شرح قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) مع الأمثلة
الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري
الضرر لغة: حصول الضُّر، وهو خلاف النفع، أو هو المفسدة.
واصطلاحًا: الإخلال بمصلحة مشروعة للنفس أو الآخرين، تعديًا أو إهمالًا.
والمراد بالقاعدة: أن الشريعة تنفي الضرر والإفساد، وذلك يكون بمنع وجوده أصلًا، أو برفعه وإزالته بعد وجوده.
أمثلة القاعدة
المثال الأول: منع الشخص من إحداث شيء في طريق الناس يضر بهم، مثلك حفر حفرة في الشارع، أو وضع حديد أو تراب في طريق الناس.
المثال الثاني: إلزام الشرع من ألتف شيئا من ممتلكات الآخرين بضمانه، إما بمثله إن أمكن أو بدفع قيمته، وذلك دفعًا للضرر الحاصل بالإتلاف.
دليل القاعدة
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر، ولا ضرار»([1]) رواه الحاكم والبيهقي والدارقطني[2]، وهذا دليل عام يشمل جميع أنواع الضرر.
القواعد المتفرعة عن قاعدة (الضرر يزال)
القاعة الفرعية الأولى: «الضرر لا يزال بمثله أو أعلى منه»، مثل:
1- لا يحل دفع الهلاك عن النفس؛ بأخذ طعام شخص يحتاج إليه في دفع الهلاك عن نفسه.
2- لا يحل لأحد أخذ ثوب من شخص محتاج إليه في ستر عورته؛ ليستر به عورة نفسه.
القاعدة الفرعية الثانية: «الضرر يدفع قدر الإمكان»، مثل:
1- قطع اليد التي أصابتها الأكلة؛ لأمن سرايتها إلى بقية البدن.
2- ستر العورة المغلظة إذا لم يمكن ستر جميع العورة؛ دفعًا للمفسدة قدر الإمكان.
القاعدة الفرعية الثالثة: «تُدفع أعلى المفسدتين بارتكاب أدناهما»، مثل:
1- جواز شق بطن الأم الميتة لإخراج الجنين الذي تُرجى حياته، فترتكب مفسدة شق بطن الميت، لدفع مفسدة أكبر وهي موت الجنين.
2- جواز دفع المال للعدو المحارب لاستنقاذ أسرى المسلمين؛ إذا كان لا يمكن استنقاذهم إلا بذلك، فاحتملت مفسدة دفع المال للمحارب، دفعًا لمفسدة أكبر منها وهي بقاء المسلمين أسارى في يده.
القاعدة الفرعية الرابعة: «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، مثل:
1- ترك المجافاة في الركوع أو السجود مع ما فيه من مصلحة متابعة السنة؛ إذا كان يؤدي إلى مفسدة إيذاء من بجانبه؛ وهكذا ترك التورك في التشهد الأخير من صلاة ثلاثية أو رباعية.
2- قتل المرتد بعد نصحه واستتابته لدرء مفسدة وجوده التي فيها اتهام هذا الدين بالنقص حيث تركه، وما قد يترتب على ذلك من إفساد غيره من أهله وولده وفتنة الناس به، وتجرئتهم على الدين، وهذا أولى من بقائه الذي فيه من المصالح: احتمال صلاحه، ونفقته على لده وزوجه، وبره بوالديه، ونحو ذلك.
[1] اختلف العلماء: هل بين اللفظين الضرر والضرار فرق أم لا؟ منهم من قال: هما بمعنى واحد على وجه التأكيد، والمشهور أن بينهما فرقا واختلف فيه على أقوال:
1- الضرر هو الاسم والضرار الفعل، المعنى أن الضرر نفسه منتف في الشرع، وإدخال الضرر بغير حق كذلك.
2- الضرر أن يدخل على غيره ضررًا بما ينتفع هو به، والضرار أن يدخل على غيره ضررا بلا منفعة له به، ورجح هذا القول طائفة منهم ابن عبد البر وابن الصلاح.
3- الضرر أن يضر بمن لا يضره، والضرار أن يضر بمن قد أضر به على وجه غير جائز. (من جامع العلوم والحكم ص 304 مختصرًا).
[2] رواه الحاكم في المستدرك 2/ 58، والبيهقي 6/ 69 والدارقطني 2/ 77، ورواه مالك في الموطأ 2/ 115 عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلاً، ورواه أحمد 1/ 313، وابن ماجه 2/ 784 (2341) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه أحمد 5/ 326، وابن ماجه 2/ 784 (2340) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، كما جاء من حديث غيرهم رضي الله عنهم وله طرق يتقوى بها، ولذلك قال النووي في الحديث الثاني والثلاثين من الأربعين: حديث حسن له طرق يقوي بعضها بعضا، وحسنه ابن الصلاح (خلاصة البدر المنير 2/ 438، جامع العلوم والحكم 1/ 304)، وقال العلائي: للحديث شواهد تنتهي بمجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به (فيض القدير للمناوي 6/ 432)، وقال الحاكم في المستدرك 2/ 66: حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه، وصححه الألباني في إرواء الغليل (888)، والسلسلة الصحيحة (250).
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك