هل أنا فقير؟
أ. حنافي جواد
الفقر بالإضافةِ لا بالإطلاق، فهو فقيرٌ بالنَّظر المقارن بينه وغيره، وهو أقلُّ غنًى من غيره، وأفْقر مما فوقه، أمَّا الفقر الحقيقي فله ضوابطه وشروطه يعرفها العالِي والدَّاني، فأي الاعتبارين أصْلَح، هل الاعتبار الإضافي أمِ الحقيقي؟
• أقول لأبي: أنت فقير، فيبادرني بالردِّ مسرعًا: إني غنيٌّ والحمد لله، إنَّك لم تشهد الوضْعَ الذي كنَّا نعيشه في خوالي الأيام.
المجتمع هو الذي يصْنع الفقر ويحدِّده، مِن خلال ما يشهد مِن تحولات وحرَكات وسكنات، لن نُحمِّل المجتمع كلَّ المسؤولية، بل أجزاء كبيرة منها يتحمَّلها الأفراد والجَماعات، أمَّا إذا نظَرْنا إلى المجتمع نظرةً مجهريَّة فسنلفيه أشبهَ ما يكون بالبيت الأُسري، له أبٌ وأمٌّ وإخوة، وستخوّل لنا هذه النظرة - مِن هذه الزاوية - تحميلَ المسؤولية لعناصره الذين يُديرون رحاه ومؤسَّساته؛ لأنَّها لم تؤطِّر كما يلزم، وتقلَّدت ما لم تسطعْه، ليس أمْر التأطير والضبْط سهلاً في المتناول، إنَّنا نعي هذا الوعي.
إننا نستشْعِر الصعوبةَ كلَّ الصعوبة، لكن جرَتِ العادة بمحاسبة مدرِّب الفريق وإدارته وأُطره، ولا أظنُّ هذا الفعلَ يتناقض مع العقل.
إنَّ الأسرة المجتمعيَّة كبيرة متباعِدة الأطراف حقيقة ومتقاربة مجازًا؛ في ظلِّ وسائل الإعلام والتواصُل، يجب أن يفهم الفقر وتدرس مسائله في إطار شُمولي واسِع، والاستقلال عن الجَماعة ممكن نظريًّا، صعْب عمليًّا، لكنَّه غير مستحيل، وليس مِن الأخلاق الاستقلال، بل ليس في صالِح المجتمعات الفقيرة الانكِماش في الرُّكن؛ وإنْ كان الانكماش في بعضِ الأوقات نافعًا.
الآلات والوسائِل المادية والاختراعات بقدْر ما تحمل مِن قوى الإغْناء، تحمل كذلك عناصر التفقير بشكلٍ عام وخاص، جلي وخفي، وهي إجمالاً عنصر تفقير بامتياز، فلا يغرنَّك ما يُكتَب في مدْحها، ويشاهد مِن أشكال الترويج لها، فالصُّور والأشكال خادِعة، والمكتوب لا يسلم مِن الكذب، والحقائق تخفَى وتكمى لتتحقِّق مصالح آنية، لقد أسْكَت المال أفواه مَن يملكون الحقيقة.
يُسهِم الأفراد في تفقير آخرين؛ لأنَّهم لا يؤدون حقوقَ غيرهم؛ لأنَّ جشعَهم منعَهم، ولأنَّ أنانيتهم فعلَتْ فيهم الأفاعيل، فأخذوا نصيبهم وأنصِباء غيرِهم، فضاعتِ الحقوق، ولم يضِع الأمَل، وعناصر الرَّدْع الزاجِرة لم تَغْدُ نافِعةً؛ لأنَّ المسألة بلغتْ مبلغها الأقْصَى، فبلغ السيل الزُّبَى، وجاوَزَ الحِزامُ الطُّبْيَيْنِ.
فالمراقِب يحتاج لمراقب يراقبه، وهذا لآخر يراقبه وهكذا دواليك، والتربية على الرقابة الذاتيَّة لم تُفلِح، بل لم تبدأْ بعدُ!
إذا رأيتَ الغِنى يعانق عنان السماء فاعلمْ يقينًا أنَّ الفقر ملتصق بالرغام، لا أظنُّ صرامة العِلم قادرة على فكِّ خيوط عنكبوت الفقْر، وإنْ كانت مِن أوهن البيوت، فالأهواء سيطرَتْ على العقول رغمَ ما يُدَّعَى من نزاهة وموضوعية، وشمولية وشفافية وتنظيم!
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك