09-28-2015, 09:51 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 343,836
|
|
(018)طل الربوة-وفي الرحلات استجمام ومقاصد:
رحلات طرد الملل والتفكر في آيات الله
الدراسة مهما كانت مشوقة ومفيدة، يحرص عليها الجادون من الأساتذة والطلاب، لما فيها من غذاء للعقول بمعانيها المتنوعة، واطمئنان إلى ذكر الله وعبادته، وتطهير للقلوب من أدران المعاصي ووساوس الشيطان، مهما كانت كذلك، فإن أصحابها يحتاجون إلى تغيير في نمط حياتهم، وتنوع في تغير أجواء نشاط أجسادهم وتفكير عقولهم.
ومن أهم ما يمكنهم من ذلك التغيير وذلك التنوع الرحلات، التي ينتقلون فيها من مكان طال مقامهم به ولم يعودوا يتفكرون في شيء فيه ولو كان ـ في الأصل من آيات الله في الكون ـ كالجبال والبحار والأنهار والحيوانات إلى مكان آخر لم تطل إقامتهم فيه، ولم يألفوا النظر إلى مخلوقات الله التي يضمها المكان الجديد.
إنهم سيحسون في المكان الذي انتقلوا إليه بأحاسيس جديدة ويشعرون بتفكر غريب؛ لأن ألفتهم للأول تفقدهم تلك الأحاسيس وتنسيهم ذلك التفكير.
وعلى سبيل المثال: إذا كنت تسكن في منطقة جبلية، تضم جبالاً شاهقة، وطرقاً مكسوة بالأشجار السامقة تتخللها جداول صغيره من المياه التي ترويها، ويكسو قممها بساط أخضر من الجليد في الشتاء، تتجمع بينها بحيرات من المياه، تحيط بها الغابات ذات الأشجار المتنوعة المغروزة بين الأعشاب.
إنك لكثرة رؤية هذه الآيات العظيمة التي تدل على كمال القدرة الإلهية، ستفقد التفكر فيها، وتنسى هيبتها الدالة على عظمة من أوجدها؛ لأنك قد ألفتها ألفة أورثتك الغفلة عن تلك العظمة.
فإذا انتقلت إلى سواحل البحار والمحيطات، ورأيت أمواجها المتلاطمة كل موجة تتبع أختها في تسابق مدهش، يتصاعد رشاشها بالأمتار في السماء، ورأيت الأسماك بألوانها المختلفة وأحجامها المتنوعة، وغير ذلك من عجائب البحر، كطحالبه وأشجاره وكهوفه، وما تجري فيه من المراكب والسفن العملاقة الحديثة، إذا انتقلت إلى هذه السواحل وبحارها، تجدد عندك الإحساس بعظمة الله في الكون حتى لتشعر أحياناً بأنك ولدت هذه اللحظة التي أحسست فيها هذا الإحساس، وشعرت هذا الشعور.
وقس على ذلك الذي يعيش في مدينة تناطح عماراتها السحاب، وتتلألأ فيها أنوار الكهرباء، وتصم الآذان فيها أصوات السيارات ومحركات المصانع، وتشغل فيها الفضائيات ذات البرامج المختلفة والأهداف المتنوعة السكان في داخل غرف نومهم، فيرحل من مدينته تلك إلى الأرض الفضاء المكسوة بالعشب والمراعي، تنتشر فيها قطعان الأنعام الثمانية، تسرح حيث تشاء، يشعر من يراها بجمال منظرها، المتنوع في الصغر والكبر والألوان، وكلها من آيات الله العظيمة، والهدوء التام يخيم على المنطقة والهواء الطلق يهب في جنباتها، إذ يتغلغل الأكسجين إلى الجسم صافياً سليماً من شوائب دخان المركبات والمصانع التي تملأ المدن وأجواءها.
رحلات مشاعر العبادة:
ومن الأمكنة التي يشعر الأساتذة والطلاب المسلمون بتغيير الأجواء فيها تغييراً يملأ القلب بالطمأنينة والنفس بالبهجة والراحة، مشاعر العبادة التي تفوق أي موقع في الأرض، وليتصور الأستاذ وطلابه أنهم انتقلوا من مسجد صغير في حيهم يؤمه عدد قليل من المصلين، إلى أكبر جامع في مدينتهم يؤمه الآلاف من المصلين، بل ليتصوروا أنهم انتقلوا من الجامع الأموي في دمشق إلى المسجد الأقصى، ثم انتقلوا من الأقصى إلى المسجد النبوي ونالوا حظهم من جوار قبر المصطفى صلّى الله عليه وسلم، في الروضة ما بين منبره وبيته الذي أصبح قبراً له ولصاحبيه، فيتذكرون في لحظات نزول جبريل صباح مساء في هذه البقعة المباركة، ويتذكرون تلك الحلقات التي كان الرسول صلّى الله عليه وسلم، يعقدها لأصحابه ليتلو عليهم فيها الآيات التي نزل بها جبريل عليه السلام، من السماء جديدة طرية، ويعلمهم هناك الكتاب والحكمة ويزكيهم، كما أمره الله.
كما يتصورون ألوية رجال الدعوة الذين كان صلّى الله عليه وسلم، يرسلهم لنشر دين الله بين الرعاة والرعية في البلدان المجاورة للمدينة وللجزيرة العربية جضاً لهم إلى الدخول في دين الله، وكذلك يتذكرون ألوية الجهاد التي كان يعقدها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لجحافل أصحابه مباشرة، لتأديب أئمة الكفر الذين يقفون سدوداً ضد البلاغ المبين الذي أمر الله به رسوله الأمين.
ثم انتقلوا إلى المسجد الحرام فطافوا وسعوا وجاوروا الكعبة المشرفة التي كانوا يستقبلون جهتها، فأصبحوا يستقبلون عينها، ويتذكرون ما لاقاه الرسول صلّى الله عليه وسلم، وأصحابه رضِي الله عنهم، من الأذى والفتنة من صناديد قريش الذين حاولوا بكل ما أوتوا من قوة لحماية 360 صنماً بجوار الكعبة من تأثير (لا إله إلا الله محمد رسول الله) صلّى الله عليه وسلم، فيجدون الكعبة قد طهرت من تلك الأصنام وحماتها، ولم يبق فيها إلا كلمة الله التي يرفعها المؤذنون في المسجد الحرام والآيات التي يتلوها أئمته في صلواتهم الخمس. كيف سيكون شعور أعضاء هذه الرحلة المباركة من الأساتذة والطلاب؟
رحلات الدعوة إلى الله وحمايتها
لقد كان الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام قدوة للأساتذة والطلاب في شدِّ الرحال للرحلات للتعليم والدعوة وطلب العلم، كما حصل لإبراهيم عليه السلام، وابنه إسماعيل عليه السلام، الذي رحل به إلى مكة وهو رضيع ولوط عليه السلام، وهكذا موسى عليه السلام، الذي رحل إلى مدين وبقي فيها ثماني سنوات أو عشراً، وفي طريقه وهو راجع من مدين إلى مصر اصطفاه الله لرسالته، كما رحل إلى لقاء الخضر لطلب العلم.
ورحل الصحابة رضِي الله عنهم، إلى الحبشة في هجرتيهم الأولى والثانية، ليتمتعوا بدينهم أحراراً من اضطهاد قريش وأذيتهم، بل رحل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وصحابته من المسجد الحرام إلى المدينة التي انطلق منها سفراء الدعوة وقادة الجهاد في سبيل الله إلى الأرض التي نشروا فيها دين الله في كل بقعة استطاعوا الوصول إليها.
ومَن مِن المسلمين لا يشتاق إلى الرحلة التي أمر الله إبراهيم عليه السلام، أن يدعوهم إليها، بعد أن رحل بابنه الرضيع "إسماعيل" وأمه "هاجر" عند بيته الحرام ليستقبلا فيه من استجاب لدعوة إبراهيم، الذي رفع قواعده: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)}. [براهيم] وقال تعالى أيضاً: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)}. [لحج]
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|