شرح قاعدة: العادة محكمة (قاعدة العرف)
الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري
بيان القاعدة:
العادة لغة: مأخوذة من العود والمعاودة، وهو التكرار.
ومعنى محكمة: مأخوذة من الحكم، وهو: الفصل والقضاء بين الناس.
والعُرفُ لغة: التتابع والظهور والاطمئنان، يُقال: تعارف الناس على كذا، بمعنى: تتابعوا عليه.
والعادة في اصطلاح الفقهاء هي: الأمر المتكرر عند أغلب الناس، أو عند بعضهم، حتى يكون متقبلا غير مستنكر ولا مستغرب.
والعُرف اصطلاحًا: ما اعتاده أغلب الناس، أو طائفة منهم، من قول أو فعل أو ترك[1].
والمراد بالقاعدة: أن العادة أو العُرف يكون مرجعًا وحكمًا في بعض الحالات والصور مما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
أمثلة القاعدة
المثال الأول: ضابط كل من:
• الكثرة، مثل: تبطل الصلاة بالحركة المتوالية إذا كانت كثيرة عُرفًا.
• القلة، مثل: يُعفى عن نجاسة الدم في الثوب إذا كانت قليلة عُرفًا.
المثال الثاني: إذا تبايع اثنان بنقد ولم يُحدد، فاختلفا، فالعبرة بالنقد الغالب في البدل الذي حصل فيه التبايع، ففي السعودية بالريال السعودية، ولا يكون بغيره، ولا بالقروش ولا بالهللات، وفي مصر بالجنيه المصرية، وهكذا.
دليل القاعدة
• قول الله تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾[2].
• وحديث عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفين وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: «خُذي ما يكفيك وولدك بالمعروف». متفق عليه[3].
شروط إعمال العُرف
حتى يمكن استعمال العرف لا بد فيه من أربعة شروط:
الشرط الأول: أن يكون العُرف غير مخالف للشريعة، ...أهل بلد على أن كل من اقترض نقدًا لزمه أن يدفع عليه فائدة ربوية؛ لم يجز العمل بهذا العُرف، ولم يكن لازمًا للمقترض.
الشرط الثاني: أن يكون العرف غالبًا عند أهله، كتعامل الناس بعملة واحدة في البلد، فإذا أُطلق الثمن في العقد انصرف إلى هذه العملة.
الشرط الثالث: أن يكون العُرف سابقًا غير لاحق، فلو اشترى إنسان من غيره بستين ريالًا قبل ثمانين سنة، فإننا لا نحكم على ذلك بالريالات الموجودة بيننا الآن؛ بل بما يُسمى ريالًا في ذلك الزمان، وهي ريالات الفضة.
الشرط الرابع: ألا يوجد تصريحٌ يخالف العُرف، فإذا وجد تصريح يخالف العُرف فالعبرة بالتصريح لا بالعُرف، كما لو تبايع شخصان في المملكة العربية السعودية ونصا في العقد على أن الثمن بالدولار أو باليورو أو غيرهما، فلا اعتبار هنا بالريال السعودي.
مجالات العُرف
مجالات إعمال العرف متعددةً منها:
المجال الأول: إذا ورد لفظ مطلق في الأدلة الشرعية غير محدد، وليس له حد شرعي كالصلاة، ولا لغوي كالسرقة؛ فإنا نرجع في تحديده إلى العُرف الصحيح، مثل: النفقة على الزوجة، والإحسان إلى الوالدين.
المجال الثاني: تفسير ألفاظ الناس في معاملاتهم وأيمانهم، مثل: إطلاق الريال في التعامل، ومن حلف لا يأكل لحمًا لم يحنث بأكل السمك.
القواعد المتفرعة عن قاعدة: (العادة محكمة).
القاعدة الفرعية الأولى: «المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا»، مثل:
1- من استعار من صديقه سيارة فليس له أن يُسافر بها خارج البلد، لأن هذا هو المتعارف عليه فهو كالشرط، ما لم يأذن له بذلك صراحة.
2- من وكل شخصًا في شراء سيارة أو أثاث ونحوه، فلا يجوز له أن يشتري له شيئًا معيبًا، لأن نفي العيب كالمشروط عليه، وهو مُقتضى التوكيل.
القاعدة الفرعية الثانية: «المعروف عند التجار كالمشروط بينهم»، مثل:
1- إذا تعارف العقاريون في بلد على أن السعي الذي يستحقه صاحب المكتب العقاري يدفعه المشتري أو المستأجر، فيكون هذا ملزمًا عند إطلاق العقود ما لم يُصرح بخلافه.
2- إذا تعارف التجار على أن تحميل البضاعة إلى سيارة المشتري، أو توصيلها إلى منزله داخل ضمن عقد البيع، فإنه يكون ملزمًا للتاجر من غير مُقابل، ما لم يصرح بخلافه.
القاعدة الفرعية الثالثة: «التعيين بالعُرف كالتعيين بالنص»، مثل:
1- من استأجر بيتًا في حي سكني فتتعين منفعته بالسكنى المعتادة لمثله، فلا يصح استعماله مستودعًا للبضائع، أو تحويله إلى محل تجاري بغير إذن من صاحب البيت.
2- من استأجر سيارة للركوب المعتاد فليس له أن يحمل عليها ما لا يحمل على مثلها، كأن يحمل فيها الدواب أو القاذورات.
[1] أكثر الفقهاء لا يفرقون في استعمالهم بين العُرف والعادة في أكثر المواضع التي يستعملون فيها أحد اللفظين، فتجدهم يذكرون أحدهما ويريدون الآخر، أو يذكرونهما معًا كلفظين مترادفين، كما هو منتشر في مدوناتهم الفقهية في جميع المذاهب. ونحى آخرون من الفقهاء إلى التفريق بين اللفظين، وأشهر ما قيل من الفرق بينهما من حيث الاستعمال: إن لفظ العادة يستعمل كثيرا فيما يتكرر على الأفراد، كما يقال في الحيض: عادة المرأة، وأما لفظ العرف فيكون فيما يتكرر في حق الجماعات ويتعارفون عليه، والأمر في هذا يسير، وإذا علم المراد فلا مشاحة في الاصطلاحات، والله أعلم.
[2] سورة البقرة آية 228.
[3] رواه البخاري في كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير عمله ما يكفيها وولدها بالمعروف 5 /2052 (5049)، ومسلم في كتاب الأقضية، باب قضية هند 3 /13385 (1714).
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك