السترة في الصلاة وما يسن فيها
الشيخ عبدالله بن حمود الفريح
للصلاة عِدَّة سُنَن، يَحسُن بالمصلِّي أن يحرص عليها، فمن ازداد عملاً ازداد أجراً، وفضلاً وقرباً، وبمثل هذه السُّنَن تكون المفارقة بين شخصين يدخلان الصلاة في وقت واحد، ويخرجان في وقت واحد، لكن ما بينهما في الأجر والثواب فرق شاسع؛ لأن أحدهما يأتي بالسُّنن مع الأركان والواجبات، والآخر اكتفى بالأركان والواجبات.
وللصلاة سُنَن عديدة، نذكر منها ما يلي:
• السترة، ويُسَنُّ فيها ما يلي:
1) يُسَنُّ اتخاذ السترة.
والسترة سُنَّة للإمام والمنفرد، وأمَّا المأموم فسترة الإمام سترة له، ويدل على سنية اتخاذ السترة حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً، وفيه: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شيءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ...»[1]، والأحاديث في سنيَّة السترة كثيرة فقد استتر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالسرير، والجدار، والجذع، والخشبة، والحربة، والعَنَزَة، والراحلة، وغير ذلك.
والسترة مشروعة في العمران والفضاء، في الحضر والسَّفَر، سواءً خشي ماراً أولم يخشَ؛ لأن الأحاديث لم تفرِّق بين العمران والفضاء، ولأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يستتر في حضره وسفره، كما في حديث أبي جحيفة رضي الله عنه [2].
2) ويُسنُّ الدنو من السترة.
وإذا دنى من السترة، فإن السُّنَّة أن يكون بين موضع سجوده وبين السُّترة قدر ممر الشَّاة.
لحديث سهل بن سعد السَّاعدي رضي الله عنه قال: «كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ»[3]، والمقصود بالمُصلَّى هو: موضع سجوده صلى الله عليه وسلم وجاء عند أحمد، وأبي داود أنَّ بينه وبين السترة ثلاثة أذرع[4]، وهذا باعتبار إذا وقف يكون بينهما كذلك.
3) يُسَنُّ ردُّ المارّ بين يدي المصلِّي.
لحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شيءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أحد أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شيطَانٌ»[5].
وحديث عبداللّه بن عمر رضي الله عنه أَنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلاَ يَدَعْ أَحَداً يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ»[6].
• وأمَّا إذا كان المارّ بين يدي المصلِّي امرأة، أو كلباً أسودَ، أو حماراً فإنه يجب دفعه على الصحيح؛ لأنها تقطع الصلاة كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه عند مسلم[7]، بخلاف غيرها فإنه لا يقطع الصلاة.
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: «ويُحتمل أن يقال: يفرق بين المار الذي يقطع الصلاة مروره، والمارّ الذي لا يقطع الصلاة مروره، فالذي يقطع الصلاة يجب ردّه، والذي لا يقطع الصلاة مروره لا يجب ردّه؛ لأن غاية ما يحصل منه أن تنقص الصلاة ولا تبطل، بخلاف الذي يقطع الصلاة مروره، فإنه سوف يبطل صلاتك ويفسدها عليك»[8].
وليس لقرن المرأة مع الكلب الأسود، والحمار علَّة جامعة بينهم على الصحيح وإنما لكل واحدة عِلَّة، ففي المرأة فتنة وانشغال لقلب المصلِّي، ولغيرها النجاسة، وكونه شـيطان كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شـيطَانٌ»[9].
وقيل غير ذلك -والله أعلم-، ولله تعالى حِكمة تخفى على العبيد، وعلى العبيد الانقياد، والتسليم.
4) يُسَنّ التسوك عند كل صلاة.
وهذا هو الموضع الثالث من المواضع التي يتأكَّد معها السِّواك.
ويدلّ عليه: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ»[10].
مستلة من كتاب: المنح العلية في بيان السنن اليومية
[1] رواه البخاري برقم (509)، ومسلم برقم (505).
[2] رواه البخاري برقم (501)، ومسلم برقم (503).
[3] رواه البخاري برقم (496)، ومسلم برقم (508).
[4] رواه أحمد برقم (6231)، وأبو داود برقم (2024)، وصححه الألباني (صحيح أبي داود 6 /263) وأصله في البخاري برقم (506).
[5] رواه مسلم برقم (505).
[6] رواه مسلم برقم (506).
[7] رواه مسلم برقم (510).
[8] الممتع (3 /245).
[9] رواه مسلم برقم (510).
[10] رواه البخاري برقم (887).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك