شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 3 > الموسوعة الضخمة مواضيع اسلامية هامة جداااااااااااااااااااااااا
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: أخضر و أزرق مصحف مشاري العفاسي بالقصر المصحف المصور الملون ب خط كبير 114 سورة 2 مصحف (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: محمود عبد اللاه عبد العزيز مصحف 57 سورة جودة رهيبة تلاوات برابط 1 و مزيد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: احمد الحبيب برواية ورش مصحف 114 سورة لاول مرة 2 مصحف ترتيل و حدر كاملان 128 ك ب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مقسم اجزاء مصحف احمد الحبيب برواية ورش لاول مرة 2 مصحف ترتيل و حدر كاملان 128 ك ب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف حسن حسين عبد المجيد سورة 052 الطور (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف حسن حسين عبد المجيد سورة 076 الإنسان (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف حسن حسين عبد المجيد سورة 051 الذاريات (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف حسن حسين عبد المجيد سورة 065 الطلاق (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف حسن حسين عبد المجيد سورة 064 التغابن (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف حسن حسين عبد المجيد سورة 075 القيامة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 09-27-2014, 04:22 PM
منتدى فرسان الحق منتدى فرسان الحق غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 7,826
افتراضي المؤمن وحفظ اللسان




المؤمن وحفظ اللسان




أ. محمد شوقي عبدالرحمن





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أما بعدُ:
فإذا تصفَّحْنا أخلاق المؤمن، وتأمَّلنا شِيمَه، عَرَفْنا مِقْدارَه، وعلِمْنا قيمتَه؛ نراه ناهَز الكَمَال، وقَرُب على التَّمام، يتَقلَّب في الفضائل والحِسان، يكاد يكون مُنقطع النظير؛ فكلُّ أمورِه له خيْر، إذا أصابَتْه سَرَّاءُ شكَر فكان خيرًا له، وإذا أصابَتْه ضَراءُ صبَر فكان خيرًا له[1]، فلا يباريه في المجد والعلا أحدٌ من أهل الدنيا، إلاَّ أن يكون مثله!

إنَّ المؤمنَ محسنٌ أبدًا، لا يكون إمَّعة، ولا ذيلاً، يُحْسِن إذا أحسَن الناسُ، ويُسيء إذا أساؤوا[2]، بل إنه لا بد وأن يكون رأسًا، لا يسأم من إصلاح ساعتِه، بل يومه، بل دهْرِه، يصد كلَّ فساد، أمَّا الإمعةُ فإنه يتْبَع كلَّ ناعق، ويقول لكل أحد: أنا معك، فلا نرى له رأيًا، ولا يُنكر المنكرَ إذا صدَر ممَّن لَيْسوا هم مِن أهل المعروف، فالمنكرُ إذا كثُر صار معروفًا، وإذا صار المنكرُ معروفًا صار المعروفُ منكرًا.

المؤمنُ مَن حفِظ لسانَه، وسَلِم منه إخوانه، وكمُلتْ أخْلاقُه، وسار إلى ربِّه ينقص مِن خطوات دنياه ليزيد في خطوات آخرتِه.

وقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن استوى يوماه فهو مغبونٌ، ومن كان غدُه شرًّا من يومه فهو ملعونٌ، ومن لَم يتعاهد النُّقصان من نفسه فهو في نقصانٍ، ومن كان في نقصانٍ فالموت خيرٌ له))[3].

وقال أبو الفتح البستيُّ في نونيته:
زِيَادَةُ الْمَرْءِ فِي دُنْيَاهُ نُقْصَانُ وَرِبْحُهُ غَيْرَ مَحْضِ الْخَيْرِ خُسْرَانُ


المؤمن مَن تحلَّى بالإحسان، وأدام ضبط اللِّسان، وهذا دليلُ صَلاح الجَنان؛ فكيف يورد نفْسَه المهالِكَ عاقلٌ؟! والله - عزَّ وجلَّ - قد قال: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، وقال: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 148]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من يَضْمَن لي ما بين لحيَيْه وما بين رجليه أضمَن له الجنَّة))[4].

فاللِّسان ترجمان القلب، مُخْبِر بمكنونات السرائر، والقلب خزانة الأسرار، فإذا ما ضاق القلب بما فيه واستثقلَه، استراح إلى نبذِه وإذاعته باللِّسان، ولا يُمكن حينَها استرجاعُ ما شَرَد؛ فإنْ كان شرًّا حصلتْ بسببه المفاسِد، وتقَطَّعتْ بسببه الأرحام، فحَقٌّ على كل عاقل أن يحترزَ من زلَلِه وعواقبِه؛ ويَكْفِينا قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن العبد ليتكلَّم بالكلمة، ما يتبيَّن فيها، يزلُّ بها في النار أبعدَ مِمَّا بين المشرق))[5].

لذا كان صمتُه خيرًا مِن كلامِه على كلِّ حال؛ فلا ينطق إلا خيرًا، أو ليصمتْ؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، فنطقُه بالشرِّ سبيل كلِّ شر، وكما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((هل يكُبُّ الناسَ في النار على مناخرهم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم))[6]، وقال: ((من صمَت نجا))[7]، وقال: ((من سرَّهُ أن يسلم فليلزم الصمت))[8]، وقال: ((ليس شيءٌ من الجسد إلا يشكُو إلى الله اللسانَ على حدته))[9]...

وكأن كلَّ هذه الأحاديثِ تُخبرنا بأنَّ الصمتَ فيه مَشَقَّة على النفس؛ وقد جُبل المرءُ على محبَّة الإخبار والاستخبار، وهي هي هذه الصِّفة التي جعلتِ الآخرين ينقلون أخبار الماضين، وكأنَّ لها حلاوةً ومذاقًا على اللسان؛ فهي شهوتُه، كما أنَّ الطعامَ شهوة البطن، والجِماعَ شهوة الفرج!

وليس معنى ذلك أن يتخذَ المرءُ هذا الطبع وهذه الفِطرةَ حجَّة على الله تعالى؛ فيَتْركَ لها العنان، ويخبط خبط عشواء، فكما طُبِع على محبة النساء والجماع نَهاه عن الزِّنا؛ فقال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ [الإسراء: 32]، وكما جعل شهوة البطن الطعامَ نهاه عن الإسراف؛ فقال: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، كذا أمره بالكفِّ عن قول الفُحش، فقال: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30]، وقال: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر، فلْيُكرم ضيفَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِيَنَّ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو لِيَصمت))[10].

فالصمتُ أبدًا أسلم مِنَ إطلاق اللسان، إلا إذا تحقَّقتِ الغنيمةُ في الكلام، وإلا فالسلامة لا يعدلها شيء، فهو - أي: الصمتُ - سبب كلِّ خير، وكما قيل في الأمثال: "خَيْرُ الْخِلاَلِ حِفْظُ اللِّسَان"[11]، وحُكي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "بكثرة الصَّمت تكون الهيبة"، وقال لقمانُ لابنه: "يا بنيَّ، إذا افتخر الناسُ بِحُسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك"؛ فالكلمة أسير في وثاق الرجل، فإذا تكلَّم بها صار أسيرًا في وثاقِها!

أمَّا الأسرارُ فما أعظمَها من أمانة! وأيُّ خزانة أفضل مِن صدرك لحفظ مثل هذه الأمانات؟! ورَحِم الله مَن قال: "صدرُك أوسع لسِرِّك"[12]، فإذا ما خرج مِن الصدر فليس حينئذٍ بسِر، ولا تعجب حينها إذا جاءك امرؤٌ يُخبرك بسِرِّ خلٍّ له، فتجده سرَّك!

وكما قيل:
إِذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ فَصَدْرُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَقُ


وهذا عُمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما ولَّى قدامةَ بن مظعون الكوفة بدل المغيرة، أمَرَه ألا يخبر أحدًا، ولم يكن له زاد، فتوجَّهتِ امرأته إلى دار المغيرة، فقالت: أقرِضونا زاد الرَّاكب؛ فإنَّ أمير المؤمنين ولَّى زوجي الكوفة، فأخبرتِ امرأةُ المغيرة زوجَها، فجاء إلى عمر - رضي الله عنه - واستأذن عليه، وقال: يا أمير المؤمنين، ولَّيتَ قدامة الكوفة، وهو رجل قويٌّ أمين، فقال: ومَن أخبَرك؟ قال: نساء المدينة يتحدَّثن به، فقال: اذهب وخُذ منه العهد!

وها هو المنصور يردِّد دومًا: الملوكُ تحتمل كلَّ شيء من أصحابهم إلا ثلاثًا: إفشاء السِّر، والتعرُّض للحرم، والقدح في الملك، فكم ضرَب اللسانُ عنُقَ صاحبه!

وهذا أبو علي القاف الكاتب الشاعر، يعَضُّ على يديه أنْ حدَّث خله عن سرِّه، فيقول:
حَدَّثْتُ خِلِّي بِهَمٍّ رَجَوْتُ مِنْهُ انْفِرَاجِي
وَكَانَ سِرِّي لَدَيْهِ كَالنَّارِ وَاللَّيْلُ دَاجِي



فمقتلُ الرجل بين فكَّيْه، و"ما مِن قاتل أحقُّ بطول السَّجْن من اللِّسان"[13]، و"ما اتَّقى اللهَ أحدٌ حقَّ تُقاته حتى يخزن من لسانه"[14].

وقد قال "أنوشروان": من حصَّن سره فله بتحصينه خصلتان: الظَّفر بحاجته، والسلامة من السطوات!

كذا، لم نرَ الله - سبحانه وتعالى - رخَّص في غيبة مؤمنٍ أبدًا، بل ضرَب مثلاً تكرهه النَّفس وتعافه، فحذَّر تعالى أشد التحذير، ونَهى أشد النَّهي عن الخَوْض في عِرْض امرئ مُسلم، فقال: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: 12]، فما أبشعه من جزاءٍ! فما رضي بأن جعلَه آكلاً لحم أخيه حتى جعله ميتًا.

وما أروع كلامَ ابن الأثير؛ إذْ يقول: أما جعْل الغيبة كأكل الإنسان لحم إنسانٍ آخَر مثله؛ فشديد المناسبة جدًّا؛ لأنَّ الغيبة إنما هي ذِكْر مثالب الناس، وتمزيقُ أعراضِهم، وتمزيق العِرض مماثلٌ لأكل لحم الإنسان لحْمَ مَن يغتابه؛ لأن أكل اللحم تمزيقٌ على الحقيقة.

وأما جعله كلحم الأخ: فلِمَا في الغيبة من الكراهة؛ لأنَّ العقل والشرع مُجتمعان على استكراهها, آمران بتركها والبُعد عنها، ولما كانتْ كذلك جعلتْ بمَنْزلة لحم الأخ في كراهته، ومن المعلوم أن لحم الإنسان مُستكرَه عند إنسان آخر، إلاَّ أنه لا يكون مثل كراهته لحم أخيه، وهذا القول مبالغة في استكراه الغيبة.

وأمَّا جعل اللحم ميتًا: فمن أجل أن المغتاب لا يشعر بغيبته ولا يحسُّ بها.

وأمَّا جعله ما هو في الغاية من الكراهة موصولاً بالمحبة, فلِمَا جُبِلت عليه النُّفوس من الميل إلى الغيبة والشهوة لها، مع العلم بقبحها.

فانظرْ أيها المتأمِّل إلى هذه الكناية تجدْها من أشد الكنايات شبهًا؛ لأنك إذا نظرتَ إلى كل واحدة من تلك الدلالات الأربع التي أشرنا إليها - وجَدْتها مناسبة لما قصدت له[15].

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل المسلم على المسلم حرامٌ، دمه، وماله، وعرضه))، وقال: ((لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يغتب بعضكم بعضًا، وكونوا عباد الله إخْوانًا))[16].

فهذه هي الغيبة التي سُئِل عنها الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: ما الغيبةُ يا رسول الله؟ قال: ((ذِكْرُك أخاك بما يكره))، قال: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول يا رسول الله؟ قال: ((إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتَبْتَه، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهتَّه))[17].

وهو هو نفس الجزاء الذي أشار إليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عندما سمع رجلين يقولان لأخيهما: قُتِل كما يُقتل الكلب! فما أبشعه من وصفٍ وغيبة! فمرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجيفة حمارٍ شائلة رِجْلُه، فقال لهما: ((كُلا من هذا))، قالا: من جيفة حمارٍ يا رسول الله؟ قال: ((فالَّذي نلتما من عرض أخيكما آنفًا أكثر، والذي نفس محمدٍ بيده فإنه في نهرٍ من أنهار الجنة يتغمَّس))[18].

وهو هو يتكرَّر مرة أخرى إذْ قال عبيدٌ مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ امرأتين كانتا صائمتين، فكانتا تغتابان الناس، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدحٍ، فقال لهما: ((قيئا))، فقاءتا قيحًا ودمًا ولحمًا عبيطًا، ثم قال: ((إنَّ هاتين صامتا عن الحلال، وأفطرَتا على الحرام))[19].

فاغتيابُ الناس سخافة رأي، ودناءةُ قيمة، وحسَد وبُغض، وترفُّع وتكبُّر، وعلوٌّ في الشر، وحقد في القلب، فما يوجد أذلُّ منه؛ إذ يُخْفي شخصه، ويخفض من صوته، فيرفع من شأنه، ويحطُّ من شأن أخيه، فكان الجزاءُ مِن جِنْس مِن العمَل.

فماذا لو انشغَل كلُّ امرئ بما يعنيه، وترَك ما لا يعنيه؟! والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد مدَح هؤلاءِ فقال: ((إنَّ مِن حُسْن إسلام المرء تركَه ما لا يَعْنيه))[20]، وقال أكثَمُ بن صيفي قريبًا مِن هذا، فصار مثلاً: الحَزمُ حِفظُ ما كُلِّفتَ، وتَرْك ما كُفِيتَ[21]، وما أشدَّ هذا النهيَ الذي قالَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إيَّاكم والغيبة؛ فإنَّ الغيبة أشدُّ من الزنا، إن الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يَغْفر له صاحِبُه))[22]!

ومِن ثَم كان حِفظُ اللسان مِن أجلِّ شِيَم المؤمنين، حثَّ عليه الله ورسولُه - صلى الله عليه وسلم - ومِن بعدهم الشُّعراء والأدباء، فمن ذلك:

وَقَدْ قِيلَ فِي حِفْظِ اللِّسَانِ وَخَزْنِهِ مَسَائِلُ مِنْ كُلِّ الفَضَائِلِ أَكْمَلُ


وقال آخر:

عَلَيْكَ حِفْظَ اللِّسَانِ مُجْتَهِدًا فَإِنَّ بَعْضَ الْهَلاكِ فِي زَلَلِهْ


وقيل:

حِفْظُ اللِّسَانِ رَاحَةُ الإِنْسَانِ فَاحْفَظْهِ حِفْظَ الشُّكْرِ لِلإِحْسَانِ


وهذا هو اللِّسانُ تسألُه الأعضاءُ بالله، وتنشُده التَّقْوى فيها، فتقول: اتَّقِ الله فينا؛ فإنَّما نحن بك[23]، وكان عبدالله بن مسعود يقول: يا لساني، قل خيرًا تغنَمْ، واصمُتْ تَسْلَم من قبْلِ أن تندم.

وصدَق القائل:
رَأَيْتُ الْعِزَّ فِي أَدَبٍ وَعَقْلٍ وَفِي الْجَهْلِ الْمَذَلَّةُ وَالْهَوَانُ
وَمَا حُسْنُ الرِّجَالِ لَهُمْ بِحُسْنٍ إذَا لَمْ يُسْعِدِ الْحُسْنَ الْبَيَانُ
كَفَى بِالْمَرْءِ عَيْبًا أَنْ تَرَاهُ لَهُ وَجْهٌ وَلَيْسَ لَهُ لِسَانُ



فاتَّقوا زلَّة اللِّسان؛ "فإن الرجل تعثُر قدمُه فيقوم مِن عثرته، ويزلُّ لسانُه فيكون فيه هلاكه"[24]، وكلُّ بلاء موكَّل بالمنطق.

وهذا يونس بن عُبيد يقول: "ليست خُلَّةٌ من خلال الخير تكون في الرَّجُل هي أحرى أن تكون جامعةً لأنواع الخير كلِّها - مِن حِفْظ اللسان".

ومِمَّا يُحكى أنَّه اجتَمَع برغوث وبعوضة، فقالت البعوضةُ للبرغوث: إنِّي لأَعْجب من حالي وحالِك؛ أنا أفصح منك لسانًا، وأرجح ميزانًا، وأوضح بيانًا، وأكبر منك شبابًا، وأكثر طيرانًا، ولي في بحر العبوديَّة سباحة، وفي ساحته سياحة، ومع هذا كلِّه فقد أحاط بي الجوع، وحرمني الهجوع، وأنت - على علاَّتك في جميع حالاتك - تأكل وتشبع، وفي نواعم الأبدان ترتع.

قال: نعم، أنت بين العالم مُطَنطنة، وعلى رؤوسهم مدندنة، وطول لسانك سبَبُ حرمانك، وأما أنا فالتلطُّف صناعتي، والصمت بضاعتي، وإنما توصَّلتُ إلى قوتي بسكوتي!

فالْزَم السكوت؛ فإن فيه السلامة، وتجنَّبِ الكلام الفارغ؛ فإن عاقبته الندامة، و:
احْذَرْ لِسَانَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ لاَ يَلْدَغَنَّكَ إِنَّهُ ثُعْبَانُ
كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ كَانَتْ تَهَابُ لِقَاءَهُ الفُرْسَانُ



فإذا تأمَّلتَ أخبار الماضين لم تُحْصِ عددَ مَن قتلَه لسانُه، وكان هلاكه في كلمةٍ بدرَتْ منه؛ فهذا أبو الطيب المتنبِّي، وطرفة بن العبد، والأعشى الهمداني، وحمَّاد عجرد، ودعبل الخزاعي، ووضَّاح اليمن، والسُّليك بن السلكة، وعليُّ بن جبلة، وهؤلاء جميعًا وغيرهم أصحاب كلماتٍ كانت سببًا في قتْلِهم، سُفِكَتْ دماؤهم، وقُطعت رؤوسهم، طال لسانهم ففُقِدَتْ حياتُهم[25]!

وهذان رجلان في بني إسرائيل متواخيانِ - كما أخبرنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ((كان أحدهما يذنب، والآخر مجتهدٌ في العبادة، فكان لا يزال المجتهدُ يرى الآخر على الذَّنب، فيقول: أقصِر، فوجده يومًا على ذنب فقال له: أقصر، فقال: خلِّني وربِّي، أبُعِثت عليَّ رقيبًا؟ فقال: والله لا يَغْفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنَّة، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند ربِّ العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنتَ بي عالِمًا، أو كنتَ على ما في يدي قادرًا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنَّة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النَّار))، قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده، لتَكلَّم بكلمةٍ أوبقَتْ دنياه وآخرته[26].

فمِثْل هذا يَصْدق فيه قول القائل:

وَالنَّاسُ شَتَّى فِي الْهَوَى كَالْمَرْءِ مُخْتَلِفٌ بَنَانُهْ
وَالصِّدْقُ أَفْضَلُ شِيمَةٍ وَالْمَرْءُ يَقْتُلُهُ لِسَانُهْ



وبعدُ: فقد وَصَف الله تعالى عباده المؤمنين بقوله: ﴿ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 112]، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "الاستِحياءُ من الله حقَّ الحياء: أن يحفظَ الرأسَ وما وعى، ويَحْفظ البَطن وما حوى"[27].

وحفظ الرأس وما وعى يدخل فيه: حفظ اللِّسان من الكذب، والغيبة، والنَّميمة، وشهادة الزُّور، والقول الحرام.

فعليك - أخي المسلم - أنْ تراقبَ لسانك - فقد قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58] - لتعرف: هل أنت واقع في هذا الدَّاء، أو لا؟ فإنْ كنتَ كذلك فاحْفَظْ لسانك؛ فمن أعظم أسباب السلامة حفظ اللِّسان، ومن أعظم أبواب الوقاية الصَّمت في وقته.


[1] أخرجه مسلم عن صهيب، ونصه: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلاَّ للمؤمن، إنْ أصابته سرَّاء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ، صبر فكان خيرًا له)).

[2] أخرجه التِّرمذي عن حذيفة، ونصُّه: ((لا تكونوا إمعةً؛ تقولون: إن أحسن الناس أحسنَّا، وإن ظلموا ظلَمْنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم؛ إنْ أحسنَ الناس أن تُحْسنوا، وإن أساؤوا فلا تَظْلموا)).

[3] أخرجه الديلميُّ من حديث محمد بن سوقة عن الحارث عن علي به مرفوعًا، وسنَدُه ضعيف.

[4] أخرجه البخاري عن سهل بن سعد.

[5] أخرجه البخاري عن أبي هريرة.

[6] أخرجه الترمِذِي، وصحَّحه، وابنُ ماجه، والحاكِم وقال: صحِيح على شرط الشيخينِ.

[7] أخرجه الترمذي عن عبدِاللهِ بنِ عمرٍو، وقال الألباني: صحيح.

[8] البيهقي في "شُعَب الإيمان" عن أنس بِإِسْنَاد ضَعِيف.

[9] أخرجه أبو يعلى، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وقال ابن كثير: إسناده جيِّد، وقال الألباني: صحيح.

[10] أخرجه البخاري ومسلمٌ عن أبي هريرة.

[11] مثَلٌ يُضرَب في الحث على الصمتِ؛ "مجمع الأمثال" (1/ 242).

[12] معناه لا تُفْشِه إِلى أحد؛ فإنك أولى بترك إفشائه، وإِن ضاق عنه صدرك فصدر غيرك أضيق عنه؛ "جمهرة الأمثال" (1/ 575).

[13] يُنسَب هذا القول إلى ابن مسعودٍ وسَلْمان - رضي الله عنهما.

[14] ينسب هذا القول إلى أنس بن مالك - رضي الله عنه.

[15] "المثل السائر" (3/ 62).

[16] أخرجه مسلمٌ من حديث أبي هريرة.

[17] أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة، وصحَّحَه الألباني.

[18] أخرجه البخاريُّ في "الأدب المفرد"، وضعَّفَه الألباني.

[19] أخرجه أبو يعلى في "مسنده"، وإسنادُه ضعيف.

[20] أخرجه الترمذيُّ، وصححه الألباني.

[21] "مجمع الأمثال" (1/ 205).

[22] أخرجه ابن أبي الدنيا في ذمِّ الغيبة، وضعَّفَه الألباني.

[23] أخرجه الترمذي، وحسَّنه الألباني.

[24] وهو قول المُهلِّب لبنيه.

[25] انظر مثلاً: "قصائد قتلَتْ أصحابها"؛ للشيخ عائض القرني؛ فقد جمع الشُّعراء الذين كانت قصائدُهم سببًا في سفْكِ دمائهم!

[26] أخرجه أبو داود في "سننه"، وقال الألبانيُّ: صحيح.

[27] رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني.











ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

__________________
الاميل و الماسنجر

alfirdwsiy1433@ymail.com


شبكة ربيع الفردوس الاعلى
نحتاج مشرفين سباقين للخيرات


اقدم لكم 16 هدايا ذهبية



الاولى كيف تحفظ القران بخاصية التكرار مع برنامج الريال بلاير الرهيب وتوضيح مزاياه الرهيبة مع تحميل القران مقسم ل ايات و سور و ارباع و اجزاء و احزاب و اثمان و صفحات مصحف مرتل و معلم و مجود
مع توضيح كيف تبحث في موقع ارشيف عن كل ذالك


والثانية
خطا شائع عند كثير من الناس في قراءة حفص بل في كل القراءات العشر
تسكين الباء في كلمة السبع في قوله تعالى ( وما اكل السبع ) سورة المائدة الاية 3
والصحيح ضمها لان المراد بها هنا حيوان السيع بخلاف السبع المراد بها العدد سبعة فان الباء تسكن كما في سورة المؤمنون الاية 86
- قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم - ولا تنسى قراءاة كتاب اسمه الاخطاء الشائعة في قراءة حفص وهذا رابطه لتحميله
https://ia701207.us.archive.org/34/i...ng-of-hafs/pdf

واسمع اليها في تلاوة عندليب الاسكندرية الخاشع الشيخ شعبان محمود عبد الله السورة رقم 5 المائدة ورقم 23 المؤمنون
حيث يقف الشيخ على كلمة السبع في سورة المائدة لتوضيح ضم الباء
http://archive.org/details/sha3baan-mahmood-quran



والهدية الثالثة

لاول مرة من شرائي ومن رفعي
رابط ل صفحة ارشيف تجد في اعلاها
مصحف الحصري معلم
تسجيلات الاذاعة
نسخة صوت القاهرة
النسخة الاصلية الشرعية
لانا معنا اذن من شركة صوت القاهرة بنشر كل مصاحفها بعد شرائه وتجد في نفس الصفحة كيفية الحصول على مصاحف اخرى نسخة صوت القاهرة



وحين تفتح لك الصفحة اقرا فيها كيفية الحصول على كل مصاحف صوت القاهرةبجودة رهيبة لا تصدق سي دي اوديو معدل الجودة 1411 ك ب
وايضا بجودة رهيبة ام بي ثري معدل الجودة 128 كيلو بايت

ايضا تجد في نفس الصفحة
رابط ل ملف مضغوط zip فيه روابط ل 696 مصحف مقسمين الى روابط تورنت ومباشرة وجودة فلاك مع الشرح كيف تكفر عن ذنوبك وتكسب ملايين الحسنات عن طريق التورنت
مع برنامج تورنت سريع وشرح كيفية عمله
مع هدايا اخرى ومفاجات
مع صوت ابي العذب بالقران

تجد ايضا في الملف المضغوط zip مقطع صغير لصوت ابي العذب بالقران
من اراد ان ياخذ ثواب البر بابيه وامه حتى بعد موتهما فليسمع صوت ابي العذب بالقران لان الدال على الخير كفاعله بالاضافة الى ان صوته العذب بالقران يستحق السماع
وحاول ان تزور هذه الصفحة دائما لتجد فيها
الجديد من الملفات المضغوطة zip
فيها الجديد من روابط المصاحف
والتي ستصل الى الف مصحف باذن الله
********************************
ولا ننسى نشر موضوع المصاحف وموضوع صوت ابي في المنتديات المختلفة ولا يشترط ان تقولو منقول بل انقلوه باسمكم فالمهم هو نشر الخير والدال على الخير كفاعله وجزاكم الله خيرااااااااااااااااا
اكتب في خانة البحث ل موقع صفحة ارشيف او في جوجل او يوتيوب
عبارة ( مصحف كامل برابط واحد) لتجد مصاحف هامة ونادرة كاملة كل مصحف برابط واحد صاروخي يستكمل التحميل والمصاحف تزيد باستمرار باذن الله

او اكتب عبارة (صوت القاهرة ) لتجد مصاحف اصلية نسخة صوت القاهرة

والهدية الرابعة

اسطوانة المنشاوي المعلم صوت و صورة نسخة جديدة 2013 نسخة اصلية من شركة رؤية مع مجموعة قيمة جدا من الاسطوانات التي تزيد يوما بعد يوم على نفس الصفحة


والهدية الخامسة

مصحف المنشاوي المعلم فيديو من قناة سمسم الفضائية

والهدية السادسة


مصحف المنشاوي المعلم صوتي النسخة الاصلية بجودة رهيبة 128 ك ب

والهدية السابعة

مصحف القران صوتي لاجمل الاصوات مقسم الى ايات و صفحات و ارباع و اجزاء و اثمان و سور كل مصحف برابط واحد صاروخي يستكمل التحميل



الهدية الثامنة

من باب الدال على الخير كفاعله انقلوا كل المواضيع فقط الخاصة بالشبكة والتي هي كتبت باسم المدير ربيع الفردوس الاعلى ولا يشترط ان تقولومنقول بل انقلوه باسمائكم الطاهرة المباركة



والهدية التاسعة


جميع ختمات قناة المجد المرئية بجودة خيالية صوت و كتابة مصحف القران مقسم اجزاء و احزاب اون لاين مباشر


الهدية العاشرة

اون لاين مباشر جميع تلاوات القران الخاشعة المبكية فيديو

الهدية 11

اون لاين مباشر جميع تلاوات القران الخاشعة المبكية اوديو



الهدية 12

جميع مصاحف الموبايل الجوال - القران كاملا بحجم صغير جدا و صوت نقي

الهدية13

برنامج الموبايل و الجوال صوت و كتابة لكل الاجهزة الجيل الثاني و الثالث و الخامس


الهدية14

الموسوعة الصوتية لاجمل السلاسل والاناشيد والدروس و الخطب لمعظم العلماء


الهدية 15

الموسوعة المرئية لاجمل الدروس و الخطب

16

برامج هامة كمبيوتر و نت
رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 10:16 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات