تعريف القواعد الأصولية
د. إسماعيل عبد عباس
الأصولية:
نسبةً إلى أصول الفقه، وفائدة هذا القيد - نسبتها الى أصول الفقه - هو إخراج قواعد العلوم الأخرى؛ إذ إن مفهوم القاعدة يختلف باختلاف العلوم، فهناك قواعد فقهية وقواعد نحوية وقانونية وغيرها، وللعلماء في تعريف أصول الفقه ثلاثة مذاهب:
الأول: أن أصول الفقه هي القواعد الأصولية نفسها، فعرفوا الأصول بأنه: القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية[1]، فجعلُوا أصُول الْفِقْه هي الْقَوَاعِد نَفسها، لَا الْعلم بهَا، وبه عرف جمع من الأصوليين القدامى والمحدثين منهم ابْن حمدَان وابْن مفلح[2]، وابن الهمام والشيخ الخضري[3]، وعبدالوهاب خلاف[4] وأبي زهرة[5].
الثاني: أن أصول الفقه هو الأدلة فقط، وبه عرف القَاضِي أَبُو يعلى والشيرازي والخطيب البغدادي، وابن قدامة وابن الحاجب وغيرهم[6].
الثالث: أن أصول الفقه أعم من القواعد والأدلة؛ إذ القواعد والأدلة جزاؤه، فجعلوا أصول الفقه ثلاثة أركان، وأوضح تعريف ما قاله البيضاوي وغيره بأنه: ((معرفة دلائل الفقه إجمالًا، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد))[7]، وهذا هو الراجح والله أعلم؛ لأن الدارس لأصول الفقه يجده يرتكز في تفصيل مسائله وتأصيل قواعده على هذه الثلاث: الأدلة الإجمالية، وطرق الاستنباط، ومباحث الاجتهاد والتقليد.
تعريف القاعدة الأصولية باعتبارها لقبًا وعلمًا:
لم يعرف علماء الأصول مصطلح (القواعد الأصولية) على وجه الخصوص؛ لأنهم استغنوا ببيان ماهية أصول الفقه عن ذلك على كلا المذهبين السابقين، فمن عرف الأصول بالقواعد، جعلهما مترادفين، فاستغنى بتعريف الأصول عن القواعد، ومن جعلها جزءًا من الأصول، اكتفى بتعريف الكل عن الجزء، أما بعض المعاصرين فقد حاول أن يضع تصورًا ومفهومًا للقواعد الأصولية منها:
1-تعريف الدكتور عبدالله الجديع؛ حيث قال: ((هي قواعد لغوية، متعلقة بألفاظ الكتاب والسنة ودلالتها، مستفادة من أساليب لغة العرب، تساعد المجتهد على التوصل إلى الأحكام الشرعية))[8].
ويلاحظ على التعريف أنه خص القواعد الأصولية باللغوية، ومعلوم أن القواعد الأصولية ليست محصورة في اللغة فقط، ثم لم يصف القواعد بالكلية؛ مما يجعل التعريف غير مانع من دخول القواعد الفقهية فيه، ومعلوم أن القواعد الأصولية كلية - عند القائل بها - والفقهية أغلبية.
2- وتعريف الأستاذ الدكتور محمد عثمان شبير؛ حيث قال: ((قضية كلية يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية))[9].
ويلاحظ فيه أنه أخرج حال المستدل وهو المجتهد الذي يستفيد حكم الله تعالى من الدليل، وكذلك أخرج القواعد الأصولية التي هي أدلة بذاتها، كتلك المتعلقة بحجية الأدلة التبعية كقاعدة "المصالح المرسلة حجة" [10].
والذي أختاره والله أعلم بالصواب أن القواعد الأصولية هي: "قضايا كلية - في رأي القائل بها - مطردة تندرج تحتها أنواع من الأدلة الأصلية والتبعية، يستخدمها المجتهد لاستنباط الأحكام الشرعية".
وذلك لأن التعبير بالقضية أولى؛ لتناول القاعدة جميع أركان المعرف على وجه الحقيقة، وكلية لما تتصف به من العموم والشمول لجميع فروعها، وهي متصفة بالاطراد لكونها لا تنخرم، مع تأكيد قيد في "رأي القائل بها"، حتى نخرج من إشكال خرم القاعدة ممن لا يأخذ بها ولا يقرها، فهي كلية عند من يقول بها.
ونعني بالأدلة الأصلية الكتاب والسنة، والتبعية غيرهما كالإجماع والقياس، والاستحسان، وغيرها من الأدلة التبعية الأخرى، وهي خاصة بالمجتهد؛ لأنه استقل دون غيره بقواعد لنفسه يبني عليها الفقه خارجًا عن قواعد المذاهب الأخرى، يستعملها لاستنباط الأحكام الفقهية، لأن الفروع تبنى على الأصول.
لذا يستلزم من الأصولي معرفة كل محتويات القاعدة وعناصر تكوينها وكيفية صياغتها، ومناهج تركيبها، وكذا معرفة كل ما يتعلق بالأصول كأدلته وطرق تفسير النصوص، وكيفية استخراج القواعد منها؛ لأن استنباط الأحكام عمل بشري يعتمد على فكر المجتهد وعلمه المحصن بقواعد الشرع وأصوله ومناهجه، وعملية صياغة القاعدة هي الأخرى عمل بشري، بدليل أن العلماء فيه عرضة للاختلاف، فكما أنهم قد يختلفون وهم يستنبطون الأحكام الشرعية، كذلك قد يختلفون وهم يقعدون هذه القواعد؛ لأن التقعيد بدوره استنباط، لكنه استنباط لأحكام كلية[11].
[1] ينظر هذا التعريف أو نحوه: مختصر ابن الحاجب: 1/ 53-54، شرح مختصر الروضة: 1/ 120، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب: 1/ 242-243، التوضيح شرح التنقيح: 1/ 51-55، مرآة الأصول مع حاشية الأزميري: 1/ 39، التقرير والتحبير: 1/ 41، التعريفات للجرجاني: 32، شرح الكوكب المنير: 1/ 44، إرشاد الفحول: 48.
[2] ينظر: التحبير شرح التحرير 1/ 173.
[3] ينظر: دراسات في أصول الفقه 167.
[4] ينظر: أصول الفقه؛ لخلاف ص12.
[5] ينظر: أصول الفقه؛ لأبي زهرة ص7.
[6] مختصر ابن الحاجب مع شرحه رفع الحاجب لابن السبكي: 1/ 243، وينظر: اللمع 6، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/ 192، وشرح تنقيح الفصول 15، والبحر المحيط 1/ 26، ونفائس الأصول 2/ 933، والتحبير شرح التحرير 1/ 173.
[7] نهاية السول شرح منهاج الوصول 7، وقريب منه تعريف إمام الحرمين في الورقات، والغزالي في المستصفى وغيرهم.
[8] تيسير علم أصول الفقه للجديع 211.
[9] القواعد الكلية والضوابط الفقهية؛ لشبير 67.
[10] نظرية التقعيد الأصولي: 62.
[11] ينظر: التقعيد الفقهي للروكي 30، 31، التقعيد الفقهي للسعيدي، 34، 35.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك