الضروري من أحكام الصيام
د. محمد ويلالي
تتعلَّق بالصِّيام عدَّةُ أحْكام فقهيَّة، على المسْلم أن يكون عالِمًا بها؛ حتَّى يَستقيمَ صومه، وتصحَّ عبادته، وهي أحكام تشتدُّ الحاجة إليها، وربَّما اخْتلف الناسُ فيها، فجعلوا المباحَ واجبًا، والرخْصة عزيمة، بل قد يَجعلون المباح حرامًا أو مكروهًا، فشدَّدوا على أنفسهم، مع أنَّ الله - تعالى - يسَّر عليهم، فإليك 35 حُكْمًا من الضَّروري من أحكام الصيام، مما يَظهر راجحًا من أقوال العلماء:
أ - ما يُفْسد الصوم:
1 - الأكْل والشُّرب عمْدًا، ومثْله التَّدخين، فهذا يُوجِب التَّوبةَ إلى الله - تعالى - أوَّلاً؛ لأنَّه أمْرٌ عظيم، واعتداءٌ على حُرمات الله خطيرٌ.
وعندَ الإمام مالك أنَّ عليه الكفَّارةَ، وهي بالتَّرتيب: عتْق رقبة، فإنْ لم يجد فصيام شَهْرين متتابِعَين، فإنْ لم يَجد فإطعام ستِّين مسْكينًا؛ لكلِّ مسكين مُدُّ قمْح، أو شعير، أو تَمْر، أو قِيمة ذلك.
2 - مَن جامَعَ زوجتَه في نَهار رمضان فقد أثِم، وفيه أيضًا القضاء، والكفَّارة المذكورة، إلاَّ أنْ يكون ناسيًا، أو جاهلاً بالتَّحريم، فعليه القضاء فقط دون كفَّارة - عندَ الجمهور.
3 - مَن تعمَّد أن يُخْرِج القَيْء، فعليه قضاء ذلك اليوم، إلاَّ أن يَقِيء تلقائيًّا مِن غير تعمُّد، فلا شيءَ عليه ما لم يَرجع شيءٌ من القيء إلى مَعِدته؛ يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (( مَن ذَرَعه القيءُ - غلَبَه وسبَقه - فليس عليه قضاء، ومَن اسْتقاء فلْيَقض))؛ "صحيح أبي داود".
4 - الحيض والنِّفاس: يَمْنعان الصومَ والصلاة، ولو قَبْل المغرب بلَحظة، أمَّا الصَّوم فيُقضَى، وأمَّا الصلاة فلا، فمَن صامَتْ لم يُجْزِئها، وربَّما أَثِمت؛ لقول عائشة - رضي الله عنها -: ((كان يُصِيبنا ذلك، فنُؤمَر بقضاءِ الصَّوم، ولا نُؤمَر بقضاء الصلاة))؛ متَّفق عليه.
فإنِ اسْتعمَلَت المرأةُ حبوبَ منْع الحيض، جاز صيامُها، والأفْضل لها أن تَبقى على طبيعتها.
5 - الحُقن المغذِّية، التي تَعْمل على إيصال الموادِّ الغذائية إلى الدَّم أو الأمْعاء، فاستعمالُها يُفْسد الصوم، ويوجِب القضاء، أما استعمال حقنة (الأنسولين) لِمَرضى السُّكَّر، فلا تُفْسِد الصوم.
6 - الذي أفْطَر اعتقادًا أنَّ الفجرَ لم يَطْلع، أو أنَّ الشمس غربَتْ، ثم تبيَّن له عكْسُ ذلك، فعليه القضاء احتياطًا.
7 - خروج المَنِيِّ في نهار رمضان بفعْلٍ مباشِر كالقُبْلة، أو إدامة النَّظر والفِكْر، أو استِمْناء ونَحْوها يُفْسِد الصَّوم، ويوجِب القضاء، بخلاف الاِحْتلام، وهو نُزول شيْء عند النَّوم، فلا يفسد الصوم، ولا يوجب شيئًا، ويجوز للزَّوج أن يُلاعِبَ زوجته في نهار رمضان، إن كان متمكِّنًا من نفْسه، فإن أَنزل مع ذلك، فسَد صومُه، وعليه القضاء، ولا كفَّارة عليه ولا إثْم، وإن كان غيرَ متمكِّن من نفْسه، فأنزل، فعليه القضاء وهو آثِم، أمَّا نزُول المَذْي، فلا يؤثِّر في الصيام، سواءٌ كان بملاعبة أمْ لا.
8 - وصول شيءٍ إلى الجوْف، كبقايا الطَّعام في الفَم، أو تسرُّب الماء بسبب المبالَغةِ في الاسْتنشاق والمضمضة؛ ((وبَالِغْ في الاستنشاقِ إلاَّ أن تَكُون صائمًا))؛ "صحيح الترمذي".
9 - وصول ما ليس بِطَعام إلى الجوف بواسطةِ الفم، كمَن ابْتَلع جوهرة، أو خيطًا، أو صدَفةً، فعليه القضاء.
10 - الرِّدَّة، وهي الرجوعُ عن دِين الإسلام إلى دينٍ آخَر، وقد جعَل منه العلماء سبَّ الدِّين، واحتقارَ شعائره، وجحْدَ المعلوم منه بالضرورة، فلْيَحذرِ الَّذين يَصُومون فيَجعلون شهْرَهم شهر قلق وخِصَام، وسبٍّ وشتْم وشِجَار.
11 - التزوُّد بالدَّم عن طريقِ الأنابيب؛ لأنَّ الدم هو غايةُ الأكْل والشُّرب، فكان بمعناها.
12 - أمَّا الحجامة ففيها خلافٌ كبير، والأَوْلى ترْكُها إلى اللَّيل، فإنِ احْتجم نهارًا، قضَى ذلك اليوم احتياطًا.
والذي يَفسُدُ صومُه بما ذكَرْنا، يشترط له أن يكون عالِمًا بالحُكم غيرَ جاهل، ذاكرًا غيرَ ناسٍ، مختارًا غير مُكْرَه.
ب - يُباح للصائم عدَّة أمور، لا حرجَ فيها، ولا تُفسِد الصوم:
1 - مَن أصبح جنبًا، فلْيغتسل، ولْيتمَّ صومَه ولا شيء عليه؛ فقد "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُدْرِكه الفجْر وهو جنُب من أهله، ثم يَغتسل ويصوم"؛ متَّفق عليه، وكذلك الحائض والنُّفَساء، إذا طَهُرَتا من الليل، ولم تَغتسلاَ حتَّى الصباح، فلا شيءَ عليهما.
2 - استعمالُ السِّواك، لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لولا أن أَشُقَّ على أمَّتي لأَمَرتُهم بالسِّواك عند كلِّ صلاة))؛ متَّفق عليه، فهو عامٌّ في رمضان وغيرِه، ويُحمَل عليه استعمالُ معجون الأسنان، فهو جائزٌ مع الاحْتياط؛ حتَّى لا يتسرَّب إلى الحَلْق.
3 - يَجوز التَّقْبيل لمَن يملك نفْسَه؛ لِمَا ثبَت عن عائشة - رضي الله عنها - أنَّها قالت: "كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُقبِّل وهو صائم، ويباشر (الملامسة) وهو صائم، ولكنَّه كان أمْلكَكم لإِرْبِه"؛ متَّفق عليه.
4 - يجوز استخراجُ الدَّمِ؛ لتحليله إذا كان يسيرًا، أمَّا الكثير - كالذي يتصدَّق بالدَّم - فإنِ اضْطُر إليه، قضَى ذلك اليوم احتياطًا، والأحوط ترْكُه إلى الليل، وأما مَن أُصيب بنزيف، فلا شيءَ عليه؛ لأنَّه بغير اختياره.
5 - استعمال الكُحْل في العين، أو القطْرةِ في العين، أو الأذُن، سواءٌ وجَد طعْمَها في الحَلْق أمْ لا، أمَّا القَطْرة في الأنْف، فإنْ وَجد طعْمَها في الحلْق أو المَعِدة، فالأحوط القضاء.
6 - الأقراص العلاجية التي تُوضَع تحتَ اللِّسان لعلاج الذبْحة الصَّدرية وغيرها، بشرْط الاحتياط؛ حتَّى لا يتسرَّب شيءٌ إلى المعدة.
7 - ذوْق الطعام إذا لم يَصِل إلى الحَلق.
8 - الاغتسال والسِّباحة، وصبُّ الماء على الرأس، والمضمضة للتبرُّد؛ وقد "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يصبُّ الماء على رأسِه وهو صائم؛ من العطَش أو مِن الحرِّ"؛ "صحيح أبي داود".
9 - استعمال الطِّيب في جِسْمه وثيابه، إلاَّ إذا كان بخورًا أو مَسْحوقًا، فلا يتعمَّد شَمَّها.
10 - مَن أكَل أو شَرِب ناسيًا فلا شيءَ عليه؛ لِقَوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من نَسِي وهو صائم فأكَل أو شرِب، فليُتِمَّ صومه، فإنما أطْعمَه الله وسقاه))؛ متَّفق عليه.
11 - بخاخ الرَّبْو (ضِيق التَّنفُّس) إذا لم يَصِل إلى المعدة لا يُفطِّر.
12 - استعمال التحاميل (القوالب) للبواسيرِ أو الحُمَّى أو الزُّكام - لا تفطِّر.
13 - إدْخال المِنْظار الطبِّي أو اللَّولب ونحوهما - إلى رَحِم المرأة، وكذلك منظار فحْص المعدة، أو أخذ عيِّنات منها أو مِن الكبد، بشرْط ألاَّ يُصاحبه إدخالُ سوائل مغذِّية، وكذلك إدْخال المنظار، أو الدَّواء، أو محلول غَسْل المثانة الذي يدْخل في مجْرَى البول للذَّكَر أو الأنثى.
14 - خروج الدم مِن الفم، أو الأسنان، أو الأنْف، أو جروح حصَلَت من غير قصْد - لا تؤثِّر في الصيام.
15 - قلْعُ الضِّرْس أو معالجَتُه ولو بحقْنة (البنج) لا تضُرُّ، مع الاحتياط؛ حتَّى لا يَنْزل شيءٌ إلى الجوف.
16 - مَن شقَّ عليه الصوم في بعض الأيام، بسبب تعَب شديد، أو حرارة مفْرِطة، بحيث تأكَّد مِن وقوعِ الضَّرر بالصوم، جاز له الإفْطار، وقضاء الأيَّام التي أفطر فيها.
17 - الحامِل والمرْضِع، يجوز لهما الفِطْر إذا خافتَا على نفْسَيهما أو على ولَدَيهما، ولهما أن تقْضِيَا، فإنْ توالَتْ عليهما شهورٌ عدَّة، وشقَّ عليهما القضاء، جاز أن تَفْديا عن كلِّ يوم إطعام مسكين.
18 - مَن مات وعليه صوم جاز لأوليائه أن يصوموا عنه، وجاز لهم أن يَفْدُوا عنه؛ كلَّ يوم إطعامَ مسكين، إلاَّ إذا كان الصوم الذي عليه نذْرًا، فالأَولى أن يصومَ عنه وليُّه.
19 - مَن وقع في غيبوبة، إذا أفَاق لحظةً من النهار، صحَّ صومه، ما دام قد نوَاه مِن الليل، فإنْ لم يُفِق إلاَّ بعد الغروب، فعليه قضاء ذلك اليوم.
الخطبة الثانية
ج - المريض نوعان:
1 - مريض مرضًا يُرْجَى برْؤُه، فهذا يفْطِر، ثم يَقضي بعدَ شفائه.
2 - مريض مرضًا لا يُرجَى برؤه، كبعض مرْضى السكري والكُلْيتين، فهذا يُفطِر ثم يَفْدي عن كلِّ يوم إطعامَ مسكين (مُدٌّ من قمح أو شعير أو تمر).
3 - الشَّيْخ الكبير الفاني، والمرأة العجوز، اللَّذان لا يَستطيعان الصوم، يُطْعِمان عن كلِّ يوم مسكينًا، كما فعَل أنَسُ بن مالك "لَمَّا ضَعُفَ عن الصوم عامًا، صنَع جفْنَةَ ثريد، ودعَا ثلاثين مسكينًا فأشْبَعهم"؛ الدَّارقطني، وسنَدُه صحيح.
4 - أباح الله للمسافِر أن يَصوم أو أن يُفطر ويَقضي، سواءٌ كان في السَّفر مشقَّةٌ أمْ لا، وسواء كان السفر على دابَّة أمْ في الطائرة؛ إذْ كلُّ ذلك يَدخُل في عموم قوله - تعالى -:﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184].
وأفْضل الحالين من الصوم أو الإفطار أيْسَرُهما - جمْعًا بيْن النصوص - غيرَ أنَّه يتعيَّن الإفطارُ في السفر، إذا كان فيه مشقَّة ظاهرة وتَهْلُكة؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس مِن البِرِّ الصيامُ في السَّفر))؛ متَّفق عليه.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك