لغة النمل / إعداد: د. أحمد محمد زين المنّاوي

[ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران]

لغة النمل

إعداد: الدكتور أحمد محمد زين المنّاوي

هل سألت نفسك يومًا عن سر نظام مجتمع النمل؟!
لماذا تراه دائمًا في صفوف منتظمة ومجموعات نشيطة؟!
مجتمع النمل من أرقى المجتمعات، وفيه انضباط مدهش، واختصاص دقيق..
مجتمع مثابر لا يعرف الكلل أو الملل ولا يشوبه التقصير أو الكسل أو التسيّب أو اليأس..
مجتمع ينعدم فيه الظلم والكذب والجريمة والانحراف والانفلات..
إن مجتمعًا مثل هذا يستحق بالفعل سورة كاملة باسمه في القرآن..
مجتمع حريٌّ بالدراسة ليس لمجرد التعرف إليه، بل لاتخاذه قدوة..
مثل هذا المجتمع المثالي مُفتقد في المجتمعات البشرية..
يرجع هذا النظام المحكم في مجتمع النمل إلى أن الله تعالى قد جعله نظامًا تكوينيًّا، وليس تكليفيًّا كما في المجتمعات البشرية، فالأمر التكليفي يمكن مخالفته برغم وجود عقوبة له، أما الأمر التكويني فراجع إلى طبع النمل الذي جبله الله عليه فهو لا يملك تغيير طبعه حتى لو أراد، بل إنه لا يمكن له أن يريد إلا ما جبله الله عليه.
فالنمل هو النموذج الأمثل لمن أراد أن يمتثل لأوامر الله تعالى، حيث نراه ينفذ مهمته التي خلق لأجلها على أكمل وجه، على الرغم من أنه لا يؤجر على الصواب ولا يعاقب على الخطأ، أما الإنسان وهو المكلف حامل الأمانة فنرى منه التكاسل والفوضى والكذب والغش والجريمة... إلى آخر آفات المجتمعات البشرية.
ومن عجائب النملة أنها إذا أوشكت على الموت أصدرت رائحة محددة فتأتي أخواتها فيحملنها ويدفنها، وفي تجربة عجيبة أخذ أحد الباحثين من تلك الرائحة ووضعها على نملة صحيحة فجاءت النملات وحملنها عنوة ودفنوها، فهذه المخلوقات العجيبة لا تحيد عن التكليف الذي جبلت عليه مهما كان.
ويبين لنا العلم الحديث اليوم أسرار هذه المملكة العظيمة مملكة النمل، حيث يصنف العلماء النمل تحت رتبة الحشرات غشائيات الأجنحة، التي تتميز بسلوكها الاجتماعي، وقد أثبت العلم أن النمل على قدر كبير من الذكاء وقوّة الذاكرة ويتصرّف بعقلانية، وله قدرات من الوعي والإدراك، ودقة في تنظيم مجتمعاته، وتوزيع العمل بين أفراده، ويتحرّك بشكل منظّم حتى في أثناء الزحام، بل يستطيع التحرك في مجموعات كبيرة والتوجه إلى مساكنه خلال لحظات بطريقة منظّمة جدًّا.
ويعيش النمل في مجموعات منظمة وكل مجموعة تعرف مهامها وتؤدي واجباتها بتفانٍ وإتقان ومن دون أي تقصير، فمنهم العاملات ومنهم الملكات ومنهم الذكور. فالعاملات من النمل إناث عقيمة وهي الأكثر عددًا في المستعمرات، وتقوم بمهام جلب الغذاء من خارج المملكة وتسمين الجنود، وتربية حشرات يعيش النمل على رحيقها، والتخلص من القمامة، وسحب جثث الموتى من المساكن، ودفنها في الأرض، وزرع الفطريات، كما أنها تنضم إلى الجيوش في حالات الحروب.
حتى نهاية القرن الماضي كان هناك خلاف بين علماء الحشرات حول طريقة تخاطب النمل مع بعضه بعضًا، وكان الاعتقاد السائد أن الاتصال لدى النمل اتصال كيميائي فقط، وفي عام 1997 حسم عالم الاتصالات الشهير البروفيسور روبرت هيكلنغ الأمر وقدّم الدليل المادي الملموس على أن النمل يتكلم كلامًا حقيقيًّا فيما بينه، وفاجأ العالم بأصوات النمل التي تتفاوت من نملة لأخرى، ومن نوع لآخر، ومن ظروف لأخرى. ومع التطور الكبير الذي شهدته التكنولوجيا الصوتية، يمكن لأي أحد اليوم الاستماع إلى أصوات النمل، فهناك العديد من التسجيلات لهذه الأصوات منتشرة في المواقع العلمية المتخصصة.
وبفضل تقدم تقنياته السمعية، والجهود المضنية التي قام بها هيكلنغ، حسم علماء الحشرات الخلاف العلمي من أن الاتصال بين النمل سمعي في عام 2006، وتأكدوا بشكل قاطع أن النمل يكلم بعضه بعضًا. وفي السادس من شهر فبراير من عام 2009 نشرت صحيفة التايمز البريطانية مقالًا بعنوان "التلال حية بأصوات النمل وهو يتحدث مع بعضه بعضًا"، ويتحدث المقال عن اكتشاف علمي مهم أكد أن لغة التخاطب في مجتمع النمل متطورة ومتقدمة، وأن النمل لديه مفردات للتخاطب أكثر مما كان يظن سابقًا، حيث مكن التطور الكبير في مجال التكنولوجيا الصوتية من اكتشاف أن النمل يصدر ترددات صوتية لم يكن أحد يعرفها من قبل ويتحدث مع بعضه بعضًا داخل أوكاره، وأن ملكة النمل هي من يصدر الأوامر للعاملات.
وعندما وضع فريق من الباحثين مكبرات صوت صغيرة داخل بيوت النمل تبين لهم ردود أفعال منتظمة من النمل بمجرد ما يسمع صوت الملكة، فيتوقف عن الحراك ويرفع قرون استشعاره وفكّه ويتأهّب ضد أي أخطار قادمة دون الإتيان بأي حركة، في انتظار الأوامر، وإذا ما اقترب أحد من البيت في تلك اللحظة يهاجمه النمل بسرعة. كما تبيّن أيضًا أن اختلاف أصوات النمل يصدر عنها ردود فعل مختلفة أيضًا طبقًا لكل صوت، وأن الترددات الصوتية التي يصدرها النمل تختلف من نملة لأخرى ومن جنس لآخر. عندما تهاجم النملة إحدى اليرقات فإنها تصدر أصواتًا مرعبة بالنسبة إلى اليرقة، أما عندما تكون النملة في حالة خطر فإنها تصدر صوتًا يميزه بقية النمل فيحدد مكانها ويسرع لنجدتها، وربما يحدد المعونة التي تطلبها النملة المستغيثة.
وإذا كان العلماء لم يدركوا هذه الحقائق عن عالم النمل إلا في نهاية القرن الماضي، فإن القرآن الكريم أشار إليها بوضوح قبل ما يزيد على أربعة عشر قرنًا وفي زمن لم يكن لأحد على وجه هذه الأرض علم ببعض منها، ما يؤكد أن هذا القرآن لا يمكن إلا أن يكون وحيًا من عند الله..

{ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)} [النمل]

تشير هاتان الآيتان إشارة صريحة واضحة إلى أن النمل مخلوق منظّم يعقل ويفكّر ويحمل هموم أفراد مجتمعه.. وفي ذلك دعوة للتأمل والتفكّر في سلوك هذه النملة الصغيرة التي حينما فرت هاربة من سليمان وجنوده، لم تفعل ذلك خوفًا على نفسها ونجاة بحياتها، وإنما آثرت أن تصيح بكل شجاعة محذرة أفراد عشيرتها النمل وإن كلفها ذلك حياتها. وقد كشفت دراسات العلماء عن صور لتضحيات النمل تثير الدهشة والإعجاب على حد سواء.
صرحت الآيتان بأن النملة تكلمت وقالت قولًا حقيقيًّا { قَالَتْ نَمْلَةٌ }.. { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا }. وقد أثبت العلم حديثًا جدًّا من خلال تجاربه وأبحاثه أن النمل يتكلم كلامًا حقيقيًّا فيما بينه، خاصة عند الإحساس بالخطر، أو في الحالات الضرورية العاجلة، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بدقة بالغة. ومن الحقائق العلمية المذهلة التي لم يكن لأحد علم بها زمن نزول القرآن أن النملات المؤنثة هي التي تتولى الدفاع عن المستعمرة وحمايتها من أي خطر مفاجئ، وبذلك جاء التعبير القرآني : { قَالَتْ نَمْلَةٌ }!
لقد سمع نبي الله سليمان –عليه السلام- قول النملة، وفهم لغتها بما وهبه الله عزّ وجلّ من علم، فأعجب بقدرة الله البالغة التي منحت هذه النملة الضئيلة الحكمة وحسن التصرّف. فسبحان الذي وهب هذه النملة الصغيرة هذا العقل لتستخدمه وأشار إلى ذكائها وحسن تصرفها المثير للدهشة في كتابه العزيز منذ أكثر من 1400 سنة لتكون أكبر دليل على أن هذا القرآن هو كلامه عزّ وجلّ، في زمن لم يكن لأحد قدرة على دراسة لغة النمل أو معرفة أي معلومات عنه!
والآن.. يا أيها الناس.. يا من تبحثون عن الحقيقة بصدق وتجرّد..
يا من تعلمون علم اليقين أنكم سوف ترحلون عن هذه الدنيا عاجلًا أم آجلًا..
اسمحوا لي أن أعيد عليكم بعض الحقائق لأهميتها..
عليكم أن تتثبّتوا منها أولًا..
القرآن المنتشر في كل أرجاء العالم اليوم هو قرآن واحد فقط..
هو القرآن نفسه الذي تمّت كتابته قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا من الآن.. لم يتغيّر منه حرف واحد..
استخدموا الطريقة التي تروق لكم.. احسبوا تقليديًّا أو إلكترونيًّا.. والنتيجة واحدة لن تتغيّر..


لا يمكن لأحد أن يعطيكم نصيحة حكيمة أكثر من أنفسكم أنتم..
فهل ستنصحون أنفسكم بالاستمرار في تكذيب القرآن بعد كل ما أبهركم به القرآن؟!! لا يمكن لعاقل أن يفعل ذلك..
لا يمكن أن تكره نفسك وتوردها موارد التهلكة مع الشيطان الذي يوسوس لك..
انتهى مجال التكذيب والعناد. الآن لا مجال إلا لتصديق القرآن والتسليم بأنه كلام الله.
---------------------------------
أهم المصادر:
أوّلًا: القرآن الكريم؛ مصحف المدينة المنوّرة برواية حفص عن عاصم (وكلماته بحسب قواعد الإملاء الحديثة).
ثانيًا: المصادر الأخرى:
Barbero, F, Thomas, JA ,Bonelli, S, Balletto, E, Schönrogge, K (2009) Queen ants make distinctive sounds that are mimicked by a butterfly social parasite. Science 323, 782-785.

بتصرف وتلخيص عن موقع طريق القرآن

اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك