نظرية التحولات الهيكلية لآرثر لويس
جلال خشيب
من أشهر نظريات التنمية التي ظهرت في الخمسينيات، والتي تركز على الكيفية التي يتم بواسطتها تحويل اقتصاديات الدول الفقيرة من الاعتماد الحاد على الزراعة إلى الصناعة والخدمات، لتصبح اقتصادياتها أكثر مرونة وقدرة على مواجهة تقلبات وتغيرات الطلب، كان "آرثر لويس" أول من قدم نموذجًا للتنمية، أساسه التحول من الريف إلى الحضر، أو من الزراعة إلى الصناعة بشكل مقصود ومنطقي، ويتعامل لويس مع اقتصاد مكون من قطاعين، أولهما: قطاع زراعي تقليدي، أطلق عليه اسم قطاع الكفاف، يتميز بهبوط إنتاجية العمل فيه إلى الصفر، أو أعلى بقليل، وثانيهما: قطاع صناعي؛ حيث ترتفع فيه الإنتاجية وتتحول إليه العمالة الرخيصة في القطاع التقليدي بشكل تدريجي منتظم، وافترض لويس في تحديد نظريته ما يلي:
• أن عملية تحول العمالة من القطاع التقليدي إلى القطاع الصناعي ونمو العمالة في هذا الأخير متوقفة على زيادة إنتاج القطاع الصناعي والناتج عن زيادة التراكم الرأسمالي.
• أن الطبقة الرأسمالية في المجتمع تعيد استثمار جميع أرباحها.
• أن القطاع الصناعي يحتفظ بمستوى ثابت للأجور عند مستوى أعلى من مستوى أجر الكفاف السائد في القطاع الزراعي (يفترض أنه أعلى بنسبة 30 بالمائة) لتشكل حافزًا قويًّا لهجرة تدريجية للعمالة إلى القطاع الصناعي عند زيادة إنتاج هذا الأخير، وبالتالي زيادة الطلب على العمالة فيه.
• أن الزيادة في الإنتاج وخلق فرص جديدة للعمل في القطاع الصناعي تتحدد بنسبة الاستثمارات والتراكم الرأسمالي في هذا القطاع[1].
إذًا فنظرية التغيرات الهيكلية ترتكز على الآلية التي بوساطتها تستطيع الاقتصادات المتخلفة نقل هياكلها الاقتصادية الداخلية من هياكل تعتمد بشدة على الزراعة التقليدية عند مستوى الكفاف إلى اقتصاد أكثر تقدمًا، وأكثر تحضرًا، وأكثر تنوعًا صناعيًّا في مجال الصناعات التحويلية والخدمات؛ إذ تستخدم هذه النظرية أدوات النظرية الكلاسيكية المحدثة لوصف الكيفية التي على وَفقها تتخذ عملية التحول موقعها، والتغيرات الهيكلية هي التغيرات التي تطرأ بين الأجزاء والكل، وبين الأجزاء بعضها مع البعض الآخر من خلال عملية النُّمو، أي هو التغير في الأهمية النسبية للقطاعات الاقتصادية، سواء من حيث مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي أو مدى مساهمتها في استيعاب الأيدي العاملة، أو التغير في نسبة التجارة الخارجية؛ إذ إن التغيرات طويلة الأجل ليست في حقيقتها سوى نتائج تراكمية لتغيرات متتالية قصيرة الأجل.
تؤكد النظريات الهيكلية على الزيادة في الطلب الاستهلاكي؛ فقد حاولت التعرف على مميزات الهيكل الاقتصادي للبلدان النامية، ولا سيما جمود أو محدودية المرونة في احتمالات الإحلال أو الاستبدال في الإنتاج وفي عناصر الإنتاج، تلك الصفات أو المميزات التي تحاول أن تؤثر في التكيفات الاقتصادية واختيار السياسة التنموية؛ لذا فإن الهيكليين يركزون على خطط قطاعية معينة، وسياسات اقتصادية محددة، ومثل هذه التوجهات يمكن أن نجدها في عمليات معينة، مثل إستراتيجية إحلال الواردات "imports substitution" في الاقتصاد الوطني، وبقية التغيرات في القطاعات الاقتصادية الأخر[2].
نقد النظرية: رغم انسجام النظرية مع التجرِبة التاريخية التي مرت بها دول العالم الغربي، فإنه يصعب انطباقُها على واقع الدول النامية لأسباب ثلاثة، وهي:
• افتراض النظرية لكون التراكم الرأسمالي وإعادة الاستثمار يعمل على خَلْق فرص جديدة للعمل، والواقع يقول بأنه إذا وجهت الاستثمارات لشراء معدات رأسمالية، فإن الطلب على العمل سينخفض، كما أن واقع الدول النامية يبين أن الأرباح إنما يعاد استثمارها خارج البلاد لأسباب اقتصادية وسياسية بدلاً من استثمارها في بلادهم.
• افتراض النظرية لوجود فائض عمل في القطاع الريفي يمكن تحويله إلى المناطق الحضرية، بينما يوضح واقع الدول النامية تزاحم المدن، وارتفاع نسبة البطالة فيها.
• افتراض وجود سوق عمل تنافسي في القطاع الصناعي، مما يعمل على ثبات الأجور، ولكن كثير من الدول النامية ترتفع فيها الأجور الحقيقية، لوجود النقابات العمالية ذات القوة التساومية العالية، حتى مع وجود بطالة[3].
[1] عبلة عبدالحميد بخاري، المرجع نفسه، ص: 45،46.
[2] رغد زكي قاسم السعدي، مفهوم النمو والتنمية الاقتصادية.
[3] عبلة عبدالحميد بخاري، مرجع سابق، ص: 47.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك