الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَكْمَلَ لَنا الدِّينَ وأَتَمَّ عَلَيْنا النِّعْمَةَ وجَعَلَ أُمَّتَنا وللهِ الحَمْدُ خَيْرَ أُمَّةٍ وبَعَثَ فِينا رَسُولاً مِنّا يَتْلُو عَلَيْنا ءاياتِهِ ويُزَكِّينا ويُعَلِّمُنا الكِتابَ والحِكْمَة. أَحْمَدُهُ عَلى نِعَمِهِ الجَمَّةِ وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهادَةً تَكُونُ لِمَنِ اعْتَصَمَ بِها خَيْرَ عِصْمَةٍ وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا محمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ أَرْسَلَهُ لِلْعالَمِينَ رَحْمَةً وفَرَضَ عَلَيْهِ بَيانَ ما أَنْزَلَ إِلَيْنا فَأَوْضَحَ لَنا كُلَّ الأُمُورِ الْمُهِمَّةِ فَأَدَّى الأَمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى ءالِهِ وأَصْحابِهِ أُولِي الفَضْلِ والهِمَّة.أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ … فَإِنِّي أُوصِي نَفْسِي وإِيّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيمِ وَ?لْتِزامِ نَهْجِ النَّبِيِّ الكَرِيمِ والصَّبْرِ عَلى البَلاءِ والثَّباتِ عَلى الهُدَى والتَّوَكُّلِ عَلى اللهِ والثِّقَةِ بِاللهِ :أَلاَ بِالصَّبْرِ تَبْلُغُ ما تُرِيد وبِالتَّقْوَى يَلِينُ لَكَ الحَدِيدرَوَى مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَة، ومَنْ يَسَّرَ عَلى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ ومَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ ومَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلى الجَنَّةِ وما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ ويَتَدارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ وذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ومَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ اهـفَقَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَةِ اهـ هَذا يَرْجِعُ إِلى أَنَّ الجَزاءَ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، وقَدْ تَكاثَرَتِ النُّصُوصُ بِهَذا الْمَعْنَى كَحَدِيثِ
إِنَّما يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ[1] اهـ، وحَدِيثِ
إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ الناسَ في الدُّنْيا[2]اهـ والكُرْبَةُ هِيَ الشِّدَّةُ العَظِيمَةُ الَّتِي تُوقِعُ صاحِبَها في الكَرْبِ، وتَنْفِيسُها أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ مِنْها والتَّفْرِيجُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وهُوَ أَنْ تُزالَ عَنْهُ الكُرْبَةُ فَيَزُولُ هَمُّهُ وغَمُّهُ، فَجَزاءُ التَّنْفِيسِ التَّنْفِيسُ وجَزاءُ التَّفْرِيجِ التَّفْرِيجُ.وأَخْرَجَ البَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا
أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ يُشْرِفُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى أَهْلِ النارِ، فَيُنادِيهِ رَجُلٌ مِنَ النارِ يا فُلانُ هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ فَيَقُولُ لا واللهِ ما أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ ؟ فَيَقُولُ أَنا الَّذِي مَرَرْتَ بِهِ في دارِ الدُّنْيا فَ?سْتَسْقَيْتَنِي شُرْبَةً مِنْ ماءٍ فَسَقَيْتُكَ قالَ عَرَفْتُ. فَقالَ فَ?شْفَعْ لي بِها عِنْدَ رَبِّكَ، فَقالَ فَيَسْأَلُ اللهَ تَعالى فَيَقُولُ شَفِّعْنِي فِيهِ فَيُشَفَّعُ فِيهِ فَيَأْمُرُ بِهِ فَيُخْرَجُ مِنَ النار اهـوقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ
كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَة اهـ ذَلِكَ لأَنَّ كُرَبَ الدُّنْيا بِالنِّسْبَةِ إِلى كُرَبِ الآخِرَةِ كَلاَ شَىْءٍ، فَفِي البُخارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ قالَ
يَعْرَقُ الناسُ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِراعًا، ويُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ ءاذانَهُمْ اهـ وفي مُسْلِمٍ عَنِ الـمِقْدادِ بْنِ الأَسْوَدِ قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ
تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مَنْهُمْ كَمِقْدارِ مِيلٍ فَيَكُونُ الناسُ عَلى قَدْرِ أَعْمالِهِمْ في العَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى كَعْبَيْهِ ومِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى رُكْبَتَيْهِ ومِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى حَقْوَيْهِ ومِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلْجامًا اهـ قالَ وأَشارَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسَلَّمَ إِلى فِيهِ.وقَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
ومَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ اهـ هَذا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِعْسارَ يَحْصُلُ في الآخِرَةِ وقَدْ وَصَفَ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ بِأَنَّهُ يَوْمٌ عَسِيرٌ وأَنَّهُ عَلَى الكُفّارِ غَيْرُ يَسِيرٍ فَدَلَّ أَنَّ يُسْراهُ عَلَى غَيْرِهِمْ وقالَ تَعالى ?
وكانَ يَوْمًا عَلَى الكافِرِينَ عَسِيرًا?
[3]التَّيْسِيرُ عَلَى الْمُعْسِرِ في الدُّنْيا مِنْ جِهَةِ الْمالِ يَكُونُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمّا بِإِنْظارِهِ إِلى الْمَيْسَرَةِ وذَلِكَ واجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعالى ?
وَإِن كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ?
[4] وتارَةً بِالوَضْعِ عَنْهُ إِنْ كانَ الْمُيَسِّرُ غَرِيمًا وإِلاّ بِإِعْطائِهِ ما يَزُولُ بِهِ إِعْسارُهُ وكِلاهُما لَهُ فَضْلٌ عَظِيمٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ
كانَ تاجِرٌ يُدايِنُ الناسَ فِإِذا رَأَى مُعْسِرًا قالَ لِفِتْيانِهِ تَجاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللهَ يَتَجاوَزُ عَنّا فَتَجاوَزَ اللهُ عَنْهُ اهـ وفِيهِما عَنْ حُذَيْفَةَ وأَبي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ
ماتَ رَجُلٌ فَقِيلَ لَهُ بِمَ غَفَرَ اللهُ لَكَ ؟ فَقالَ كُنْتُ أُبايِعُ الناسَ فَأَتَجَوَّزُ عَنِ الْمُوسِرِ وأُخَفِّفُ عَنِ الْمُعْسِرِ اهـ وفي الـمُسْنَدِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عليه وسَلَّمَ
مَنْ أَرادَ أَنْ تُسْتَجابَ دَعْوَتُهُ وأَنْ تُكْشَفَ كُرْبَتُهُ فَلْيُفَرِّجْ عَنْ مُعْسِرٍ اهـومِمّا يَشْهَدُ لِقَوْلِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ اهـ ما رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قالَ أَدْرَكْتُ قَوْمًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُيُوبٌ فَذَكَرُوا عُيُوبَ الناسِ فَذَكَرَ الناسُ لَهُمْ عُيُوبًا وأَدْرَكْتُ قَوْمًا كانَتْ لَهُمْ عُيُوبٌ فَكَفُّوا عَنْ عُيُوبِ الناسِ فَنَسِينا عُيُوبَهُمْ اهـ أَوْ كَما قالَ.وأَخْرَجَ ابْنُ ماجَه عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ
مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ القِيامَةِ ومَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِها في بَيْتِهِ اهـو?عْلَمُوا إِخْوَةَ الإِيمانِ أَنَّ الناسَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُما مَسْتُورٌ فَوَقَعَتْ مِنْهُ زَلَّةٌ فَلا يَجُوزُ هَتْكُهُ ولا كَشْفُها لأَنَّ هَذا غِيبَةٌ مُحَرَّمَة، قالَ تَعالى ?
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ?
[5] والثانِي الْمُعْلِنُ لِلْفُجُورِ والفُسُوقِ الْمُجاهِرُ بِها فَهَذا لا غِيبَةَ لَهُ كَما قالَ الحَسَنُ ولَكِنْ لا يُتَّخَذُ ذِكْرُهُ بِالسُّوءِ وِرْدًا أَوْ تَشَفِّيًا وإِنَّما يُذْكَرُ لِزَجْرِهِ ولِيُقامَ عَلَيْهِ الحَدُّ ولِيَرْتَدِعَ بِهِ أَمْثالُه، ومَنْ فَعَلَ ما يُوجِبُ الحَدَّ ثُمَّ تابَ قَبْلَ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ فَالأَوْلَى لَهُ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ ولا يَأْتِي إِلى الإِمامِ لِيُخْبِرَهُ بِما فَرَّطَ فِيهِ وقَدْ تابَ مِنْهُ، وأَمّا قَوْلُهُ صَلّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ
وَاللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ اهـ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا
أَفْضَلُ الأَعْمالِ إِدْخالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ أَوْ أَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ أَوْ قَضَيْتَ حاجَتَهُ اهـوكانَ عُمَرُ يَتَعاهَدُ الأَرامِلَ يَسْتَقِي لَهُنَّ الْماءَ بِاللَّيْلِ وقَدْ حَصَلَ أَنْ رَءاهُ طَلْحَةُ بِاللَّيْلِ يَدْخُلُ بَيْتَ امْرَأَةٍ فَدَخَلَ إِلَيْها طَلْحَةُ نَهارًا فَإِذا هِيَ عَجُوزٌ عَمْياءُ مُقْعَدَةٌ، فَسَأَلَها ماذا يَصْنَعُ هَذا الرَّجُلُ عِنْدَكِ ؟ فَقالَتْ هَذا مِن كَذا وكَذا يَتَعاهَدُنِي يَأْتِينِي بِما يُصْلِحُنِي ويُخْرِجُ عَنِّي الأَذَى فَقالَ طَلْحَةُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا طَلْحَةُ أَعَوْراتِ عُمَرَ تَتَّبِعُ، وكانَ كَثِيرٌ مِنَ الصالِحِينَ يَشْتَرِطُ عَلى أَصْحابِهِ أَنْ يَخْدِمَهُمْ، فَقَدْ صَحِبَ رَجُلٌ قَوْمًا في الجِهادِ فَ?شْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَخْدِمَهُمْ، وكانَ إِذا أَرادَ واحِدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ أَوْ ثَوْبَهُ قامَ هُوَ فَفَعَلَ لَهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ لَمَّا ماتَ جَرَّدُوهُ لِلْغُسْلِ فَرَأَوْا عَلَى يَدِهِ مَكْتُوبًا (مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) فَنَظَرُوا فَإِذا هِيَ كِتابَةٌ بَيْنَ الجِلْدِ واللَّحْمِ. وقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ
ومَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلى الجَنَّة اهـ وسُلُوكُ الطَّرِيقِ لاِلْتِماسِ العِلْمِ يَدْخُلُ فِيهِ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الحَقِيقِيِّ بِالْمَشْيِ بِالأَقْدامِ ونَحْوِها ويَدْخُلُ فِيهِ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْمَعْنَوِيِّ مِثْلُ حِفْظِهِ ودَرْسِهِ ومُذاكَرَتِهِ وكِتابَتِهِ ونَحْوِ ذَلِكَ، فَقَدْ يَكُونُ الْمُرادُ أَنَّ اللهَ يُسَهِّلُ لَهُ العِلْمَ الَّذِي طَلَبَهُ وسَلَكَ طَرِيقَهُ ويَسَّرَهُ لَهُ، وعِلْمُ الدِّينِ طَرِيقٌ يُوصِلُ إِلى الجَنَّةِ وقَدْ يُرادُ بِهِ أَيْضًا أَنَّ اللهَ يُيَسِّرُ لِطالِبِ العِلْمِ الْمُخْلِصِ سُبُلَ الهِدايَةِ لِسُلُوكِ طَرِيقِ الجَنَّةِ فَيَكُونُ طَلَبُهُ لِلْعِلْمِ سَبَبًا لِهِدايَتِهِ ولِدُخُولِ الجَنَّةِ فَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ العِلْمِ ولَمْ يَعْوَجَّ عَنْهُ وَصَلَ إِلى الجَنَّةِ مِنْ أَقْرَبِ الطُّرُقِ وأَسْهَلِها، فَلا طَرِيقَ إِلى مَعْرِفَةِ اللهِ وإِلى الوُصُولِ إِلى رِضْوانِهِ إِلاَّ بِالعِلْمِ النافِعِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ رُسُلَهُ وأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ.وقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
ما جَلَسَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ ويَتَدارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ وذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ اهـ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبابِ الجُلُوسِ في الـمَساجِدِ لِتَلاوَةِ القُرْءانِ ومُدارَسَتِهِ، وإِنْ حُمِلَ عَلى تَعَلُّمِ القُرْءانِ وتَعْلِيمِهِ فَلا خِلافَ في اسْتِحْبابِهِ. وفي البُخارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ
خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْءانَ وعَلَّمَهُاهـ وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ
ما مِنْ قَوْمٍ صَلُّوا صَلاةَ الغَداةِ ثُمَّ قَعَدُوا في مُصَلاّهُمْ يَتَعاطَوْنَ كِتابَ اللهِ ويَتَدارَسُونَهُ إِلاَّ وَكَّلَ اللهُ بِهِمْ مَلائِكَةً يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ اهـوفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ خَرَجَ عَلى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحابِهِ فَقالَ
ما أَجْلَسَكُمْ ؟ قالُوا جَلَسْنا نَذْكُرُ اللهَ ونَحْمَدُهُ عَلى ما هَدانا لِلإِسْلامِ ومَنَّ بِهِ عَلَيْنا قالَ
آللهِ ما أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذاكَ قالُوا وَاللهِ ما أَجْلَسَنا إِلاَّ ذاكَ قالَ
أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ولَكِنَّهُ أَتانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُباهِي بِكُمُ الْمَلائِكَة اهـاللَّهُمَّ سَهِّلْ لَنا سُبُلَ الهِدايَةِ لِسُلُوكِ طَرِيقِ الجَنَّةِ أَقُولُ قَوْلِي هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي ولَكُم.
الخطبة الثانيةالحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنا محمَّدٍ الأَمِينِ وعَلى ءالِهِ وصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطاهِرِين. وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا محمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَه.أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ اتَّقُوا اللهَ في السِّرِّ والعَلَنِ ولا تَمُوتُنَّ إِلاّ وأَنْتُمْ مُسْلِمُون. لَيْسَ الشَّأْنُ عِنْدَ اللهِ تَعالى بِحُسْنِ الْمَظْهَرِ وقُوَّةِ العَشِيرَةِ والسَّنَدِ بَلِ الشَّأْنُ عِنْدَ اللهِ تَعالى بِالثَّباتِ عَلَى الإِيمانِ وحُسْنِ الخِتامِ فَقَدْ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ في جِنازَةِ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ كانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ لَمْ تَكُنْ مِنْ مَشاهِيرِ الْمُسْلِماتِ ولَكِنَّها كانَتْ تَكْنُسُ الْمَسْجِدَ فَلَمّا ماتَتْ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ومَشَى في جِنازَتِها. نَسْأَلُ اللهَ تَعالى حُسْنَ الخِتام.وَ?عْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى نِبِيِّهِ الكريمِ فَقالَ ?
إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (??)?[6]. اَللَّهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سيدِنا محمدٍ كَمَا صَلَّيْتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سيدِنا محمدٍ كَمَا بارَكْتَ على سيدِنا إِبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.اَللَّهُمَّ يا رَبَّنا إِنَّا دَعَوْناكَ فَ?سْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فَ?غْفِرِ اللَّهُمَّ لَنا ذُنوبَنَا وَإِسْرافَنا في أَمْرِنا وكَفِّرْ عَنّا سَيِّئاتِنا وتَوَفَّنا وأَنْتَ راضٍ عَنّا يا رَبَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْزُقْنا عِلْمًا نافِعًا، اللَّهُمَّ و?نْفَعْنا بِما عَلَّمْتَنا وَ?نْفَعْ بِنا يا رَبَّنا، اللَّهُمَّ عَلِّمْنا ما جَهِلْنا وذَكِّرْنا ما نَسِينا و?جْعَلِ القُرْءانَ رَبِيعَ قُلُوبِنا ونُورًا لأَبْصارِنا وجَوارِحِنا وتَوَفَّنا عَلى هَدْيِهِ وأَكْرِمْنا بِحِفْظِهِ و?حْفَظْنا بِبَرَكَتِهِ وبَرَكَةِ نَبِيِّكَ محمَّدٍ عَليْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وَ?رْزُقْنا شَفاعَتَهُ يا أَرْحَمَ الراحِمِين. و?غْفِرِ اللَّهُمَّ لِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ الأَحْياءِ مِنْهُمْ والأَمْواتِ إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَواتِ.عِبادَ اللهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ وَالـمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. أُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَ?شْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ وَ?سْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ?تَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنَ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.