|
07-24-2015, 05:25 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 351,400
|
|
رأيٌ في اللامذهبية .......
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته الأكرمين .
وبعد,
يُعرّف فقهاؤنا المذهب الفقهي بقولهم :
" ما قاله المجتهد عن دليل ومات قائلا به "
وقد عرفت الأمة منذ القرن الأول والثاني أَعلاَمًا ومجتهدين كُثر ,قعّدوا وأصلوا لنا الفقه على سَنن من كان قبلهم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين ,
فبزغت أئمة في مشارق الأرض ومغاربها من أمثال الزهري والشعبي وأبي إدريس الخولاني والقاسم بن محمد وسعيد بن المسيب .. فعم النصر والعزة والفلاح كل أقطار الأمة بحمد الله وفضله , وتواصل الفلاح في الأمة باصطفاء الله جل في علاه أربعة من الأئمة الأعلام , أناروا لنا سبيل الرشاد وقعّدوا لنا قواعد وكليات مبنية على فهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤسسوا بذلك لبنات في صرح بناء متين كان ولازال درعا لنا من الوقوع في الانحلال والتفسخ في جل المجالات العلمية والعملية ..هؤلاء الأئمة هم الإمام أبو حنيفة ,الإمام مالك ,والإمام الشافعي والإمام احمد رضي الله عنهم .
ولم يعد يخفى أن ّ هؤلاء العلماء خاصة ,هم الذين أسسوا مدارس الاستنباط والاجتهاد ووضعوا لبنات الفقه الإسلامي التي لا تزال إشعاعاته تضيء ربوع الأرض في مشارقها ومغاربها .ولا ينكر ذلك إلا جاهل حقود مبتدع .
غير أنه حدث في هذه الأعصارالمُتأخرة أن انفلت زمام العلم وكاد أن يضيع بتصدّر الصغار ساحات الكبار و تقزيم الأغمار للقمم في جميع الاقطار , فولدت لنا أمهات المسلمين غلمانا من رحم المجهول ممسكين بمعول الهدم والتحقير والتقزيم لأولئك الأئمة بقصد وبغير قصد ونفروا الناس عن اتباع من كان على نهجهم ومسلكهم ممن جاء بعدهم فضاع حلم الوحدة وزاد الانشقاق والشقاق .....
وقد كان علماؤنا منذ عهد قريب يبحثون عن طريقة تقلص الهوة بين المدارس الفقهية التقليدية كالتقريب بين مدرسة الحنفية والشافعية والدفاع عن المالكية والذب عن الحنابلة إقتداءا بجهود من تقدم في لم شمل الأمة واقتفاءا لتلك الخطوات الشُجاعة التي سلكها شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه رفع الملام عن الأئمة الأعلام .
بل وحاول الكثير من المخلصين استغلال دراسة وتدريس الفقه المقارن لجمع الأمة على مجتهد ومذهب واحد من تلك المذاهب لتوحيد الكلمة على إمام يقود الأمة إلى بر الأمان ويحميها من شر الفرقة والتشرذم البغيض ..
(وهو مشروع _كما لا يخفى _جد صعب ,ولكنه ليس بالمستحيل مع وجود المجتهدين وإمكان تقاربهم في عصر الانترنات ووسائل التواصل و النقل السريعة ...)
غير أن هذه الجهود باتت في مصاف المستحيل بعد صرخة هذا الرعيل على الانفصام عن ذاك الجيل _مدارس المذاهب_ وبتنا نسمع بصيحات اللامذهبية والإتباع للدليل دون الانتساب إلى إمام ولا عالم مجتهد رشيد .
وانتقلنا من أربعة مذاهب إلى الألف مذهب وألف متبوع ومتبوع ,فهذا أثري يفتي ويتكلم باجتهاده ومذهبه وهذا ظاهري جعل قبلته المحلى واختيارات الشوكاني والصنعاني وحسن صديق خان وهذا صاحب استنباط واختيار فقهي ذاتي بناه على تصحيح لبعض الأحاديث التي لا تتجاوز باب العبادات وووالقائمة تطول وتطول من هذه الفوضى الفقهية التي زادت من التشرذم ووسعت دائرة الفتن بل أصبحت وللأسف سببا مفصليا ومباشرا في استباحة الدماء والغلو في التكفير والتفسيق والتبديع بناء على إختيارات فلان وعلان ممن لم يشمّ رائحة العلم ولم يتربى في حلقات أهل السنة والجماعة ...بل أكاد أجزم أن خروج الخوارج وجماعة القتال والهجرة في الجزائر ومصر لم يكن إلا من تحت عباءة هذا القم السحري :اللامذهبية .
وللرد على هذا الانحدار المُفضي إلى الهلاك العاجل نحاول التبيين والتوضيح لحقيقة المدارس الفقهية فنقول كما قال علماؤنا :
أن الزعم القائل باللامذهبية زعم خال من الواقعية ومبني على فهم مغلوط لمصطلح المذهب الذي انحصر عند الكثيرين في معنى التقليد والتعصب وفقدان الدليل. ذلك أن المذهب كما مر معنا قول المجتهد عن دليل من الكتاب والسنة وبعبارة أخرى : المذهب هو منهجية وطريقة في الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم دون الخروج عن النص وفهم من تقدم .
وعلى هذا يُفهم قول الأئمة ....( إذا صح الحديث؛ فهو مذهبي)
وقولهم :
(لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا؛ ما لم يعلم من أين أخذناه)
وقولهم:
(حرام على مَن لم يعرف دليلي أن يُفتي بكلامي)
وغير ذلك مما اشتهر نقله عن أصحاب المذاهب ..
وبناء علي هذه المقدمة المختصرة , فاننا نجزم أن أصحاب المذاهب لم يخرجوا عن هدي السلف في شيء ولم يأتوا ببدع من القول بل توارثوا منهجا متكاملا عن سلفهم الصالح جعلوه صمام أمان لهذه الأمة والتي إذا ذهب عنها هذا المنهج ,فستعيش لا محالة في اللامنهج أحببنا أم كرهنا ,واللامنهج كما يقول مشائخنا :هو عين الفوضى ...
ثم تعال بنا نجلي لك الصورة ونرفع الستار عن السياق التاريخي للمذهب المالكي_كمثال تقريبي_ ليتضح لك بجلاء أن مذهب الإمام مالك لا يعدُ أن يكون إرثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي ورّثه لأصحابه رضي الله عنهم, والذي ورثه الصحابة بدورهم للتابعين وتابعي التابعين ,وهم أصحاب المدارس الفقهية الأربعة ...ولا يخفاك السلسلة الذهبية بين الامام مالك ورسول الله صلى الله عليه وسلم :مالك عن نافع عن ابن عمر ,كما لا يخفاك أنّ جُل إختيارات الإمام مالك هي إختيارات عمر بن الخطاب وابنيه ومولاه .بل لا يغيب عن بالك أن جُلّ شيوخ مالك من التابعين الذين تفقهوا على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقل مثل ذلك في ابي حنيفة و الشافعي ومن بعدهم الامام أحمد ,وإن لم يزل عنك غباش القبول بأن مذاهب القوم ليست إلا وِراثة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فدونك :الموطأ برواياته والأم والفقه الأكبر والأضغر والمسند ,تمعن في جناتها لتتيقن صلابة وقوة أولئك الأئمة في الانتصار للأمة .
بل إن المتتبع لفقه الصحابة رضي الله عنهم ليلاحظ أن اختلافهم في فهم النصوص بقواعد وكليات وأقيسة والتي قد رجعوا في تأصيلها إلى الكتاب والسنة لم تكن إلا من مشكاة واحدة ودائرة في فلك واحد ,وأن هذه الاختلافات في الفهوم, مع تفرقهم_ رضي الله عنهم _ في الأمصار,مثلت لُبّ المدارس الأثرية المتصلة السند , والتي تبلورت بعدهم مع التابعين, وانتهت بمرحلة الكليات الفقهية والتي قاد الأمام مالك موكبها في المدينة والامام ابو حنيفة في العراق وزادها الامامان الشافعي وأحمد انتشارا في الأمصار
ولم يبق بعدهم إلا مريدون وأتباع يأخذون بأصولهم ويجتهدون في فروعهم .
وعليه فليس المذهب المالكي إلا خلاصة لمدرسة ,ومنهج من مناهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , وكذلك الشافعي والحنبلي والحنفي .بل حتى المذاهب المندثرة كالأوزاعي وابن راهويه وربيعة الرأي .....
جميعها لا تعدو أن تكون إلا مدارس جمعت فهوم الصحابة لا غير ..
ونزيدك إيضاحا فنقول أن أولئك الأئمة قد قاموا بالتتبع لاختيارات الصحابة والتابعين واجتهدوا في تجميع ما أمكنهم من قواعد وكليات ,فبنو عليها مذهبهم وقرروها في كتبهم وفتاويهم , وهي التي نعني بها " أصول الفقه "
هذه الأصول أودعها الشافعي كتابه الرسالة ونثرها مالك في موطئه ونقلها أصحاب أبي حنيفة في الأصل للشيباني ودلل عليها أحمد في مسنده ومسائله ..
فلا يخفاك أنّ هذه الأصول المُقعدة على فهوم الصحابة واختياراتهم هي في خلاصة الأمر هي " المذهب"
والذي يتقزز من الانتساب إليها من يزعم إنتسابه للسلف الصالح .... ..
والمؤسف أنّ كثيرا ممن يخلط في الفهم لمسائل المذهب , يجعل الفروع والأصول في على نسق واحد وكليات لا تتجزأ في العمل والتطبيق ,
ولقد سألنا مشائخنا مرارا عن نسبة هذه الفروع للأصول وهل هي على نسق واحد في الإتباع والتقليد والتطبيق, فنفوا ذلك واستغربوا من هذا الفهم الساذج , وعللوا بأن الفروع ليست إلا لوازم لتلك الأصول , بمعنى أنّ نسبتها إلى المذهب نسبة اللزوم لا غير ...
فطرحنا عليهم إشكالا آخر يوجب الأخذ للمذهب ككل, لكي نجتنب خطر التجزئة والتلفيق ...
فأجابونا بأنّ جعل الفروع كالأصول يُلزمنا بتعدد المذاهب والائمة ,
بمعنى أنه لو كانت الفروع الفقهية هي "المذهب" _دون تمييز في الأخذ والترجيح للمتأهل والمتمكن في باب الفروع _ لكان ابن وهب وابن القاسم وابن العربي وابن عبد البر والقاضي عياض
... أصحاب مذاهب ومدارس لأنهم خالفوا الإمام مالك في كثير من الفروع و كذلك الحال مع صاحبي أبي حنيفة, وشيخ الإسلام وابن القيم والمزني والنووي وابن حجروغيرهم كثير, .فابن العربي على مخالفته وأجتهاداته المخالفة للإمام بقي مالكيا وشيخ الإسلام بقي حنبليا وابن حجر بقي شافعيا و الملا علي القاري بقي حنفيا في حياتهم وبعد مماتهم فتنبه............
فهؤلاء تلاميذ أولئك الأئمة,لم يتفلسفوا تفلسف المتأخرين في الإنفصام عن الأئمة المجتهدين بل اشتغلوا بأصول أئمتهم وكتبوها وشرحوها وافتخروا بالانتساب إلى تلك المدارس ولازل منه بقية على منهجهم وهديهم
,وأنت كما بينت لك باتباعك لهم لست إلا متبعا لأصول الصحابة رضي الله عنهم , والتي خدمها أولئك الإعلام رضي الله عنهم وأرضاهم.فلم يخرجوا عن وصية نبيهم صلى الله عليه وسلم :عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ فوجب علينا كذلك الإمنثال والإتباع لا الانفصام والمفاصلة كما يُنظّر له أهل الظاهرية المعاصرة .
ولعلّ المتأمل في الكتب والمباحث المختصة في دراسة المذاهب الفقهية
يلاحظ قاعدة عامة :
وهي أن المذهب في حقيقته هو: " الأصول والقواعد التي قعدها الإمام وأن الفروع تابعة لتلك الأصول"
ليصل إلى
نتيجة منطقية ألا وهي :
" أن الخلاف في الفروع لا يخرج الإنسان أبدا عن مذهبه "
الخلاصة :
إنّ من يأتيك بفهم ومذهب خارج عن هذه المذاهب بعد تقريرنا أن المذهب هو طريقة ومنهجية في الفهم
...فانه سيأتيك باجتهاده الخاص والقاصر قطعا عن من سلف وهو في الحقيقة لم يأتيك بذات الدليل وعين النص وإنما أتاك بفهمه للنص فتنبه ولا يلتبس عليك زخرفة الكلام وبهرجته ,فكل حكم كما لا يخفي من النقل لا بد أن يمر على قنطرة العقل قطعا ,والعقول متفاوتة ويعتريها الضعف والنقص والوهم وهو كثير في المتأخرين قليل في المتقدمين لرقة الدين وكثرة الفتن وغياب الورع والزهد الذي تجلى في أولئك الذين أدركوا القرن الثالث... ذاك القرن الذي شهد لهم رسولنا صلى الله عليه وسلم بأنه من القرون المفضلة .
فكيف نستبدل الذي هو أدني بالذي هو خير يا أولي الألباب .؟
.وللتبسيط هذه النكتة العقلية نقول
: أنت لما تتوضأ الوضوء المذكور في السنة ,ففعلك للوضوء ليس عين الوضوء بتمامه وكماله كما جاء به النص لأن الفعل انتقل من المطلق والكمال_وهو النص_ إلى التجربة النسبية والأفعال البشرية و التي يعتريها الخطأ والنسيان والجهل كما لا يخفى .
فإذا كان هذا في العمل فما بالك في الفهم والاستنباط ؟
وإذا كنا أنا وأنت نجزم قطعا بالقصور في مثل هذه الأمور العملية البسيطة ,
فماذا نقول فيمن يتكلم في أمور الدماء والتكفير والتفسيق والتبديع ,والتي أضحت للأسف ألعوبة ,يتكلم فيها كل من هب ودب من صغار القوم وسفهائهم ,
والغريب أنك لما تتنزل مع أولئك و تطالبهم بالأصول والتقعيد وهل لك سلف فيما تقول ,جنحوا إلى التستر باللامذهبية و" إذا صح الحديث فهو مذهبي " والتفرد بالرأي, وهو عين الجهل كما لا يخفى لأنه خروج عن كليات السلف والأئمة التي أضاعها الصغار بحجج الاجتهاد والتمسح بالظاهرية المطلقة التي ورثوها من أحداث مثلهم ....والسلسلة تطول وتطول ....
وللفائدة:
فإن كلام الإمام الشافعي :إذا صح الحديث فهو مذهبي لم يخاطب به العوام والصغار وإنما خاطب به المزني والشافعي وابن حنبل ومن في مرتبتهم ....فإن كنت أنت في مرتبتهم فلا تثريب عليك وإلا فأنت من جماعة
" المتشبع بما لم يعط كلابس ثوب زور "
لعل المقصد قد وضح لإخواننا الذين لازالوا يعيبون علينا تمسكنا بالمذهب المالكي وإنكارنا المتواصل لمن يزعم الخروج عن المذاهب..
ذلك أننا قد ابتلينا في تونس بكثير من المناوئين للمذهب المالكي خاصة ,ولازالوا يتدثرون بأقوال أئمة السلف يذكرونها من وجوب إتباع الدليل والقول الأرجح وإذا صح الحديث فهو مذهبي وهو كلام حق لا ينكره إلا جاهل, ولكنه جُعل كتعليق اللآلئ في عنق الخنزير حيث تلقفه الأحداث والصغار وبنوا عليه الفجور والاستكبار , وأصبح كل من هب ودب يتكلم في المسائل العلمية و العملية وهو مازال لا يفرق بين فرائض الصلاة وسننها ومستحباتها , بل إتخذ ذلك مطية في تكفير الأعيان والطوائف و استباحة دم المعصومين
وتمخض "الجبل" عن مصطلح جديد اسمه" إستحباب التمرد والثورة على المدارس والفقهاء" , وتطور الأمر أكثر من ذلك ,فتصدر أهل الأهواء ليكتبوا لنا ويبحثوا عن أدلة يرقعون بها كل شهوة في نفوسهم يحسبونها حقا وما هي إلا نبتة فاسدة وحبل من حبال الشيطان اللعين الذي حذرنا منه المصطفى الأمين فقال "ولكن في التحريش بينكم "
.فظهرت المقالات والردود والطعون الغير منضبطة عند القوم بأصل وقاعدة لمتقدم ولا متأخر , بله علوم الآلة, فحدث ولا حرج ...
ودخلنا أخيرا في مرحلة الفقه البهلواني " لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ,فهانت المرجعيات والكبار في أعين القوم وتفتقت قرائحهم عن بذاءة وسوء أدب لا مثيل له ...
فاليوم أنت شيخهم وغدا أنت عدوهم إن خالفتهم وأرجعتهم إلى كلام العلماء بل والفاجعة اكبر من ذلك ولكن .....
العاقل تكفيه الإشارة.... والأحمق لا تنفع معه العبارة .
والله اعلم.
6 شوال 1436 هجري
22 جويلية ميلادي 2015
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|
|
|