شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى التفسير
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: مصحف القران مقسم صفحات الحصري مرتل مع توسط المنفصل بجودة 32 ك (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف القران مقسم صفحات هاني الرفاعي بجودة 64 ك ب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف القران مقسم صفحات مشاري العفاسي مع مد المنفصل بجودة 32 ك (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف القران مقسم صفحات الشاطري بجودة 128 ك ب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف القران مقسم صفحات الشاطري بجودة 64 ك ب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف السديس مقسم صفحات بجودة 32 ك ب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف القران مقسم صفحات السديس بجودة 64 ك ب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف القران مقسم صفحات عبد الباسط مجود بجودة 64 ك (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف القران مقسم صفحات العجمي (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: صلاح بو خاطر مصحف القران مقسم صفحات صلاح بوخاطر بجودة 128 ك (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 04-26-2015, 12:56 PM
ملتقى اهل التفسير ملتقى اهل التفسير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,232
افتراضي تحليل ونقد مختصر لتجربة ا/ سيد قطب - رحمه الله - في التفسير

تحليل ونقد مختصر لتجربة ا/ سيد قطب رحمه الله في التفسير
بعد حمد الله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه.. وبعد الصلاة والسلام العظيمين من رب العباد على سيد العباد محمد ومن تبعه ومن والاه من السواد... أقول – بحول الله وقوته.. لا بحولي ولا قوتي:
إن الله سبحانه قد بعث رسوله صلى الله عليه وسلم- وجعله نورا .. فقال له سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} .. فكان عليه السلام سراج الدنيا أجمعها من ظلماتٍ تراكمت بعضها فوق بعضٍ.. وتشتد في كل يومٍ؛ بل و في كل لحظةٍ حاجتنا لهذا النور بقدر ما تشتد ظلمات الأفكار الهدامة والعقائد الفاسدة والمذاهب العفنة والفلسفات المضللة...ثم إن نور النبوة المحمدية يحوطه نور الرسالة السماوية للأرض في كلام الله سبحانه الذي بعثه نورا وقرآنا مبيناً .. {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} .. {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9)} .. والإسلام في حقيقته الأولى نورٌ ينور الله به قلب مَن اختاره من عباده لمعرفة الحقيقة الأسمى والأرقى في الوجود.. حقيقة وجود الله سبحانه وأنه الخالق الرازق المدبر القائم على الوجود بما يصلحه ، وأنه وحده يستحق العبادة لا سواه وكل ما ينضوي تحتها من معانٍ و وأعمال وسلوك ، وأنه سبحانه له كل وصف كمالٍ وكل معنى جمالٍ وجلالة ، وأنه لا يشبه خلقه وقد تعالى وعلا عن ما خلق علوا كبيراً...
هذه المعاني تعلق في قلوب المختارين من الله لاعتقاد الحق والعمل به فتغرس بها أشجار الإيمان التي ترمي بظلالها وثمارها عملاً صالحاً وإعمارا للحياة على نورٍ من الله العلى الكبير الذي سمى نفسه النور سبحانه...( فإِن الله سبحانه غرس شجرة محبته ومعرفته وتوحيده فى قلوب من اختارهم لربوبيته، واختصهم بنعمته، وفضلهم على سائر خليقته، فهى {كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السّمَآءِ تُؤْتِيَ أُكُلَهَا كُلّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا} [إبراهيم: 24-25] ، فَكَذَلِكَ شَجَرَةُ الإِيمان أَصلها ثابت فى القلب وفروعها الكلم الطيب والعمل الصالح فى السماءِ، فلا تزال هذه الشجرة تخرج ثمرها كل وقت بإِذن ربها من طيب القول وصالح العمل ما تَقَرُّ به عيون صاحب الشجرة وعيون حفظته وعيون أَهله وأَصحابه ومن قرُب منه..
فإِن من قَرَّت عينه بالله سبحانه قرت به كل عين ، وأَنس به كل مستوحش، وطاب به كل خبيث ، وفرح به كل حزين، وأَمِن به كل خائف، وذَكَّرت رؤيته بالله، فإِذا رُؤى ذُكر الله فاطمأَن قلبه إلى الله، وسكنت نفسه إلى الله، وخلُصت محبته لله ، واقتصر خوفه على الله وجعل رجاءَه كله لله..
فإِن سمع سمع بالله، وإِن أَبْصر أَبصر بالله، وإن بطش بطش بالله، وإِن مشى مشى بالله، فبه سبحانه يسمع ، وبه يبصر ، وبه يبطش ، وبه يمشى.. فإِذا أَحب فللَّه ، وإِذا أَبغض أبغض لله ، وإِذَا أَعطى فللَّه، وإِذَا منع فللَّه، قد اتخذ الله وحده معبوده ومرجوه ومخوفه وغاية قصده ومنتهى طلبه، واتخذ رسوله وحده دليله وإِمامه وقائده وسائقه، فوحَّد الله بعبادته،ومحبته، وخوفه، ورجائِهِ ، وإفراد رسوله بمتابعته والاقتداءِ به والتخلق بأَخلاقه والتأَدب بآدابه ) ..
فأى عظمةٍ في الحياة من هذه المعاني التي تسمو في عبادة الله وحده على نور نبيه ونور كلامه إلى منتهى التحرر من عبادة النفس والدنيا والمادة والعبيد والمخلوقات مهما كانوا.. تسمو إلى عبادة الله وحده الكامل العظيم في ذاته وصفاته وأفعاله....إنه الإيمان بالنور .. ذلك النور التام في المقاصد وفي المنهج والوسائل.. بحيث نسير على نور الله فلا نصطدم في الحياة بما هو أقوى منا فيكسرنا أو نصطدم بما هو أضعف فنكسره.. وهكذا يوجد النور في حياتنا الحق والجمال والخير والتوازن والعدل والرحمة والخُلُق الرفيع والآداب العالية....
هذا هو النور الذي يجعل الحياة حياة.. وليس موتا في صورة الحياة.. للذين يعيشون في ظلمة الجسد والشهوة والمادة ... فالحياة على نور الله حيوات كثيرة.. والعيش في ظلمات الضلال موت مُقنَّع .. {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)} ..
إذا كان هو النور السماوى، وهذه ظلماتنا قد تركناها حتى أصدأت قلوبنا وعقولنا ؛ ووارت أرواحنا في غياهب المادة ، وسفيه الحياة، وخسيس المبادئ والمقاصد .. وإذا كان النور يُعرض علينا كل يوم فيمر بساحاتنا مرور الكرام لا نشعر بوجوده ولا يمس حياتنا من قريبٍ او من بعيدٍ... فقد حانت لحظة الوقوف الجادة مع أنفسنا، والمراجعة الحازمة لمنهج حياتنا، وتذوق القرآن، وتدبر معانيه للاستنارة بهذا النور الرباني والخروج من ظلماتنا المتكاثفة المتراكمة، والعودة بالقرآن ومبادئه وأخلاقه لميدان العمل في الحياة والتأثير في الأرواح والقلوب والعقول.. واتخاذه الأصل والأساس في الدعوة إلى الله تعالى وإلى جميل الأخلاق وعظيم الآداب....
وهنا يجب علينا أن نسير (على أضواء القرآن)...
أسباب انصراف المثقفين إلى التفاسير الحركية وخطورته.
وقد كنت شغوفا ولا زلت بمطالعة كتب علمائنا – من أهل السنة وحتى غيرهم – في تفسير القرآن العظيم وتدبر آياته.. وهى كتب مفيدة جدا ورائعة في أسلوبها العلمى على اختلاف طبقاتها ومقاصدها سواء في نواحى التفسير اللغوي أو الفقهى أو الأثري أو غير ذلك ، ولا غنى عنها لطالب العلم والفهم في كتاب الله.. وكل من يحاول تدبر القرآن فمن معينها ينهل..
ولكن مع قصور الهمم وانشغال الناس بالدنيا وقلة السالكين لدروب العلم.. صارت هذه الكتب كالطلاسم لا يكاد المرء يجد من يهتم باستخراج كنوزها وتحقيق معانيها..
كما أنه مع تطور العلوم الإسلامية من فقهٍ وعقيدةٍ وسيرةٍ وتاريخٍ وغيرها ، وتعدد البحوث المستقلة فيها بناءا على الكتاب والسنة والاجتهاد .. لم يعد استيعاب كل تلك العلوم في كتب التفسير على سبيل الاستقصاء والاستيعاب ضرورةً كما كان في الماضي في أزمان علمائنا من أهل التفسير .. وكذلك ابتعادنا الكامل عن موارد اللغة العربية وأصولها حتى لتجد أكثرنا ثقافةً قارئ جرائد.. وذلك كله فضلا عن العجز المروع في عدد وعدة طالبي العلوم الشرعية.
كل ذلك وأكثر جعلنا وجعل شبابنا نهباً لكثيرٍ من محاولات فهم القرآن وتدبره وتفسيره .. وهى محاولاتٌ جديدة متحررة نوعا ما من قيود كتب الماضين منها الموفق ومنها المضلل .. والذي قد يكون خطيراً جدا على الدعوة الاسلامية وتوجيه مثل هؤلاء الشباب في طريق الحياة...

ومن هؤلاء الذين أثروا كثيرا في عقلية ومنهجية هؤلاء الشباب ا/ سيد قطب في تفسيره الذي أسماه ( في ظلال القرآن)، ذلك ( التفسير الدعوى الحركي) الذي نال شهرة فائقة بين جموع مثقفي الإسلام وخاصةً شباب الصحوة..
ولا أحب ان أترك هذه الفرصة قبل أن أبين مفهوم الحركية الذي بنى عليه سيد قطب تفسيره .. والحركية مصطلح من أدبيات الدعوات الإسلامية الإصلاحية المعاصرة أُطلق على المنهجية التي تتبنى فكرة العمل الإسلامي من خلال ( الحركات الإسلامية) التي تستمد مواردها من قواعد ونماذج لحركة الرسول في دعوته المباركة ، وحركات دعوات الأنبياء قبله .. ولكن المشكلة هى في كل هذه الحركات هى في اعتماد فكرهم واستنباطاتهم أساسا لفهم حركة الدعوة المحمدية الإسلامية، وليس العكس ، وهو ما أوقعهم في كثير من التشرذم والاختلاف حول المبادئ العامة والجزئية ، وحول أساليب العمل الإسلامي ، وحول الأولويات التى لا يمكن تأجيلها والأمور الجانبية التي يمكن التغاضي عنها .. وحول نظرتهم للمجتمع ولكيفية إصلاحه.... وهذا كله إن صار مؤداه النقض والتشاحن والاتهامات المتبادلة وادعاء العصمة لكل جماعة على حدة، فهو من نوع التفرق المذموم الذي أخبر الصادق المصدوق بوقوعه في أمته كما وقع في الأمم من قبله ... والعمل الإسلامي قد أوضح الإسلام قواعده وأسسه على مستوى الفرد والمجتمع ، وبيَّن الرسول صلوات الله عليه - وبكل بساطةٍ وعمقٍ - منهاجه وطرائقه ، ونقلها العلماء العاملين من سلفنا الصالح.. فلا حاجة بعد ذلك لتكلف مناهجٍ وطرقٍ وحركياتٍ تفتتنا وتشرذمنا وتوهننا وتبعدنا عن معين الإسلام الصافي كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

ولعل تفسير ( في ظلال القرآن) هو مثال صارخ على تبني مثل هذا المنهج الحركي في توجيه معاني كتاب الله سبحانه .. وهذه من أول النقاط الخطيرة التي توقف العلماء في وجه هذه المحاولة التفسيرية ..
ولعل أهم ما شد الشباب إلى هذه المحاولة في التفسير وجعل الكثيرون - وحتى من بين طلبة العلم - يدافعون عنها ويتبنون كل الطرق في الاعتذار لسيد قطب وأخطائه فيها:
1. أسلوب الكاتب الأدبي المنمق الذكى الجذاب.. والذي يأخذ بالألباب بتصويره الأدبي والفكري المنظم الساحر.. وهذا أمرٌ يفتقده الشباب في التفاسير القديمة التي تلتزم بالمنهج العلمي والعبارات الدقيقة التي ربما يعلوها الجفاف اللغوي والعلمي فتعافها نفوس هؤلاء الشباب الذين اختلت عندهم ملكات التذوق الرصينة للغة والتعبيرات الدقيقة، خاصة مع البعد السخيف عن دراسة العلوم الشرعية والتعمق في علوم اللغة وآدابها...وهو ما جذب القراء العاديون إلى ظلال سيد قطب وكتبه.
2. تصور سيد قطب لفكرته ومنهجه الواضح والمنظم وغريب استنباطاته من الآيات والأحداث واستخدامه الجيد لتلك الاستنباطات والتحليلات في بناء فكرةٍ ذات أرضيةٍ متينة تجذب عقول الشباب المتشوقة لمثلٍ يقود فهمها ويوجهها في طريق الصحوة.
3. دفاع سيد قطب المستميت عن أفكاره ، وعرضها بكل طريقةٍ ، وتفننه في ايجاد الوسائل والأساليب المغرية في عرضها والدفاع عنها، وهو ما جعل ملكة الحماسة والاندفاع في الشباب تميل إليه مع أسلوبه الجذاب وشعاراته البراقة ، وثورية أفكاره ، ومنمق حججه ، وتلك كلها جواذبٌ ودوافعٌ تدفع الشباب ؛ وخصوصا شباب الصحوة للإعجاب برأيه وأسلوبه وطريقته .. فلربما تجد الحق ؛ ولكن لا تجد من يدافع عنه ويعرضه بما يستحق أن يظهر فيه وبه من الأساليب والطرق الجذابة المغرية، خصوصاً وقد دفع سيد قطب رحمه الله دمه ورقبته فداء ما يؤمن به من أفكار، وهذا بحد ذاته ترويج لاي يقاوم لفكره وحركته...
4. الظروف الاجتماعية والسياسية التي روجت لهذا الأسلوب في الطرح .. ظروف الانتكاسة الحضارية والأخلاقية والدينية والهزائم التي مُنى بها المسلمون .. مما جعل نفوس الشباب مهيئة لمثل هذا الطرح الثوري والأسلوب الانتفاضي القريب من مستوى ثقافاتهم وميولهم ، والمعروض عليهم بطريقةٍ جذابةٍ ، ومنهجيةٍ منظمةٍ ، وشعاراتٍ براقةٍ ترضي تلك النزعة في الشباب الرافضة للواقع الإسلامي المرير .. خصوصا وقد تراجع دور الدعاة المخلصين ، الراسخين في العلم ، المتفننين في إيصال أفكار الدين المعتدل وتبيين معالم الصراط المستقيم بكل علمهم وفنهم وحماستهم للناس .
هذه كانت بعض الأسباب التي دعت الشباب ودعاة الصحوة للاستجابة والترويج لمحاولاتٍ جديدةٍ في فهم وتوجيه معاني القرآن على أيدي بعض المروجين للمنهج الحركي في فهم الإسلام من أمثال حسن البنا وسيد قطب ومحمد الغزالي وسعيد حوي و...غيرهم .
ولكن كان يشوب كل تلك المحاولات شوائب انحرافٍ تجعل منها مصدر خطرٍ على الدعوة الاسلامية في توجيهها وتسييرها بعيدا عن مسارها ومنهجها النبوى السديد..

المزالق والكبوات التي وقع فيها سيد قطب

ولعلنا إن قصدنا النقد البنَّاء والنَصوح ؛ وليس المتحامل لمحاولة سيد قطب التفسيرية والتي حاولت أن تقرب معاني القرآن من معترك الحياة لدينا وطريق الدعوة في حياتنا المعاصرة في كتابه ( في ظلال القرآن ) وما يلحقه من كتبه التي مهدت له أو انبجست منه مثل ( التصوير الفني في القرآن الكريم ، ومشاهد القيامة في القرآن ، ومعالم في الطريق ...) – كمثالٍ للتفاسير على المنهج الحركي في فهم القرآن الكريم .. وقبل كل شئ هى محاولة لها ما للتجارب من حسنات وعليها ما عليها من فشل وسقطات ..
ولكننا – وللأسف – ومع كل مميزات هذا التفسير وهذه المحاولة الجيدة في أسلوبها وغرضها الأساسي سنجد كثيرا من الشوائب المنهجية في كتاب الظلال وتوابعه ..
ولعلنا حين نتحدث عن المزالق الخطيرة التي انزلق فيها تفسير سيد قطب نقف عند منهجيته في تلك المحاولة التفسيرية والتي يحددها معلمان كبيران ..
أولهما : منهجه الأدبي المغالي في التعرض لفهم القرآن والتعبير عن معانيه ..
ثانيهما : المنهج الحركي المتعصب في توجيه فهمه للقرآن ، وتعبيره عن معانيه ..

وقد روى عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: لا يؤخذ العلم على أربعة:
- سفيه معلن السفه.
- و صاحب هوى يدعو إليه.
- و رجل معروف بالكذب في أحاديث الناس و إن كان لا يكذب على الرسول صلى الله عليه و سلم.
- و رجل له فضل و صلاح لا يعرف ما يحدِّث به.
وعلى ضوء هذين المَعْلمين نناقش المزالق والمهاوي التي وقع فيها سيد قطب في بعض النقاط
و منها:
المنهج الأدبي المغالي في تفسير الظلال
في كتابة آراءه التفسيرية على حساب المنهج العلمي السديد في مناقشة قضايا العقيدة ، وإصلاح المجتمع ، بل وعلوم القرآن ..
مما جعل تعبيراته غير دقيقة لا تلتزم بالقواعد العلمية للتفسير.. موهِمة حينا، ومضللة حينا آخر ، وتجانب الأدب العلمي والعقائدي في التعامل مع نصوص القرآن حينا ثالثا..
ومن المسلم به لدى العلماء أن أى محاولة لإصلاح المجتمع ومناقشة قضاياه وأوجاعه لا ترتكز على أسس عقدية ، وعلمية صحيحة هى محاولة فاشلة.. خاصة وأن القرآن ليس كأى كتاب .. فهو كلام الله سبحانه وله من القدسية ما يطالب المتعرض له ولتفسيره بالإحاطة الجيدة بعلوم اللغة اللازمة لفهمه وعلوم العقيدة وعلوم القرآن وغيرها من متطلبات التفسير ، وإلا فهى محاولات استخفافية تستدل بكتاب الله على أصول مذاهبها أو تتلاعب به لإثبات باطلها...
فليست إذن اللغة الأدبية التي عالج بها سيد قطب فهمه للقرآن سوى سلاحٍ ذي حدين .. فنحن فعلا نحتاج للغة شيقة جذابة جديدة في عرض جماليات وهدايات القرآن ولكن نحتاج إلى أكثر إلى انضباط في الفهم والتعبير عن تلك الهدايات لأن القرآن معين كل ناهلٍ.. وحجة كل عاملٍ ..
والمبالغة في جانب الأدب والتحليل على جانب الانضباط العلمي في فهم وتدبر القرآن وتبليغ هذا الفهم منحى خطير قد شاب كتاب سيد قطب... ولعله يتضح من رؤيته للتفسير ومنهجه فيه الذي عبر بنفسه عنها حين قال عليه رحمة الله في مقدمة كتابه "مشاهد القيامة في القرآن" : "... والقرآن : هذا الكتاب المعجز الجميل , هو أنفس ما تحويه المكتبة العربية على الإطلاق , فلا أقلّ من أن يعاد عرضه , وأن ترد إليه جدته , وأن يستنقذ من ركام التفسيرات اللغوية والنحوية والفقهية والتاريخية والأسطورية أيضاً ! وأن تبرز فيه الناحية الفنية , وتستخلص خصائصه الأدبية , وتنبه المشاعر إلى مكامن الجمال فيه . وذلك هو عملي الأساسي في "مكتبة القرآن" . وقد تناولت هذه المشاهد كما يصورها ظاهر اللفظ الواضح المشرق البسيط , لم أحاول أن أعقّدها بالتأويلات البعيدة , ولا أن أدخل عليها مباحث لغوية ودينية لا يقتضيها العرض الفني الجميل . و في اعتقادي أنّ العرب الأولين قد تلقوا الجمال الفني في القرآن هذا التلقي , فتعمق في إحساسهم وهزّ نفوسهم قبل أن يعقِّده المفسرون والمؤولون ."
وعن هذا المعلم البارز في تفسير الظلال يقول الأستاذ أحمد بزوي الضاوي: " يبدو أثر الواقع الأدبي الحديث واضحا في عناية سيد قطب بلغة النص القرآني، ودراسة أسلوبه وإبراز الجانب التعبيري والبلاغي للألفاظ والتراكيب اللغوية، ذلك أنه ركز على جوانب فنية وجمالية لم يتنبه إليها أو بالأحرى لم يركز عليها القدماء عند تفسيرهم للقرآن الكريم، أو دراسته دراسة لغوية وبلاغية. من ذلك تركيزه على الصورة والمشاهد، ورسم الشخصيات، وتجسيد المواقف، والظلال والحركة والتكرار، والتناسق بين المدلولات والتعابير، والاهتمام الكبير بدراسة الإيقاع، وتحليل بنية الألفاظ التركيبية والدلالية، والكشف عن العلاقة الموجودة بينهما، وغيرها من الأدوات و الوسائل التعبيرية التي اكتشفها الأدباء والنقاد، وفلاسفة الجمال في العصر الحديث، والتي اطلع عليها سيد قطب دون شك بوصفه أديبا وشاعرا وناقدا(.ا.ه.
أقول : إذا كان الرجل قد حصر دراساته وتصوراته في هذا الجانب من المناقشة الأدبية لبعض آيات القرآن كمقدمة لبيان وتوضيح القيم الجمالية في النص الحكيم لكان ذلك أولى وأسلم... ولكن سيد قطب – عفا الله عنه – انداح في القرآن كله يخضعه لنظريته الأدبية بلا ضابط ولا رابط ..
ولم يكن الجانب الأدبي البلاغي في القرآن سوى جانباً واحداً وناحيةً واحدةً من نواحي تركيبه وإعجازه لا كل جوانبه ونواحيه ، ولم يكن القرآن أبداً في أساس منهجه إلا كتاب هدايةٍ في الابتداء ثم يجمع ما جمع من علوم وفنون وآداب بعد ذلك...
وإن محاولة إخضاع القرآن لناحيةٍ فقط من نواحيه إضرار بهدايته ومقاصده.. وخصوصاً إذا طغى هذا المنحى والمنهج ، وجاوز الحدود ، ولم يتقيد بعلوم القرآن وأصول تفسيره....
وهذه المنهجية الغير متقيدة بالثقافة العلمية وقواعد التفسير جعلت تفسير سيد قطب ( في ظلال القرآن ) عرضةً للأخطاء المنهجية والمبالغات الاسلوبية الشنيعة التي لا يقرها ولا يرضاها عالمٌ منصفٌ يعرف أن القرآن هو المصدر الأول لفهم الدين وتبيين حقائق الدعوة الإسلامية ..
(ا)
فنراه يستخدم تعبيرات شنيعة في تعامله مع الآيات لا تمت بصلة لضوابط وآداب الحديث عن كلام الله سبحانه... فحين يتعامل مع الآيات على أنها مشاهد سينمائية وصور وموسيقى وإيقاعات .. وحين يتحدث عن العقائد التي قررها القرآن باعتبارها تصورات .. وغير ذلك مما لا يليق بكلام الله سبحانه .. يجب أن نتوقف حينها ، ونقول للرجل : مهلاً هذا الكتاب كتاب الله تعالى فتأدب بأدب معاملته ، وتعلم من أصول العلم والعلماء ما تعبر به عن معانيه.. ولنعي هذا لنقرأه جيداً وهو يفصح عن طريقته المنحرفة في كتابه ( التصوير الفني في القرآن) - وهو امتداد لتفسيره الظلال - يقول فيه:
( ها نحن أولاء نشهد أهل الكهف يتشاورون في أمرهم بعدما اهتدوا إلى الله بين قوم مشركين [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى... الآيات] [الكهف: 13-16].
بِهذا ينتهي المشهد ويسدل الستار أو تنقطع الحلقة على أحدث الطرق التي اهتدى إليها المسرح والسينما في القرن العشرين فإذا رفع الستار مرة أخرى وجدناهم قد نفذوا ما استقر عليه رأيهم فها هم أولاء في الكهف ها هم أولاء نراهم رأي العين فما يدع التعبير هنا شكًّا في أننا نراهم يقينًا"). اهـ...
ويقول في تفسير سورة الرحمن في ظلاله : «الرَّحْمنُ» هذا المطلع المقصود بلفظه ومعناه ، وإيقاعه وموسيقاه .
قلت: أرأيت -حماك الله- هذا الإسفاف والتعدي في تفسير كلام الله تعالى ، وتشبيه فواصل آيات الكتاب برفع الستار كما في السينما والمسرح(!!!) .... ولو قرأت لواحد من هؤلاء العلمانيين-الذين يحاربُهم سيد قطب - كلامه عند تفسيره لبعض القصص في القرآن ما وجدت كبير فرق بين كلامه وكلام سيد هنا في هذا الكتاب ..
و والله لولا هذه الآثار التي تركها سيد قطب من الكتب والمقالات ، ما كان لأهل العلم أن يبذلوا كل هذا الوقت والجهد للكلام عليه ، فإنه ليس هناك عداء شخصي بينهم وبين سيد ..
ولله در الإمام مسلم حين روى في صحيحه عن ابن سيرين – رحمه الله – قوله : " إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم " ..
فهب أن سيدًا قد تاب قبل موته أو قد غفر الله له وتوفاه الله شهيدًا كما يجزم أتباعه بغير علم ولا بينة، والعلم عند الله تعالى ونحب له الشهادة ؛ فهل هذا يعد تصحيحًا لما يذكره المنصفون الناصحون من العلماء من هذه البدع والأهواء المبثوثة في كتبه، إن هذا لمنهج عجيب غريب نابع من التعصب الأعمى، فيجب على كل مسلم صادق يبغي نصر هذا الدين القويْم أن يحرر ولاءه لله ولرسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- وليعلن براءته من كل ما يخالف ، ومن يخالف الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
(ب)

وعلى أساس هذه المنهجية المنحرفة في تناول التفسير، فإن كتاب سيد قطب يمتلأ بالانحرافات العقائدية التي تميل بفكر وعقل القارئ إلى غير اعتقاد أهل الحق .. أهل السنة والجماعة..
فتجد أسلوبه الأدبى يميل به إلى تأويل صفات الله عز وجل وتحريفها عن أصولها لصالح اعتقاد المؤولة من المعتزلة و الأشاعرة ...فمثلا قال سيد في تفسير قوله تعالى " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " ( البقرة آية 29 ) " .. ولا مجال للخوض في معنى الاستواء إلا بأنه رمز السيطرة ، والقصد بإرادة الخلق والتكوين ... الخ ا.ه.
والمعلوم أن مذهب أهل السنة فيها هو اثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه بغير تحريف ولا تأويل ولا تشبيه ولا تمثيل، فنقول كما روى عن أم سلمة عليها السلام ومالك رضى الله عنه: الإستواء معلوم (أى معناه لغةً)، والكيف مجهول ( فنفوض كيفية استواء الله لعلم الله وحده)، والسؤال عنه (بالتأويل والتحريف واللجاجة) بدعة، والإيمان به ( كما جاء) واجب... وهكذا في كل أسماء الله وصفاته وهو تحقيق عملى للمبدأ القرآني العظيم الوارد في قوله تعالى " ليس كمثله شئ وهو السميع البصير"؛ فقد أثبت الله سبحانه لنفسه السمع والبصر ونفى عن نفسه مماثلة المخلوقات..
ولكنك تجد سيد رحمه الله في تفسير قوله تعالى " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " ( طه آية 5 ) يقول: والاستواء على العرش كناية عن غاية السيطرة والاستعلاء فأمر الناس إذن إليه وما على الرسول إلا التذكرة لمن يخشى ومع الهيمنة والاستعلاء الملك والإحاطة ا.ه.
قال الشيخ ربيع المدخلي بعد أن ساق كلام سيد في الاستواء : إن في كتاب الظلال و كتاب التصوير الفني في القرآن تعطيل لصفة الاستواء .
وقال أيضاً : إنه معطل لعدد من الصفات (التي وصف الله بها نفسه في كتابه الكريم ( ، كالاستواء ، والنزول ، واليد ، ولا يستبعد أنه يجري على هذا المنوال في كل الصفات
وقال الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله تعليقاً على ما كتبـه سيد قطب في سورة البقرة (آية( 29 - .. أولاً - : أقول هذا باطل من وجوه:
الوجه الأول : إن هذا خلاف ما قاله المحققون من المفسرين ، قال ابن جرير في تفسيره الكبير : وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه ثم استوى إلى السماء فسواهن : علا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات . وقال ابن كثير في تفسيره استوى إلى السماء أي قصد إلى السماء والاستواء هاهنا مضمن معنى القصد والإقبال لأنه عدي بإلى . وقال البغوي : ثم استوى إلى السماء قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف أي ارتفع إلى السماء .
الوجه الثاني : قوله رمز السيطرة ، يفهم منه أن السماء كانت ملكاً لغيره ثم سيطر عليها وهذا لا يقوله عاقل فعلم أنه باطل . أ .هـ .
وقال أيضاً تعليقاً على كلام سيد قطب في الاستواء في تفسير آيات متعددة من الظلال : أقول هذا قول الجهمية الضلال المعطلين ، وهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، فإن الجهمية لم يصرحوا برد ألفاظ القرآن ولكن خالفوا السلف في المعنى المراد وقولهم إنه استولى لا يعرف في المسلمين إلا عن الجهم بن صفوان تلميذ الجعد بن درهم .. (قلت : وهذا وذاك هم مَن هم من شياطين افنس الذين انتحلوا المذاهب الضالة المضللة ودعوا الناس إليها وخالفوا صريح الإسلام ورد عليهم علماء السنة والجماعة بما لا حصر له من الكتب والردود).
وقال أيضاً الشيخ الدويش ردا على قول سيد قطب في ظلاله : الاستواء على العرش كناية عن مقام السيطرة الثابتة الراسخة باللغة التي يفهمها البشر..قال: هذا كلام باطل . من وجوه ، تبلغ الأربعين منها :
أن هذا لا يعرف في لغة العرب، قال ابن الأعرابي وقد سئل عن ذلك فقال :لا تعرف العرب ذلك، وهو- أى ابن الأعرابي- من أكابر أئمة اللغة.. (قلتُ : بل قد رد ابن الأعرابي هذه الفرية وقال: من فسر الاستواء بالاستيلاء يلزمه أنه يصف الله – وسبحانه- بأنه لم يكن مالكا للعرش ثم ملكه.. أقول: فأى حمق فيمن يعرض نفسه لمثل هذا السخف من التفكير) .
ومنها : أن تفسيره بالسيطرة يبطل تخصيص العرش بكونه استوى عليه؛ فإنه مسيطر على جميع خلقه .
ومنها: أن هذا تفسير بالرأي المجرد الذي لم يذهب إليه صاحب لرسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم - ولا تابع، ولا قاله إمام من أئمة المسلمين والقول على الله بغير علم من أعظم الذنوب ( قلتُ: وخصوصا إذا كان الحديث عن الله تعالى وما يجب له من الأسماء والصفات، فغن هذا من صميم عقيدة الإسلام ولا عذر لمن يعذر المتطاولين في هذا الحديث بغير علم، وخاصةً إذا كان هذا الكلام سيقراه الملايين أو حتى الآلاف لسهولة وقرب أسلوب صاحبه كما في كتاب الظلال وما شابهه).
وقول سيد: ليست لله سبحانه هناك حالة ولا هيئة لم تكن لله سبحانه ثم كانت .
أقول : هذا تعطيل لصفة الاستواء التي وصف الله بها نفسه ، ولا نعطل صفة الله لأجل شناعة هذا القائل وتسميته ذلك حالة وهيئة ، قال الإمام احمد لا نزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين ( وهذه طريقة الجهمية والمعطلين لصفات الله في التطاول على بغير علم في ألفاظ وأساليب موهمة للقراء وتنضوي على معانٍ وأفكارٍ باطلة .
وهو بعينه أسلوبه في قوله: فهو سبحانه منزه عن الحدوث .
فيقال له وصف الله بما وصف به نفسه من استوائِه على عرشه وغيره لا محذور فيه ، ولا يلزم منه وصفه بالحدوث المنزه عنه لأنه سبحانه لا يقاس بخلقه ، والذي ينزه عنه هو كونه من جنس شيء من المخلوقات . (قلت : وقد أثبت له أهل السنة ما وصف به نفسه بما يليق به سبحانه بغير تأويل ولا تمثيل له بخلقه)...
وكذلك قوله: لأننا نستند إلى قاعدة كلية في تنزيه الله سبحانه عن تعاقب الهيئات والحالات وعن مقتضيات الزمان والمكان .
فيقال له: هذا نوع تجهم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، لما ذكر حديث عمران بن حصين " كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء "؛ فزاد بعض الملاحدة وهو الآن على ما كان عليه.. قصد بها المتكلمة المتجهمة نفي الصفات التي وصف بها نفسه من استوائه على العرش والنزول وغير ذلك . فقالوا كان في الأزل ليس مستوياً على العرش وهو الآن على ما كان عليه فلا يكون على العرش لما يقتضي ذلك من التحول والتغير.
وكذلك قوله: ثم استوى على العرش إن كان علوا فهذا أعلى.. وقوله: إن كان عظمة فهذا اعظم وهو الاستعلاء الخ كلامه .
يقال هذا كلام شاك متحير لا يعرف قول أهل السنة من أهل البدع، وفيه تأويل أهل البدع الذين لا يجعلون الاستواء حقيقة في العلو وإنما هو مجاز عن شيء آخر.
أقول : وبهذا الذي نقلت من نقود العلماء على سيد قطب وهى متكاثرة متناثرة شواهدها في ظلاله أردت أن أبين كيف أن الرجل لم يكن من أهل العلم المحقق بأصول التفسير وقواعد التعرض لآيات العقيدة وثوابتها .. وهذه منطقة ضلالٍ ، ومعول تضليلٍ ، وهدمٍ لأصول الدين .. وتمثل جانبا من أكبر جوانب الانتقاد لتفسير سيد قطب عفا الله عنا وعنه....
(ج)
ثم تراه – ولم يتأدب بأدب العلماء في حفظ جهود من سبقهم في هذا العلم وغيره - يقول متنكرا لجهود أربعة عشر قرنا من علم تفسير كتاب الله وطارحا فهمومهم ونقولهم لأجل فهمه الأدبي الغير منضبط..
يقول في مقدمه تصويره الفني للقرآن : ( .. ودخلت المعاهد العلمية، فقرأت تفسير القرآن في كتب التفسير ، وسمعت تفسيره من الأساتذة ، ولكنني لم أجد فيما أقرأ أو أسمع ذلك القرآن اللذيذ الجميل الذي كنت أجده في الطفولة والصبا... وا أسفاه لقد طُمست كل معالم الجمال فيه ، وخلا من اللذة والتشويق ... ترى هما قرآنان ؟ قرآن الطفولة العذب الميسر المشوق، وقرآن الشباب العسر المعقد الممزق ؟ أم إنّها جناية الطريقة المتبعة في التفسير . وعدت إلى القرآن أقرأه في المصحف لا في كتب التفسير . وعدت أجد قرآني الجميل الحبيب.)...
ولعل هذا يبدو جليا في كتابه حين يختار ويرجح مبتعدا عن ما اجتمع عليه أهل التفسير لكى يخدم فكرته وتصوره المسبق عن الآيات وهو تفسير مذموم بالرأى .. وهكذا يرى سيد قطب علماء المفسرين و(جنايتهم !! ) التي يدعي على كتاب الله تعالى .. وجهود علماء الأمة في بقاء هذا الدين العظيم .. لصالح لوثة الفكر الحركي والتجديد والتمكين وغير ذلك مما شحن به عقول المتحمسين من الشباب .. فهل هذا الرجل يستحق ان يحتفي المحتفون بتفسيره ، وأن يدافع عنه المدافعون ؟! .
وإن من أهم ما نأخذه على هذه المحاولة في التفسير، فهو أنها أعطت لعقلها حرية واسعة، فتأوَّلت بعض الحقائق الشرعية التى جاء بها القرآن الكريم، وعدلت بها عن الحقيقة إلى المجاز أو التمثيل..
كما أنها بسبب هذه الحرية العقلية الواسعة جارت المعتزلة فى بعض تعاليمها وعقائدها، وحمَّلت بعض ألفاظ القرآن من المعانى ما لم يكن معهوداً عند العرب فى زمن نزول القرآن وطعنت فى بعض الأحاديث : تارة بالضعف، وتارة بالوضع، مع أنها أحاديث صحيحة رواها البخارى ومسلم، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى بإجماع أهل العلم، كما أنها لم تأخذ بأحاديث الآحاد الصحيحة الثابتة، فى كل ما هو من قبيل العقائد، أو من قبيل السمعيات، مع أن أحاديث الآحاد فى هذا الباب كثيرة لا يُستهان بها.
وإليك مثال من مخالفته لصحيح التفسير وإقحامه لرأيه المنحرف في تفسير القرآن حينما ينفي حادثة سحر النبى الواردة في الصحيحين بعقله وهواه فيقول في ظلال القرآن (6/ 4008): ( وقد وردت روايات- بعضها صحيح ولكنه غير متواتر- أن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم- في المدينة.. قيل أياما، وقيل أشهرا.. حتى كان يخيل إليه أنه يأتي النساء وهو لا يأتيهن في رواية، وحتى كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله في رواية، وأن السورتين ( المعوذتين) نزلتا رقية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما استحضر السحر المقصود- كما أخبر في رؤياه - وقرأ السورتين انحلت العقد، وذهب عنه السوء.
ولكن هذه الروايات تخالف أصل العصمة النبوية في الفعل والتبليغ، ولا تستقيم مع الاعتقاد بأن كل فعل من أفعاله- صلى الله عليه وسلم- وكل قول من أقواله سنة وشريعة، كما أنها تصطدم بنفي القرآن عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أنه مسحور، وتكذيب المشركين فيما كانوا يدعونه من هذا الإفك. ومن ثم تستبعد هذه الروايات.. وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة. والمرجع هو القرآن. والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد. وهذه الروايات ليست من المتواتر. فضلا على أن نزول هاتين السورتين في مكة هو الراجح.. مما يوهن أساس الروايات الأخرى.) ا.ه.
أقول : وهذا بعينه التفسير المذموم بالرأى والذي يوافق فيه المنحرفين عن الاعتقاد الصحيح من المعتزلة والأشاعرة.. فمن المتفق عليه بين أهل السنة أن حديث الآحاد حجة في العقائد كما هو حجة في الفقه ولهم في ذلك أدلة كثيرة جدا ليس هذا موضعها.. أما تلبيس سيد قطب بأسلوبه الأدبي وحججه المنمقة التي هى في الحقيقة حجج المعتزلة والفئات الضالة فلا تسوغ على عالم حقٍ .
قال العلامة الإمام القاضي عياض في كتابه الرائع ( الشفا) يرد فرية أمثال سيد قطب وشبهاتهم:
فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم سحر .. فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : «سُحِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ» الْحَدِيثَ. وَإِذَا كَانَ هَذَا مِنَ الْتِبَاسِ الْأَمْرِ عَلَى الْمَسْحُورِ فَكَيْفَ حَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ؟! وَكَيْفَ جَازَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْصُومٌ؟!.
يقول القاضي عياض مجيبا : فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ هَذَا الحديث صحيح، متفق عليه وقد طعنت فيه الملحدة، وتذرعت (أى احتجت) بِهِ لِسُخْفِ عُقُولِهَا، وَتَلْبِيسِهَا عَلَى أَمْثَالِهَا (أى من المنحرفين)، إِلَى التَّشْكِيكِ فِي الشَّرْعِ..
وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ الشَّرْعَ وَالنَّبِيَّ عَمَّا يُدْخِلُ فِي أَمْرِهِ لَبْسًا وَإِنَّمَا السِّحْرُ مَرَضٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَعَارِضٌ (أى مرض يزول بسرعة ولا يؤثر) مِنَ الْعِلَلِ يَجُوزُ عَلَيْهِ كَأَنْوَاعِ الْأَمْرَاضِ مِمَّا لَا يُنْكَرُ وَلَا يَقْدَحُ (يؤثر) فِي نُبُوَّتِهِ ..
وَأَمَّا مَا وَرَدَ من أَنَّهُ كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَا يَفْعَلُهُ فَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُدْخِلُ عَلَيْهِ دَاخِلَةً فِي شَيْءٍ مِنْ تَبْلِيغِهِ أَوْ شَرِيعَتِهِ ، أَوْ يَقْدَحُ فِي صِدْقِهِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى عِصْمَتِهِ مِنْ هَذَا.
وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَا يَجُوزُ طُرُوُّهُ (وروده) عَلَيْهِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ بِسَبَبِهَا، وَلَا فُضِّلَ مِنْ أجلها، وهو فيها عُرضة لِلْآفَاتِ كَسَائِرِ الْبَشَرِ، فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يُخَيَّلَ إليه من أمورها مالا حَقِيقَةَ لَهُ ثُمَّ يَنْجَلِي عَنْهُ كَمَا كَانَ..
وَأَيْضًا فَقَدْ فَسَّرَ هَذَا الْفَصْلَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ مِنْ قَوْلِهِ: «حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي أهله ولا يأتيهن» .
وقال سفيان : «هذا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ » ..
وَلَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ مِنْهَا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ بِخِلَافِ مَا كَانَ أَخْبَرَ أَنَّهُ فعله ولم يفعله، وإنما كانت خواطر وتخييلات.
وَقَدْ قِيلَ: «إِنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَتَخَيَّلُ الشَّيْءَ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَمَا فَعَلَهُ لَكِنَّهُ تَخْيِيلٌ لَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ، فَتَكُونُ اعْتِقَادَاتُهُ كُلُّهَا عَلَى السَّدَادِ وَأَقْوَالُهُ عَلَى الصِّحَّةِ» .
هَذَا مَا وقفت عليه من الأجوبة لأئمتنا عن هذا الحديث مع ما أوضحنا مِنْ مَعْنَى كَلَامِهِمْ، وَزِدْنَاهُ بَيَانًا مِنْ تَلْوِيحَاتِهِمْ (أى اشاراتهم) وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْهَا مُقْنِعٌ، لَكِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ لي في الحديث تأويل أجلى وأبعد عن مَطَاعِنِ ذَوِي الْأَضَالِيلِ، يُسْتَفَادُ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وقال فيه عنهما، سحر يهودي بني زريق رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلُوهُ ( أى السحر) فِي بِئْرٍ حَتَّى كَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم يُنْكِرَ بَصَرَهُ.. ثُمَّ دَلَّهُ اللَّهُ عَلَى مَا صَنَعُوا فَاسْتَخْرَجَهُ مِنَ الْبِئْرِ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ الْوَاقِدِيِّ ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ.
وَذُكِرَ: عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ: حُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَةَ سَنَةً فَبَيْنَا هُوَ نَائِمٌ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. الْحَدِيثَ
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : حُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَةَ خَاصَّةً سَنَةً حَتَّى أَنْكَرَ بَصَرَهُ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عباس مرض رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُبِسَ عَنِ النِّسَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ..
وَذَكَرَ الْقِصَّةَ.
- فَقَدِ اسْتَبَانَ لَكَ مِنْ مَضْمُونِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا تَسَلَّطَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَجَوَارِحِهِ، لَا عَلَى قَلْبِهِ. وَاعْتِقَادِهِ وَعَقْلِهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَثَّرَ فِي بَصَرِهِ وَحَبَسَهُ عَنْ وَطْءِ نِسَائِهِ وَطَعَامِهِ، وَأَضْعَفَ جِسْمَهُ وَأَمْرَضَهُ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي أَهْلَهُ وَلَا يَأْتِيهِنَّ أَيْ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نَشَاطِهِ وَمُتَقَدَّمِ عَادَتِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى النِّسَاءِ، فَإِذَا دَنَا مِنْهُنَّ أَصَابَتْهُ أَخْذَةُ السِّحْرِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِتْيَانِهِنَّ كَمَا يَعْتَرِي مَنْ أُخِذَ وَاعْتُرِضَ ( أى أصابه عارض ومرض سريع) وَلَعَلَّهُ لِمِثْلِ هَذَا أَشَارَ سُفْيَانُ بِقَوْلِهِ:
وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ، وَيَكُونُ قَوْلُ عَائِشَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: «إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ» مِنْ بَابِ مَا اخْتَلَّ مِنْ بَصَرِهِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ رَأَى شَخْصًا مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ أَوْ شَاهَدَ فِعْلًا مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَا يُخَيَّلُ إِلَيْهِ لِمَا أَصَابَهُ فِي بَصَرِهِ وَضَعْفِ نَظَرِهِ لَا لِشَيْءٍ طَرَأَ عَلَيْهِ فِي مَيْزِهِ (أى تمييزه) .
وَإِذَا كَانَ هَذَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ إِصَابَةِ السِّحْرِ لَهُ وَتَأْثِيرِهِ فِيهِ مَا يُدْخِلُ لَبْسًا، وَلَا يَجِدُ بِهِ الْمُلْحِدُ المعترض أُنسا).
انتهى كلام القاضي عياض – رحمه الله – وهو كلام واحد من أكابر العلماء المحققين في الأصول ( العقائد) والفروع .. وهو من أبرع المتقنين لأصول الفقه وعلوم الحديث ..
ولا عبرة بعد ذلك لنفس الشبه الكاسدة للرازي في تفسيره وهو أشعرى متعصب لعقيدته أو القاسمي في تفسيره وهو يتلقف كلام الرازي والغزالي والشهاب وهم من الأشاعرة المتعصبين... فالحق الذي اجتمع عليه العلماء المحققون من أهل التفسير وأهل السنة والجماعة إثبات وجود السحر وتأثيره كما جاء صريحا في القرآن .. وكونه حدث لرسول الله أن سُحر لا يقدح في عصمته وإنما هو مرض من الأمراض والرسول بشر يمرض ويموت وكان يقول عليه السلام " أوعك كما يوعك الرجلان منكم" ... وحديث الآحاد إن ثبت صحة نقله فهو حجة بإذن الله ... وأكبر دليلٍ على ذلك أن دين الإسلام كان يثبت تبليغه بواحدٍ كما بعث رسول الله معاذ بن جبل رضى الله عنه إلى اليمن مبلغا دين الله وحده.. والأدلة على ذلك عند علماء أهل السنة كثير لا تخفى على طالب حق.
ويكفي ان أنقل لك ما قاله الدكتور حسين الذهبي – رحمه الله تعالى- في كتابه التفسير والمفسرون (2/ 403) حيث قال رداً على أسلاف سيد قطب من أصحاب المدرسة العقلانية في التفسير الشيخ محمد عبده وتابعيه:
وما يُقال من أن خبر الواحد لا تثبت به عقيدة إجماعاً. فيه نظر من وجوه:
الأول: أن دعوى الإجماع باطلة، فإن للعلماء أربعة أقوال فى إفادة خبر الواحد العلم:
1- يفيد الظن مطلقاً.
2- يفيد العلم بقرينة.
3- يفيد العلم من غير قرينة باطراد.
4- يفيد العلم من غير قرينة لا باطراد.
الثانى: إذا جرينا على أن خبر الواحد يفيد العلم ، أمكن أن تثبت به عقيدة ، وإذا جرينا على أنه يفيد الظن ، أمكن أن تثبت به العقيدة إذا احتفت به قرائن - على المختار - لإفادته العلم حينئذ، ومن هنا جزم ابن الصلاح وغيره بأن أحاديث الصحيحين التى لم تُنقد عليهما تفيد العلم، فإن الأمة قد تلقتهما بالقبول، وهى معصومة من الخطأ، وظن المعصوم لا يخطىء.
الثالث: أنه ليس المراد من العقيدة كل ما يعتقَد ، وإلا لتناول ذلك الفروع الفقهية ، فإنه لا يسوغ العمل بها إلا بعد اعتقاد صحة الحكم فيها ، وإنما المراد بالعقائد أُصولها ، وهو ما كان الإخلال بها موجباً للكفر ، كالإيمان بالله وباليوم الآخر. وأما الأحاديث الواردة فى الحوادث الماضية، أو المستقبلة ، أو المتعلقة بتفاصيل اليوم الآخر وما فيه ، فلا يُشترط فيها التواتر ، لأن هذه الأمور ليست من قبيل العقائد التى يترتب على عدم تصديقها الكفر والعياذ بالله تعالى ، ولكن يُكتَفى فيها بأن تكون من طريق صحيح)ا.ه.

(2) المنهج الحركي المتعصب في تفسير الظلال
وحتى لا يطول المقام بنا في قراءة تفسير سيد قطب وانحرافاته العلمية العقائدية أعرِّج على نقطة أخرى من انحرافاته في محاولته للتفسير ..
فإن سيد قطب كان كثيرا ما يخرج عن غرض التفسير وبيان معاني كتاب الله تعالى إلى استطرادات في بيان مذهبه الفكري والعقدي والحركي ومنهجية جماعته ورؤيتها في إصلاح المجتمع صحّت أو ضلّت .. وهذا الالحاح الذي أشرت إليه جعله يدندن ويطنب كثيرا في بيان أفكاره بكل طريقةٍ وبمختلف الأساليب وهو ما جعل كتابه مترهلا ملئ بطنين أفكاره والزيادات والاستطرادات التي تخرج بتفسيره عن دوائر التفسير كعلمٍ له حدوده وقواعده إلى أن يصبح كتابه همهمات وزفرات وصرخات فكرية كثيرة ومتلاحقة يضع الرجل فيها ثقافته وعقله وفكره وجماعته كما فعل الرازي من قبل فحوى تفسيره كل العلوم إلا التفسير ... وهو ما يخرج عن حدود ما عرف العلماء الربانيون من وظيفة للقرآن الذي أنزله اله نورا وهدايةً...
فهل يحق لنا أن نسمي كاب في ظلال القرآن تفسيرا؟ وغن حق لنا فقد وضع نفسه تحت مقصلة النقد المعروف على أصول اهل العلم..
وإن لم يكن كتاب تفسير وكان تلك صيحاتٍ فكريةً جمعها صاحبها في كتابه هذا .. فأى كارثةٍ وأى غبنٍ أكثر من أن يجعل سيد قطب شعارها وغطاءها كتاب الله يلصق به وبمعانيه الشريفة فكره ورأيه ومنهج جماعته ؟!!
هى أسئلة مشروعة وعادلة أطرحها على المعجبين بسيد قطب و ظلاله، والله سبحانه يقينا الزيغ والتعصب ويهدينا سواء الصراط .. ولا هم لنا إلا النصح ، فاللهم محضه وانفع به..
(ب)
بعد التنويه بانحرافاته في الاعتقادات – ولها امتدادات لا يسعها مثل هذا الطواف السريع في هذه المقدمة –
نجد سيد قطب ينحرف بنا في تفسيره مرةً أخرى، ويؤيد بكل عنف وقسوة فكريةٍ ؛ وبرشاقة قلمه وأسلوبه الساحر .. يؤيد أفكاره الثورية عن ( الحاكمية) = بمعنى لا حكم إلا لله ، وأن كل الذين يقعون في دائرة الرضا بأحكام البشر وشرائعهم هم أهل ضلالٍ و هلاكٍ .. هكذا بلا تفصيلٍ ولا تروٍ ولا تدقيقٍ في المسألة بكل جوانبها...
وهو ههنا تجده قد ملأ كتابه بمسألة الحاكمية تلك وجعلها محورا لتنوع أساليبه في توطيد فكرتها والدفاع عنها ...
وهنا ومرةً أخرى يقع فريسة عدم تدقيقه العلمي وعدم تحريه ضوابط وقواعد العلوم الشرعية في طرح مثل هذه القضايا الخطيرة مما يعرض الدعوة الاسلامية كلها للخطر نتيجة الفهم المغلوط والمتطرف لمثل هذه القضايا...
ومرةً أخرى يجني عليه تحمسه وأسلوبه الأدبي ، ولو دخل هذا العلم ( علم التفسير) من حيث دخل العلماء أو تحذَّى وسلك طريقهم وانتهج نهجهم ما وقع ولا زلَّ ، ولكن جنى تعصبه لفهمه واغتراره بأسلوبه الأديب وتحزبه لجماعته على كتابه فانحرف عن المنهج القويم في فهم وتبيين معاني القرآن العظيم ...
فاقرأه وهو يقول بحماسة خداعة وببريق أسلوبه الأخاذ .. ليأخذك إلى التطرف من حيث لا تشعر:
يقول في تفسير قوله تعالى : " وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ".. ولكن المشقة الكبرى التي تواجه حركات الإسلام الحقيقية اليوم ليست في شيء من هذا .. إنها تتمثل في وجود أقوام من الناس من سلالات المسلمين ، في أوطان كانت في يوم من الأيام دارا للإسلام ، يسيطر عليها دين الله ، وتُحكم بشريعته .. ثم إذا هذه الأرض ، وإذا هذه الأقوام ، تهجر الإسلام حقيقة ، وتعلنه إسما وإذا هي تتنكر لعقيدة الإسلام اعتقادا وواقعا وإن ظنت أنها تدين بالإسلام اعتقادا..
فالإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن لا إله إلا الله تتمثل في الاعتقاد أن الله - وحده - هو خالق هذا الكون المتصرف فيه ، وأن الله وحده هو الذي يتقدم إليه العباد بالشعائر التعبدية ونشاط الحياة كله وأن الله - وحده - هو الذي يتلقى منه العباد الشرائع ويخضعون لحكمه في شأن حياتهم كله..
وأيما فرد لم يشهد أن لا إله إلا الله - بهذا المدلول - فإنه لم يشهد ولم يدخل في الإسلام بعد ، كائنا ما كان اسمه ولقبه ونسبه وأيما أرض لم تتحقق فيها شهادة أن لا إله إلا الله- بهذا المدلول - فهي أرض لم تدن بدين الله ولم تدخل في الإسلام بعد..
وفي الأرض اليوم أقوام من الناس أسماؤهم أسماء المسلمين وهم من سلالات المسلمين وفيها أوطان كانت في يوم من الأيام دارا للإسلام ولكن لا الأقوام اليوم تشهد أن لا إله إلا الله - بذلك المدلول - ولا الأوطان اليوم تدين لله بمقتضى هذا المدلول .
وهذا أشق ما تواجهه حركات الإسلام الحقيقية في هذه الأوطان مع هؤلاء الأقوام أشق ما تعانيه هذه الحركات هو عدم استبانة طريق المسلمين الصالحين وطريق المشركين المجرمين، واختلاط الشـارات والعناوين والتباس الأسماء والصفات والتيه الذي لا تتحدد فيه مفارق الطريق .
ويعرف أعداء الحركات الإسلامية هذه الثغرة فيعكفون عليها توسيعا وتمييعا وتلبيسا وتخليطا حتى يصبح الجهر بكلمة الفصل " تهمة " يؤخذ عليها بالنواصي والأقدام تهمة تكفير " المسلمين " ، ويصبح الحكم في أمر الإسلام والكفر مسألة المرجع فيها لعرف الناس واصطلاحهم لا إلى قول الله ولا إلى قول رسول الله .
هذه هي المشقة الكبرى وهذه كذلك هي العقبة الأولى التي لا بد أن يجتازها أصحاب الدعوة إلى الله في كل جيل .
يجب أن تبدأ الدعوة إلى الله باستبانة سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين ويجب أن لا تأخذ أصحاب الدعوة إلى الله في كلمة الحق والفصل هوادة ولا مداهنة وألا تأخذهم فيها خشية ولا خوف وألا تقعدهم عنها لومة لائم ولا صيحة صائح انظروا إنهم يكفرون المسلمين .
إن الإسلام ليس بهذا التمييع الذي يظنه المخدوعون ، إن الإسلام بَيِّن والكفر بَيِّن ، الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله - بذلك المدلول - فمن لم يشهدها على هذا النحو ومن لم يقمها في الحياة على هذا النحو فحكم الله ورسوله فيه أنه من الكافرين الظالمين الفاسقين المجرمين . ا.ه. كلامه بالحرف والنص.
وأقول : إن سيد قطب قد وضع تصوراً وقاعدةً مبنية على فكرة (الحاكمية) والتي لا ننكر أن لها أصلاً صحيحا في الإسلام ، وهكذا معظم أصول الفرق الضالة - ولكن في إطارها الذي لا تتعداه من الفهم الشامل والعميق والواقعي والملتزم لقضايا الإسلام والاعتقاد عموما ؛ وقضية التوحيد خاصةً- ككلٍ لا يتجزأ ..
أما أن يقتطع سيد قطب ومَن تابعه قضية الحاكمية كنقطةٍ من نقاط توحيد العبادة الذي ينتظم في منهج التوحيد العام بأركانه من توحيد الله تعالى في ربوبيته وصفاته وتوحيده بالعبادة والقصد .. فهذا مذهب جائرٌ شارد ..
وخصوصا إذا اقترن ذلك المذهب بمبالغاتٍ فكريةٍ وأدبيةٍ تصل لحد التطرف والحكم العام على المسلمين كافةً بالخروج عن دائرة حقيقة الإسلام إلا من فهم الإسلام بمفهوم سيد وجماعته ، وهو عين وحقيقة الجاهلية و التعصب ..
وهذا الفكر وهذا المذهب يقترب كثيرا من فكرة ( الخوارج) التكفيريين الذين رفعوا شعار ( لا حكم إلا لله) ، ولم يحيطوا به علما.. فقال فيهم أمير المؤمنين على كرم الله وجهه : " كلمة حق أريد بها باطل" .
ثم يتطور هذا التطاول وهذا التطرف الذميم إلى الدعوة الصريحة للفصل والمفاصلة والهجرة الشعورية - كما يسميها سيد في كتبه - وتصنيف المجتمع حسب قواعده في فهمه المتطرف إلى مؤمن وكافر...
وهل بعد ذلك – ياأيها المدافعون المؤولون لمقاصد سيد قطب الصريحة من دعواته المنحرفة التي ألصقها بكتاب الله تعالى ظلما وغلوا في دين الله – هل بعد ذلك إلا الخروج على المجتمع وتكفيره واستحلال دمه وماله وعرضه الذين حرمهم الله تعالى من فوق سماواته إلا بحق الله....
ففي نفس هذا السياق المتطرف يقول سيد قطب في ظلاله:
" لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله وإن ظل فريق منها يردد على المآذن " لا إله إلا الله " دون أن يدرك مدلولها ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها ودون أن يرفض شرعية " الحاكميـة " التي يدعيها العباد لأنفسهم - وهي مرادف الألوهية - سواء ادعوها كأفراد أو كتشكيلات تشريعية أو كشعوب.. فالأفراد كالتشكيلات كالشعوب ليست آلهة ؛ فليس لها إذن حق الحاكمية إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية وارتدت عن لا إله إلا الله فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية ولم تعد توحد الله وتخلص له الولاء .
البشرية بجملتها بما فيهـا أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات " لا إله إلا الله " بلا مدلول ولا واقع وهؤلاء أثقل إثما وأشد عذاباً يوم القيامة لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد - من بعد ما تبين لهم الهدى - ومن بعد أن كانوا في دين الله .ا.ه. كلام الرجل بنصه.
وكما أردد دائما : هذه المنهجية الغير متقيدة بالثقافة العلمية وقواعد التفسير جعلت تفسيره عرضة للأخطاء المنهجية والمبالغات الاسلوبية الشنيعة التي لا يقرها ولا يرضاها عالم منصف يعرف أن القرآن هو المصدر الأول لفهم الدين وتبيين حقائق الدعوة الإسلامية ..
وهذه هى الخطورة الكبرى على تكوين المفاهيم ووضع أصول الدعوة وتصور حركاتها طبقا لفهمٍ متشنجٍ وتعبيراتٍ رنانةٍ لا تلتزم أصول الدعوة ومنهجيتها وآدابها المحمدية كما نقلها صحبه الكرام وأتباعهم من العلماء الثقات البررة جيلاً بعد جيل..
هذه الخطورة هى ما دعت العلماء الكبار والربانيين والملتزمين هدى النبى صلى الله عليه وسلم الهادئ والملتزم في الإصلاح ؛ دعتهم إلى التحذير الشديد من كتب سيد قطب وأشباهه وخصوصا تفسيره الظلال .. لما فيه من تدشين لمنهجية التوتر والعنف والثورة الجامحة الغير ملتزمة في نشر الإسلام وإصلاح المجتمع....
وتلك اللغة والأسلوبية والمنهجية التي اعتمدها سيد قطب في تفسيره ( في ظلال القرآن ) هى أصل ما نقمه عليه العلماء في تفسيره وسبب التحذير الشديد منه..
لا لشئ إلا لأن هذه المنهجية كانت وما زالت سببا مباشرا في انحرافاتٍ عديدةٍ عن منهج الدعوة والالتزام الاسلامي المحمدي المعتدل الشامل الهادئ المصلح لكل نواحي الحياة في حكمةٍ ورويةٍ وشموليةٍ واستمرارية ..
خاصةً إذا قسنا بعض القضايا التي خلف من بعد الأستاذ سيد قطب رحمه الله خَلَفٌ قد يكونون حمَّلوها فوق ما تحتمل ، أو كانت - في الحقيقة - تلك النصوص من كتابيه ( الظلال ومعالم في الطريق) تحتمل ما وقعوا فيه من اتخاذها أصولاً وقواعد يُبنى على أساسها مذهبٌ أو منهجٌ أو اتجاهٌ فكريٌ محدد المعالم لا يوافق ما عليه جماهير العلماء من السلف والخلف ، خاصة في قضية الكفر والإيمان ، بل ويتطرف في نظرته وأحكامه تجاه المجتمع المسلم وينتهج في إصلاح المجتمع طرقاً متطرفةً غير منضبطة .. كما حدث مع جماعة ( التكفير والهجرة ) والجماعات التكفيرية التي تربت جميعها في حجر كتب سيد قطب وخصوصا الظلال، وخرجت من تحت عباءته الفكرية.
قال الشيخ خالد عثمان في كتابه دفع بغى الجائر الصائل : ( ونحن لا ننكر وجود فئة من الناس قد يتبعون هذه الأحكام الوضعية اعتقادًا منهم أنَّها الأفضل والأكمل، وأن شريعة الله لا تصلح لهذا الزمان، لكن هذه الفئة ليست هي الغالبة، فوجود هذه الفئة لا يُجَوِّز لسيد القول بِهذا الإطلاق المغالى فيه بالحكم على كل من يتبع غير شريعة الله أنه مشرك كافر لمجرد الاتباع العملي، مهما ادعى من الإيْمان بأن شرع الله هو الأفضل والأوجب للتطبيق، إلا أنه يعتذر بالأعذار الواهية السابق ذكرها.
ثم قال : وبِهذا التقرير والبيان، يصدق على سيد وعلى أتباعه من القطبيين ممن تبعوه على هذا التفسير الحروري الخارجي: أنَّهم كما جاء عن بكير بن الأشج أنه سأل نافعًا: "كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية؟ قال: يراهم شرار خلق الله، قال: إنَّهم انطلقوا إلى آيات في الكفار فجعلوها على المؤمنين" .
ويقول : والمحبون لسيد يعتذرون له بأنه لَم يقل بِهذا إلا لغيرته على تنحية شرع الله وانصهار العامة في هذا الوضع وغفلتهم عن خطورته.
فأقول: إن هذا العذر غير مقبول لعدة أسباب:
منها: أن العلماء المعاصرين لسيد لَم يكونوا -إن شاء الله- أقل غيرة منه على هذا الأمر، ولا أقل تقديرًا لخطورته، ورغم هذا لَم يقولوا بمثل قوله، وذلك لعلمهم أن هذا الغلو ليس هو العلاج بل ضرره أكثر من نفعه بلا ريب.
أولاً: لأنه فهم مضاد لفهم السلف موافق لفهم الخوارج.
وثانيًا: أنه لَم يكن أبدًا علاج التفريط بالغلو.
ومنها: أن هذه الغيرة التي عند سيد وأتباعه لا تختلف عن غيرة الخوارج القدامى. فإن الخوارج كانوا يتأولون فهمهم الآيات بأنَّها إنَّما نابعة من تعظيمهم لحكم الله وحرصهم على عدم وقوع الناس في المعاصي، والتحاكم لغير شرع الله.
ومنها أيضًا: أن هذه الغيرة لو كانت نابعة من الاهتمام بتوحيد الله الذي أرسل به الرسل، وأنزل به الشرائع، لكان يجب أن تتجه أيضًا إلى الإنكار على عُبَّاد القبور والأضرحة، وعلى الشيعة الذين يعتقد بعضهم ألوهية علي من دون الله، وبعضهم يعتقد أن تشريع أئمتهم لهم مقدم على تشريع الكتاب والسنة.
ولكنا وجدنا العكس فوجدنا أتباع سيد يوالون هؤلاء، ولما وصل بعضهم إلى السلطة ترك هؤلاء على حالهم، بل وحماهم كما هو الحال في السودان، فأين هذه الغيرة على حكم الله؟ فهل دعاء الله وحده والذبح لله وحده، والنذر لله وحده ليس من حكم الله؟! سبحانك، تلك إذًا قسمة ضيزى.) ا.ه.
(ج)
ولأن المقام يطول ننتقل إلى نقطةٍ أخرى فيما شاب تفسير سيد قطب من الانحرافات التي جعلت العلماء يحملون عليه، وقد بينت من قبل سبب تحمس المتحمسون في الدفاع عنه واصطياد المخارج والتأويلات لإنقاذ كلامه من سهام العلماء والناقدين..
نقول : إن من أهم ما شاب تفسير ( في ظلال القرآن) من الانحراف هو تصيده للمواقف التي تحكي التاريخ من القرآن - سواء في قصص الأنبياء أو في السيرة – ثم استخدام تلك المواقف ولى عنق النصوص فيها لاستخراج ما يؤيد مذهبه الحركي وجماعته من التحليلات المتكلفة والتي تخرج بالنص القرآني وما أريد به من التدبر إلى التدشين لفكرةٍ ومعاضدة مذهبٍ وتأييد حزبٍ أو جماعةٍ .. وهذا هو أخطر ما انحرف به سيد قطب في قراءته ومدراسته القرآن العظيم .. والعجيب أنه أشار إلى ذلك وبين طريقته في فهم القرآن وغرضه من كتابه حين قال عفا الله عنا وعنه- في مقدمة الطبعة الأولى من الظلال : ( كل ما حاولته أن لا أغرق نفسي في بحوث لغوية أو كلامية أو فقهية تحجب القرآن عن روحي، وتحجب روحي عن القرآن، وما استطردت إلى غير ما يوحيه النص القرآني ذاته من خاطرة روحية أو اجتماعية أو إنسانية ، وما أحفل القرآن بهذه الإيحاءات!) ..
وهذا يتبدى بما يفوق الحصر من الأمثلة المتناثرة في طيات ظلاله والتي يصرح بفكره الحركي فيها تارة ويلمح تارة أخرى .. فاقرأه وهو يقول في اول تفسيره لسورة يوسف :
( إنّ قصة يوسف - كما جاءت في هذه السورة - تمثل النموذج الكامل لمنهج الاسلام في الأداء الفني للقصة ، بقدر ما تمثل النموذج الكامل لهذا المنهج في الأداء النفسي والعقدي والتربوي والحركي أيضاً( ...ا.ه.

مزايا محاولة سيد قطب في التفسير( في ظلال القرآن )
(إن الشجرة و إن مالت فروعها لا تعدم ثمرا شهيا صالحاً )..
بهذه الكلمات الحكيمة افتتح كلامي عن مزايا محاولة سيد قطب التفسيرية.. وخاصةً أن عجز المكتبة العربية في كثيرٍ من الأحيان عن معالجة تفسير القرآن بصورةٍ جديدةٍ سهلة قريبة من الناس تبرز جمال القرآن – وكما أصلنا في اول هذا الفصل – هو ما دفع مريدي القرآن إلى مثل تفسير سيد قطب دفعاً ، وكذلك أؤكد أن سيد قطب في محاولته التفسيرية تلك ليس شرا محضاً وانحرافاً خالصاً ، فمن ذا الذي ما ساء قط.... ومن له الحسنى فقط..
وإنما ثقل قلمي في نقده وكشف عورات وعوار تفسيره هذا لأن الرجل صار بلغته وأسلوبه ورشاقة فكره عَلَماً من أعلام الصحوة والمنهج الحركى ، وفتنةً عظيمةً للشباب على طريق الدعوة ..
وهذا ما يجعل تفسيره أو محاولته التفسيرية أو دستور أفكاره الذي سماه ( في ظلال القرآن) وامتداداته أرشيفاً خطيراً ومصدرا لا يستهان به في توجيه الصحوة الاسلامية والدعوة في قلوب وعقول الشباب المسكين...
ولكن الحقيقة ان الرجل تفرد ببعض المزايا التي جعلت هؤلاء الشباب يقبلون عليه والتي نريدها أن يؤخذ طيبها ويقتفى في أى محاولةٍ للتفسير تقوم بتقريب القرآن من واقع الحياة على بصيرة العلماء ونور الحكماء في الدعوة إلى الله تعالى... ومن هذه المزايا:
(1)
فإن هذا التفسير يمتاز بأنه يتلون باللَّون الأدبى الاجتماعى.
ونعنى بذلك : أن التفسير لم يعد يظهر عليه فى هذا العصر ذلك الطابع الجاف الملئ بالمناقشات والتفصيلات اللغوية والنحوية والفقهية والجدلية التي لا يحتفي بها سوى المتخصصين ، والتي تصرف الناس عن هداية القرآن الكريم ، وإنما ظهر عليه طابع آخر ، وتلوَّن بلونٍ يكاد يكون جديداً وطارئاً على التفسير ، ذلك هو معالجة النصوص القرآنية معالجةً تقوم أولاً وقبل كل شيء على إظهار مواضع الدقة والجمال والإعجاز فى التعبير القرآنى ، ثم بعد ذلك تُصاغ المعانى التى يهدف القرآن إليها فى أسلوبٍ شَيِّقٍ أخَّاذٍ ، ثم يطبق النص القرآنى على ما فى الكون من سنن الاجتماع ، ونُظُم العمران ، وقضايا المجتمع ، وواقع الدعوة المعاصر ، وبذلك يتم تقريب القرآن وهدايته من حياة الناس بعد أن كان التفسير علما جافا لا يقصده إلا العلماء وطلبة العلم ..
وتلك ميزة اتبع فيها سيد قطب تفاسير الاصلاحيين العقلانيين من أمثال محمد عبده ومحمد رشيد رضا في تفسير المنار وغيرهم ، ثم طورها بما يلائم أسلوبه الأدبي وفكرته عن الإصلاح وفكرة جماعته عن الدعوة ..
وهنا يجب علينا توخي الحذر عند الأخذ بأسلوب محاولته وطريقتها في عرض الأفكار وتدشين معاني الدعوة وربطها واقع المجتمع وحياة الناس .. يجب توخي الحذر وعدم التأثر بالذي مال بسيد قطب عن مسار هداية القرآن العامة والشاملة والصالحة لكل زمان إلى ترجيح كفة مفاهيم منهجه وجماعته عن الدعوة والهداية القرآنية .
(2)
ثم إن هذه المحاولة التفسيرية ، نهجت بالتفسير منهجاً أدبياً وبلاغياً بارعاً ..
فكشفت عن بلاغة القرآن وإعجازه ، وأوضحت معانيه ومراميه في غلالةٍ شفيفةٍ من التصويرات والتعبيرات البلاغية الجذابة الراقية ، وأظهرت ما فيه من سنن الكون الأعظم ونظم الاجتماع بثقافةٍ جيدة كانت لسيد قطب وإلمامٍ جيدٍ بالعلوم الاجتماعية والانسانية في زمنه ، وحاولت معالجة مشاكل الأمة الإسلامية خاصة ، ومشاكل الأُمم عامة ، بما أرشد إليه القرآن ، من هداية وتعاليم ، جمعت بين خيرى الدنيا والآخرة ، ووفَّقت بين القرآن وما أثبته العلم من نظرياتٍ صحيحةٍ ، وحاولت أن تجلي للناس أن القرآن كتاب الله الخالد ، الذى يستطيع أن يساير التطور الزمنى والبَشرى ، إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، وشرعت في دفع ما ورد من شُبَه على القرآن ، وتفنيد ما أُثير حوله من شكوك وأوهام ، بحججٍ قوية قذفت بها على الباطل فدمغته فإذا هو زاهق .. كل هذا بأسلوبٍ شيقٍ جذابٍ يستهوى القارئ ، ويستولى على قلبه ، ويُحَبب إليه النظر فى كتاب الله، ويُرَغبه فى الوقوف على معانيه وأسراره.
هذا ما نحمده لهذه المدرسة في التفسير، ولا نستطيع أن نغمطها عليه، أو نقلل من فضلها فيه.
وأعتذر بشدة عن تطاولي- إن تطاولتُ- أو حدتي في بعض المواضع...
ولكننا إذ نناقش ما وقع فيه سيد قطب ومن تبعه من بعده على منواله في محاولات تفسير القرآن .. إنما نناقشه لرسم معالم واضحة في التعامل مع فهم وتفسير القرآن العظيم.. لأن الأمر كما نردد دين.. والقرآن دستور الإسلام الخالد.. وكلام الله المجيد .. وكل محاولاتنا في الذب عنه وعن سوء معاملته هى غيرة على الدين .. وحثٌ على لزوم الطريق المستقيم .. وتحديد لمعالم فهم أفضل وتدبر قويم لمعاني الذكر الحكيم ..
ولنا هنا سؤال نطرحه مفتوحاً للخلوص إلى ما ينفعنا في هذه المرحلة ألا وهو: ماذا نريد تحديداً من تفسير جديد للقرآن الكريم؟!
فصل اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه ومن تبع هداه وانتهج نهجه إلى يوم الدين.

مصادر:
1. [الأحزاب: 45، 46]
2. [الأعراف: 157]
3. [الحديد: 8، 9]
4. طريق الهجرتين وباب السعادتين لإبن القيم (ص: 6)
5. [الأنعام: 122]
6. مشاهد القيامة في القرآن , سيد قطب , ص9 دار الشروق بيروت
7. أستاذ التعليم العالي شعبة الدراسات الإسلامية كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة شعيب الدكالي الجديدة المغرب متخصص في علوم القرآن وتفسيره له دراسة كبيرة ودقيقة عن سيد قطب وتفسيره نقلتها من الشبكة
8. في ظلال القرآن (6/ 3445)
9. راجع كتاب (المورد الزلال فى التنبيه على أخطاء الظلال) للشيخ عبد الله بن محمد بن أحمد الدويش
10. كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى - محذوف الأسانيد (2/ 411) بتصرف ، دار الفيحاء – عمان ، الطبعة: الثانية - 1407 هـ.
11. فالسحر بهذا له حقيقة مؤثرة ينشأ عنه تغيرات وامراض وهو مذهب الجمهور ويشهد له القرآن والسنة خلافا لمن قال انه تخيل لا حقيقة له. واليه ذهب ابن حزم وغيره. والسحر اذا لم تكن له حقيقة سمي شعبذة.
12. صحيح موقوف: أخرجه الطبري في تَهذيب الآثار كما في تغليق التعليق (5/259) فقال: ثنا يونس ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن بكيرًا حدثه.. وذكره. وهذا إسناد صحيح. وقال الحافظ في التغليق: "وهكذا ذكر ابن عبد البر في الاستذكار أن ابن وهب رواه في جامعه وبين أن بكيرًا هو ابن عبد الله بن الأشج وإسناده صحيح" اهـ. وكذا أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (23/335). من طريق ابن وهب به. وقد علقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم "كتاب استتابة المرتدين/ باب: قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة".

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 11:18 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات