بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي( وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.
أيُّ الأنفس تُريد أن تُصاحب؟!
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إنَّ الصُحبة مؤثرة في إصلاح الحال وإفساده، فمعاشرة الأخيار تُورث النجاح والفلاح، ومُخالطة الأشرار تُورث الحرمان والخسران، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" الرَّجُلُ على دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ
أَحَدُكُمْ من يُخَالِلُ ". رواه الترمذي (2378)، وحسنه الشيخ الألباني – رحمه الله- .
يقول المباركفوري – رحمه الله- :"قوله (الرَّجُلُ ) يعني الإنسان (على دِينِ خَلِيلِهِ) أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته (فَلْيَنْظُرْ) أي فليتأمل وليتدبر (من يُخَالِلُ) من المخالّة وهي المصادقة والإخاء، فمن رضي دينه وخُلقه خاللَه ومن لا تجنبه فإن الطباع سرّاقة ،والصحبة مؤثرة في إصلاح الحال وإفساده ". تحفة الأحوذي( 7 /42)
ولذا كان لزاما على المسلم أن يحرص أشد الحرص على مُصاحبة و مُجالسة من كان من أصحاب الأنفس الطيبة، لأنها تدعو صاحبها للتحلي بكل خُلقٍ جميلٍ وأدبٍ نبيلٍ، فبالتالي فإن فوائد ذلك وعوائده تعود عليه ويستفيد منها، يقول الشيخ السعدي – رحمه الله- : "وفوائد الأصحاب الصالحين لا تعد ولا تحصى ، وحسب المرء أن يعتبر بقرينه ، وأن يكون على دين خليله ".بهجة قلوب الأبرار ( ص 220)
وعليه كذلك أن يجتنب من كانت نفسه خبيثة،لأنها تجعل صاحبها يتصف بأوصاف ذميمة، وأفعال قبيحة ويُخشى على من خالطه أن ينتقل إليه ما بها من داء ويُصاب بما تغلل فيها من وباء،يقول الشيخ السعدي- رحمه الله- : "وهم– أي: مصاحبة الأشرار- مضرة من جميع الوجوه على من صَاحَبَهُمْ ، وشر على من خالطهم ، فكم هلك بسببهم أقوام،وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون ، ومن حيث لا يشعرون ".بهجة قلوب الأبرار ( ص 221)
فلا مساواة أبدا أيها الأفاضل بين من امتلأت نفسه من كل فضل وخير! ومن كانت نفسه مأوى لكل عيب وشر، لأن من طابت نفسه طاب عمله ومن خبثت نفسه خبث عمله، يقول جلَّ وعلا: (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [ المائدة :100].
يقول الإمام الطبري – رحمه الله- :" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل يا محمد: لا يعتدل الرديء والجيد، والصالح والطالح، والمطيع والعاصي(وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ)، يقول: لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله، ولو كثر أهل المعاصي فعجبت من كثرتهم، لأن أهل طاعة الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلُّوا، دون أهل معصيته وإن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثروا ". تفسير الطبري (7/79)
فالأول: يظهر الطِّيب والخير الذي في قلبه على جوارحه وتتأثر به أعماله، يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله- :"الطيب يتفجر من قلبه الطيب على لسانه وجوارحه ".زاد المعاد ( 1 / 68)
و الثاني: يتفجر من قلبه الخُبث والشر فيسري ذلك على أقواله وأفعاله، يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- :"فالخبيث يتفجر من قلبه الخبث على لسانه وجوارحه".زاد المعاد ( 1 / 68)
والأول: بفضل العزيز الحميد دائما سعيد وعن الشرور بعيد، يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- :"الله سبحانه وتعالى جعل للسعادة والشقاوة عنوانا يعرفان به،فالسعيد الطيب لا يليق به إلا طيب ولا يأتي إلا طيبا ولا يصدر منه إلا طيبا ولا يلابس إلا طيبا ".زاد المعاد ( 1 / 67)
والثاني:دوما في همٍّ وشقاء ولا يصدر منه إلا ما فيه ضرر وشر ووباء، يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله- :"والشقي الخبيث
لا يليق به إلا الخبيث ولا يأتي إلا خبيثا ولا يصدر منه إلا الخبيث ".زاد المعاد ( 1/ 67)
والأول: أيها الأحبة يُعرف بين الناس بالأخلاق الجميلة والصفات الحميدة من الكرم و الجود و الشجاعة و البذل والعطاء والوفاء وغير ذلك من صفات الأتقياء و الأصفياء، وهو حريص أشد الحرص على نفع المسلمين وبذل كل خير للآخرين وهذه هي صفات المؤمنين،يقول الشيخ السعدي- رحمه الله- :" من فضائل الإيمان أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض، بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض، وأن يحب بعضهم بعضا". تفسير السعدي ( ص547)
و الثاني: أيها الأفاضل الكرام قد اشتهر بينهم بصفات اللئام من الحقد و المكر و الكيد والجُبن والبخل، وغير ذلك من الشرور والآثام!ومن ذلك أيضا الحسد المذموم الذي يجعل صاحبه لا ينفك عن الهموم، يقول الإمام ابن حبان-رحمه الله- : "الحسد من أخلاق اللئام،وتركه من أفعال الكرام، ولكل حريق مطفئ، ونار الحسد لا تُطفأ ".روضة العقلاء ( ص 134)
فما ظهر هذا الداء وانتشر هذا الوباء إلا بسبب عدم صفاء السريرة وخُبث النفوس الشريرة، يقول المناوي – رحمه الله- : "سبب الحسد خبث النفس ".فيض القدير (5/ 16)
وليعلم من كانت سريرته خبيثة وطَويته قبيحة ونفسه عن الخير بعيدة أنه مُتوعدٌ بعقاب شديد إذا لم يبادر بالتوبة والرجوع إلى العزيز الحميد، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- :"فالنفوس الخبيثة لا تصلح أن تكون في الجنة الطيبة التي ليس فيها من الخبث شيء فان ذلك موجب للفساد أو غير ممكن ".مجموع الفتاوى ( 14/ 344)
فعليه قبل فوات الأوان إذا أراد النجاة أن يُسارع في معالجة وتطهير نفسه من هذا المرض الخطير والشر الكبير، يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- :"فالجنة لا يدخلها خبيث ولا من فيه شيء من الخبث، فمن تطهر في الدنيا ولقي الله طاهرا من نجاساته دخلها بغير مُعوق ومن لم يتطهر في الدنيا فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال، وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعدما يتطهر في النار من تلك النجاسة، ثم لا يخرج منها ".إغاثة اللهفان (1/ 56)
وفي الختام أيها الأفاضل الكرام بعد أن عرفنا الفرق بين الصنفين وما تتميز به كل نفسٍ وما آثارها على الآخرين، فعلينا أن نعلم جميعا أن من نِعَم الكريم الغفار على عبده أن يُوفقه لمصاحبة أهل الفضل الأخيار، يقول الشيخ السعدي- رحمه الله- : "من أعظم نعم الله على العبد المؤمن : أن يوفقه لصحبة الأخيار ".بهجة قلوب الأبرار ( ص 221)
ومن الحرمان و الخذلان أن يبتلي العزيز الرحمن عبده بمرافقة أولياء الشيطان، يقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :" ومن عقوبته – أي سبحانه - لعبده : أن يبتليه بصحبة الأشرار ".بهجة قلوب الأبرار ( ص 221)
فعلينا أن ندعو دائما الجواد الجبار أن يُوفقنا لمصاحبة الأخيار و أن يجنبنا مخالطة الأشرار ، ثم لنجتهد في بذل كل ما يُعيننا على تحقيق ما فيه فلاح ونجاح لنا في الدارين بإذن أرحم الراحمين، ومن ذلك مُجالسة ومُخالطة أصحاب الأنفس الطيبة الكريمة ، و البعد واجتناب أصحاب النفوس الشريرة الخبيثة اللئيمة.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُوفقنا جميعا لما فيه فضل وخير وسرور ومن ذلك أن يطهر أنفسنا من كل العيوب والشرور ، فهو سبحانه ولي ذلك والعزيز الغفور.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو عبد الله حمزة النايلي
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك