تفسير الزركشي لآيات من سورة المرسلات
د. جمال بن فرحان الريمي
﴿ عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ﴾ [المرسلات: 6]
قوله تعالى: ﴿ فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ﴾ [المرسلات: 5، 6] [1]، أي للإعذار والإنذار[2].
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 19]
قال رحمه الله: "ذكر سيبويه في قول الله تعالى: ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾، ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ﴾ [المطففين: 1] [3]، فقال: لا ينبغي أن تقول إنه دعاء – هاهنا -؛ لأن الكلام بذلك واللفظ به قبيح، ولكن العباد إنما كُلِّموا بكلامهم، وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون، فكأنه - والله أعلم - قيل لهم: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ﴾ [المطففين: 1] و﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾، أي: هؤلاء ممن وجب هذا القول لهم؛ لأن هذا الكلام إنما يقال لصاحب الشر والهلكة، فقيل: هؤلاء ممن دخل في الهلكة، ووجب لهم هذا"[4]. انتهى.
قوله تعالى: ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾، في سورة المرسلات عشر مرات؛ لأنه سبحانه ذكر قصصًا مختلفة، وأتبع كل قصة بهذا القول، فصار كأنه قال عقب كل قصة: ويل للمكذبين بهذه القصة! وكل قصة مخالفة لصحابتها، فأثبت الويل لمن كذب بها.
ويحتمل أنه لما كان جزاء الحسنة بعشر أمثالها، وجعل للكفار في مقابلة كلّ مثل من الثواب ويل[5].
﴿ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ﴾ [المرسلات: 16]
قال رحمه الله: من معاني الإستفهام "التحذير" كقوله: ﴿ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ﴾، أي: قدرنا عليهم فنقدر عليكم[6].
﴿ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ﴾ [المرسلات: 23]
قوله تعالى: ﴿ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ﴾ أي نحن[7].
﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ﴾ [المرسلات: 25]
قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴾ [المرسلات: 25، 26] [8]، فإنه قيل: الكفات: الأوعية، ومفردها "كَفْت"، والأحياء والأموات كناية عما نبت وما لا ينبت، وقيل: الكُفات مصدر كَفَته إذا ضمّه وجمعه، فعلى الأول: ﴿ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴾ صفة لكفاتًا، كأنه قيل: أوعية حية وميّتة، أو حالان؛ وعلى الثاني فهما مفعولان لمحذوف، ودلّ عليه ﴿ كِفَاتًا ﴾ أي يجمع أحياءً وأمواتًا[9].
﴿ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ﴾ [المرسلات: 32]
قوله تعالى: ﴿ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ﴾، أي كل واحدة منها كالقصر، فيكون من باب قول: ﴿ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ [النور: 4] [10]، أي كلَّ واحد منهم، والمحوج إلى ذلك أنه لا يجوز أن يكون الشرر كله كقصر واحد، والقصر هو البيت من أدمٍ، كان يُضْرَب على المال، ويؤيده قوله: ﴿ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ﴾ [11]، أفلا تراه كيف شبهه بالجماعة؟ أي كل واحدة من الشرر كالجمل لجماعاته، فجماعاته إذن مثل الجمالات الصُّفر، وكذلك الأول، شررة منه كالقصر، قاله أبو الفتح بن جني[12].
﴿ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ﴾ [المرسلات: 33]
قوله تعالى: ﴿ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ﴾، قيل: كأنه أينُقٌ سود، وسمي الأسود من الإبل أصفَر، لأنه سواد تعلوه صفرة[13].
﴿ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [المرسلات: 36]
قوله تعالى: ﴿ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [المرسلات: 35، 36] [14]، وهم قد نطقوا بقولهم: ﴿ يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا ﴾ [الأنعام: 27] [15]، ولكنهم لما نطقوا بما لم ينفع فكأنهم لم ينطقوا[16].
قوله تعالى: ﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [المرسلات: 35، 36] [17]، فإن ﴿ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ داخل مع الأول في النفي عند سيبويه، بدليل قوله هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ، فإن كان النطق قد نفي عنهم في ذلك اليوم، فالاعتذار نطق، فينبغي أن يكون منفيًا معطوفًا على قوله: ﴿ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ ﴾، ولو حمل على إضمار المبتدأ، أي فهم يعتذرون، لجاز على أن يكون المعنى في لَا يَنْطِقُونَ أنهم وإن نطقوا فمنطقهم كلا نطق؛ لأنه لم يقع الموقع الذي أرادوه كقولهم تكلمت ولم تتكلم[18].
[1] سورة المرسلات: 5-6.
[2] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - التعليل 3/ 63.
[3] سورة المطففين: 1.
[4] الكتاب لسيبويه 1/ 331. البرهان: أقسام معنى الكلام - 2/ 199
[5] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - فوائد التكرير 3/ 15.
[6] المصدر السابق: أقسام معنى الكلام - الاستفهام بمعنى الإنشاء 2/ 210.
[7] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف المخصوص في باب نعم إذا علم من سياق الكلام 3/ 104.
[8] سورة المرسلات: 25-26.
[9] البرهان: معرفة الأحكام من جهة إفرادها وتركيبها 1/ 212.
[10] سورة النور: 4.
[11] سورة المرسلات: 33.
[12] المحتسب لابن جني 2/ 346-347 والعبارة بالمعنى. البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف المبتدأ 3/ 89 - مقابلة الجمع بالجمع 4/ 5.
[13] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - قد تأتي الصفة بلفظ والمراد غيره 2/ 266.
[14] سورة المرسلات: 35-36.
[15] سورة الأنعام: 27.
[16] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - نفي الشيء رأسًا 3/ 243.
[17] سورة المرسلات: 35-36.
[18] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - احتمال الفعل للنصب والجزم 4/ 95.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك