هل صلاة الكسوف واجبة أم مستحبة؟
محمد طه شعبان
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن صلاة الكسوف مستحبة؛ ولكنَّ الراجح – والله أعلم – أنها واجبة على الأعيان وتاركها عمدًا آثم؛ ودليل ذلك حديث أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ؛ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَ ا، فَقُومُوا، فَصَلُّوا»([1]).
وقد رُوِيَ الأمر بها عن أكثر مِنْ صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ((الصحيحين)) وغيرهما؛ والأمر يدل على الوجوب؛ وليس هناك صارف يصرف الأمر مِنَ الوجوب إلى وجوب الكفاية ولا إلى الاستحباب.
وقد قوَّى القول بالوجوب العلامة ابن القيم؛ قال رحمه الله: ((وقوله صلى الله عليه وسلم: ((خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة))، لا ينفي صلاةَ العيد؛ فإن الصلوات الخمس وظيفة اليوم والليلة، وأما العيد فوظيفة العام؛ ولذلك لم يمنع ذلك من وجوب ركعتي الطواف عند كثير من الفقهاء؛ لأنها ليست من وظائف اليوم والليلة المتكررة، ولم يمنع وجوب صلاة الجنازة ولم يمنع من وجوب سجود التلاوة عند مَنْ أوجبه وجعله صلاة، ولم يمنع من وجوب صلاة الكسوف عند مَنْ أوجبها من السلف وهو قول قوي جدًّا))اهـ([2]).
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((واستدل الذين قالوا بأنها سُنَّة بما يلي:
1- الحديث المشهور في قصة الذي جاء يسأل عن الإسلام؛ وذكر له النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، قال: هل عليَّ غيرها؟، قال: «لا إلا أن تطوع».
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن في آخر حياته في السَّنَةِ العاشرة، وقال: «أخبرهم بأن الله فرض عليهم خمس صلوات»، ولم يذكر سواها.
قالوا: هذان الحديثان، وأمثالهما يدلان على أن الأمر بالصلاة في الكسوف للاستحباب، وليس للوجوب.
والذين قالوا بالوجوب قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصلوات الخمس؛ لأنها اليومية التي تتكرر في كل زمان وفي كل مكان، أما صلاة الكسوف، وتحية المسجد على القول بالوجوب، وما أشبه ذلك، فإنها تجب بأسبابها، وما وجب بسبب فإنه ليس كالواجب المطلق.
قالوا: ولهذا لو نذر الإنسان أن يصلي ركعتين لوجب عليه أن يصلي مع أنها ليست من الصلوات الخمس، لكن وجبت بسبب نذره، فما وجب بسبب ليس كالذي يجب مطلقًا.
وهذا القول قوي جدًّا، ولا أرى أنه يسوغ أن يرى الناس كسوف الشمس أو القمر ثم لا يبالون به، كل في تجارته، كل في لهوه، كل في مزرعته، فهذا شيء يخشى أن تنزل بسببه العقوبة التي أنذرنا الله إياها بهذا الكسوف؛ فالقول بالوجوب أقوى من القول بالاستحباب، وإذا قلنا بالوجوب؛ الظاهر أنه على الكفاية))اهـ([3]).
قلت: مع جزم العلامة ابن عثيمين هنا بأنها فرض على الكفاية إلا أنه قال في موضع آخر: ((وقد اختلف العلماء رحمهم الله هل صلاة الكسوف للشمس أو القمر واجبة يأثم الناس بتركها أو أنها مستحبة؛ فذهب أكثر العلماء إلى أنها مستحبة؛ ولكنَّ القولَ الراجحَ أنها فرض واجب إما على الكفاية وإما على الأعيان؛ وذلك لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها - أي الصلاة - وفعله لها، وفزعه من أجل ذلك، وقوله: ((إن الله يخوف عباده بهذا الكسوف)) ومعلوم أن مقام التخويف ينبغي فيه بل يجب فيه اللجوء إلى الله عز وجل حتى نكون منيبين إليه؛ فالصواب أنها واجبة إما على الكفاية أو على الأعيان، ولا يجوز لأحد أن يتخلف عنها إذا قلنا إنها فرض عين، أما إذا قلنا إنها فرض كفاية وقام بها من يكفي فإنها تسقط عن الباقين))اهـ([4]).
قلت: والقول بأنها واجبة على الأعيان هو الراجح؛ لعدم وجود الصارف. والله أعلم.
[1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1041)، ومسلم (911).
[2])) ((الصلاة وحكم تاركها)) (14، 15).
[3])) ((الشرح الممتع)) (5/ 181، 182).
[4])) ((فتاوى نور على الدرب)) (8/ 2).
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك