تعريف الضابط الفقهي
د. إسماعيل عبد عباس
الضابط لغةً:
من الضبط، وهو الشدة والحزم والحفظ، يقال: رجل ضابط؛ أي: شديد حازم.
وفي الاصطلاح الفقهي:
قضية كلية فقهية منطبقة على فروع من باب واحد، فالتعريفان سيان إلى قولنا: منطبقة على فروع، ويفترقان بعد ذلك، فالقاعدة الفقهية تنطبق على فروع من أبواب، بينما ينطبق الضابط الفقهي على فروع من باب واحد.
الضوابط الفقهية: في اللغة: جمع ضابط وهي مأخوذة من الضبط، وهو لزوم الشيء وحبسه، قال الليث: الضبط لزوم شيء لا يفارقه في كل شيء، وضبط الشيء حفظه بالحزم، والرجل الضابط: هو الحازم القوي الشديد[1].
وفي الاصطلاح اختلف فيه العلماء على قولين:
الأول: القاعدة بمعنى الضابط، ولا يوجد فرق بينهما، وممن قال بذلك الفيومي وابن الهمام[2]، وقد انتقد تاج الدين السبكي إطلاق (الضوابط) على القواعد والتعريفات، فقال: (وعندي أن إدخالها في القواعد خروج عن التحقيق، ولو فتح الكاتب بابها لاستوعب الفقه وكرره، وردده، وجاء به على غير الغالب المعهود، والترتيب المقصود، فحير الأذهان، وخبط الأفكار)[3].
ولربما مقصد الفيومي وابن الهمام وغيرهما من عدم التفريق بين القاعدة والضابط من حيث اللغة؛ كما قال الدكتور الباحسين: "إن بعض العلماء أطلق الضابط على تعريف الشيء، وعلى المقياس الذي يكون علامة على تحقق معنى من المعاني، وعلى تقاسيم الشيء، وعلى أحكام فقهية عادية، وأطلاق الضوابط على هذه الأمور يجعلنا نختار تفسير الضابط بمعنى أوسع مما ذكروه، فنحمل الضابط على معناه اللغوي الدال على الحصر والحبس، فالضابط هو كل ما يحصر ويحبس، سواء أكان بالقضية الكلية، أم بالتعريف، أو بذكر مقياس الشيء، أو بيان أقسامه[4].
الثاني: أن معنى الضابط يختلف عن معنى القاعدة، وأن هناك فرقًا بينهما، وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء[5]، وهو ما ذهب اليه ابن نجيم[6] فقال في الفن الثاني من "الأشباه": الفرق بين الضابط والقاعدة: (إن القاعدة تجمع فروعًا من أبواب شتى؛ والضابط يجمعها من باب واحد، هذا هو الأصل)[7].
أما السيوطي[8] رحمه الله فقد بيَّن هذا الفرق في الفن الثاني من كتابه "الأشباه والنظائر في النحو"؛ يقول: (مما اشتمل عليه الكتاب ... في الضوابط والاستثناءات والتقسيمات، وهو مرتب على الأبواب لاختصاص كل ضابط ببابه، وهذا هو أحد الفروق بين الضابط والقاعدة؛ لأن القاعدة تجمع فروعًا من أبواب شتى، والضابط يجمع فروع باب واحد)[9].
وهذا ما جنح اليه أبو البقاء[10] في "الكليات"؛ إذ قال بعد أن عرف القاعدة: (والضابط يجمع فروعًا من باب واحد)[11].
والضابط في الاصطلاح: هو ما انتظم صورًا متشابهة، في موضوع واحد من أبواب الفقه، يكشف عن حكم الجزئيات التي تدخل تحت موضوعه[12]، ووضح هذا الفرق العلامة تاج الدين السبكي[13] (ت ٧٧١هـ) بعد أن ذكر تعريف القاعدة، فقال: ومنها ما لا يختص كقولنا: اليقين لا يزال بالشك، ومنها ما يختص كقولنا: كل كفارة سببها معصية فهي على الفور، الغالب فيما اختص بباب وقصد به نظم صور متشابهة أن يسمى ضابطًا[14]، فقيل: (ما اختص بباب وقصد به نظم صور متشابهة)[15]، وقيل: (حكم كلي فقهي ينطبق على فروع متعددة من باب واحد)[16]، وغير ذلك من التعريفات.
مثال الضابط: (الكفارة سببها معصية فهي على الفور)، و(الأصل في الماء الطهارة)، و(ما لا يمكن الاحتراز عنه من النجاسات يعفى عنه)[17].
[1] ينظر: ابن منظور، لسان العرب: 5/ 457، الزبيدي، محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني، أبو الفيض، الملقب بمرتضى، الزبيدي (ت 1205هـ) تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية: 19/ 439 باب الطاء مادة: ضبط.
[2] الفيومي، أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس (ت770هـ) المصباح المنير المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المكتبة العلمية – بيروت، 2/ 510.
[3] الأشباه والنظائر للسبكي، 2/ 306
[4] القواعد الفقهية المبادئ المقدمات: د. يعقوب عبدالوهاب الباحسين، ص66، مكتبة ابن رشد، (1418هـ).
[5] وممن قال بهذا القول: السبكي، الأشباه والنظائر: 1/ 11، والزركشي، تشنيف المسامع 3/ 364، والسيوطي، الأشباه والنظائر:1/ 9، وابن نجيم الأشباه والنظائر 137، وابن النجار شرح الكوكب المنير:1/ 30، والكفوي الكليات: 728، والتهانوي كشاف اصطلاح الفنون 886، والبناني، حاشية العلامة البناني على شرح الجلال المحلي 1/ 21، وقد مال إلى هذا القول أكثر المعاصرين؛ ينظر: الندوي، القواعد الفقهية:46، يعقوب الباحسين، القواعد الفقهية: 58.
[6]ابن نجيم: زين الدين بن إبراهيم بن محمد الحنفي، كان عالِمًا محققًا فقيهًا وأصوليًّا، توفي سنة (970)هـ في مصر من أشهر مؤلفاته: الأشباه والنظائر، البحر الرائق شرح كنز الدقائق؛ ينظر: شذرات الذهب في أخبار من ذهب؛ لعبدالحي بن العماد الحنبلي، 8/ 358، دار ابن كثير، دمشق، ط1 (1406)هـ، الفوائد البهية، ص134، الأعلام، 3/ 64.
[7] الْأَشْبَاهُ وَالنظَائِرُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِيْ حَنِيْفَةَ النعْمَانِ: الشيْخ زَيْنُ الْعَابِدِيْنَ بْنِ إِبْرَاهِيْمِ بْنِ نُجَيْمٍ، ت (970هـ)، ص166 دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط (1400هـ=1980م).
[8] السيوطي: هو عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري السيوطي، جلال الدين أبو الفضل أصله من أسيوط، ونشأ بالقاهرة يتيمًا، وقضى آخر عمره ببيته عند روضة المقياس إذ انقطع للتأليف، كان عالِمًا شافعيًّا مؤرخًا أديبًا، وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه والفقه واللغة، كان سريع الكتابة في التأليف، ولما بلغ أربعين سنة أخذ في التجرد للعبادة، وترك الإفتاء والتدريس وشرع في تحرير مؤلفاته، فألَّف أكثر كتبه، مؤلفاته تبلغ عدتها خمسمائة مؤلف؛ منها (الأشباه والنظائر) في فروع الشافعية؛ و(الحاوي للفتاوى)، و(الإتقان في علوم القرآن)؛ ينظر: شذرات الذهب 8 / 51، والضوء اللامع 4 / 65، والأعلام 4 / 71.
[9] الأشباه والنظائر في النحو، 1/ 71.
[10] أبو البقاء: هو أيوب بن السيد شريف موسى الحسيني، أبو البقاء من أهل (كفا) بالقرم، من قضاة الأحناف توفى وهو قاض بالقدس، ت (1094 هـ )، من تصانيفه: (تحفة الشاهان) تركي في فروع الحنفية و(الكليات) في اللغة.
ينظر: هدية العارفين 1 / 229، ومعجم المؤلفين 3 / 31، والأعلام للزركلي 1 / 383.
[11] الكليات لأبي البقاء، فصل القاف، القسم الرابع، ص ٧٢٨.
[12] الكيلاني، عبدالرحمن، قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي: 42، عبدالعزيز محمد عزام، القواعد الفقهية: 28.
[13] ابن السبكي (تاج الدين): هو عبدالوهاب بن علي بن عبدالكافي السبكي الشافعي، أبو نصر قاضي قضاة عصره، ولد في القاهرة سنة (727)هـ، وانتقل مع والده إلى دمشق فسكنها وتوفي فيها (771)هـ، من مصنفاته: طبقات الشافعية الكبرى، جمع الجوامع.
الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعمرين والمستشرقين؛ خير الدين الزركلي، 4/ 184، ط3 (1389هـ ـ 1969م) بيروت، معجم المؤلفين 6/ 225ـ226.
[14] الأشباه والنظائر، للسبكي، 1/ 11.
[15] الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 11.، الكليات للكفوي 728.
[16] القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية في كتابي الطهارة والصلاة، ص129.
[17] البياتي، القواعد الفقهية الكبرى: 17.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك