الواضح في أحكام الصيام (الحلقة السادسة)
الخلاصة في وسائل العلاج
عند النظر في جملة الوسائل العلاجية اليوم نجد أن منها:
1ـ ما لا يفطر قولا واحدا:
وهو: (كل دواء أو علاج لا يصل للجوف مطلقا وليس بمغذي، ولا يصل إلى الحلق ولا يجاوز أيَّ منفذٍ للجوف).
مثل الدهانات الجلدية، والمراهم بما فيها دواء البواسير الخارجية، واللصقات العلاجية، وبعض صور البنج الموضعي، وجملة من الحقن الموضعية الخارجية غير المغذية ولا النافذة للجوف، كإبر المفاصل، وإبرة العضو الذكري ونحوها.
وفي حكمها في عدم الإفطار التبرع بالدم، والغسيل المهبلي.
وكل دواء له صفة ما تقدم: (لا يصل إلى الجوف مطلقا وليس بمغذي، ولا يصل إلى الحلق ولا يجاوز أيَّ منفذٍ للجوف)
كالقطرة في الأذن لمن سلمت أذنه من عيب يجعلها مدخلا للجوف، وكالقثطرة (القسطرة كما تعبير الناس في بلادنا) التي تكون من فتحة عضو الرجل (الإحليل).
2 ـ ومنها ما يفطر قولا واحدا:
وهو: (كل دواء أو علاج دخل الجوف من جهة الحلق وإن لم يكن مغذيا) كالدهن الداخل مع أنبوب المنظار العلوي ونحوه من القطرات المتجاوزة للحلق أيا كان نوعها، وسائر الأدوية التي تدخل من الفم والحلق.
وكذلك مما يفطر قولا واحدا: (ما يصل إلى الجوف من غير الحلق وهو مغذي) كإبرة التغذية المعروفة، وكالمنظار إذا صاحبه مغذ، ونحوه من العمليات الجراحية إذا أدخل مغذ منها، وكذا بعض صور الغسيل الكلوي التي تشتمل على إضافة مواد مغذية مع الدم بعد تنقيته.
وهكذا كل دواء له أحد الوصفين السابقين في هذه الفقرة، وفي حكمه العام التخدير التام إذا استغرق كل وقت الصيام.
3 ـ ومنها ما هو محل اجتهاد وخلاف وهو على صور عدة:
أولا: (ما يدخل الجوف من غير الحلق وغير المدخل المعتاد دخولا مباشرا وهو غير مغذي).
كالدواء الداخل عبر منظار البطن الذي يدخل البطن بوخزها مباشرة، وكالدواء الذي يُعطى للبطن في الجائفة، (الجائفة هي المصابة في الجوف بجراح مفتوح) فهذا مختلف في كونه مفطرا، فالجمهور على أنه مفطر خلافا لمالك بن أنس وأبي يوسف من الحنفية.
والذي أنصح به ألا يستخدم الصائم هذا العلاج إلا إذا لزم الأمر وإذا استخدمه أمسك باقي يومه وقضى يوما مكانه احتياطا.
ثانيا: ومنها (ما يدخل الجوف من جهة الدبر وهو غير مغذي).
كالحقنة الشرجية، والتحاميل، ودواء البواسير الداخلية.
فهذه أيضا ذهب الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى كونها مفطرة، والذي أنصح به ألا يستخدم الصائم هذا العلاج إلا إذا لزم الأمر، وإذا استخدمه أمسك باقي يومه وقضى يوما مكانه احتياطا.
ثالثا: ومنها (ما يصل للجوف بشكل مباشر ومن منفذ مباشر)
كإبرة الوريد غير المغذية، ومنها إبرة التخدير التام وكل إبرة تشابهها في صلتها بالجوف.
وهذا العلاج نجد الأقرب لأصول المذاهب الأربعة أنه يقتضي الإفطار، وأنصح بما سبق: من استخدامه إذا لزم الأمر مع الإمساك بقية اليوم والقضاء احتياطا.
رابعا: ومنها (ما يدخل للجسم ويتجه للجوف من منفذ غير مباشر وغير طبيعي وهو غير مغذي).
كإبرة العضلة والجلد بما فيها إبرة الأنسولين، فإنها غير مفطرة في قول أكثر أهل العلم المعاصرين، لأنها ليست بمغذية ولا داخلة للجوف من منفذ مباشر ولا عادي.
أما إبرة الجليكوجين فهي مشكلة:
فمن ناحية: فيها شَبه بهذه الإبر في هذه الفقرة، باعتبارها غير مغذية في ذاتها وتدخل من مدخل غير مباشر ولا معتاد.
ومن ناحية أخرى: فيها شَبه بإبرة التغذية لأنها تتسبب في تحول مواد من الكبد إلى جلوكوز، فهي كإبرة لا تحمل الجلوكوز ولكنها تحول مواد من الجسم نفسه إلى جلوكوز، والجلوكوز مغذي، ولهذا أنصح احتياطا بالقضاء إذا اضطر المسلم إليها في صيامه.
خامسا: ومنها (ما يدخل للجسم من منفذ يحتمل الوصول للجوف ولكنه غير لازم الوصول)
كقطرة العين والأنف فلا بأس بها إذا احتيج إليها، ولا تعتبر مفطرة، إلا إذا ثبت أنها جاوزت الحلق فعندها يجب القضاء، وفي حكمها الحبة التي تحت اللسان على ما علمت من خصائصها.
سادسا: ومنها (ما يدخل من الحلق وهو غير مغذي).
كالأكسجين لمرضى الصدر، فهذا غير مفطر بلا إشكال.
وكذا ما يدخل من الحلق وليس له قدر معتبر ولا بمغذ؛ كالمادة التي يستخدمها أصحاب مرض الربو عبر بخاخته، فهذه غير مفطرة على الراجح، لأن مقدار ما يدخل في البخة الواحدة هو واحد من مائتين من العشرة ملليلتر، وليس بمغذ ولا يصل منه إلى المعدة شيء في العادة.
سابعا: (ما يدخل من الحلق ولا يستقر فيه ولا هو بمغذي).
كمنظار المعدة العلوي والسفلي، فهذا إن خلا من دهن مصاحب له فالراجح أنه غير مفطر كما هو مقتضى مذهب الأحناف الذين لا يرون ما يدخل الجوف من غير المغذيات مفطرا إذا لم يستقر فيه، والمنظار لا يستقر لأنه يسحب بعد إدخاله، وربما يقتضيه قول مالك أيضا خلافا للبقية.
فائدة:
مسمى الحقنة لدى أئمة المذاهب سابقا؛ وهو المعروف في تلك الأوقات لدى الناس؛ إنما يطلق في الغالب على الإبرة التي تدخل من الشرج، وقد تطلق على إبرة الإحليل، ولم يكونوا يعرفون الحقنة التي تستخدم اليوم في شتى الأماكن.
مركز الإسلام الواضح
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك