مسجدنا الأقصى
نجلاء جبروني
مَسْرى نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ومِنه مِعْراجُه إلى السماء.
أولى القبلتين وثاني المسجدين.
عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرضِ أوَّلُ؟ قال: المسجدُ الحرامُ. قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: المسجدُ الأقصى. قلتُ: كم بينهما؟ قال أربعون سنةً[1].
إنه ميراثُ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ بَنَاهُ آدمُ عليه السلام وعمَّرَه إبراهيمُ عليه السلام ثم إسحاق ويعقوب عليهما السلام من بعده وجدَّد بِناءَه وهيَّئَهُ للعبادة سليمانُ عليه السلام، وعاش في أكنافه داود وزكريَّا ويحي وعيسى عليهم السلام.
والمسلمون هم ورثة جميعِ الأنبياء، يستوي في ذلك أنبياء بني إسرائيل وغيرهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ»[2].
وقال-صلى الله عليه وسلم-: «أنا أولى الناس بعيسى بنِ مريمَ في الدنيا والآخرة، والأنبياء أخوة لعَلَّاتٍ. أمهاتُهم شتى، ودينُهم واحدٌ»[3].
والمعنى: أن دينَهم واحدٌ وشرائعَهم مختلفة، كما ينتسب الأخوةُ من أمهاتٍ مُختلفاتٍ لأبٍ واحدٍ.
فجميعُ الأنبياءِ والرسلِ دينُهم الإسلام؛ دينُ الله -عز وجل-؛ توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19].
فنوحٌ-عليه السلام-يقول لقومه: ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 72].
وإبراهيم وإسماعيل –عليهما السلام-يقولان في دعائهما: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ﴾ [البقرة: 128].
ويعقوب -عليه السلام- يوصِي أبناءَه قائلاً: ﴿ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132].
وأبناء يعقوب -عليه السلام- يجيبون أباهم: ﴿ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133].
ويوسف – عليه السلام - يقول: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101].
وموسى– عليه السلام - يقول لقومه: ﴿ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 84].
والحواريون يقولون لعيسى–عليه السلام-: ﴿ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 52].
وسليمان – عليه السلام - يقول في رسالته لسبأ: ﴿ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِين ﴾ [النمل: 30].
فالدين عند الله هو الإسلام؛ وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.
والله – عز وجل - قد بعث محمدًا – صلى الله عليه وسلم - بأتمِّ الإسلام وأكملِه، بعثَه بالتوحيدِ وبالبراءةِ من الشرك، وبشريعةٍ كاملةٍ صالحةٍ لكلِّ زمانٍ ومكان، شاملةٍ لكل شئون الحياة، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المادة: 3].
وقد جمع الله ببيت المقدس جميعَ الأنبياءِ والرسل مِن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وصلى بهم نبيُّنا إمامًا ليَعْلَمَ الناسُ أنَّه المقدَّم والإمام المعظم، وأنه الوريث وأمَّته من بعده لهؤلاء الأنبياء.
إن الوراثةَ الحقيقية لجميعِ الأنبياءِ والرسلِ مبْنِيَّةٌ على العقيدة والإيمان لا على القومية أو الأنساب.
ولهذا استحق بنوا إسرائيل الأرضَ المقدسة في زمن موسى- عليه السلام - لمَّا كانوا على الإسلام والإيمان، لكنهم لمَّا بدَّلوا دينَهم وكفروا برسلِهم وقتلوا أنبياءَهم وحرَّفوا كتاب ربِّهم؛ ما عاد لهم حقٌ في المسجد الأقصى، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].
جعلَ اللهُ وراثةَ الأرضِ لعبادِهِ المؤمنين الموحِّدين، ولهذا أورثَ اللهُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين معه أراضي يهودِ المدينة وديارهم، قال تعالى: ﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ [الأحزاب: 27].
ولهذا أيضًا خرج الصحابةُ - رضي الله عنهم - فاتحين لمشارقِ الأرضِ ومغاربِها ولم يكونوا قبل ذلك مالكين لشيء منها.
فالأرض كلها مآلها لأهل الإسلام، وسيحصل هذا في آخر الزمان عندما ينزل عيسى - عليه الصلاة والسلام -ويحكم الأرض كلها بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويؤمن من تبقى من أهل الكتاب، قال تعالى: ﴿ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 159].
وقال صلى الله عليه وسلم: «واللهِ! ليَنزِلَنَّ ابنُ مريمَ حَكَمًا عادلًا. فلَيَكسِرَنَّ الصليبَ. ولَيَقتُلَنَّ الخِنزيرَ. ولَيَضَعَنَّ الجِزيَةَ»[4].
قال صلى الله عليه وسلم: « إنَّ اللهَ زوَى لي الأرضَ فرأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها فإنَّ أُمَّتي سيبلُغُ مُلْكُها ما زوَى لي منها »[5].
إنَّ المسجدَ الأقصى مسجدُنا ولن ننساه ولن نتنازل عنه، هذه عقيدتُنا، هذه قضيَّتُنا ليست قضية فلسطين ولا قضية العرب ولا قضية الشرق الأوسط، إنَّها قضيةُ كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ على وجه الأرض.
هل سيعود لنا المسجد الأقصى الذي بَشَّرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بفتحه قبل أن يُفتح فَقَال: « اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ »، ثم ذكر منها: « فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ »[6]؟
(نعلم أن المسجد الأقصى سيعود لأننا نؤمن بخبر الصادق المصدوق، فلقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بأن الخلافة الإسلامية التي على منهاج النبوة ستعود للمسلمين وأن عودتها ستكون مِن بيت المقدس وأكنافه.
سيعود بعد ملحمة مع اليهود، ينطق فيها الحجر والشجر وينادي: «يا مُسلِمُ، هذا يَهوديٌّ ورائي، فاقْتُلْه»[7].
وأخبرنا بأن دين الله سيعم الأرض أو أكثرها، وليس بيت المقدس فحسب، فقال صلى الله عليه وسلم: « ليبلغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهارُ ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله اللهُ هذا الدينَ بعزِّ عزيزٍ أو بذلِّ ذليلٍ عزًّا يعزُّ اللهُ به الإسلامَ وأهلَه وذلًّا يذلُّ اللهُ به الكفرَ »[8].
ولكن متى سيكون ذلك؟
الجواب: متى عُدْنَا إلى أسبابِ عزِّنا ومجدِنَا؛ عادَ لنَا بيتُ المقدس.
فلقد تركنا أسبابَ العزِّ والنصرِ وانحرفنا عن طريق التمكين، فضللنا السبيل؟
وما هو طريق النصر والتمكين يا تُرى؟
أجاب عمر بن الخطاب عن هذا لسؤال يوم فتح بيت المقدس؛ فقال: « إنَّا كنَّا أذلَّ قوم، فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العِزَّة بغير ما أعزَّنا الله به أذلَّنا الله »[9].
هذا هو السبب الحقيقي للنصر؛ التمسك بالإسلام، واتِّباع كتاب الله وسنَّة نبيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-عمليًّا وواقعيًّا، وليس بالكلام ولا بالادعاءات، فلنتبع الكتاب والسُّنة بفهم سلفِ الأمَّة وعلى طريقة الصحابة -رضي الله عنهم-الذين نصرهم الله، ومكَّن لهم في الأرض[10].
لن يعودَ إلينا المسجدُ الأقصى حتى نرفعَ لواءَ الشريعةِ فوقَ رؤوسِنا وندوسَ بأقدامِنَا كلَّ المناهج التي تخالف منهج الله -عز وجل-" الليبرالية، والعلمانية، والاشتراكية، والرأسمالية والقومية والديمقراطية " وغيرها من مناهج المحتل.
الليبرالية التي تعني الحرية المطلقة دون قيدٍ من دينٍ أو شرع، وشعارُها: " أنتَ حر ما لم تضر"، افعل ما تشاء ما لم تتعدَّ على حريَّات الآخرين!
وتحت هذا الشعار رأينا حرية الكفر والإلحاد تحت مسمى الفكر والإبداع، وحرية الفسق والخلاعة تحت مسمى حرية المرأة، رأينا حرية خلع الحجاب، رأينا حرية الاختلاط في العمل والمواصلات والمدارس والجامعات وداخل البيوت والأسر، رأينا حرية العلاقات بين الشباب والبنات ونشر الفواحش والمنكرات والكلام عن الحب والغرام في المسلسلات والأفلام تحت مسمى حرية الفن والإمتاع.
الليبرالية والعلمانية صناعة غربية، نادى بها الغرب نتيجة لاستبداد الكنيسة وسيطرتها على الحياة في أوربا في القرن السادس عشر، الكنيسة كانت تستولي على أموال الناس وتبيع لهم صكوك الغفران، وتحارب العلم وتقتل العلماء، تحلِّل وتحرِّم كما تشاء، الكنيسة هي من تعيِّن الحاكم الذي يحكم -كما يدَّعون- بأمر السماء (نظرية الحق الإلهي) وعلى الشعب السمع والطاعة العمياء.
ثار الناس على هذا الظلم والطغيان، نادَوْا بالتحرر من سلطان الكنيسة ونبذوا الدين، نادَوْا بالعلمانية التي تعني فصل الدين عن الحياة، أن يكون الدين مجرد شعائر، أن يكون معزولا داخل جدران الكنائس والمعابد.
هل نحن المسلمون نحتاج ذلك وعندنا الإسلام؟
هم نبذوا دينَهم بعد ما حرَّفوه أما نحنُ فدينُنَا دينُ الحقِّ و العدل ، دين الله الذي ارتضاه لعباده ، توحيد الله –عز و جل و إفراده بالعبادة و اتِّباع رسوله -صلى الله عليه و سلم- ليس فيه ظلمٌ ولا استبداد ولا اضطهاد ولا محاربة للعلم ولا تناقض مع العقل المهتدي بنور الشرع ، فالحاكم والمحكوم كلاهما له حقوق وعليه واجبات، وروي أن رجلا قال لعمر بن الخطاب : اتق الله يا عمر، فقال له رجل من القوم: أتقول لأمير المؤمنين اتق الله، فقال له عمر-رضي الله عنه- : دعه فلْيَقُلْهَا لي، نِعْمَ ما قال، ثم قال عمر :" لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم"، هذا هو الإسلام؛ دينُ العدل والمساواة، دينٌ صالحٌ لكلِّ زمانٍ و مكان ، شاملٌ لكلِّ أمورِ الحياة ، إنَّه الصراط المستقيم و الروح الحقيقية و النور الهادي، قال تعالى: ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].
هذا هو مصدر عزَّتِنا وقوَّتِنا الذي لابد أن نعرفَه جيدًا.
﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [آل عمران: 83].
لن يعودَ المسجدَ الأقصى حتى نعودَ إلى دِينِنَا، حتى نطهِّرَ قلوبَنا من رجسِ الشهواتِ والشُبُهات، حتى نصحِّحَ عقائدَنَا ونصلحَ عبادتَنا ونحسِّن أخلاقنا ونطهِّرَ قلوبَنَا من الرياء والغلِّ والحسد، حتى نقدِّمَ أمر الله على كل أحد، حتى نبذل لهذا الدين، حتى نعرفَ لله حقَّه ونوقِنَ بوعدِه، قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55].
واجبنا نحو الأقصى![11]!:
هل القضية تكون بتفريغ شحنة الغضب بحرق العلم الإسرائيلي أو بهتافاتٍ وشعاراتٍ رنانة، أو مظاهرات ووقفات احتجاجية، أو استنكارات وشجب وتنديد وبيانات، أو المطالبة بطرد السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية مع العدو الصهيوني والأمريكي أو في المقاطعة الاقتصادية للمنتجات اليهودية والأمريكية، وعدم التطبيع معهم وفقط؟! هل هذا كافيًا أم أن هناك واجبًا أعظم نحو مقدساتنا وثوابتنا الدينية في وسع كل فردٍ مِن أفراد أمتنا الإسلامية؟
ومن هذه الواجبات التي في استطاعتنا:
1- إحياء القضية، ومكانة القدس والأقصى في نفوس أبنائنا وشبابنا والأجيال القادمة؛ حتى لا تُنسى، وأن نفهمها على وفق شرع الله؛ أن الصراع بيننا وبين اليهود صراع دين وعقيدة وأن دفاعنا عن الأقصى ليس لأجل الأرض أو العروبة وإنما هو لإعلاء كلمة الله في الأرض.
2- الاهتمام بأمر المسلمين والتألم لآلامهم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى »[12].
3- الدعاء: قال الله عز وجل: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر:60]، ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ [البقرة:186]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ»[13]، فالله هو القوي القدير العزيز الذي لا يعجزه شيء.
4- التوكل على الله والافتقار والذل، والانكسار له والتضرع، وطلب العز منه، وليس مِن الشرق أو الغرب: قال الله عز وجل: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8]، وقال: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23].
5- الطاعة والصلاة والإخلاص: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّما يَنْصُرُ اللهُ هذه الأُمَّةَ بِضَعِيفِها؛ بِدَعْوَتِهمْ وصلاتِهِمْ وإِخْلاصِهِمْ»[14]، وقال عمر بن الخطاب t : "إننا ننتصر على عدونا بطاعتنا لله ومعصية عدونا له، فإذا استوينا في المعصية كانت لعدونا الغلبة بالعدد والعدة"، وقال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].
6- بث روح الأمل والرجاء والثقة في أن المستقبل للإسلام واليقين في وعد الله وعدم اليأس والإحباط ودفع روح الهزيمة النفسية: قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر:51]. وقال تعالى: ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص:83].
7- إحياء روح الجهاد: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذلاًّ لاَ ينزعُهُ حتَّى ترجعوا إلى دينِكُم»[15]، وقال صلى الله عليه وسلم: « مَن ماتَ ولَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ به نَفْسَهُ، ماتَ علَى شُعْبَةٍ مِن نِفاقٍ »[16].
8- مجاهدة النفس قبْل مجاهدة العدو، فمن خان حيَّ على الصلاة، خان حيَّ على الكفاح، خان حي على الجهاد: قال الله عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69]، وقال صلى الله عليه وسلم: « وأفضلُ المهاجرين من هجر ما نهى اللهُ تعالى عنه، وأفضلُ الجهادِ من جاهد نفسَه في ذاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ »[17]، هل نزعت من قلبك شهوات النفس وأهوائها وجاهدتها أولاً حتى تستطيع أن تجاهد أعداء الله في الخارج، وأخرجت من قلبك حب الدنيا وملذاتها وكراهية الموت في سبيل الله.
وكما قيل: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم وفي بيوتكم، تقم على أرضكم".
9- ترك الذنوب والمعاصي: فما نزل بلاء إلا بذنبٍ، وما رفع إلاّ بتوبة، قال الله -تعالى-: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]، ألا نستحيي مِن أنفسنا على ما يحدث في مجتمعنا مِن إدمان الخمر والمخدرات، والتدخين والشيشة، وسماع الموسيقى ومشاهده القنوات الإباحية، وتضييع الصلوات ومعاكسة الفتيات، والرقص والمجون... ثم نقول أين النصر؟! ونتساءل؛ لماذا يحدث للمسلمين كل ما يحدث في كل مكان؟ دماء تسفك، وبلاد تحتل، وبيوت تهدم، وأمان يضيع ؟!
10- إحياء قضية الولاء والبراء، والحب والبغض على أساس العقيدة والدين، وليس الأرض والتراب: قال الله -تعالى-: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة:120]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ﴾ [المائدة: 51].
وأخيرًا لابد لنا جميعًا من الدعوة إلى الله والعمل للدين، وحمل همّ الإسلام، والبذل والتضحية بالنفس، والمال، والوقت، وترك الانشغال بالدنيا والشهوات.
إن قضية العمل للدين، والبذل في سبيل الله، وعودة الخلافة، وعودة هذه الأمة لقيادة الدنيا بدين الله عز وجل، وتعبيد الناس لرب الناس عز وجل ؛ ليست مسئولية شخص بعينه، وإنما مسئولية كل مسلم على حسب طاقاته وقدرته.
في الختام يبشِّرُنَا نبيُّنَا صلى الله عليه وسلم بنصرِ الله ووعدِه، وبأن القدس -بإذن الله- سوف تكون مقبرةً لليهود، وحينها يؤذن لفجر الإسلام أن يعود، كما قال الصادق المصدوق: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيُّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ»[18].
فاللهم طهِّر الأقصى مِن دنسِ اليهود، واجمعْ كلمةَ المسلمين، ووحِّد صفهم، وانصرهم على عدوِّكَ وعدوِّهِم.
اللهم أقر أعينّنَا بنصرةِ دينِك وكتابِك وعبادِك المؤمنين، واحفظ مسجدَنَا الأقصى يا ربَّ العالمين.
[1]صحيح البخاري (3366)، صحيح مسلم (520)، صحيح ابن حبان (6228).
[2]صحيح البخاري (3397).
[3]صحيح البخاري (3443)، صحيح مسلم (2365).
[4]صحيح مسلم (155)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[5]صحيح ابن حبان (7238)، من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[6]صحيح البخاري (3176) من حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه.
[7]رواه البخاري (3593)، ومسلم (2921) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
[8]مجمع الزوائد (6/ 17)، رجاله رجال الصحيح.
[9]رواه الحاكم (1/ 130)، وصحَّحه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصَّحيحة)) (1/ 117) على شرط الشيخين.
[10]هل يعود بيت المقدس للمسلمين، الشيخ سعيد محمود، بوابة الفتح الإلكترونية، (بتصرف).
[11]واجبنا نحو الأقصى، د. أحمد حمدي، بوابة الفتح الإلكترونية، بتصرف وبعض إضافات.
[12]صحيح مسلم (2586).
[13]أخرجه أبو داود (1479)، والترمذي (2969)، وابن ماجة (3828)، وصححه الألباني.
[14]صحيح الجامع (2388).
[15] أخرجه أبو داود (3462)، والبزار (5887)، والطبراني في مسند الشاميين (2417)، وصححه الألباني.
[16]صحيح مسلم (1910).
[17]صحيح الجامع (1129).
[18]صحيح مسلم (2922).