إصلاح تصحيفات في أسانيد بعض الأحاديث

[منتدى فرسان الحق]

إصلاح تصحيفات في أسانيد بعض الأحاديث




ساعد عمر غازي






هذه أسانيد لبعض الأحاديث وجد فيها تصحيف أو تحريف، مما نتج عنه أخطاء لبعض العلماء أثناء تخريج هذه الأحاديث، فأحببتُ إصلاح ذلك:
أ- أخرج الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (39) - تحقيق الدكتورة سعاد الخندقاوي - قال: حدثنا محمد بن مصعب أبو الحارث الدمشقي، حدثنا كثير بن عبيد الحذاء، حدثنا بقيَّة بن الوليد، عن إسماعيل، عن محمد بن أبي حُمَيْد، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مِن سعادة ابن آدم حُسن الخلق)).

قال الإمام الألباني - رحمه الله - في "الضعيفة" (5 /385): وفيه عنعنةُ بقيَّة بن الوليد، عن شيخه (إسماعيل) - لم يُنسَبْ - فهو من شيوخه المجهولين، وقول الدكتورة المعلِّقة على "المكارم": إنه (إسماعيل بن أبي خالد البجلي) مجرد دعوَى، بل أخشى أن يكون مُقحمًا في الإسناد، فإنه من رواية بَقيَّة عنه عن محمد بن أبي جميلة، ففي (الجرح): "محمد بن أبي جميلة روى عنه بقية، مجهول" وانظر: (تيسير الانتفاع)"؛ انتهى كلامه رحمه الله.

قلت: لما نقل الإمام إسناد هذا الحديث عن "المكارم" تحقيق الدكتورة سعاد الخندقاوي، وهي طبعة فيها تحريف كثير، ومن هذا التحريف ما وقع في تحريف اسم (محمد بن أبي حميد)، إلى (محمد بن أبي جميلة)، فقد جاء في "المكارم" تحقيق: عبـدالله بن بجاش بن ثابت الحميري (44): حدثنا محمد بن مصعب أبو الحارث الدمشقي: حدثنا كثير بن عبيد الحذاء، حدثنا بقية بن الوليد، عن إسماعيل، عن محمد بن أبي حميد، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سعادة ابن آدم حسن الخلق)).

وكذا جاء الإسناد في "المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق" انتقاء الحافظ أبي طاهر السِّلَفيِّ برقم (22).

ومحمد بن أبي حميد، روى عن: إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، وروى عنه إسماعيل ابن عُلَيَّة، كما في "تهذيب الكمال" (25 /112-113).

وفي ترجمة إسماعيل ابن عُليَّه في "تهذيب الكمال" (3 /26): روى عنه بقيَّةُ بن الوليد، وهو من أقرانه.

وعليه؛ فإسماعيل شيخُ بقيَّة في هذا الحديث، هو إسماعيل ابن عُليَّة، بعد تصحيح اسم الراوي من (محمد بن أبي جميلة) إلى (محمد بن أبي حميد)، كما يظهر من ترجمة محمد بن أبي حميد، وإسماعيل ابن عُليَّة في "تهذيب الكمال".

فالإسناد فيه عنعنةُ بقيَّة، ومحمد بن أبي حميد هو المدني، قال الحافظ: "ضعَّفوه". والله أعلم.

ب- أخرج الحاكم (4/ 89) عن مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن بشر بن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أحد يُؤمَّرُ على عشرة فصاعدًا لا يقسط فيهم، إلا جاء يوم القيامة في الأصفاد والأغلال))، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرِّجاه، ولسنا بمعذورين في ترك أحاديث مَخْرمةَ بنِ بكير أصلاً"، وسكت عنه الذهبي، أو كما يقال: ووافقه الذهبي.

قال الإمام الألباني - رحمه الله - في "الضعيفة" (9 /455) تحت الحديث رقم (4471): ضعيف.

وأقول: بشر بن سعيد هذا: لا يُعرَفُ، ويحتمل أنه الذي في "الجرح والتعديل" (1/1/358):
"بشر بن سعيد الكندي، روى عن: أبي أمامة، روى عنه: معاوية بن صالح".
فإن يكن هو، فهو مجهول"؛ انتهى كلامه.

قلت: وقد وقع في سند المستدرك المطبوع "بشر بن سعيد"، والظاهر أن فيه تصحيفًا، صوابه: "بسر بن سعيد"، وهو المدني العابد، مولى ابن الحضرمي، ثقة جليل كما قال الحافظ في "التقريب"، وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (4 /594): "الإمام، القدوة، روى له الجماعة".

وقد ذكروا أنه روى: عن أبي هريرة، وروى عنه: بكير بن عبدالله والد مخرمة، كما في هذا الحديث، فلما وقع التصحيف في اسمه، قال الإمام -رحمه الله-: "وأقول: بشر بن سعيد هذا: لا يُعرَفُ"، وقد علمت ما فيه، والله أعلم.

والحديث رجاله ثقات، ليس فيه إلا الخلاف في سماع مخرمة من أبيه، وأظهر الأقوال أن روايته عن أبيه من كتب أبيه، فهي وِجادةٌ صحيحة، والإمام يعتمد ذلك؛ فقد قال في "الضعيفة" (8 /427): "فروايته من كتاب أبيه من أقوى الوِجادات، كما لا يخفى، ومثل هذه الوِجادة حُجة؛ كما هو مقرر في محله من علم المصطلح"، والله أعلم.

ج- أخرج الطبراني في "الكبير" (12 /390) رقم (13442) قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا محمود بن غيلان، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، ثنا الحسين بن واقد، عن صالح مولى مازن، عن عبيد بن عمير، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: المَنَّان عطاءَه، والمُسبِلُ إزارَه خيلاءَ، ومدمن الخمر)).

وصالح مولى مازن، ذكره ابن حبان في "الثقات" (6 /458-459) بقوله: "صالح مولى مازن يروي عن عبيد بن عمير في قوله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [المؤمنون: 51]، قال: لم يرضَ اللهُ من الرسل ولا من غيرهم إلا بالطيِّب.

روى عنه الحسين بن واقد".

أما الإمام الألباني - رحمه الله - فقال في "الضعيفة " (7 /455) تحت الحديث رقم (3451): ضعيف؛ أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3 /202/1) عن الحسين بن واقد عن صالح مولى بني مازن عن عبيد بن عمير عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فذكره.


قلت: صالح هذا لم أجد له ذكرًا"؛ انتهى كلامه رحمه الله.

قلت: وقد علمت أن صالحًا المذكور في إسناد الطبراني صوابُه كما وقع في "المعجم الكبير" (المطبوع): (صالح مولى مازن)، وليس (بني مازن)، كما ذكر الإمام - رحمه الله - وفيه جَهالة، والله أعلم.

د- أخرج الثعلبي في "تفسيره" (9 /299) قال: وأخبرنا الحسن قال: حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثني عمر بن حفص المكاري قال: حدثنا أبو عتبة قال: حدثنا بقية قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثني عطاء بن أبي رباح أنه كان عند ابن عمر وهو يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس للنساء في اتباع الجنائز أجرٌ)).

وهذا الحديث ذكره الإمام الألباني - رحمه الله - في "الضعيفة" (9 /380-381) رقم (4390)، وقال: "رواه الثعلبي (3 /196/2) عن أبي عتبة: حدثنا بقية: حدثنا أبو عامر: حدثنا عطاء بن أبي رباح: أنه كان عند عبدالله بن عمر وهو يقول؛ فذكره مرفوعًا.

قلت: وهذا سند ضعيف؛ أبو عتبة - واسمه أحمد بن الفرج - ضعيف.

وأبو عامر، لم أعرفه، والظاهر أنه من شيوخ بَقيَّةَ المجهولين.

وتابعه أيضًا عفير بن معدان اليحصبي، عن عطاء بن أبي رباح به؛ أخرجه أبو أمية الطرسوسي في "مسنده" (201/2).

وعفير هذا، قال الذهبي في(المغني): "ضعفوه، وقال أبو حاتم: لا يشتغل بحديثه".

وأبو أمية الطرسوسي، اسمه محمد بن إبراهيم، قال الحافظ:
"صاحب حديث، يَهِمُ"؛ انتهى المراد من كلامه.

قلت: أبعد الإمام النجعة في عزوه الحديث إلى الثعلبي في "تفسيره"؛ لأن البيهقي أخرجه في "السنن الكبرى" (4 /63) من طريق أبي عتبة أحمد بن الفرج: ثنا بقية بن الوليد، ثنا أبو عائذ - وهو عفير بن معدان - ثنا عطاء بن أبي رباح أنه كان عند ابن عمر وهو يقول؛ فذكره.

فكان الأَوْلَى عزو الحديث إلى البيهقي، وخاصة أن العزو إليه بيَّن التحريف الذي وقع في سند الثعلبي في كنية شيخ بقية: (حدثنا: أبو عامر)، مما جعل الإمام يقول: "وأبو عامر، لم أعرفه، والظاهر أنه من شيوخ بقية المجهولين"، ولو وقف على إسناد البيهقي، لعلم أيضًا أن الحديث مداره على أبي عائذ - وهو عفير بن معدان - الذي تحرَّف في سند الثعلبي، وأن بقية قد تابعه أبو اليمان ويحيى بن صالح، عند الطرسوسي، فقالا: حدثنا عفير بن معدان اليحصبي، عن عطاء بن أبي رباح قال: سمعت ابن عمر؛ فذكره مرفوعًا.

وأخرجه أيضًا ابن حبَّان في "المجروحين" (2 /198) من طريق يحيى بن صالح قال: حدثنا عفير بن معدان.

والحاصل أن غياب ذلك كله عن الإمام - رحمه الله - نتج عنه هذا التخريج؛ لأنه لو وقف على الحديث عند البيهقي لتغيَّر تخريجه لهذا الحديث، ووقف على التحريف الذي في إسناد الثعلبي كما وقفنا.

فتبين أن علة الحديث ضعف عفير بن معدان اليحصبي، قال ابن حبان في "المجروحين" (2 /198): "كنيته أبو عائذ من أهل الشام، يروي عن خالد بن معدان، وذويه، روى عنه أهل بلده، مات سنة بضع وسبعين ومائة، ممن يروي المناكير عن أقوام مشاهير، فلما كثر ذلك في روايته، بطَلَ الاحتجاج بأخباره".

وأنه قد وقع في سند الثعلبي: "حدثنا أبو عامر"، وهو تحريف، صوابه ما جاء مصرَّحًا به في سند البيهقي: "ثنا أبو عائذ، وهو عفير بن معدان"، وكذا جاء في مسند الطرطوسي: "حدثنا عفير بن معدان اليحصبي"، وعند ابن حبان: "حدثنا عفير بن معدان"، والله أعلم.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك