الولاء والبراء
إيهاب عبد الجليل عباس
- تعريف الولاء والبراء:
الولاء لغة: قال ابن فارس: الواو واللام والياء: أصل صحيح، يدل على القرب، من ذلك الولي: القريب، والباب كله راجع إلى القرب. وقال ابن منظور: "والموالاة: ضد المعاداة، والولِيُّ: ضد العدو...والوَلْيُ: القرب والدنو""مقاييس اللغة"، لابن فارس (6/ 141)
- والولاء شرعًا: هو النصرة والمحبة والاحترام ظاهرًا وباطنًا.
- والبراء لغة: قال ابن فارس: "التباعد من الشيء ومزايلته، من ذلك البرء، وهو السلامة من السقم، يقال: برئت وبرأت". "مقاييس اللغة" 1/136 والبراءة شرعًا: البعد والخلاص والعداوة، بعد الأعذار والإنذار.
قال شيخ الإسلام في أصل الولاية والعداوة: "والولاية ضد العداوة، وأصل الولاية: المحبة والقرب، وأصل العداوة: البغض والبعد". "الفرقان"، ص 53.
- والولاء يكون للمؤمنين، والبراء يكون من المشركين:
قال حفيد المؤلف الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ووالى في الله)): "هذا بيانٌ للازم المحبة في الله، وهو الموالاة؛ إشارة إلى أنه لا يكفي في ذلك مجردُ الحب؛ بل لا بد مع ذلك من الموالاة، التي هي لازم الحب، وهي النصرة والإكرام والاحترام، والكون مع المحبوبين باطنًا وظاهرًا". "تيسير العزيز الحميد"، ص 480. وقال في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وعادى في الله)): "هذا بيانٌ للازم البغض في الله، وهو المعاداة فيه؛ أي: إظهار العداوة بالفعل، كالجهاد لأعداء الله، والبراءة منهم، والبعد عنهم باطنًا وظاهرًا؛ إشارة إلى أنه لا يكفي مجرد بغض القلب؛ بل لا بد مع ذلك من الإتيان بلازمه".
- جاءت نصوص كثيرة مستفيضة تدل على تحريم موالاة الكفار، منها:
1- ما استدل به المؤلف: قوله - تعالى -: ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة: 22].
2- قوله - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة: 51]. قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية: "والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله - تعالى ذكره - نهى المؤمنين جميعًا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارًا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أن من اتَّخذهم نصيرًا وحليفًا ووليًّا من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزب على الله ورسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منهم بريئان". وقال ابن القيم: "إن الله حكم - ولا أحسن من حكمه - أنه من تولى اليهود والنصارى، فهو منهم؛ قال - تعالى -: ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم) [المائدة: 51]". "أحكام أهل الذمة"، 1/67.
3- قوله - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) [النساء: 144]. قال الشيخ حمد العتيق: "فأما معاداة الكفار والمشركين، فاعلم أن الله - سبحانه وتعالى - قد أوجب ذلك، وأكَّد إيجابه، وحرَّم موالاتهم وشدَّد فيها، حتى إنه ليس في كتاب الله - تعالى - حكمٌ فيه من الأدلة أكثر ولا أبْين من هذا الحكم، بعد وجوب التوحيد، وتحريم ضده"، "مجموعة التوحيد"، ص 636. وكذا السنة دلت على ذلك.
- هل كل موالاة للكفار كفرٌ وردَّة؟ هذا سؤال مهم للغاية، ولبيان ذلك؛ نقول ما يلي:
أولاً: أهل العلم لا يختلفون في أن هذا الباب باب عظيم، الداخل فيه قد أضرَّ بعقيدته وثوابته، وقد يهدمها بحسب ما والى فيه، فبالجملة هو بابٌ مَن تهاون فيه فقد تهاون في أصل عظيم من أصول الدين؛ فعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر - رضي الله عنه -: ((أيُّ عرى الإيمان أوثق؟))، قال: الله ورسوله أعلم، قال: ((الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله)). صحيح - ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ: "والمرء قد يكره الشرك، ويحب التوحيد، لكن يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة من أهل الشرك، وترْك موالاة أهل التوحيد ونصرتهم، فيكون متَّبعًا لهواه، داخلاً من الشرك في شعب تهدم دينَه وما بناه، تاركًا من التوحيد أصولاً وشعبًا لا يستقيم معها إيمانُه الذي ارتضاه، فلا يحب ولا يبغض لله، ولا يعادي ولا يوالي لجلال من أنشأه وسوَّاه، وكلُّ هذا يؤخذ من شهادة أن لا إله إلا الله". "الدرر السنية"، 8/396.
ثانيًا: موالاة الكفار بحسبها؛ فهي على مراتبَ، منها ما هو كفر وردَّة، ومنها ما هو دون ذلك.
ثالثًا: بناءً على أن موالاة الكفار تختلف باختلاف الحال؛ فهي على مراتب؛ قسَّم بعض أهل العلم الموالاة إلى قسمين: موالاة كبرى، وموالاة صغرى، أو تولي، وموالاة أو موالاة عامة مطلقة، وموالاة خاصة، أو الموالاة المطلقة، ومطلق الموالاة، وكلها مصطلحات تجمع بين قسمين، فمنهم من يُعبِّر بهذا اللفظ، ومنهم بهذا، ومقصودهم في ذلك - رحمهم الله - هو التفريق بين الموالاة التي يكون صاحبها كافرًا مرتدًّا حلالَ الدم والمال، وبين ما دون ذلك مما لا يُخرِج من الملة، وبعض أهل العلم لم يقسم هذا التقسيم، وجعلها مراتب، منها ما هو مخرِج من الملة، ومنها ما هو كبيرة من الكبائر لا يكفر فاعلها إلا إذا استحلَّها؛ أي: اعتقد جوازها، وقالوا: إن التولي والموالاة لفظان لمعنى واحد، وهو قول جمهور المفسرين.
- قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب: "مسمى الموالاة يقع على شُعب متفاوتة، منها ما يوجب الردة وذَهاب الإسلام بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات".
رابعًا: أمثلة على الموالاة الكبرى وعلى الموالاة الصغرى: الموالاة الصغرى تسميتها صغرى ليس لأنها من الصغائر؛ ولكن للتفريق بينها وبين الكبرى، وإلا فإن الموالاة الصغرى شأنُها عظيم - كما تقدَّم - فهو باب لا يُستهان به.
ومن أمثلتها: تصديرُ الكفار في المجالس، وزيارتُهم زيارةَ مؤانسة لا دعوة، وتهنئتُهم بأفراحهم الدنيوية، وإفساحُ الطريق لهم، وتوليتُهم على المسلمين، وجعلُهم رؤساء، ورفعُهم على المسلمين ونحوها.
والموالاة الكبرى: وهي الموالاة المخرجة من الملة، فهي كفر وردَّة، ولها صور، منها: مودتهم لأجْل دينهم وسلوكهم، والرضا بأعمالهم، وتمني انتصارهم على المسلمين، وعدم تكفيرهم أو التوقُّف في كفرهم والشك فيه، وتصحيح مذهبهم، والتشبُّه المطلَق بهم، ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، وتُسمَّى النصرة.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك