المخالِعَة وما يشترط فيها
د. سامح عبدالسلام محمد
• المُخالِعة هي الزَّوجة التي يقع عليها الخُلْع، وإذا كان الفقهاء قد اشترطوا في الزَّوج المُخالِع أن يكون مكلَّفًا؛ أي: بالغًا عاقلاً، وأن يكون مختارًا؛ أي: غيرَ مُكرَه على المُخالَعة، قاصدًا إليها عن وعيٍ ورغبة، فهل تُطلَب ذات الشروط في الزَّوجة المُخالِعة؟ وهل توجد شروط أخرى تُطلَب في الزَّوجة المُخالِعة ولا تطلب في الزَّوج؛ نظرًا لطبيعة المرأة والأحكام الخاصة بها؟
نتناول الإجابة على هذه التساؤلات في هذا المبحث من خلال الآتي:
الأول: سلامة إرادة الزَّوجة وأهليتها للتصرف.
الثاني: كون الزَّوجة محلاًّ للخُلْع.
الثالث: كون الخُلْع في طُهر لم يمسَسْها الزَّوج فيه.
سلامة إرادة الزَّوجة:
• سبقت الإشارة إلى ما اشترطه الفقهاء في الزَّوج المُخالِع من أن يكون مكلَّفًا؛ أي: بالغًا عاقلاً، وأن يكون مختارًا؛ أي: غيرَ مُكرَهٍ على المُخالَعة، قاصدًا إليها عن وعيٍ ورغبة دون إكراه، وهي بذاتها الشروط التي تُطلَب في المرأة المُخالِعة، من حيث سلامة إرادتها، وأهليَّتها للتصرُّف.
وعلى هذا، فيَسْري في حق الزَّوجة ذاتُ الأحكام التي قدَّمناها في شأن الهزل والغضب والسُّكْر، ويتبقى - مما يتعلق بسلامة إرادة الزَّوجة - بعضُ عناصر بحاجة إلى بحث؛ نظرًا لاختلاف حُكم المرأة عن الرجل فيها، وهي:
الفرع الأول: حرمة الإساءة إلى الزَّوجة لتختلع.
الفرع الثاني: خلع المريضة مرض الموت.
الفرع الثالث: خلع الولي عن الزَّوجة.
حرمة الإساءة إلى الزَّوجة لتختلع:
• يحرُمُ على الزَّوج أن يؤذي زوجته بأن يَمنعها من حقوقها، أو يُلحِق بها ضررًا في نفسها أو مالها بأي وسيلة من وسائل الإكراه حتى تضجَرَ وتختلعَ نفسَها.
ومن يفعل ذلك فهو آثِم، كما قرر العلماء، ولكن هل يصح الخُلْع في هذه الحالة أم يقع باطلاً لا أثر له؟ أم ينقلب طلاقًا وتسترد الزَّوجة ما دفعته فضلاً عن حقوقها المالية التي تترتب على الطلاق؟
اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين، وذلك على النحو الآتي بيانه:
الرأي الأول:
• ويرى أن الخُلْع في هذه الحالة باطلٌ، والعِوَض مردود، وهو قول ابنِ عباس ومجاهد والنَّخَعي والزُّهري وغيرهم، وبه جاء الرأيُ عن مالك والثوري وقتادة والشافعي والحنابلة.
ونص الحنابلةُ على ذلك بقولهم: (ولأنه عِوَض أُكْرِهْنَ على بذْله بغير حق، فلم يستحقَّ، كالثمن في البيع، والأجرة في الإجارة، والخُلْع هنا يبطل ويصبح طلاقًا رجعيًّا؛ لأن الرَّجعة إنما سقطت لأجل مِلكية المال، فإذا لم يملك المال كان له الرجعةُ)[1].
وهو ما اشترطه المالكية بأن يكون الخُلْع اختيارًا من الزَّوجة دون إكراه ولا ضرر، وإلا وقَع طلاقًا لا خُلْعًا[2].
• وقد استدل أصحابُ هذا الرأي بالآيات التالية:
1) قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229].
2) قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ [النساء: 19].
3) قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 20].
فهذه الآيات تدلُّ على منع الزَّوج من أن يأخذَ من زوجته شيئًا مما آتاها، إلا إذا توافَر موجِبُ الخُلْع، أو أتتِ الزَّوجةُ بفاحشة مبينة، فيجوز عندئذٍ، كما سبق نقلُه عن ابن سيرين وأبي قلابةَ[3].
الرأي الثاني:
• ويرى أن الخُلْع صحيح، والعِوَض لا يرد، مع إثم الزَّوج دِيانةً، وبهذا الرأي قال الحنفيةُ[4].
وحجَّة هذا الرأي أن الزَّوج أسقط ملكه عنها بعِوَض رضِيَت به، وهو من أهل الإسقاط، أما المرأة، فهي من أهل المعاوَضة والرِّضا، فيصحُّ الخُلْع ويلزَمُ العِوَض.
ولعل الراجح:
• هو ما جاء به أصحاب الرأي الأول، الذي يقول ببطلان الخُلْع، مع وقوع الطَّلاق الرَّجعي، واسترداد الزَّوجة للعِوَض؛ وذلك لقوة أدلة هذا الرأي، وحتى لا يجتمع على المرأة فِراقُ الزَّوج والغرامة المالية، في حين أنها لم تطلُبِ الخُلْع إلا لتوقِّي الضرر الواقع عليها من الزَّوج، أما الزَّوج، فكان الأَولى به أن يُسرِّح بإحسان، ما دام هو الراغبَ في الفُرقة وبيده الطلاق.
• ونرى أن ما لا يجوز دِيانة لا يجوزُ قضاءً، فلا أصل لهذه التفرقة، وينبغي أن يكون ما هو محظورٌ في الديانة محظورًا أيضًا في أحكام القضاء؛ لأن الشأنَ في القضاء الإسلامي أن يطبِّق أحكام الدِّيانة، فيقرِّر ما هو حلال ويحكُم به، ويُبطِل ما هو حرام ولا يحكُم به[5]، والله تعالى أعلم.
[1] المغني؛ لابن قدامة ج7 ص248, والمرجع هنا في رأي الشافعية هو المجموع شرح المهذَّب ج17 ص6.
[2] بداية المجتهد ج2 ص68.
[3] المغني؛ لابن قدامة ج6 ص 174.
[4] بدائع الصنائع ج4 ص190.
[5] المفصل في أحكام الأسرة وبيت المسلم؛ د/ عبدالكريم زيدان ج8 ص194.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك