ليس دفاعاً شيخ الإسلام ابن تيمية.. بل دفاعاً عن الحق
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
مقدمة:
كان شيخ الإسلام ابن تيمية فريد عصره يعيش في غربة الإسلام يدافع عن الحق ولا يخشى في الله لومة لائم، اتهم كثيرا، بل وصلت الإتهامات - في عصره - إلى تكفير بعض الناس له؛ فلم يكفر شيخ الإسلام من كفره! بل كان يناظرهم ويرد عليكم ليقيم الحجة ويظهر الحق.
يمحق الله التعصب الأعمى الذي يجعل الإنسان يكره ويحب وفقا لهواه ولهوى رفقائه، بل يجب أن يتجرد العبد المخلص طالبا الحقيقة من الله ويسلك في ذلك سبل أهل العلم بالبحث والسؤال والتنقيب مع صدق اللجوء إلى الله ليفتح عليه ما ستغلق ويعلمه ما يجهل.
رأيت وسمعت وقرأت طعنات في إمام الدنيا في الحديث الحافظ الثبت الجبل الإمام البخاري، وكذلك في شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله، طعنات غادرة.. لأنها لم تتحر الإنصاف، فاجرة.. لأنها لم تتقي الله فيما تقول وفيما تنقل، ولو كان ابن تيمية مخالفاً للكتاب والسنة فوالله ثم والله لتبرأنا منه كما تبرأنا من غيره من المبتدعة وأهل الضلال، فإننا نعبد الله تعالى وحده ولا نعبد ابن تيمية ولا اتباعه؛ لكن كيف والرجل مظلوم ظلما بيناً ظاهراً ..يفترون عليه ما لم يقله، ويتأولون عليه ما لا يقصده، يبترون النقولات عنه بتراً يصرخ بسوء نياتهم وتعمدهم للكذب عليه..يستخدمون محركات البحث لإستخراج ما يشتهون من الوقيعة في هذا الإمام الكبير شيخ الإسلام في عصره والعصور التي بعده..رحمك الله يا ابن تيمية..لا بأس..فكل هذه الطعنات في ميزان حسناتك يوم القيامة.
الموضوع طويل ومتشعب للغاية لأن الطاعنين كُثُر والطعنات متنوعة متعددة قديما وحديثا، ولكني سأحاول أن أقدم لمن يريد الحق - ولا شئ إلا الحق - بعض ما وقفت عليه من علم هذا الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واضعا نصب عيني كلمة تلميذه الإمام ابن القيم وهو يتحدث عن الهروي: (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين 3/ 366) شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَبِيبُنَا، وَلَكِنِ الْحَقُّ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْهُ. ولذا فلا ندعي العصمة لشيخ الإسلام ابن تيمية، بل هو بشر مجتهد يصيب ويخطئ فنتابعه فيما يصيب ونعذره لو أخطأ بدون اتباع للخطأ، ولا ننسب له أخطاء هو منها برئ.
من هم الطاعنون في ابن تيمية؟ ولماذا ابن تيمية بالذات؟
كان بوسع ابن تيمية أن يعيش في هدوء، يجاري ما حوله..يصانع ..يداهن..يسكت لتمر الأيام بحلوها ومرها كما يفعل كثير من الناس، ويجد المبررات جاهزة لسكوته هذا!
ولكنه ابن تيمية..الصادع بالحق..المبين للناس ما يجب عليه أن يبينه لهم ((ﻭَﺇِﺫْ ﺃَﺧَﺬَ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﻣِﻴﺜَﺎﻕَ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺃُﻭﺗُﻮﺍ ﺍﻟْﻜِﺘَﺎﺏَ ﻟَﺘُﺒَﻴِّﻨُﻨَّﻪُ ﻟِﻠﻨَّﺎﺱِ ﻭَﻻ ﺗَﻜْﺘُﻤُﻮﻧَﻪُ ﻓَﻨَﺒَﺬُﻭﻩُ..)) فوقف موقف الإمام الذي يؤتم به، القدوة بين العلماء، مع علمه بأن هذا قد يفتح عليه أبواباً قد لا تنغلق مرة أخرى، فقام الحساد والطامعين بل حتى الغوغاء والجهلاء..كل إناء بما فيه ينضح!
لم يسكت ابن تيمية على أي فرقة من فرق الضلال فرد عليهم وأفحمهم وكشف عوراهم بفتاواه ورسائله التي ملأت الآفاق، ناظر وثابر، كتب وحرر، دقق وحقق
فضح الباطنية والنصيرية والبهائية ..ورد على غلاة الصوفية ومتعصبي الأشعرية..دحض اليهود والنصارى .. كشف الفلاسفة والمتكلمة..فلم يدع ميدانا للجهاد إلى واقتحمه بقلمه السيال..
فنحن أمام رجل موسوعي..إذا كتاب وصنف وناظر..فقد يأتي بما تعجز المجمعات العلمية على أن تأتي بمثله، رجل ليس بذلك الغرّ الهين؛ بل هو راسخ في العلم؛ عالم بما يقول..إنه ابن تيمية شيخ الإسلام.
وما أشبه الليلة بالبارحة! تدور الأيام ويأتي اليوم كل مبتعد عن السنة، زائغ يريد أن يهاجم صحيح الإسلام وصريح السنة، ولا يريدون -بالطبع- أن يكشفوا عن أغراضهم الدنيئة ونواياهم الخبيثة حتى لا تنكشف مؤامراته؛ فيدلسون على العامة بأنهم يريدون الإسلام الوسطي وصحيح الدين، وأن الدين قد تم تحريفه وأنهم هم المهتدون المعتدلون وأن أئمة الدين هم الجهلة والفسقة والقتلة والظلمة!
قَالَ صلى الله عليه وسلم : مسند أحمد ط الرسالة (11/ 64) " وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالتَّفَاحُشُ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَسُوءُ الْمُجَاوَرَةِ، وَحَتَّى يُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ وَيُخَوَّنَ الْأَمِينُ " (وصححه شاكر والأرناؤوط لغيره)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط (5/ 162)
"سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ" قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: "الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ" رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما وقال شاكر والأرناؤوط حديث حسن). قال ابن الأثير: (النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 185): الرُّوَيْبَضَةُ، تَصْغِيرُ الرَّابِضَةُ وَهُوَ الْعَاجِزُ الَّذِي رَبَضَ عَنْ مَعَالي الأمُور وقعَد عَنْ طَلَبها، وَزِيَادَةُ التَّاء للمبالغَة. والتَّافه: الخَسِيس الحَقِير.
فأصبح حالهم يذكرنا بقول فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } [غافر: 26] لقد أرتدى فرعون هنا زي حامي الدين ومِن مَن؟ من موسى الذي يبدل الدين ويظهر الفساد في الأرض!! إدعاء فاسد قديم يتلبس به كل محارب للدين وأهله، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11، 12]
يأتي اليوم الذي يرمي فيه المبتدعة شيخ الإسلام وحامي السنة بالبدع والتكفير، ويرميه أكثر الناس بعداً عن السنة النبوية بأن شيخ الإسلام يخالف السنة النبوية، ولكن ها هي السنة النبوية محفوظة بين أيدينا فضلا عن الكتاب الكريم الذي { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 42].
فلنبدأ بالكلام في الدفاع عن ابن تيمية، ثم لعل الله يقدر لنا أن نكتب طرفاً عن الإمام البخاري رحمهما الله، سائلين الله التجرد والإخلاص في القول والعمل.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
« آخـــر الــمــواضــيــع »
ليس دفاعاً شيخ الإسلام ابن تيمية.. بل دفاعاً عن الحق
العرض العادي
