أمير الشام المملوكي جمال الدين الأفرم: من مؤازرة ابن تيمية إلى اللحاق بالتتار
(1)
في جمادى الأولى من سنة (698هـ) وصل من القاهرة إلى دمشق الأمير جمال الدين آقُش الأفرم المَنصُوري الجركسي، وبيده مَرسُومٌ بنيابة السلطنة بدمشق. كان ذلك بعد مقتل ابن خالته، الذي كان مُقرَّبًا منه، السلطان حسام الدين لاجين في الشهر الماضي (ربيع الأول/699هـ)، وبعد أيَّام من حصول الاتفاق على تعيين السلطان الناصر قلاوون سُلطانًا (شكليًّا)، بينما كان النُّفوذ الفعليّ في الدولة المملوكية للأميرين ركن الدين بيبرس الجاشنكير - صديق الأفرم -، وسيف الدين سلار.
كانت السنوات الأولى التي ولي فيها الأفرم نيابةَ السلطنة بدمشق تشهدُ صُعود شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى سياسيًّا؛ الصعود الذي بدأ بمواقف الثبات التي وقفها عند احتلال التتار لدمشق في سنة (699هـ)، وعند إعادتهم المحاولة، ثم رجوعهم الاضطراري سنة (700هـ)، وفي وقعة شقحب التي كُسِروا فيها سنة (702هـ). لم يقف الأمير الأفرم عائقًا أمام صعودِ ابن تيمية، بل وقف معه مُساندًا مُؤازرًا، حتى طُلِب ابن تيمية إلى مصر بمرسوم سلطاني سنة (705هـ). حاول الأفرم أن يمتنع من إرسال ابن تيمية إلى مصر؛ إلا أن تأثير الشيخ زين الدين ابن مخلوف قاضي المالكية على الأمير بيبرس الجاشنكير كان أقوى؛ إذ أقنعه بفساد عقيدة ابن تيمية، وأنه لا بد من إحضاره إلى القاهرة لمُحاسبته.
خرج ابن تيمية من الديار المصرية في سنة (712هـ) بعد أن قضى فيها سبعَ سنواتٍ وسبعةَ أسابيع، عالج فيها ما عالجه من الخطوب، وتدافعه ما تدافعه من طفوٍ ورُسوب، وذلك بقصدِ جهاد التتار، بصحبة الجيش المصري، والسلطان الناصر قلاوون - بعد أن قضى هذا على بيبرس ووطَّد حكمه - . والمقصود من هذه الحملة حماية الشام من الغزو التتري؛ إذ وصلت الأخبار بأن ملك التتار خربندا خرج من إيران قاصدًا الشام. أما نائب السلطنة المملوكية بالشام – سابقًا - الأمير جمال الدين الأفرم، الذي وقف مع ابن تيمية مُساندًا مؤازرًا، فقد كان إذ ذاك في صفَّ العدو التتري. ويذكر بعض المؤرخين أن الأفرم ومن معه من أمراء المماليك الذي هربوا إلى التتار خوفًا من السلطان الناصر؛ كانوا هم من حرّض ملك التتار خربندا على غزو الشام.
إذًا؛ فالرجل الذي مانع من إرسال ابن تيمية إلى مصر لئلا ينالَهُ أذى، هو اليوم يتسبب بخروجه منها بقصد قتاله وقتال فئته. والرجل الذي كان في يوم من الأيام من قادة المسلمين في قتال التتار، هو اليوم في صفوفهم. وبين هذه اللحظة وتلك: فصولٌ من التاريخ؛ تروي في جزء منها علاقة فقيهٍ - من أهمِّ الفُقهاء في التاريخ الإسلامي - بالسُّلطة السياسية في وقته، وتروي في الجزء الآخر عاقبةً مريرةً للصراع السياسي بين الأُمراء في تلك الحقبة من تاريخ المسلمين.
الجزء الأول:
علاقة الأمير جمال الدين الأفرم بابن تيمية
في فترة ولايته على الشام
1- استعداد الأفرم لقتال التتار سنة (700هـ) وتشجيع ابن تيمية له:
بعد أن وصلت الأخبار بخروج ملك التتار قازان من عاصمته تبريز في إيران قاصدًا الشام في (صفر /700هـ)، استعَدَّ الأميرُ جمالُ الدين الأفرم للجهاد، وخرج إلى المرج بقصد الرِّبَاط؛ الذي استمرّ أربعة أشهر. ملأت أخبار قدوم التتار الشامَ خوفًا وهلعًا وأخذ الناس يهربون إلى مصر، لا سيما بعد أن وصلتهم أخبار رجوع السلطان والجيش المصري إلى مصر بعد أن كانوا قد تحرَّكُوا منها للقاء التتار. وفي هذه الظروف الشديدة كان شيخ الإسلام وأصحابُه يحثُّون ولاة الأمور والناس في الشام على الصبر والثبات لملاقاة الأعداء.
قال مؤرخ الشام الإمام علم الدين البِرزالي رحمه الله تعالى في (تاريخه) (3/133): (وخرج الشيخ تقي الدين ابن تيمية مُستهلِّ جُمادى الأولى إلى المرج إلى المخيم، فاجتمعَ بنائب السلطنة (الأفرم)، وسكَّنَه، وثبَّتَه، وأقامَ عندَه إلى بُكرة الأحد ثالث الشهر (3 / 5 / 700هـ)، فودَّعه، وساق على خيل البريد إلى الجيش المصري، فما أدركهم إلا بعد دخولهم القاهرة).
وفي فترة غياب ابن تيمية في سفره للقاهرة ليحُثَّ السلطان والأُمراء على الرجوع لحماية الشام، قام الشيخ شرف الدين عبد الله - شقيق ابن تيمية – بنفس الدور في تشجيع الأفرم على الجهاد، قال البِرزالي في (تاريخه) (3/136): ( وفي يوم الخميس رابع عشر جمادى الأولى (14 / 5 / 700هـ) وصل من المرج الشيخ زين الدين الفارقي، والشيخ إبراهيم الرقّي، وشرف الدين ابن تيمية، وابن قوام، وابن جبارة، ومن معهم، وكانوا اثني عشر رجلا، غابوا أربع ليال عن البلد، وكانوا قصدوا نائب السلطنة (الأفرم)، وحَرَّضُوه على الجهاد، وشكوا إليه ما وقع في البلد من الجلاء).
لم يُقدِّر الله تعالى أن يهاجم التتار دمشق كما فعلوا في العام الماضي (سنة699هـ)، ورجعوا خائِبِين. بعد أن وصلت الأخبار برجوع التتار، عاد الأمير الأفرم من رباطه، ودخل دمشق، وبدء الناس الذين هربوا من الشام خوفًا من التتار بالرجوع إليها.
قال البِرزالي في (تاريخه) (3/141): (ودخل نائب السلطنة الأمير جمال الدين الأفرم من المرج إلى دمشق يوم الجمعة رابع عشر جمادى الآخرة (14 / 6 / 700هـ)، وصلَّى الجُمُعَة بالجامع المعمور بعد أن أقام بالمرج غائبًا عن البلد أربعة أشهر كوامل، وصلى الجمعة المذكورة معه الأمير عز الدين الحموي، والأمير سف الدين بكتمر السلحدار، والأمير بهاء الدين يعقوبا، وجماعة من الأمراء الشاميين، وغيرهم، وشرع الناس في التَّراجُع إلى الوطن) .
وقد كتبَ ابنُ تيمية بعد انقضاء هذه الشُّهور العصيبة، ورجوعه من مصر، رسالةً بيَّن فيها التشابه بين هذه المحنة وبين غزوة الأحزاب، ونعى فيها أشدَّ النعي على المُثبِّطين والمُخذِّلين عن الجهاد، وعلى الهاربين من الشام إلى مصر([1]). (مجموع الفتاوى) (28/452).
2- موقف الأفرم من قيام ابن تيمية وأصحابه بالتعزير وتغيير المنكرات (701 - 704هـ)([2]):
قال البِرزالي في (تاريخه) (3/186) : (وفي أول ذي القعدة (1 / 11 / 701هـ) قام جماعةٌ على الشَّيخ تقيِّ الدِّين ابن تيمية، وطلبُوا من نائب السلطنة (الأفرم) منعَه مما يتعاطَاهُ من إقامةِ الحُدود والتعزير، وشكَوا منه، وحصلَ كلامٌ من الجهتين. وكان تقدَّم منه ضربُ جماعةٍ من الصبيان وحلقُ رؤوسهم، ثم سكَنَت القضية).
ويبدُو أن الأفرم لم يهتمّ لتلك الشكوى، ولم يمنع ابن تيمية من القيام بهذه المهام، إذ سجَّل المؤرخون قيامَ ابن تيمية بتعزير رجل يُدعى إبراهيم القطان في (رجب/704هـ)([3])، وقيامه بتكسير الصخرة التي كان الناس يتبرَّكُون بها، ويعظِّمُونها، وينذرون لها النذور في مسجد النارنج في نفس الشهر، ومعه شقيقه شرف الدين عبد الله وبعض الحجَّارين([4])، وكسَّروا أيضًا من هذا الجنس: العمود المخلّق الذي كان الإمام النووي رحمه الله تعالى يدعو الله أن يقيم لدينِه رجلًا ليكسره، والبلاطة السوداء التي في مسجِد الكفّ([5]).
كان هذا جُزءًا من الدور الدعويّ الذي يقوم به ابن تيمية وأصحابه في دمشق، وقد ذكر الشيخ عماد الدين الواسطي في رسالته لأصحاب ابن تيمية هذا الدور فقال: (وكذلك أنتُم - بحمد الله - قائمون في وجوه العامة، مما أحدثوا من تعظيم الميلادة والقلندس وخميس البيض والشعانين، وتقبيل القبور والأحجار والتوسل عندها، ومعلومٌ أنَّ ذلك كلَّه من شعائر النصارى والجاهلية، وإنما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُوحَّدَ الله، ويُعبَدَ وحدَه، ولا يُأله معه شيءٌ من مخلوقاتِه، بعثَه الله تعالى ناسخًا لجميع الشرائع والأديان والأعياد، فأنتم بحمد الله قائمُون بإصلاح ما أفسدَ الناس من ذلك، وقائمُون في وجوه من ينصر هذه البدع من مارقي الفقهاء، أهل الكيد والضرار لأولياء الله، أهل المقاصد الفاسِدة والقلوب التي هي عن نصر الحق حائدة). (العقود الدرية) (ص370-371).
3- جهادُ ابن تيمية أهلَ الكسروان في لبنان من الرافضة والنصيرية والدروز تحت قيادة الأفرم (704-705هـ):
الأفرم أحد أبطال معركة وادي الخزندار قرب حمص سنة (699هـ)، والتي هُزم فيها المسلمون أمام التتار. عندما رأى الأفرم مُناصرة الرافضة والنصيرية من أهل جبل كسروان للتتار الغُزَاة، واستغلالهم هزيمة المسلمين لإيذائهم، قرر القيام بحملة تأديبِيَّة لهُم في جبالهم، ونفَّذَها في الظروف المناسبة، نهاية سنة (704هـ) وبداية سنة (705هـ)، وكان ابن تيمية جزءًا مهمًا من هذه الحملَة؛ وذلك بتقديمه المشورة للأفرم، وفي إقامته الحجة على الكسروانيين ومناظرتهم، ثم الإفتاء بقتالهم، ثم بمشاركته العمليَّة – هو وأصحابه - في ذلك القتال تحت قيادة الأفرم.
قال المؤرِّخ خليل بن أيبك الصفدي في ترجمة الأفرم من (الوافي بالوفيات) (9/ 192) : (وأبلى الأفرم في نوبة غازان الأولى بلاءً حسنًا، وقاتلَ قتالا عظيمًا، ولما وقعت الهزيمة على المسلمين وعاثَ فيهم أهل كسروان، أثَّر ذلك في قلبه، فلما عادَ إلى دمشق توجَّه إليهم، ونازلَهم، فلم يحصُل منهم على طائِل([6])، واشتغل بأراجيف التتار، إلى أن فرغوا من نوبة مرج الصفر، فجعل كسروان دأبه، وكتب إلى أسندمر نائب طرابلس، وطلب نائب صفد، وجمعوا الرجال، وأحاطوا بالجبل من كل جهة، وتردَّد الشيخ العلامة الإمام تقي الدين بينهم وبينهم([7])، فلم يُفد فيهم، فأظهرَه الله عليهم، وظفره بهم، وكُتبت كُتُب البشائر بذلِك، وأحسنُ ما وقع فيها كتاب كتبه الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني افتتحَهُ بقولِه تعالى :(ويسألونك عن الجبال فقل ينسفُها ربِّي نسفًا)، ومُدح الأفرم فيها بعدة مدائح، جمعها شمس الدين الطيبي، هي وكثيرًا مما كُتِب في هذه الواقعة وسمَّاها (واقعة كسروان) ) .
وأرَّخ البِرزالي لأحداث هذه المعركة فقال: (توجَّه الشيخ تقي الدين ابن تيمية إلى الجبليَّة الجرديين والكسراونيين، وصحبته الأمير قراقوش في مستهل ذي الحجة (1/12/704هـ)، ثم توجَّه بعدهم إلى الجهة المذكورة الشريف زين الدين ابن عدنان في نصف ذي الحجة). (المقتفي على الروضتين) (3/284).
قال: ( ووجّه نائبُ السلطنة من تأخّر عن عسكر دمشق إلى جبل كسروان والجرديين لغزوهم واستئصال شأفتهم في ثاني شهر المحرم (2 / 1 / 705هـ) . وكان قد توجَّه قبله العسكر طائفة بعد طائفة في ذي الحجة). (المقتفي على الروضتين) (3/290).
قال: (وفي يوم الخميس سابع عشر صفر (17/ 2 / 705هـ) وصل نائب السلطنة الأمير جمال الدين الأفرم من جبال الجرد والكسروان إلى مدينة دمشق المحروسة بعد أن نصَرَهُم الله تعالى على حزبِ الضلال من الرَّوافض والنُّصيرية وأصحاب العقائد الفاسدة، وأبادهم الله من تلك الأرض، ووطِئُوا أراضي لم يكن أهلُها يظنُّون أنَّ أحدًا يصلُ إليها، وأعانَ الله سُبحانه، وأذلّ رقابهم، وبدَّدَ شملَهُم) . (المقتفي على الروضتين) (3/292-293).
ونقل الإمامُ ابن عبد الهادي في (العقود الدرية) (ص228-232) عن أمير لم يسمّه، وإنما وصفَه بأنه (حاجبٌ من الحُجَّاب الشاميين، أميرٌ من أمرائهم، ذو دينٍ متينٍ وصدقِ لهجة، معروفٌ في الدولة)؛ نقلَ عنه شهادةً مُهمَّة بيَّن فيها سببَ هذه المعركة وأهمِّيَّتَها، ودورَ ابن تيمية فيها، قال هذا الأمير: (ثم لم يزل الشيخ (ابن تيمية) بعد ذلك (بعد معركة شقحب) على زيادة في الحال، والقال، والجاه، والتحقيق في العلم والعرفان، حتى حرَّك الله سبحانه عزمات نفوس ولاة الأمر لقتال أهل جبل كسروان، وهم الذين بغَوا، وخرَجُوا على الإمام([8])، وأخافوا السبل، وعارضوا المارِّين بهم من الجيش بكل سوء.
فقام الشيخُ في ذلك أتمَّ قيام، وكتبَ إلى أطراف الشام في الحثِّ على قتال المذكورين، وأنها غزاة في سبيل الله.
ثم تجهز هو بمن معه لغزوهم بالجبل، صحبةَ وليِّ الأمر نائب المملكة المعظَّمة - أعزَّ الله نصره – (الأمير جمال الدين الأفرم)، والجيوش الشآمية المنصورة، وما زال مع وليِّ الأمر في حصارهم وقتالهم حتى فتح الله الجبل، وأجلى أهله، وكان من أصعب الجبال وأشقِّها ساحة، وكانت الملوك المتقدمة لا تُقدِم على حصاره مع علمها بما عليه أهله من البغي، والخروج على الإمام، والعصيان، وليس إلا لصعوبة المسلك ومَشقَّة النزول عليهم،.. ففتحه الله على يدي ولي الأمر نائب الشام المحروس - أعز الله نصره -.
وكان فتحه أحد المكرمات والكرامات المعدودة للشيخ لسببين - على ما يقوله الناس -:
أحدهما: لكون أهل هذا الجبل بُغاة، رافضة، سبَّابة، تعيَّن قتالهم.
والثاني: لأنَّ جبل الصالحية لما استولت الرافضة عليه في حال استيلاء الطاغية قازان أشار بعض كبرائهم بنهب الجبل، وسبي أهله، وقتلهم، وتحريق مساكنهم، انتقامًا منهم لكونهم سُنيَّة - وسمَّاهم ذلك المُشير نواصب - فكان ما كان من أمر جبل الصالحية بذلك القول وتلك الإشارة. قالوا: (فكُوفِىء الرافضة بمثل ذلك، بإشارة كبيرٍ من كُبراء أهل السنة، وزنًا بوزن، جزاء على يد ولي الأمر وجيوش الإسلام).
والمُشير المذكور هو الشيخ المُشار إليه (ابن تيمية).
ولما فُتح الجبل، وصار الجيش بعد الفتح إلى دمشق المحروسة، عكَفَ خاصُّ الناس وعامُّهم على الشيخ بالزيارة والتسليم عليه والتهنئة بسلامته، والمسألة له منهم عن كيفية الحِصَار للجبل، وصورة قتال أهلِه، وعمَّا وقع بينهم وبين الجيوش من المراسلات وغيرها. فحكى الشيخ ذلك([9])) .
هكذا؛ يُقدِّم ابن تيمية نموذجًا في التعاون مع ولاة الأمور على الأعمال الشرعية؛ بتقديم المشورة لولي الأمر، وبإقامته الحُجَّة على الكسروانيين، ثم الإفتاءِ بقتالهم، ثم مشاركته - هو وأصحابه - العمليةِ في ذلك القتال، إذ كان من فقهه أنَّ (وجود الظلم والمعاصي من بعض المسلمين، وولاة أمورهم، وعامَّتِهم؛ لا يمنع أن يُشارَك فيما يعمله من طاعة الله، وأهل السنة لا يأمرون بموافقة ولاة الأمور إلا في طاعة الله، لا في معصيته، ولا ضرر على من وافق رجلًا في طاعة الله، إذا انفرَدَ ذلك عنه بمعصيته لم يَشْرُكْه فيها، كما أن الرجل إذا حج مع الناس، فوقف معهم، وطاف؛ لم يضره كونُ بعض الحجاج له مظالم وذنوب ينفرد بها، وكذلك إذا شهد مع الناس الجمعة، والجماعة، ومجالس العلم، وغزا معهم؛ لم يضره أن يكون بعض المشاركين له في ذلك ذنوب يختص بها .
فولاةُ الأمور بمنزلة غيرهم: يُشارَكون فيما يفعلونه من طاعة الله، ولا يُشارَكون فيما يفعلونه من معصية الله ) . (منهاج السنة النبوية) ( 4 / 113 - 114 ) .
وكتبَ ابنُ تيمية بعد هذه الواقعة رسالةً إلى السُّلطان الناصر في القاهرة([10])، يحمد الله تعالى فيها على ما أنعم به على المسلمين من النصر، ويصف حال الكسروانيين وما هم عليه من الخروج عن شرائع الإسلام، والعداوة للمسلمين، وعلى أي وجهٍ شرعيٍّ تمَّ قتالُهم، ويحثه فيها على الإمساك برؤوس هؤلاء الزنادقة في القرى سائر الشامية، وأن تقام في قراهم شرائع الإسلام. (فتقدُّم المراسيم السلطانية بإقامة شعائر الإسلام: من الجمعة، والجماعة، وقراءة القرآن، وتبليغ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في قرى هؤلاء = من أعظم المصالح الإسلامية، وأبلغ الجهاد في سبيل الله، وذلك سببٌ لانقماع من يُبَاطِنُ العدوَّ من هؤلاء، ودخُولِهم في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة أولي الأمر من المسلمين). (مجموع الفتاوى) (28/408). وهكذا؛ يسعى ابن تيمية إلى توجيه الأعمال التي يقوم بها ولاة الأمور من القتال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نحو مقاصدها الرِّسَاليَّة الشرعيّة، من هداية الخَلْق وإدخالهم في دين الله، لا أن يكون المقصود من القتال البغي والعلوّ في الأرض، إذْ كان من فقهه أنَّ (المقصودَ بالجهادِ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هدايةُ العباد لمصالح المعاش والمعاد بحسب الإمكان، فمن هداه الله سعِدَ في الدُّنيا والآخرة، ومن لم يهتدِ كفَّ الله ضرَرَه عن غيرِه). (مجموع الفتاوى) (35/160).
وذكرَ ابنُ تيمية في كتابه (منهاج السنة النبوية) (5 / 158 -159) الذي كتبَه بعد هذه الواقعة بسنوات شيئًا عن أحداثها فقال: (وقد عُلِم أنه كان بساحل الشام جبلٌ كبيرٌ، فيه ألوف من الرافضة يسفكون دماء الناس، ويأخذون أموالهم، وقتلوا خلقًا عظيمًا وأخذوا أموالهم، ولما انكسر المسلمون سنة غازان، أخذوا الخيل والسلاح والأسرى وباعوهم للكفار النصارى بقبرص، وأخذوا من مر بهم من الجند، وكانوا أضر على المسلمين من جميع الأعداء، وحمل بعض أمرائهم راية النصارى، وقالوا له: أيهما خير: المسلمون أو النصارى؟ فقال: بل النصارى! فقالوا له: مع من تحشر يوم القيامة؟ فقال: مع النصارى! وسلموا إليهم بعض بلاد المسلمين.
ومع هذا فلمَّا استشار بعضُ ولاة الأمر في غزوِهم، وكتبتُ جوابًا مبسُوطًا في غزوهم، وذهبنا إلى ناحيتهم وحضرَ عندي جماعةٌ منهم، وجرَتْ بيني وبينهم مناظراتٌ ومفاوضاتٌ يطول وصفُها، فلمَّا فتح المسلمون بلدَهُم، وتمكَّنَ المُسلمون منهم، نهيتُهم عن قتلِهم وعن سبيهم، وأنزلناهم في بلاد المسلمين مُتفرِّقين لئلا يجتَمِعُوا).
4- مناظرة ابن تيمية للفرقة الأحمدية الرفاعية بحضور الأفرم وتأييده، وتقرير مرجعية الشريعة (705هـ):
كانت الفرقة الأحمدية الرفاعية من الفرِق التي لها القوَّة والنفوذ في إيران والعراق في العصر المغولي، وفي ذلك يقول الشيخ عماد الدين الواسطي رحمه الله تعالى - وهو من كبار أصحاب ابن تيمية، نشأ في العراق في أسرة أحمدية، إذ كان والده شيخًا من شيوخهم -، بعد أن ذكر شيئًا من فواقرهم: ( ولا ينكر ذلك أحدٌ عليهم، لا من فقهائنا، ولا من صلحائنا، بل صارت هذه البدع عندنا – أي في بلاد التتار - سنةً معروفة، وشعارًا ظاهرًا، فيحق لذلك تملُّك التتر بلادهم واستيلائهم عليهم، بل هم طيِّبُون في دولتهم، لأنهم معتقدون فيهم، معظّمون لهم، فهل تقوم الطريقة العمياء إلا في الدولة السوداء؟ كما لا تقوم الطريقة المنورة إلا في الدولة البيضاء، دولة أهل الإسلام؟ وربما لم ينقطع أثر الخلفاء في بغداد إلا لكونهم لم ينكروا مثل هذه الأشياء، ولما لم يغيروها وسلموها لهم قطعهم الله تعالى لذلك). (رحلة ابن شيخ الحزاميين من التصوف المنحرف) (ص19).
أما في دمشق فقد كان ابن تيمية وأصحابه يقفون في مُواجهة هذه الفرقة، وفي ذلك يقول الشيخ عماد الدين – مخاطبًا أصحابَ ابن تيمية -: (وأنتم أيضًا في مُقابَلَة ما أحدثَتْهُ أنواع الفقراء من الأحمدية والحريرية من إظهار شعار المُكاء والتصدية، ومؤاخاة النساء والصبيان، والإعراض عن دين الله إلى خرافات مكذوبة عن مشايخهم، واستنادهم إلى شيوخهم وتقليدهم في صائب حركاتهم وخطئها، وإعراضهم عن دين الله الذي أنزلَه من السماء، فأنتم بحمد الله تُجاهِدون هذا الصنف أيضًا، حفظتم من دين الله ما أضاعُوه، وعرَفتُم ما جهلوه، تقوِّمُون من الدين ما عوَّجُوه، وتُصلِحون منه ما أفسدُوه). (العقود الدُّريَّة) (ص367).
يقول شيخ الإسلام : (وقد تقدَّمَت لي معهم وقائعُ مُتعدِّدة بيَّنتُ فيها لمن خاطبتُه منهم ومن غيرهم بعضَ ما فيهم من حقٍّ وباطِل وأحوالُهم التي يسمُّونَها الإشارات، وتابَ منهم جماعة وأُدِّب منهم جماعة من شيوخهم).(مجموع الفتاوى) (11/447).
وبعد ذلك كان لابن تيمية معهم واقعة عظيمة، بالقصر الأبلق في دمشق، حضرها الأمراء والكُتَّاب والعُلَماء والفقراء من العامة وغيرهم. يقولُ الإمامُ البِرزالي في (تاريخه) (3/298-299): (وفي يوم السبت تاسع جمادى الأولى (9 / 5 / 705هـ) اجتمعَ جماعةٌ من الأحمديَّة الرفاعيَّة عند نائب السلطنة (الأفرم) بالقصر، وحضرَ الشيخُ تقي الدين ابن تيمية، وطلبوا أن يُسلِّم إليهم حالَهم، وأنَّ الشيخ تقيَّ الدين لا يُعارِضهم، ولا يُنكر عليهم، وأرادوا أن يُظهِروا شيئًا مِمَّا يفعلونه، فانتدب لهم الشيخ، وتكلَّم باتباع الشريعة، وأنَّه لا يسعُ أحدًا الخروجُ عنها بقولٍ ولا فعل، وذكرَ أنَّ لهم حيلًا يتحيَّلُون بها في دخول النار وإخراج الزبد من الحلوق، وقال لهم: من أراد دُخولَ النَّار فليغسل جسده في الحمام، ثم يدلكه بالخل ثم يدخل، ولو دخل لا يلتفت إلى ذلك، بل هو نوع من فعل الدجال عندنا، وكانوا جمعًا كبيرًا، وقال الشيخ صالح شيخ المُنيبِع: نحن أحوالنا تنفَقُ عند التَّتار، ماتنفق قُدَّام الشَّرع.
وانفصل المجلس على أنهم يخلعون الأطواق الحديد، وعلى أنَّ من خرجَ عن الكتاب والسنة ضُرِبت رقبته، وحَفِظ هذه الكلمة الحاضرون من الأمراء والأكابر وأعيان الدولة، وكتب الشيخ عقيب هذه الواقعة جُزءًا في حال الأحمدية، ومبدئِهم، وأصلِ طريقَتِهم، وذكر شيخهم، وما في طريقهم من الخير والشر، وأوضحَ الأمر في ذلك) ([11]) .
وثَّق شيخ الإسلام هذه الواقعة، وكتب مُذكّرة تتضمَّنُ تفاصِيل ما جرى([12])، (لِمَا حصَل بتلك الواقعة العظيمة من عزِّ الدين، وظُهور كلمتِه العليا، وقهرِ الناس على متابعة الكتاب والسُّنَّة، وظهُور زيفِ مَن خرج عن ذلك من أهل البدع المُضلَّة، والأحوال الفاسِدَة، والتلبيس على المُسلِمين). (مجموع الفتاوى) (11/446).
ويلاحظ من تلك الوثيقة، تسجيل ابن تيمية لدور الأفرم المُناصِر له في تلك الواقعة؛ فعندما اشتكى الأحمديون للأفرم إنكار ابن تيمية عليهم؛ قال الأفرم: (فهذا الذي يقوله - يعني: ابن تيمية - من عنده أو يقوله عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟) فقالوا: بل يقوله عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال: (فأي شيء يقال له؟). (مجموع الفتاوى) (2/454) وهنا يتَّضِح أن الأفرم يضبط ما يصح له بوصفه صاحب السلطة والولاية أن يتدخل فيه، وما لا يصح؛ بالقاعدة السلفِيَّة الشرعية، فمن يقول بما قال به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ليس لولي الأمر أن ينكر عليه أو يمنَعه. ولعل هذه القاعدة تعلَّمَها الأفرم من ابن تيمية، كما قال الشيخ عماد الدين الواسطي - مجيبًا على من أنكر على ابن تيمية دخوله على الأمراء - : (وأمَّا دخولُه على الأمراء فلو لم يكن؛ كيف كان شَمَّ الأمراء رائحة الدين العتيق الخالص؟ ولو فَتَّش المُفتِّش لوجد هذه الكيفيَّة التي عندهم من رائحة الدين ومعرفةِ المُنافقين إنما اقتَبَسُوها من صاحبكم). (العقود الدُّريَّة) (ص386).
فأجاب هؤلاء المُبتدعة الأميرَ بما مضمونه أنَّهم صنفٌ فوق سلطان الشريعة! فقالوا: (نحن لنا أحوالٌ وطريق يُسلَّم إلينا)، فقال لهم الأمير: (فنسمَعُ كلامَه، فمن كان الحقُّ معه نصرنَاه). قالوا: نريد أن تشُدَّ منا. قال: (لا، ولكن أشد من الحق، سواء كان معكم أو معه) قالوا: (ولا بدَّ من حضوره؟) قال: (نعم). فكرروا ذلك فأمر بإخراجهم. قال ابن تيمية: (فأرسَلَ إليَّ بعضُ خواصِّه من أهلِ الصِّدق والدين ممن يعرف ضلالَهم، وعرَّفني بصُورة الحال، وأنه يريد كشف أمر هؤلاء). (مجموع الفتاوى) (11/545). فالأفرم مقتنع بقدرة ابن تيمية على فضح هؤلاء، ويريد أن يُحيل الأمر إليه ليكشف أمرهم أمام الناس.
ويذكر ابن تيمية أن الأفرم أراد إزالة تأثير هؤلاء على بعض الأمراء أيضًا، فأحضر معه الحاج بهادر، وهو أحد أمراء المماليك الكبار([13])، بدا أنه متأثرٌ بهؤلاء المبتدعة، (وأنَّ لهم عنده صورةً معظمة، وأنَّ له فيهم ظنًّا حسنًا) قال ابن تيمية : (وكان الأمير أحبَّ أن يشهد بهادر هذه الواقعة، ليتبيَّن له الحقُّ، فإنَّه من أكابر الأمراء، وأقدمهم، وأعظمهم حرمة عنده، وقد قدم الآن، وهو يُحبُّ تأليفَه وإكرامه) . (مجموع الفتاوى) (11 /461).
وعندما رأى الأحمديون ضعفهم أمام ابن تيمية، أرادوا الانسحاب، وطلبوا الصلح، فقال لهم الأمير: (إنما يكون الصُّلح بعد ظهور الحقّ).
قال ابن تيمية: (وسألني الأمير عمَّا تطلب منهم، فقلت: متابعة الكتاب والسنة مثل أن لا يعتقد أنه لا يجب عليه اتباعهما، أو أنه يسوغ لأحد الخروج من حكمهما، ونحو ذلك، أو أنه يجوز اتباع طريقة تخالف بعض حكمهما، ونحو ذلك من وجوه الخروج عن الكتاب والسنة التي توجب الكفر، وقد توجب القتل دون الكفر، وقد توجب قتال الطائفة الممتنعة دون قتل الواحد المقدور عليه.
فقالوا: نحن ملتزمون الكتاب والسنة أتنكر علينا غير الأطواق؟ نحن نخلعها. فقلت: الأطواق وغير الأطواق ليس المقصود شيئًا مُعيّنًا، وإنما المقصود أن يكون جميع المسلمين تحت طاعة الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم.
فقال الأمير: فأي شيء الذي يلزمهم من الكتاب والسنة؟ فقلت: حكم الكتاب والسنة كثيرٌ، لا يمكن ذكره في هذا المجلس، لكن المقصود أن يلتزمُوا هذا التزامًا عامًّا، ومن خرج عنه ضربت عنقه - وكرر ذلك وأشار بيده إلى ناحية الميدان -.
وكان المقصودُ أن يكون هذا حكمًا عامًّا في حق جميع الناس، فإن هذا مشهد عامٌّ مشهور قد توفرت الهِمَم عليه، فيتقرر عند المقاتلة وأهل الديوان والعلماء والعباد وهؤلاء وولاة الأمور؛ أنَّه من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه). (مجموع الفتاوى) (11/ 468).
فهنا تظهر حكمة ابن تيمية في استفادته من هذا الموقف لتقرير مرجعية الكتاب والسنة على عموم الخَلْق، مَرجعيةً مُلزمة يعاقب مُخالِفُها بقُوَّة السُّلطَة.
وقد أقرّ الأفرم ابن تيمية على ذلك، وأن سيفه مستعمل لضرب الخارجين عن الشريعَة، يقول ابنُ تيمية : (فقال – شيخ الأحمدية الحضور-: فبأي شيء تبطُل هذه الأحوال؟ فقلت: بهذه السياط الشرعية!
فأُعجِب الأمير، وضحك، وقال: (أي والله! بالسياط الشرعية، تبطل هذه الأحوال الشيطانية، كما قد جرى مثل ذلك لغير واحد، ومن لم يُجِب إلى الدين بالسياط الشرعية فبالسيوف المحمدية).
وأمسكتُ سيفَ الأمير وقلتُ: هذا نائب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلامه، وهذا السيف سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن خرَج عن كتاب الله وسنة رسوله ضربناه بسيف الله.
وأعاد الأميرُ هذا الكلام). (مجموع الفتاوى) (11/470).
وهكذا؛ ظهر الأفرم مستعدًا لنصرة الحق الذي أبانَه ابن تيمية بقوَّة السلطة.
وعندما لم تبق للأحمديين حيلة هدَّدُوا ابن تيمية بأنَّهُم يحرقُونه بقلوبهم! فاستحضر ابن تيمية موقفه مع أهل الجبل الكسروانيين، إذ هذا نفس التهديد الذي هددوه به، يقول ابن تيمية: (فقال: يا مولانا يحرقك الفقراء بقلوبهم! فقلت: مثل ما أحرقني الرافضة لما قصدت الصعود إليهم، وصار جميع الناس يخوِّفُوني منهم، ومن شرِّهم ويقول أصحابهم: إن لهم سرًّا مع الله، فنصرَ الله وأعان عليهم.
وكان الأُمَراء الحاضرون قد عرفوا بركة ما يسره الله في أمر غزوِ الرافضة بالجبل). (مجموع الفتاوى) (11/474).
ولم يترك ابن تيمية إرشادهم ونصيحتهم خلال مناظرتهم، يقول: (ولما رددتُّ عليهم الأحاديث المكذوبة أخذوا يطلبون مني كُتبًا صحيحة ليهتدوا بها، فبذلتُ لهم ذلِك). (مجموع الفتاوى) (11/475).
_____________
([1]) أثبت الرسالة المذكورة ابن عبد الهادي في (العقود الدرية) (ص173-226)، ونشرها ابن قاسم في (مجموع الفتاوى) (28/424-467).
([2]) قال ابن فضل الله العمري في (مسالك الأبصار) (5/700) بعد أن ذكر دور ابن تيمية في قتال التتار: (ثُمَّ بعد ذلك تمَكَّن ابنُ تيمية في الشَّام؛ حتى صار يحلِق الرؤوس، ويضرِبُ الحدود، ويأمرُ بالقطع والقتل). ولم أقف في ما ذكره البِرزالي وجميع من أرّخ لتلك المرحلة من حياة ابن تيمية على حادثة أمر فيها بقتلٍ أو قطع. ومثل هذه الحوادث لو حصلت يسجلها مؤرخو ذلك العصر - عادةً -.
وأول حادثة ذكرها البرزالي لقيام ابن تيمية بتغيير المنكرات والتعزير هي في فترة غياب الأفرم عن دمشق في وقت احتلال التتار لها (سنة 699هـ)، وكان الأمير أرجواش القائم بشؤون البلد، قال البرزالي في (تاريخه) (3/73): (وفي بُكرة الجُمعة المذكورة (17 / 7 / 699 هـ) دارَ الشيخُ تقيُّ الدِّين ابنُ تيميَّة بدمشق على ما جُدِّد من الخمارات، فبدَّدَ الخُمور، وكَسَّر الجرار، وشقَّ الظُّروف، وعزَّر الخمارين؛ هُو وجماعتُه).
([3]) (تاريخ البِرزالي) (3/275).
([4]) (تاريخ البِرزالي) (3/277)، وفصَّل الخبر إبراهيم بن أحمد الغياني - خادم ابن تيمية – في رسالته (فصلٌ فيما قام به ابن تيمية وتفرَّد به، وذلك في تكسير الاحجار- ضمن الجامع لسيرة ابن تيمية) (ص136-139).
([5]) (فصلٌ فيما قام به ابن تيمية وتفرَّد به، وذلك في تكسير الاحجار- ضمن الجامع لسيرة ابن تيمية) لإبراهيم الغياني (ص132-136).
([6]) كانت هذه الحملة في (شوال/699هـ)، وخبرها في (تاريخ البرزالي) (3/101).
([7]) ذكر ابن تيمية في رسالته إلى السلطان الناصر عقب المعركة أنَّ جهادَ الكسروانيين تمَّ (بعد أن كُشِفت أحوالهم، وأُزِيحت عِللُهم، وأُزيلت شُبهُهم، وبُذل لهم من العدل والأنصاف ما لم يكونوا يطمعون به، وبُيِّن لهُم أنَّ غزوَهم اقتداءً بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قتال الحرورية المارقين). (مجموع الفتاوى) (28/403). وذكر قُطبُ الدين اليُونِينِي أنَّ توجُّه ابن تيمية إلى الكسروانيين في مستهل ذي الحجة كان (بسبب الإصلاح، وأن يحضُروا إلى الطاعة). (ذيل مرآة الزمان) (2/818).
([8]) ليست الجريمة التي استحق الكسروانيون بسببها القتال مجرد خروجهم على الإمام. قال ابن تيمية في رسالته إلى السلطان الناصر بشأنهم: (وليس هؤلاء بمنزلة المتأولين الذين نادى فيهم علي بن أبي طالب يوم الجمل: أنه لا يقتل مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يغنم لهم مالا ولا يَسبِي لهم ذرية، لأن مثل أولئك لهم تأويل سائغ وهؤلاء ليس لهم تأويل سائغ، ومثل أولئك إنما يكونون خارجين عن طاعة الإمام، وهؤلاء خرجوا عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته). (مجموع الفتاوى) (28 /404-405).
([9]) يبدو أنَّ ابن تيمية كان يحبُّ تحديث الناس بخبر هذه الواقعة، حتى إنَّ الإمامَ أبا حفص عُمَر ابن الوردي الشافعي لما اجتمع به بعد عشر سنوات منها (سنة 715هـ)، وسَهِر عنده، حدَّثه ابن تيمية عنها، كما ذكره ابن الوردي في (تاريخه) (2/276). وتجد ابن الوردي في (تاريخه) (2/341) يذكر معلومة مُتمِّمة لشهادة الأمير المذكورة، فقد ذكر هذا الأمير أن ابن تيمية تجهز بمن معه لغزو الكسروانيين في جبلهم، أي: بمن معه من أصحابه، وذكر ابن الوردي في ترجمة الشيخ نور الدين الصائغ رحمه الله تعالى - أحد كبار أصحاب ابن تيمية – أنه كان حامل راية ابن تيمية في تلك الواقعة.
([10]) أثبتها ابن عبد الهادي في (العقود الدرية) (ص235-247) ، ونشرها ابن قاسم في (مجموع الفتاوى) (28/ 398 - 409).
([11]) ونقله بحروفه عن البِرزالي ابنُ عبد الهادي في (العُقود الدُّريَّة) (ص248-249).
([12]) نشرها رشيد رضا في (مجموعة الرسائل) (1 / 147-161) وابن قاسم في (مجموع الفتاوى) (11/ 445 - 475).
([13]) قال الصفدي في ترجمته في (الوافي بالوفيات) (10/186) : (داخل الأفرم وصار من أخصائه. أخبرني القاضي شهاب الدين ابن فضل الله قال: كان يخلو بالأفرم في مجالس أُنسه، ويداخله في أمور لهوه وإطرابه). لكن تغير الحاج بهادر على الأفرم بعد تأييده لانقلاب بيبرس الجاشنكير سنة (709هـ).
ومما وُصِف الحاج بهادر به أنه (كان مُتظاهرًا بشرب الخمر مُتهتّكًا فيه، فكان يشربُ وهو راكب، وربما مرَّ بين القصرين وهو يتناول الخمر ويشربُه لا يبالي، وفعل هذا بدمشق غيرَ مرة؛ يدخل من الصيد ويشق السوق والساقي يناولُه الخمر وهو يشرَب! ) .
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك