الحلف بأيمانات المسلمين، وعهد الله، والأمانة
الشيخ ندا أبو أحمد
الأخطاء اللفظية التي تخالف العقيدة
يقول الله تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وعلى هذا ينبغي على الإنسان أن يتحرز من خطأ وزلل اللسان، خصوصًا فيما يتعلق بالمسائل العقائدية، التي تتعلق بالله تعالى، وبأسمائه وصفاته.
وهناك بعض الأخطاء اللفظية الخاصة بالأمور العقائدية يقع فيها البعض، نذكرها هنا للتنبيه عليها، والحذر منها، ومن هذه الأقوال:
• الحلف بـ: أيمانات المسلمين:
الأصل في المسلمين أنهم يحلفون بالله؛ فأيمان المسلمين حلف بالله؛ لأن أيمان المسلمين هي الحلف بالله؛ لأنهم موحدون مؤمنون يحلفون بالله عز وجل، أما إذا قصد الحالف بذلك أن يحلف بغير الله، فلا يجوز.
• الحلف بـ: عهد الله:
والحلف "بعهد الله" أو "علي العهد" له احتمالان:
الاحتمال الأول: إما بالعهد الذي أخذه الله علينا؛ فهو من كلامه عز وجل، وهذا جائز، وينعقد يمينه بذلك، وهذا قول الحسن، وطاوس، والشعبي، والأوزاعي، ومالك، وأحمد، وحجتهم قوله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾ [النحل: 91]؛ فقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾ [النحل: 91] لم يتقدَّمْه غيرُ ذكر الله؛ فعُلِمَ أنه يمين.
واستدلوا كذلك بحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال رجل مسلم - أو قال: أخيه - لقي اللهَ وهو عليه غضبان))؛ فأنزل الله تصديقه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 77].
فخص العهد بالتقدمة على سائر الأيمان؛ فدل على تأكد الحلف به؛ لأن عهد الله ما أخذه على عباده، وما أعطاه عباده؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ ﴾ [التوبة: 75]؛ لأنه قدم على ترك الوفاء به.
الاحتمال الثاني: أن يكون الحالف بـ: "عهد الله" أو "عليَّ العهد" قاصدًا ما فعله العبد من العهد مع الله، فهو فعل العبد؛ فلا يجوز الحلف بمخلوق، وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة وابن حزم.
• لكن الناظر في هذه المسألة يرى أن كون اليمين ينعقد أو لا ينعقد يرجع إلى نية الحالف بعهد الله، وهذا ما ذهب إليه الشافعي - رحمه الله تعالى - حيث الحلف بعهد الله تنعقد به اليمين إذا نواها.
• الحلف بالأمانة:
لا يجوز الحلف بالأمانة؛ وذلك للحديث الذي أخرجه أبو داود وابن حبان من حديث بريدة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن حلف بالأمانة، فليس منا))؛ (السلسلة الصحيحة: 94).
"فليس منا"؛ أي: ليس ممن اقتدى بطريقتنا، واهتدى بهديِنا.
تنبيه:
من أهل العلم من قال: "إذا أضيف لفظ الأمانة إلى لفظ الجلالة، فقال الحالف: "وأمانة الله"، فهذه يمين موجبة للكفارة، وهذا الكلام فيه نظر؛ لعدم الدليل على أن الأمانة صفة من صفات الله، وإنما هي أمرٌ من أوامره، وفرض من فروضه؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾ [الأحزاب: 72]"؛ انظر معالم السنن للخطابي.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك