ميراث الغرقى والهدمى ومن في حكمهم
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
قوله: (إذا مات متوارثان كأخوين لأب بهدم أو غرق أو غربة أو نار معاً، فلا توارث بينهما، وإن جُهل السابق بالموت أو علم ثم نُسي، ولم يختلفوا فيه بأن لم يدَّع ورثةُ كل سَبْق الآخر ورث كل واحد من الآخر من تلاد ماله...) إلى آخره[1].
قال في "المقنع": "باب ميراث الغَرْقَى ومن عمي موتهم: إذا مات متوارثان وجهل أولهما موتاً كالغَرْقَى والهَدْمَى، واختلف وراثهما في السابق منهما.
فقد نُقل عن أحمد رضي الله عنه[2] في امرأة وابنها ماتا فقال زوجها: ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته، وقال أخوها: مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها: أنه يحلف كل واحدٍ منهما على إبطال دعوى صاحبه، ويكون ميراث الابن لأبيه، وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين، ذكرها الخِرَقِيُّ، وهذا يدل على أنه يقسم ميراث كل ميتٍ للأحياء من ورثته دون من مات معه.
وظاهر المذهب[3]: أن كل واحدٍ من الموتى يرث صاحبه من تلاد ماله دون ما ورثه من الميت معه، ثم يقدر أحدهما مات أولاً ويرث الآخر منه، ثم يقسم ما ورثه على الأحياء من ورثته، ثم تصنع بالثاني كذلك، فعلى هذا لو غرق أخوان: أحدهما مولى زيد والآخر مولى عمرو صار مال كلِّ واحدٍ منهما لمولى الآخر، وعلى القول الأول: مال كل واحد منهما لمولاه، وهو أحسن إن شاء الله تعالى"[4].
وقال في "الإفصاح": "واختلفوا فيما إذا وقع حائطٌ على جماعة، أو غرق أهل سفينةٍ فجهل أولهم موتاً:
فقال أبو حنيفة [5] ومالك[6] والشافعي[7]: يرثهم ورثتهم الأحياء، ولا يرث بعضهم بعضاً.
وقال أحمد [8]: يُورث بعضهم من بعض من تلاد أموالهم لا مما ورث كلَّ واحدٍ منهم من صاحبه.
وعنه رواية أخرى[9] كمَذهب الجماعة"[10].
وقال ابن رشد: "واختلف العلماء في الذين يُفقدون في حربٍ أو غرقٍ أو هدمٍ ولا يُدرى من مات منهم قبل صاحبه، كيف يتوارثون إذا كانوا أهل ميراث؟
فذهب مالك[11] وأهل المدينة إلى أنه لا يُورث بعضهم من بعض، وأن ميراثهم جميعاً لمن بقي من قرابتهم الوارثين، أو لبيت المال إن لم تكن لهم قرابة ترث، وبه قال الشافعي[12] وأبو حنيفة[13] وأصحابه فيما حكى عنه الطحاوي.
وذهب علي وعمر رضي الله عنه[14]، وأهل الكوفة وأبو حنيفة[15] فيما ذكر غير الطحاوي عنه، وجمهور البصريين إلى أنهم يتوارثون.
وصفة توريثهم عندهم: أنهم يُورثون كل واحدٍ من صاحبه في أصل ماله دون ما ورث بعضهم من بعض - أعني: أنه لا يضم إلى مال الموروث ما ورث من غيره - فيتوارثون الكل على أنه مال واحد، كالحال في الذين يعلم تقدم موت بعضهم على بعض، مثال ذلك: زوج وزوجة توفيا في حرب أو غرق أو هدم، ولكل واحد منهما ألف درهم فيورث الزوج من المرأة خمسمئة درهم، وتورث المرأة من الألف التي كانت بيد الزوج دون الخمسمئة التي ورثت منها: ربعها، وذلك مئتان وخمسون"[16].
وقال في "الاختيارات": "ولو مات متوارثان وجُهل أولهما موتاً لم يرث بعضهم من بعض، وهو مذهب مالك[17] وأبي حنيفة[18] والشافعي[19]"[20].
[1] الروض المربع ص371.
[2] شرح منتهى الإرادات 4/ 634 - 635، وكشاف القناع 10/ 481.
[3] شرح منتهى الإرادات 4/ 630 - 631، وكشاف القناع 10/ 479.
[4] المقنع 2/ 446 - 448.
[5] حاشية ابن عابدين 6/ 855.
[6] الشرح الصغير 2/ 514، وحاشية الدسوقي 4/ 487.
[7] تحفة المحتاج 6/ 420، ونهاية المحتاج 6/ 29.
[8] شرح منتهى الإرادات 4/ 630 - 631، وكشاف القناع 10/ 479.
[9] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 18/ 257.
[10] الإفصاح 3/ 87.
[11] الشرح الصغير 2/ 514، وحاشية الدسوقي 4/ 487.
[12] تحفة المحتاج 6/ 420، ونهاية المحتاج 6/ 29.
[13] حاشية ابن عابدين 6/ 855.
[14] أخرجه سعيد بن منصور 1/ 106 (232 - 233).
[15] حاشية ابن عابدين 6/ 855.
[16] بداية المجتهد 2/ 327 - 328.
[17] الشرح الصغير 2/ 514، وحاشية الدسوقي 4/ 487.
[18] حاشية ابن عابدين 6/ 855.
[19] تحفة المحتاج 6/ 420، ونهاية المحتاج 6/ 29.
[20] الاختيارات الفقهية ص196.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك