛ الجزائري (2 / 1651).
[2] تفسير السعدي - رحمه الله تعالى (ص: 968).
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك