عرفة كلها موقف
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضي الله عنهما: أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَحَرْتُ هَا هُنَا، وَمِنًى كُلهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ، وَوَقَفْتُ هَا هُنَا، وَعَرَفَةُ كُلهَا مَوْقِفٌ، وَوَقَفْتُ هَا هُنَا، وَجَمْعٌ كُلهَا مَوْقِفٌ»؛ رواه مسلم.
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم حديث (1218)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه أبو داود في "كتاب المناسك"، "باب صفة حج النبي" حديث (1907)، وأخرجه النسائي في "كتاب مناسك الحج"، "باب رفع اليدين في الدعاء بعرفة" حديث (3015).
شرح ألفاظ الحديث:
((وَمِنًى كُلهَا مَنْحَرٌ)): منى: بكسر الميم وفتح النون، وهي تقع بين وادي مُحسِّر شرقًا، وجمرة العقبة غربًا، ومن الجنوب والشمال الجبلان المستطيلان، وسُميت منى لكثرة ما يُمنى فيها من الدماء؛ أي: ما يراق فيها من دماء الهدي، ومنى مشعر حرام، بخلاف عرفة فهي مشعر حلال، وتقدَّم بيانه.
((فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ)): الرحال: المنازل؛ أي: انحروا في منازلكم.
((وَجَمْعٌ كُلهَا مَوْقِفٌ)): جَمْعٌ: بفتح الجيم وإسكان الميم هي مزدلفة، وسُميت بذلك لاجتماع الناس فيها في الجاهلية والإسلام، وبناءً عليه فلمزدلفة ثلاثة أسماء: مزدلفة، وجمع، والمشعر الحرام، كما تقدم بيانه.
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:الحديث دليل على أن منى كلها تصلح مكانًا لذبح الهدايا ونحرها، فلا يلزم أن يكون ذلك في موضع نحر النبي صلى الله عليه وسلم، بل منى كلها ينحر فيها بل الحرم كله يجوز النحر فيه، سواء في مكة، أو منى، أو مزدلفة؛ لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: 33]، والمراد بذلك الحرم كله كما ذكر المفسرون.
وعند أبي داود وابن ماجه وأحمد من حديث جابر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل فِجاج مكة طريق ومنحر))، وعليه فلو نحر هديه في الحل كعرفة وغيرها، فلا يجزئ على قول الجمهور حتى لو وزَّع هديه في الحرم.
الفائدة الثانية: الحديث دليل على أن عرفة كلها تصلح للوقوف، ولا يلزم أن يكون الوقوف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم حينما وقف وفي قِبلته الجبل، ولا شك أن هذا أفضل إن تيسَّر وإن لم يتيسَّر، فعرفة كلها صالحة للوقوف.
الفائدة الثالثة: الحديث دليل على أن مزدلفة كلها تصلح للوقوف والمبيت، ففي أي مكان فعل ذلك أجزأ، ولكل واحدة من منى وعرفة ومزدلفة علامات واضحة لحدودها.
الفائدة الرابعة: الحديث فيه بيان يُسر الشريعة والرفق بهذه الأمة إذ لو كلِّفوا بالنحر في مكان النبي صلى الله عليه وسلم عند مسجد الخيف، أو الوقوف في مكانه مستقبل الجبل، أو في مزدلفة في مكانه عند المشعر الحرام، لو كان كل ذلك لزامًا لوجد الناس مشقة شديدة، وهذا التيسير يحتاجه الناس اليوم كثيرًا أيام الزحام والخطر، وشدة التدافع في بعض الأماكن.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك