07-06-2015, 05:52 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 349,423
|
|
مفتاح باب الريان-رمضان محطة سفر إلى الجنة (16)
لا تيأس من رحمة ربك مهما كثرت ذنوبك ! تصور أن ملكاً ظالماً جباراً قوياً، لا يتردد في إيذاء من يريد من رعيته، بأي نوع من أنواع الإيذاء بحق وبدون حق: السجن والاعتقال، الضرب المبرح، غصب الأموال، تخريب الديار، تشريد الناس ونفيهم. وقد قرب إليه بعض الفقراء الخاملين الضعفاء من رعيته، فرفع منزلته، بما أغدق عليه من الأموال، وبما منحه من الجاه والسلطان، ووضع له منهجاً يسير عليه في تصرفاته، بحيث لا يتعدى الحدود التي رسمها له... الخروج على ما حدده له الملك، وبالغ في عصيانه إلى الحد الذي اعتدى فيه على بعض أقارب الملك، بالقتل والسخرية والإهانات، وعلى أمواله، بالسلب والنهب والسرقة، وعلى عرضه بالقذف والسب. وأصدر ذلك الملك أوامره لرجال شرطته وجيشه واستخباراته بالقبض عليه، لينزل به ما يشفي غيظه من العقوبات، فلم يتمكن من القبض عليه، لقدرته على الاختفاء والهرب. ثم بدا لهذا الرجل أن يعود إلى الملك الجبار الظالم، مستسلماً له طالباً عفوه ورحمته.
تُرَى ماذا سيكون مصير الرجل عند هذا الملك الجبار؟ هل تظنه سيعفو عنه؟ أو تظنه سيوبخه ثم يطرده من عمله ويكتفي بذلك؟ أو تظنه سيأمر بضربه وإهانته ثم يدعه وشأنه؟ كلا! إنه سينزل به من الإهانات والخزي أمام الملأ، ما لم يكن يتصوره الرجل ولا غيره من الرعية، وقد يصلبه بعد الضرب والإهانات، وهو حي في أكبر ميادين بلده، حتى يموت، ليراه الناس بتلك الحال، وقد يأمر بتقطيعه إرْبا إرباً.
هذا مثال واحد يوضح شأن مواقف الجبارين، في ولاياتهم، ممن خرج عن طاعتهم، وجنى عليهم. بل إن الجبارين ليعتدون على من خالفهم – وإن كان على حق - بكل أنواع العدوان، من ضرب وسجن وحرق ورجم و طرد وقتل.. كما فعلت الأمم السابقة مع الأنبياء والرسل، حتى لو طلب أهل الحق المهادنة بين الفريقين، حتى يحكم الله بينهم، فلا يرضون بالمسالمة والمهادنة، إلا بإكراه أهل الحق على ترك دينهم والدخول في ملة الكفر.
ومن أمثلة ذلك ما بينه الله تعالى من موقف قوم شعيب منه، في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف:87-88].
والأمثلة كثيرة جداً، في القرآن وفي السنة، و في قصة أصحاب الأخدود عبرة. هذه طبيعة جبابرة المخلوقين. فكيف يستقبل الله تعالى الجبار القادر على قصم كل جبار من المخلوقين، مَن رجع إليه نادماً، طالباً عفوه ورحمته، وقد ارتكب كل أنواع المعاصي التي نهاه عنها، من أكبر الكبائر الذي هو الشرك الأكبر، إلى أصغرها، كوضع قليل من الأذى في طريق الناس؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال، ينبغي أن يلتفت الإنسان إلى الوراء، ليتذكر نعم الله تعالى عليه، ابتداء من إيجاده بعد العدم، ومروراً بكل أطوار حياته، التي لا يجد نفسه في أي لحظة من لحظات عمره، مستغنياً عن فضل الله عليه، ونعمه التي لا يحصيها إلا هو تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:1]. {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل:18]. {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53]. {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78)]. [ الآيات كلها من سورة النحل]
وقد اختصر القرآن الكريم للإنسان رحلته في الدنيا والآخرة، في خمس آيات من كتابه، فقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:12-16].
هذا الإنسان الذي تلك حاله، ينسى ربه الذي أوجده من العدم، وينسى نعمه التي لا حياة له بدونها، إضافة إلى نعمة هدايته إلى ما ينفعه في دنياه وآخرته، بإرسال رسله بوحيه، ينسى هذا الإنسان، خالقه ونعمه عليه، فإذا هو كما وصفه خالقه. {خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [النحل (4)]. {أَوَلَمْ يَرَ الأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [(77) يس].
ومع ذلك ينادي الخالق العظيم، عبده الآبق المسرف في معاصيه، ليعود إليه بكل ذنوبه ومعاصيه، ليغفرها له، وينهاه عن القنوط واليأس من تلك المغفرة والرحمة.. فقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
ومعلوم عند أهل السنة والجماعة، أن جميع الذنوب، ما عدا الشرك بالله، هي تحت مشيئته تعالى، إن شاء غفرها وأدخل صاحبها الجنة، بدون أن يدخله النار، وإن شاء أدخله النار وعذبه ليطهره، ثم يدخله الجنةكما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء (48)]
ولكن المسلم العاقل الذي يعلم أن الله تعالى قد لا يغفر له ذنوبه، بل قد يعذبه بالنار، قبل أن يدخله الجنة، هذا المسلم يحرص على البعد عن معاصي الله، وإذا وقع في شيء منها، رجع إلى ربه فتاب توبة نصوحا، لينجو من العذاب، ويفوز بدخول الجنة ابتداء.
دعوة الله عبده إلى التوبة وفرحه بها..
فقد دعا رسل الله تعالى قومهم، إلى التوبة، كما قال تعالى عن هود عليه السلام لقومه.. {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود:52]. وقال تعالى عن صالح: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود:61]. وقال تعالى عن شعيب: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود:90].
وأمر الله تعالى المؤمنين من هذه الأمة بالتوبة.. فقال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود:3]. وقال تعالى: {…وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم:8].
روى عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: "سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يقول: (لَلَّهُ أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن، من رجل في أرض دوية مهلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجعُ إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده[البخاري (5950) من حديث أنس مختصرا، مسلم رقم (2744) واللفظ له، و"الدوية" بتشديد الدال المفتوحة، والياء المشددة: الأرض القفر]
بادر بالتوبة قبل فوات الأوان..
سبق أن الله تعالى يدعو عباده إلى التوبة ويفرح بها، وهي واجبة على جميع الناس، من جميع الذنوب، وتجب على الفور، ولا يجوز للعاصي تأخيرها. قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور(31)]
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8] أليس فرح الله بتوبتك حافزاً لك على الإسراع بالتوبة إليه من ذنوبك؟
ربك الذي خلقك ورزقك، وأسدى إليك كل نعمة في حياتك، تجاهره بالمعاصي، بترك ما أمرك به، وفعل ما نهاك عنه، ثم يدعوك إلى التوبة ويفرح بتوبتك، هل يليق بك أن تستمر في عصيانه، وتصر على سخطه؟! ربك يريدك أن تفارق هذه الحياة وهو راضٍ عنك، تأتيك ملائكة الرحمة عند قبض روحك. فيقولون لها: اخرجي راضية مرضية، فتخرج تنتشر منها رائحة زكية كأطيب ريح المسك.. ويناولها بعضهم بعضاً فيشمونها، ثم يزفونها إلى أبواب السماء، وترحب بها في كل سماء ملائكتها، ويقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض! فكلما أتوا سماءً قالوا ذلك، كما ترحب بها أرواح المؤمنين، فيفرحون بها أشد الفرح.
ثم تفوز في قبرك في الإجابة على أسئلة الملائكة التي تلخص تاريخ حياتك في الدنيا.. "من ربك .... ما دينك .... من نبيك.. وما عملك؟ فتقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد رسول الله… وعملي: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة... فيأتيك من رَوْحِها وطيبها، ويفسح لك في قبرك مد بصرك....
ويأتيك عملك في صورة رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد. فتقول له: من أنت فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح. وعندئذ تتمنى أن تقوم الساعة، لتنال الفضل العظيم، والثواب الجزيل، وتلقى ربك الكريم، فتفوز بما كنت تقرأه في كتابه..{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23]. فتقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة.....
ثم يأتي يوم البعث والنشور والحساب، والجزاء فتؤتىكتابك بيمينك، وتنادي لشدة سرورك و فرحك مَن يقرأ كتابك..{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19-24]
هذا ما يدعوك إليه ربك الذي يفرح بتوبتك، ويفتح لك أبواب جنته: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:25]. وإذا لم تستجب لدعوة ربك الذي بفرح بتوبتك، فلدعوة من تستجيب؟ وما مصيرك في الاستجابة لغير الله؟
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر (6)]. {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة (19)]. {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:26-27].
مجاهدة الأمل المهلك
إن الواجب على الإنسان أن يتوب إلى الله تعالى من المعصية، فور وقوعها منه، وإذا تمادى في الإصرار عليها، سواء كانت تركَ واجبٍ أو فعلَ محرم، فإثمه مستمر حتى يتوب منها.
وكثير من الناس قد تؤنبه فطرته فيشعر بالندم على معصية ربه، ولكنه لا يقلع عنها، ممنيا نفسه بالتوبة في مستقبل عمره، ناسيا أنه قد ينام فلا يصحو من نومه، إلا في قبره عندما يستجوبه في قبره منكر ونكير، بل قد يخرج نَفَسُه في أي لحظة، فلا يعود إليه، لأن ملك الموت قبض روحه.. قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر (42)] وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام (61)] وقال: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف (34)] وقال تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:2-3].
قد يقال: بعض هذه الآيات تتحدث عن الكفار، لا عن المسلمين، والجواب أن الأمر الجامع بين الكافر والمسلم العاصي الذي يسوف توبته إلى ربه، هو طول الأمل الذي يترتب عليه ندم كل منهما، مع ما عرف من التخليد للكافر في النار، ورجاء المغفرة للمسلم، أو تعذيبه، ثم إدخاله الجنة. وفي حديث عبد الله بن مسعود رضِي الله عنه عبرة لمن كلما أسرع إليه أجله، طال أمله، فقد قال: خط النبي صلّى الله عليه وسلم خطاً مربعاً، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خطوطاً صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: (هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به... به وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا، نهشه هذا، وأن أخطأه هذا نهشه هذا) [البخاري برقم (6054)]
وكتب الأوزاعي إلى أخ له: "أما بعد فقد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يُسار بك في كل يوم وليلة، فاحذر الله والمقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك به والسلام.
نَسِيرُ إِلَى الآجَالِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ،،،،،،،،،،،،،وَأَيَّامُنَا تُطْوَى وَهُنَّ مَرَاحِلُ
وَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْمَوْتِ حَقًّا كَأَنَّهُ،،،،،،،،،،،،،،،،،إِذَا مَا تَخَطَّتْهُ الأَمَانِيُّ بَاطِلُ
وَمَا أَقْبَحَ التَّفْرِيطَ فِي زَمَنِ الصِّبَا،،،،،،فَكَيْفَ بِهِ وَالشَّيْبُ لِلرَّأْسِ شَاعِلُ
تَرَحَّلْ مِنَ الدُّنْيَا بِزَادٍ مِنّ التُّقَى،،،،،،،،،،،،،،،،،فعمرك أيام وهن قلائل
وقال أبو العتاهية:
وَمَا أَدْرِي وَإِنْ أَمَّلْتُ عُمْرًا،،،،،،،،،،،لَعَلِّي حِينَ أُصْبِحُ لَسْتُ أُمْسِي
أَلَمْ تَرَ أَنَّ كُلَّ صَبَاحِ يَوْمٍ،،،،،،،،،،،،،،،،وَعُمْرُكَ فِيهِ أَقْصَرُ مِنْهُ أَمْسِ
[جامع العلوم والحكم لابن رجب (1/383)].
فعلى الإنسان، وبخاصة المسلم أن يجاهد الأمل الذي يجعله يسوف في التوبة
والرجوع إلى الله تعالى، حتى لا يندم يوم لا ينفع الندم.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|