بيانُ القصد من قولهم "بهجة الرفاعي"،
و"البهجة الرفاعية"، و"البهجة للرفاعي"
د. عبدالحكيم الأنيس
مِنْ فنونِ الترجمةِ إفرادُ عالمٍ أو أديبٍ أو صالحٍ بكتابٍ يتناولُ حياتَهُ وما يتعلق به.
ومن ذلك ما ألَّفه الشيخُ علي بن يوسف الشطنوفي المُتوفى سنة (713هـ) عن الشيخ عبدالقادر الكيلاني (ت: 560هـ)، وعنوان كتابه: "بهجة الأسرار ومعدن الأنوار"[1]. وقد يُعبَّر عنه بـ "البهجة القادرية"[2].
ولعل الشطنوفي لم يخطرْ له وهو يضعُ هذا العنوان لكتابه أنه سيُسْتعارُ جزءٌ منه لترجمة غيرهِ من الصالحين، والمنسوبين إلى الصلاح، وسيكون هناك:
• "بهجة رِفاعية".
• و"بهجة أحمدية"[3].
• و"بهجة دسوقية"[4].
• و"بهجة الشيخ عقيل المَنْبِجي"[5].
• و"بهجة ومناقب وأخبار عن أحوال الشيخ المصطفى اللطيفي المدفون بحلب"[6].
• و"بهجة الحلّاج"[7].
• وهكذا[8].
لا أدري متى بدأتْ هذه الاستعارةُ وهذه المشاكلة، وقد لا يكون ذلك مهمًا، ولكنْ مِنَ الضروري جدًا أنْ نعرفَ هذا لأنه سيَكشفُ لنا عن أخطاء كبيرةٍ حصلتْ بسببِ غيابِ معرفتهِ، تتمثلُ في غموضِ حقيقةِ كتبٍ معينة، ونسبتِها إلى غير مؤلفيها، ولبسٍ في عناوينها.
وأستعرضُ الآن ما وقفتُ عليه من ذلك، فيما يتعلق بترجمة السيد أحمد بن علي الرفاعي (ت:578هـ):
1- جاء في أول صفحة من كتاب "البراهين من مقالات وارث الأنبياء والمرسلين" (نسخة الظاهرية مكتوبة سنة 1015هـ)، جاء بخطٍ مختلفٍ:
"بهجة سيدي أحمد قدس الله سره".
2- وفي مركز جمعة الماجد بدبي مخطوطٌ أصليٌّ كُتِبَ عليه:
"هذا كتاب بهجة سيدي أحمد الرفاعي قدس الله سره العزيز".
وحقيقة هذا المخطوط هي أنه نسخةٌ من كتاب "إرشاد السلوك للمريد الهادي الداعي" سقطتْ منه الأوراقُ الأولى، فأكملها بعضُ الناسخين من كتاب "ترياق المحبين في سيرة سلطان العارفين" لتقي الدين الواسطي (ت:744هـ)، فظُنَّ أنه نسخة من "الترياق" هذا، وليس كذلك، وقد فحصتُه بنفسي، فاكتشفتُ هذا التزوير.
وتاريخ نسخ المخطوط 5 من شوال سنة 1045هـ.
3- جاء على غلاف نسخةٍ خطيةٍ برقم (10142) في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد كُتِبتْ سنة (1094هـ):
"قد تشرفت بمطالعة هذا النسخة اللطيفة بهجة الأنوار[9] الذي نجز عن أحوال...السيد الرفاعي..."[10].
وهو نسخة من "جلاء الصدا في سيرة إمام الهدى" لابن جلال اللاري المصري (من أهل القرن التاسع الهجري).
4- جاء في "فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة في الموصل" (2/312): "كتاب البهجة. أحمد بن علي الرفاعي المتوفى سنة 578هـ.
أوله: الحمد لله الملك المنّان الجواد، المُقدَّس عن الأمثال والأنداد...
الناسخ سليم بن ملا بشير سنة 1145هـ".
وحقيقةُ هذا المخطوط أنه نسخةٌ من كتابٍ عنوانُه "جلاء الصدا في سيرة إمام الهدى" لابن جلال اللاري المصري.
وقد كُتِبَ عليه "البهجة" من باب الاستعارة والمشاكلة لـ "البهجة القادرية"، ولغياب ما قدمتُه عن المفهرس الأستاذ سالم عبد الرزاق ظنَّه من تأليف السيد أحمد الرفاعي! والكتابُ في مناقبه، فكيف يكون من تأليفه؟!
وليت المفهرسين ينظرون في المخطوط الذي يفهرسونه جيدًا.
5- وتكرَّر هذا الخطأُ في فهرسِ مخطوطاتٍ آخر، وهو "فهرس مخطوطات رفاعة رافع الطهطاوي" الذي عمله الدكتور يوسف زيدان، فقد جاء فيه (1/189):
"البهجة للرفاعي (أحمد بن علي بن يحيى، صاحب الطريقة الرفاعية) المتوفى 578هـ...
أولها: الحمد لله رب العالمين... الحمد لله الذي أذاق أحبابه حلاوة مناجاته عند السحر... وآخرها... تمت هذه البهجة... سنة 1241هـ".
وقد علَّق المفهرسُ الدكتور يوسف زيدان على نسبتها إلى الرفاعي فقال:
"لم يُعْرَفْ للشيخ أحمد الرفاعي كتابٌ بعنوان "البهجة"، ولعله لأحد الرفاعية المتأخرين".
أقول: ليس هذا الكتاب من تأليف الرفاعي قطعًا، ولا يُمكن أن يكون من تأليفه، وإنما هو في مناقب الرفاعي لمؤلفٍ مجهولٍ، وأصله باللغة التركية، فعرِّب كما جاء في آخره. ولو نظر الدكتور المفهرسُ فيه لعلِّق تعليقًا آخر.
ولو عرَفَ الاستعارةَ والمشاكلة التي قدمتُ بيانَها لعرَفَ حقيقة الكتاب، وسرَّ العنوان والنسبة. وقد حصلتُ على نسخةٍ منه وفحصتُه بنفسي.
يتبع
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك