كيف نحقق مفهوم الهجرة؟
عمر مكطوف
يعتبر التاريخ الإسلامي بما يزخر به من أحداث جِسامٍ مدرسةً فريدة، ما زال المسلمون ينهلون منها الدروس والعِبر لحاضرِهم ومستقبلهم، ولا يمكن لنا أن نعزلَ التاريخ عن الواقع؛ فهو أصل في فهم ما يجري حولنا من أحداث، وأداة طيِّعة لاستشراف المستقبل.
وفي هذه الأيام تمرُّ علينا ذكرى حبيبة إلى قلوبنا، عزيزة على نفوسنا، ألا وهي: "الهجرة النبوية"، بما تحمل من مَعَانٍ وعظات تتجلَّى بوضوح في كثير من العبادات العملية، وفي مقدمتها التضحيةُ بالمال والنفس والبلد في سبيل الله، وهذه قضية عظيمة يحتاجها المسلمون اليوم في دنيا الشُّحِّ والبخلِ.
والهجرة ليست مفهومًا ضيِّقَ الأفُقِ، ينحصر بالخروج من بلد إلى آخر، بل نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للهجرة مفهومًا أوسعَ وأشملَ، يتجلَّى في كل ممارساتنا، ودليل ذلك ما رواه الإمام البخاري عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم مَن سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر مَن هجر ما نهى الله عنه))؛ فهذا مفهوم أوسع وأشمل، والسؤال هنا كيف نحقق مفهوم الهجرة في وقتنا الحاضر؟
يتحقق مفهوم الهجرة بمعناه الأشمل بهجر المعاصي والموبقات، وخلع رداء الأوزار والآثام، إلى الأعمال الصالحة وحب الخير والنفع.
يتحقق بالهجرة من العداوة والبغضاء والكراهية، إلى المحبة والألفة والأخوة ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].
يتحقق بالهجرة من القيل والقال، ومجالس الغِيبة والنميمة، والخوض في أعراض المسلمين، إلى مجالس العلم والذكر ومجالسة الصالحين، هجرة من الحقد والحسد والغيظ والقسوة، إلى ((حبَّ لأخيك ما تحب لنفسك))، هجرة للمفاهيم الخاطئة والأفكار السلبية والممارسات السيئة التي لا تَمُتُّ إلى الإسلام بصلة، إلى الفهم الحقيقي للإسلام من منابعه الصافية كتاب الله وسنة رسول الله.
هجرة من حياة الفوضى والحياة "بلا عنوان" وحياة العفوية، إلى الالتزام الحقيقي ورسم الأهداف، والعمل الصائب، وتقديم النفع للنفس والمجتمع.
هذا المفهوم الأوسع للهجرة يميزه أنه يتجدد في كل زمان ومكان، فهو حاضر في أذهاننا، راسخ في نفوسنا، يتمثل ويُترجَمُ بأعمال لا أقوال فقط، إنها بمثابة مرحلة جديدة يبدؤُها المسلم مع نفسه ومجتمعه، كما بدأ النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة المرحلة الجديدة من طور الدعوة المباركة.
والله من وراء القصد.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك