10-25-2022, 02:53 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 352,252
|
|
حدود جواز لبس الفضة في حق الرجال
حدود جواز لبس الفضة في حق الرجال
أحمد عبدالله بن عليان الصقر
اختلف العلماء -رحمهم الله- في حد جواز لبس الفضة بالنسبة للرجال، أهو محدود بحد، أم أنه يباح على إطلاق دون حد؟، على قولين:
القول الأول:قالوا بأنّ جوازه في حق الرجال مختص بالخاتم منه، وحلية المنطقة وما دعت إليه حاجة وماعدا هذه الثلاثة فإنه لا يحل؛ وذهب إلى هذا القول جمهور الفقهاء من الحنفية[1]، وبعض المالكية [2]، والشافعية [3]، والحنابلة على القول الصحيح عندهم [4]، وهو اختيار الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله [5].
القول الثاني: قالوا بجواز لبس الفضة للرجال مطلقًا قليله وكثيره، وذهب إلى هذا القول الحنابلة على الرواية الأخرى[6] وهو اختيار ابن تيمية[7]، قال صاحب الفروع: ولا أعرف التحريم نصًا عن أحمد[8]، وهو اختيار الشيخ محمد العثيمين -رحمه الله-[9].
أدلة القول الأول (القائلين بأن جوازه في حق الرجال مختص بالخاتم منه، وحلية المنطقة وما دعت إليه حاجة):
1- استدلوا على جواز خاتم الفضة بما ورد في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتخذ خاتمًا من ورق)[10].
وجه الاستدلال: اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم له، دليلٌ واضحٌ على جوازه.
2- استدلوا على جواز حلية المنطقة بأن الصحابة اتخذوا المناطق محلاة بالفضة[11].
وجه الاستدلال: اتخاذ الصحابة لها مع علم النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك وعدم نهيه عنها، دليلٌ على الجواز.
3- عللوا بأنها - أي: حلية المنطقة - كالخاتم [12]، ولأن فيها إرهابًا للكفار[13].
وجه التعليل: قاسوا الحلية على الخاتم بجامع أن كل منهما حلية معتادة للرجال فأشبهت الخاتم، كما عللوا بأن لبس المناطق من الفضة فيه إرهابًا للكفار، وإرهاب الكافرين مأمور به شرعًا وهو داخل في جملة دلالة قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)[14].
4- واستدلوا على جوازه عند الحاجة بما جاء عن "عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفا من فضة فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب" [15].
وجه الاستدلال: اتخاذ عرفجة رضي الله عنه لأنف من الفضة حينما قُطع أنفه، بعلم نبي الله صل الله عليه وسلم وعدم إنكاره عليه، بل إنه أمره باتخاذ أنف من الذهب، والذهب أشد، فدل على جواز الفضة للرجال للحاجة من باب أولى.
ويمكن أن يجاب عن الأدلة والتعليلات السابقة بأن يُقال: كل ماورد من نصوص وتعليلات تقيد جواز لبس الفضة للرجال بأشياء مخصوصة كالخاتم، وحليلة المنطقة وغيرهما، أو عند الحاجة، تفيد جواز تلك المذكورات- ولا شك-، ولكن مع عدم منع غيرها، وذلك لأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولأنه لو أراد الشارع المنع لما سواها لأورد النص.
5- علل الشيخ السعدي -رحمه الله- عدم جواز سوى ما ذُكر من الفضة للرجال، مع جوازه مطلقًا في حق النساء، وذلك لأن النساء محتاجات إلى التزين، وحتى يتميز النساء عن الرجال[16]، ولعل مما يدل على هذا المعنى قوله تعالى: ﴿ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ [الزخرف: 18].
ويمكن أن يجاب عن هذا بأن يقال: لا شك أن الأصل أن المرأة محتاجة إلى الزينة، ولا إشكال في هذا، ولكن يبقى التساؤل، ما الذي يمنع الرجل من التزين فيما يخصه من الزينة، في غير ما حرم الله تعالى أيضًا؟، خاصة أن الله تعالى قد نص على إباحة التزين بوجه عام فقال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ [الأعراف: 32]، وأما تميز النساء عن الرجال فيحصل في غير المباحات المشتركة بين الجنسين.
أدلة القول الثاني (القائلين بجواز الفضة للرجال مطلقًا):
1- قالوا بأنه لا يوجد نص صحيح في تحريم لباس الفضة على الرجال، لا خاتمًا ولا غيره.[17]
2- استدل الشيخ العثيمين على جواز الفضة للرجال بما جاء في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم ( وأما الفضة فالعبوا بها لعبًا)[18]، قال رحمه الله: يعني اصنعوا ما شئتم بها. [19]
وأُجيب عن الاستدلال بهذا النص، بأن:" الخبر في صحته نظر، وقد صححه جماعة، والصواب أنه شاذ، وليس بصحيح، ولو فرضنا صحته فهو منسوخ بإجماع أهل العلم، فإن أهل العلماء أجمعوا على أن الذهب حل للنساء، محرم على الرجال، وهذا الخبر بين أمرين:
إما أن يكون شاذًا قد خالف الأحاديث الصحيحة، والشاذ حكمه حكم الأحاديث الضعيفة، ولو صح سنده فإنه متى خالف الأحاديث الصحيحة يكون شاذًا، حكمه حكم الأحاديث الضعيفة؛ لأن من شرط الصحيح ألا يكون شاذًا، وما شذ من الأحاديث بأن خالف الأحاديث الصحيحة التي هي أصح منه، فإن حكمه حكم الأحاديث الضعيفة، فيحكم عليه بأنه ضعيف، وهذا من هذا الباب.ثم هو مع هذا منسوخ، لو صح سنده وسلم من الشذوذ فإنه منسوخ بإجماع أهل العلم، الدال على أن الذهب محلل للنساء، محرم على الرجال، وأن ما جاء فيه من النهي كان قبل ذلك ثم نسخ، وقد كتبنا في هذا مقالًا نشرناه قريبًا، وجوابًا أرسلناه إلى مجلة الدعوة وغيرها من النشر في بيان هذا الحكم، وأن الحديث هذا وأشباهه مما جاء في تحريم الذهب على النساء كلها على افتراض صحتها منسوخة، بالإجماع الذي حكاه أهل العلم، فإنه حكى الإمام الجصاص والبيهقي والنووي وجماعة إجماع أهل العلم على حل الذهب للنساء، وعلى تحريمه للرجال، وأما هذه الأخبار التي فيها ما يدل على تحريمه على النساء فهي أخبار إما شاذة أو منسوخة،... الخ". [20]
3- استدلوا على جواز اتخاذ الفضة للرجال بقوله تعالى ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]، وهذه الآية أصلٌ في الإباحة، حتى يرد النص.[21]
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله: "لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه، فإذا أباحت السنة خاتم الفضة دل على إباحة ما في معناه، وما هو أولى منه بالإباحة، وما لم يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه، ويؤيده قوله تعالى { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا }[22] والتحريم يحتاج إلى دليل، والأصل عدمه".[23]
سبب الخلاف في هذه المسألة: أصحاب القول الأول رأوا بأن الأدلة التي جاءت في تجويز لبس الفضة للرجال، تفيد حصر التجويز بها دون غيرها، وذلك لأن الأصل عندهم منع الفضة على الرجال إلا ماورد الدليل على تجويزه، كما أن الفضة يحصل بها الزينة الزائدة، والتي هي من شأن النساء، لأن النساء محتاجات إلى التزين، وحتى يتميز النساء عن الرجال، بينما أصحاب القول الثاني رأوا بأن الأصل، هو: جواز لبس الفضة الرجال دون تقييد، وذلك لأن الأصل في الزينة الإباحة، ولعدم ورود النص المانع أو المقيد للجواز، فبقي على الأصل.
الترجيح: يظهر لي مما سبق – والله أعلم - رجحان القول الثاني وهو جواز لبس الفضة للرجال مطلقًا.
سبب الترجيح هو: التمسك بالأصل، وهو حل الزينة على الرجال كالنساء، إلا ماورد الدليل على المنع منه، ولا ننتقل عن هذا الأصل إلا بدليل، ولا دليل واضحٌ بيّنٌ ينقلنا عن هذا الأصل، فنبقى عليه، وأما ما ورد من نصوص وتعليلات على جواز أشياء مخصوصة كالخاتم، وحليلة المنطقة وغيرهما، فهي أدلة – ولا شك- على اباحتها، ولكنها في المقابل ليست بدليل على منع غيرها، والله أعلم بالصواب.
ثمرة الخلاف: تكمن ثمرة الخلاف في هذه المسألة في حكم لبس الرجال للفضة في غير الخواتم، والمناطق، وعند عدم الحاجة، كلبس الرجال للفضة في شأن الساعات، والنظارات، وتطريز الثياب وتزيينها، وغير ذلك، فعلى القول الأول يحرم ذلك على الرجال ولا يصح، وعلى القول الثاني يصح مطلقًا.
[1] تبيين الحقائق 6/ 15 – 16.
[2] التاج والاكليل 1/ 176- 181.
[3] الحاوي الكبير 4/279 -280، تحفة المحتاج 3/ 275 – 278.
[4] كشاف القناع 297 – 280، الانصاف 3/ 148 – 149.
[5] 26 إرشاد أولي البصائر والألباب.
[6] ينظر: الانصاف 3/ 148- 149.
[7] الفروع 2/ 467- 469.
[8] قال رحمه الله:" ولم أجدهم احتجوا على تحريم لباس الفضة على الرجال، ولا أعرف التحريم نصا عن أحمد، وكلام شيخنا يدل على إباحة لبسها للرجال، إلا ما دل الشرع على تحريمه". ينظر: المرجع السابق.
[9] الشرح الممتع 6/108.
[10] متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه 7/157، كتاب اللباس، باب نقش الخاتم، الحديث رقم: 5873عن ابن عمر، رضي الله عنهما قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق، وكان في يده، ثم كان بعد في يد أبي بكر، ثم كان بعد في يد عمر، ثم كان بعد في يد عثمان، حتى وقع بعد في بئر أريس، نقشه: محمد رسول الله "، ومسلم في صحيحه 3/ 656، كتاب اللباس والزينة - باب لبس النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق نقشه محمد رسول الله، ولبس الخلفاء له من بعده، الحديث رقم: 2091
[11] لم أقف على إسناد لهذا الخبر في كتب السنة، ولكن قد ذكره بعض الفقهاء، ينظر: دقائق أولي النهى لشرح المنهى 1/433، وكذا ينظر: كشاف القناع 2/237، وهو ممن اشتهر عندهم.
[12] كشاف القناع 2/ 237.
[13] تحفة المحتاج 3/ 275 – 278.
[14] سورة الأنفال اية رقم: 60
[15]حديث حسن، أخرجه أبو داود "4/92"، كتاب الخاتم: باب ما جاء في ربط الأسنان بالذهب، حديث "4232"، والترمذي "4/240 "، كتاب اللباس: باب ما جاء في شد الأسنان بالذهب، حديث "1770"، وقال " حديث حسن"، والنسائي 8/ 164، كتاب الزينة: باب من أصيب أنفه هل يتخذ أنفًا من ذهب، حديث "5162"، وأحمد 33/ 397، حديث 20269، مسند البصريين، حديث عرفجة بن أسعد. قال ابن حجر في التلخيص الحبير 2/ 387، عن هذا الحديث: " وذكر ابن القطان الخلاف فيه، وفي وصله وإرساله وأروده ابن حبان في صحيحه ".
[16] ينظر: إرشاد أولي البصائر والألباب صــ 26
[17] ينظر: الشرح الممتع 6/107.
[18] ضعيف، ونص الحديث (من أحب أن يحلق حبيبه حلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب، ومن أحب أن يطوق حببيه طوقًا من نار فليطوقه طوقًا من ذهب، ومن أحب أن يسور حبيبه سوارًا من نار فليسوره سوارًا من ذهب، ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبًا) أخرجه: أبو داود 4/ 93، كتاب الخاتم باب ما جاء في الذهب للنساء، الحديث رقم: (4236)، قال رحمه الله:" حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد، عن أسيد بن أبي أسيد البراد، عن نافع بن عياش، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، ثم ساق الحديث.." وأحمد 14/485، مسند المكثرين من الصحابة مسند أبي هريرة رضي الله عنه، الحديث رقم: (8910) قال رحمه الله:" حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن أسيد بن أبي أسيد، عن نافع بن عباس (2)، مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، ثم ساق الحديث..."
قال ابن حجر:" أسيد ابن أبي أسيد البراد أبو سعيد المديني صدوق" تقريب التهذيب صـــ111.
[19] ينظر: الشرح الممتع 6/ 107
[20] نقلًا عن موقع الشيخ / عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- على شبكة الانترنت،
[21] ينظر: الشرح الممتع 6 / 108.
[22] سبق الإشارة إليها.
[23] الفروع 2/ 467.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|