تحقيق تخريج مسألة (قم فصل ركعتين)
أ. د. محمد بن تركي التركي
قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسألت أبي عن حديث رواه الأوزاعي، عن المُطَّلب بن حَنْطَب قال: حدثني[1] من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لرجل دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قال: "قم فصل ركعتين".
فسمعت أبي يقول: منهم من يقول: المُطَّلب بن حَنْطَب: عن أبي هريرة.
ومنهم من يقول: المُطَّلب[2]، عن سهل[3] بن سعد.
ومنهم من يقول: عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم. وهو أصح.
رجال الإسناد:
• الأوزاعي: عبدالرحمن بن عمرو، ثقة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 581.
• المُطَّلب بن عبدالله بن المُطَّلب بن حَنْطَب بن الحارث المخزومي، من الرابعة.
روى عن عدد من الصحابة، وسعيد بن المسيب، ومصعب بن عبدالرحمن، وغيرهم.
روى عنه الأوزاعي، وابن جريج، وطاووس، وعاصم الأحول، وغيرهم.
قال أبو زرعة، والدارقطني، ويعقوب بن سفيان: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال أبو حاتم في روايته عن جابر: يشبه أن يكون أدركه، وقال في روايته عن غيره من الصحابة: مرسل، قال: وعامة أحاديثه مراسيل.
وقال في المراسيل: عامة حديثه مراسيل، روى عن عبادة مرسلاً، لم يدركه، وعن أبي هريرة مرسلاً. وقال: لم يدرك أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إلا سهل بن سعد، وأنساً، وسلمة بن الأكوع، ومن كان قريباً منهم، ولم يسمع من جابر، ولا من زيد بن ثابت، ولا من عمران بن حصين.
وقال البخاري: لا أعرف للمطلب عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سماعاً، إلا أنه يقول: حدثني من شهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، وليس يحتج بحديثه؛ لأنه يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً وليس له لُقي، وعامة أصحابه يدلسون.
قال ابن حجر: صدوق كثير التدليس والإرسال.
قلت: ولعل الصواب أن يقال ثقة كثير الإرسال؛ إذ لم أر ما ينـزله عن درجة الثقة. وأما نستبه للتدليس، فلم أر من نسبه بذلك، ولم يذكره الحافظ في طبقات المدلسين، ولعل ذلك لعدم وجود من نسبه إليه، وكونه يروي عن الصحابة وهو لم يلقهم كما تقدم، فهذا لا يسمى تدليساً، ويسميه بعضهم إرسالاً، والله أعلم.
انظر المراسيل (209)، تهذيب الكمال 28/ 81، التهذيب 10/ 178، التقريب (6710).
• أبو هريرة – رضي الله عنه – صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 501.
• سهل بن سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي، صحابي جليل، يقال: كان اسمه حزن فغيره النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، سنة ثمان وتسعين تقريباً.
انظر الاستيعاب 4/ 277، أسد الغابة 2/ 366، الإصابة 4/ 275.
تخريج الحديث:
روى المطلب هذا الحديث، واختلف عليه، وعلى أحد الرواة عنه:
أولاً: رواه كثير بن زيد، واختلف عليه:
1- فرواه ابن أبي فديك، عن كثير، عن المطلب، عن أبي هريرة، مرفوعاً.
وتابع كثير بن زيد عليه: الضحاك بن عثمان.
2- ورواه يونس بن يحيى بن نباتة، عن كثير، عن المطلب، عن أبي هريرة، وسهل بن سعد، مرفوعاً.
ثانياً: ورواه الأوزاعي، عن المطلب، عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: وروي عن المطلب، عن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيما يلي تفصيل ما تقدم:
أولاً: رواه كثير بن يزيد، واختلف عليه:
1- فرواه ابن أبي فديك، عن كثير، عن المطلب، عن أبي هريرة، مرفوعاً:
أخرجه ابن ماجه 1/ 323، كتاب إقامة الصلاة، باب من دخل المسجد فلا يجلس حتى يركع، رقم 1012، عن إبراهيم بن المنذر، ويعقوب بن حميد.
وابن خزيمة 2/ 283، عن الحسين بن عيسى البسطامي.
والطبراني في الأوسط 9/ 116، رقم 8242، من طريق دحيم.
كلهم عن ابن أبي فديك، عن كثير، عن المطلب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن المطلب إلا كثير بن زيد[4]، تفرد به ابن أبي فديك.
وتابع كثير بن زيد عليه: الضحاك بن عثمان:
ذكره المصنف في المسألة رقم 243، والدارقطني في العلل 10/ 74.
قلت: وابن أبي فديك: محمد بن إسماعيل: صدوق. والضحاك بن عثمان: صدوق يهم.
وكثير بن زيد: صدوق يخطئ. (التقريب 5736، 2972، 5611).
2- ورواه يونس بن يحيى بن نُباتة، عن كثير، عن المطلب، عن أبي هريرة، وسهل بن سعد، مرفوعاً:
ذكره الدارقطني في العلل 10/ 75.
وأشار إليه أبو حاتم، كما سيأتي في الوجه الثالث.
وقال الدارقطني: المحفوظ حديث أبي هريرة.
قلت: يعني بدون ذكر سهل، وهو الوجه الأول المتقدم.
ويونس بن يحيى: صدوق (التقريب 7918).
وعليه فلعل الوجهين محفوظان عن كثير، إذ رواه عنه في كل منهما صدوق، بينما هو صدوق يخطئ، ولعله كان يحدث بهما معاً.
ولكن الوجه الأول من الخلاف على كثير أرجح عن المطلب؛ حيث تابع كثيراً عليه الضحاك بن عثمان، في حين لم أجد من تابعه على الوجه الثاني، إضافة إلى ترجيح الدارقطني له، والله أعلم.
ثانياً: ورواه الأوزاعي، عن المطلب، عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
ذكره المصنف وأبوه في هذه المسألة، ولم أقف على من أخرجه.
ولعل هذا الوجه هو الذي أشار إليه أبو حاتم في كتاب المراسيل لابنه ص209، حيث قال: وروي عن الأوزاعي، عن المطلب، قال: حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُسمه أيضاً.
وقال أبو حاتم في هذه المسألة عن هذا الوجه: هو أصح.
ثالثاً: وروي عن المطلب، عن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكره أبو حاتم في هذه المسألة[5]، وفي المسألة رقم 243، ولم أقف على من أخرجه.
ولعله هو الوجه الذي ذكره الدارقطني في الاختلاف على كثير، والله أعلم.
النظر في المسألة:
مما تقدم يتضح أنه اختلف على المطلب بن حنطب في هذا الحديث.
1- فرواه كثير بن زيد، والضحاك بن عثمان، عن المطلب، عن أبي هريرة، مرفوعاً.
2- ورواه كثير مرة أخرى، عن المطلب، عن أبي هريرة، وسهل بن سعد، مرفوعاً.
3- ورواه الأوزاعي، عن المطلب، عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
4- وروي عن المطلب، عن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولعل الوجهين الأول والثالث محفوظان، حيث رواه في الأول اثنان: صدوق يخطئ، وصدوق يهم، ورواه في الثالث ثقة ثبت.
وأما الوجه الثاني فهو من رواية كثير بن زيد، وقد رواه أيضاً على الوجه الأول، فيقدم من روايتيه ما وافقه فيه غيره. وأما الوجه الرابع فلم أقف على من رواه عن المطلب، وتقدم أنه يحتمل أن يكون هو الوجه الثاني، وهو مرجوح كما سبق.
وقد رجح أبو حاتم الوجه الثالث، وهو رواية الأوزاعي، ورجح الدارقطني الوجه الأول.
وتقدم أن الوجهين محفوظان. ولعل المطلب كان يحدث بهما معاً.
ولا خلاف بين الوجهين عند التحقيق، وغايته أن المطلب في الوجه الثالث أبهم اسم الصحابي الوارد في الوجه الأول، والله أعلم.
والحديث من وجهيه الراجحين إسناده ضعيف؛ لأن المطلب لم يق أحداً من الصحابة، كما تقدم في ترجمته.
ولكن ورد للحديث شواهد كثيرة، وتقدم أحدها من رواية أبي قتادة في المسألة رقم 520.
وهو شاهد صحيح متفق عليه، والله أعلم.
[1] وقع في المطبوع: "قال صى"، وصوابه: حدثني.
[2] وقع في المطبوع: "عن المطلب"، وهو مخالف لجميع النسخ.
[3] وقع في المطبوع: "سهيل"، ولعله خطأ مطبعي.
[4] وقع في المطبوع من الطبراني: "يزيد"، وهو خطأ.
[5] الذي في هذه المسألة: "عن المطلب، عن سهل بن سعد" بدون ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن بين هذا ما ورد في المسألة رقم 243، حيث صرح برفعه، والله أعلم.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك