بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أيها الأحبة الكرام مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي(وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.
ما أجمل التبسم عند لقاء أخيك المسلم!
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إنَّ من أسباب نيل العبد لرضا الكريم المنان، ومن الوسائل التي تعينه على دخول الجنان بعد تحقيقه تقوى العزيز الرحمن أيها الأحبة والإخوان أن يتصف بمحاسن الآداب ومعالي الأخلاق التي هي كذلك من علامات كمال الإيمان،فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: سُئِلَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن أَكْثَرِ ما يُدْخِلُ الناس الْجَنَّةَ ؟ فقال: " تَقْوَى اللَّهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ ". رواه الترمذي ( 2004)، وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله-
يقول الإمام ابن القيم– رحمه الله-:"جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحُسن الخلق لأن تقوى الله يصلح ما بين العبد وبين ربه،وحُسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه،فتقوى الله توجب له محبة الله،وحُسن الخلق يدعو الناس إلى محبته". الفوائد ( ص 54)
ومن هذه الصفات الكريمة و الخِلال القويمة التي ينبغي للمسلم أن يحرص على التحلي بها هي أن يكون ذا بشاشة عند تعامله والتقائه واجتماعه مع إخوانه، يقول الإمام المنذري – رحمه الله- : "البَشَاشَة هي: طلاقة الوجه، مع الفرح، والتَّبسُّم، وحسن الإقبال، واللُّطف في المسألة". الترغيب والترهيب (3/291)
ويقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- :" الإنسان ينبغي له أن يلقى أخاه بوجه طلق وبكلمة طيبة، لينال بذلك الأجر والمحبة والألفة ،والبعد عن التكبر والترفع على عباد الله ". شرح رياض الصالحين (4/61)
فهذا الخلق الرفيع وإن كان يُرى أنه يسير إلا أن فضله كبير وخيره على صاحبه والآخرين كثير ، يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله-:"فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب ". مدارج السالكين (2/390)
فصاحبه بنبينا صلى الله عليه وسلم مُقتدي وبطريقته في التعامل مع الناس مُهتدي ، فعن عبد اللَّهِ بن الْحَارِثِ الزبيدي - رضي الله عنه- قال :" ما رأيت أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم". رواه الترمذي ( 3641) ، وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله-.
يقول المباركفوري – رحمه الله- : " لأن شأن الكُمَّل إظهار الانبساط والبِشر لمن يريدون تألفه واستعطافه ". تحفة الأحوذي (10/86)
وليسعد وليفرح كل من اقتدى بنبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم فعمِل بهذا الخلق القويم، لأنه قد أتى بما أوصاه به العزيز العظيم، حيث قال العليم الحكيم: (لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [ الأحزاب :21].
يقول الإمام ابن كثير – رحمه الله- :"هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله". تفسير ابن كثير (3/475)
ويقول الشيخ السعدي – رحمه الله- :" وهذه الأسوة الحسنة، إنما يسلكها ويوفق لها من كان يرجو اللّه واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان وخوف اللّه ورجاء ثوابه وخوف عقابه يحثه على التأسي بالرسول صلى اللّه عليه وسلم".تفسير السعدي ( ص420)
وهو كذلك أيها الأحباب سينال عليه يوم القيامة بإذن الكريم الوهاب الأجر والثواب، فعن أبي ذَرٍّ –رضي الله عنه- أنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :" تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لك صَدَقَةٌ ". رواه الترمذي ( 1965)، وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله-.
يقول المناوي – رحمه الله- :" (تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ) أي في الإسلام (لك صَدَقَةٌ) يعني إظهارك له البشاشة والبِشر إذا لقيته تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة ".التيسير بشرح الجامع الصغير (1/442)
وهذا الخلق الجميل أيها الأفاضل الكرام سيكون له أيضا عونا على كسب مودة واحترام الأنام بإذن العزيز العلام، يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله-:"طلاقة الوجه والبِشْر المحمود وسط بين التَّعبيس والتَّقطيب،وتصعير الخدِّ، وطيِّ البِشْر عن البَشَر، وبين الاسترسال مع كلِّ أحد بحيث يذهب الهيبة، ويزيل الوقار، ويطمع في الجانب،كما أنَّ الانحراف الأوَّل يوقع الوحشة، والبغضة،والنُّفرة في قلوب الخَلْق، وصاحب الخُلُق الوسط: مهيب محبوب، عزيز جانبه، حبيب لقاؤه". مدارج السالكين (2/311)
فهو وإن كان غالب الناس يبخلون به ولا يهتمون بأمره! إلا أنه من أهم الأسباب التي تدفع الشحناء وما قد يُوجد في القلوب من الحقد والحسد والبغضاء ، يقول ابن حبان – رحمه الله- : "البشاشة إدام العلماء وسجية الحكماء، لأن البِشر يطفئ نار المعاندة ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي ومنجاة من الساعي". روضة العقلاء ( 75)
فعلينا جميعا أن نجتهد دوما في تحقيق هذا الخلق القويم والأدب الكريم لأنه من المعروف الذي سينفعنا يوم وقوفنا بين يدي العزيز العظيم بإذن الجواد العليم، فعن أبي ذَرٍّ –رضي الله عنه- قال: قال لِيَ النبي صلى الله عليه وسلم :" لَا تَحْقِرَنَّ من الْمَعْرُوفِ شيئا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ". رواه مسلم (2626)
يقول الإمام النووي – رحمه الله- :" معناه سهل منبسط فيه الحث على فضل المعروف وما تيسر منه وان قل حتى طلاقة الوجه عند اللقاء ".الشرح على صحيح مسلم ( 16/177)
ويقول ابن علان – رحمه الله- : "أي : بوجه ضاحك مستبشر، وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن ودفع الإيحاش عنه وجبر خاطره، وبذلك يحصل التأليف المطلوب بين المؤمين". دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/356)
مع تذكير النفس عند الإتيان به بأهم ما يُعيننا على المداومة عليه ألا وهو احتساب أجر هذا العمل والثواب عند الكريم الوهاب، يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله-:"فإن كل عمل لابد له من مبدأ وغاية فـلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان، فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك، بل لابد أن يكون مبدؤه محض الإيمان وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب". الرسالة التبوكية (ص 10)
وعلى طلبة العلم و الدعاة إلى الدين أن يكونوا من أحرص المسلمين على التحلي بهذا الخلق الرفيع لأنه أيضا من أهم الوسائل المعينة لهم على التأثير على الآخرين وكسب محبة المدعوين ، فالعلم الشرعي الذي ينفع صاحبه عند الكريم الوهاب هو الذين يُزيَّن بمعالي الأخلاق ومحاسن الآداب،يقول الإمام عبد الله بن المبارك - رحمه الله- : "لا ينبل الرجل بنوع من العلم ما لم يزين علمه بالأدب ".الآداب الشرعية لابن مفلح (3 /523)
وعلينا أن نعلم في الختام أيها الأحبة الكرام أن الذي يُعامل بهذا الخلق الجميل لابد أن يكون من أهل الإسلام أو ممن نرجو إسلامه من الأنام، يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- :" الذي يتلقى بالبشر وطلاقة الوجه هو المؤمن أما الكافر فإن كان يرجى إسلامه إذا عاملناه بطلاقة الوجه والبشر فإننا نعامله بذلك رجاء إسلامه وانتفاعه بهذا اللقاء وأما إذا كان هذا التواضع وطلاقة الوجه لا يزيده إلا تعاليا على المسلم وترفعا عليه فإنه لا يقابل بذلك". شرح رياض الصالحين (4/61)
فبعد أن عرفنا أيها الكرام فضل هذه الخصلة الحميدة والصفة القويمة، وأنها من الأخلاق الجميلة التي لها في الدين مكانة رفيعة، وأنها من أسباب نشر المحبة بين المسلمين والألفة والإخاء والقضاء على ما قد يُوجد بينهم من عداوة وحقد وحسد وبغضاء، فعلينا أن نحرص على تحقيقها لأنه ليس في ذلك جهد كبير ولا عناء! بل أن صاحبها قد نال متابعة نبينا صلى الله عليه وسلم وكان من أهل الاقتداء، فهنيئا له بشرف الاهتداء،يقول الإمام ابن بطال – رحمه الله- :" لقاء الناس بالتبسم وطلاقة الوجه من أخلاق النبوة ، وهو مناف للتكبر وجالب للمودة ".شرح صحيح البخاري لابن بطال ( 5/ 193)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وبنبينا صلى الله عليه وسلم مقتدين ، وأن يُجنبنا جميعا الوقوع فيما يُفسد الدين، فهو سبحانه ولي ذلك ورب العالمين.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو عبد الله حمزة النايلي
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك