![قديم](ibbye-hajj/statusicon/post_old.gif)
03-02-2015, 01:50 PM
|
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 7,826
|
|
النفاق مرض خطير وشر مستطير
النفاق مرض خطير وشر مستطير
السيد طه أحمد
الحمد لله رب العالمين، حذَّر من النفاق وخطر المنافقين، فقال الله سبحانه في وصفهم: ï´؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ï´¾ [البقرة: 8 - 10].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يُحيي ويُميت وهو على كل شيء قدير، حذَّرنا من المنافقين، فقال تعالى: ï´؟ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ï´¾ [المنافقون: 4].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن علامات النفاق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافِق ثلاث: إذا حدَّثَ كذب، وإذا وَعَدَ أخلَف، وإذا اؤتمنَ خان))؛ رواه مسلم.
فاللهم صلِّ على سينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ:
فيا أيها المؤمنون، إن الله تعالى حذَّرنا من أمراض القلوب؛ لأنَّ أخطرَ الأمراض في عالم الطب هي الأمراضُ التي لا أعراضَ لها، وهناك أمراضٌ لها آلامٌ لا تُحتمل، ليست خطيرة؛ لأنها في وقتٍ مبكر تكشِفُها، ولكنَّ أخطرَ الأمراض هي الأمراض التي لا يُصاحِبها ارتفاع حرارة، ولا آلام مُبرحة، إنما هي أمراضٌ تتسلَّل تسلُّلاً بطيئًا إلى أن تستفحلَ فجأةً، وعندئذٍ يستحيلُ الدواء.
فمن أمراض القلوب مرض النفاق، وهو مرض خطير وشر مستطير إذا استولى على القلب أماته، وصار صاحبه حيًّا كميت، وصحيح البدن مريض الرُّوح؛ قال الله تعالى: ï´؟ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ï´¾ [البقرة: 10].
لذلك كان حديثنا عن النفاق من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية:
1- تعريف النفاق.
2- أنواع النفاق وصفات المنافقين.
3- أسباب النفاق.
4- خطر النفاق والمنافقين.
5- عقوبة المنافقين.
6- خوف السلف من النفاق.
7- السبيل إلى الخلاص من النفاق.
العنصر الأول: تعريف النفاق:
النفاق: كلمة قبيحة بلا شك، ولِقُبحها هرب الناس منها كلفظٍ، واستبدلوها بكلمات جذابة؛ مثل: المجاملة، والتعامل الدبلوماسي، والمرونة، وغير ذلك من الكلمات التي نسمعها كل يوم، وهي في الحقيقة ليست سوى أغلفة برَّاقة للنفاق تستر عورته، وتُبرِّر للناس التعامل به، لكنها في الوقت ذاته تحمل دلالات عدة عن مدى استشراء النفاق في تعامُلاتنا، وتَغلغُله في مجتمعاتنا.
والنفاق: هو إظهارُ الإسلام والخير، وإبطانُ الكفر والشر، سُمِّي بذلك؛ لأنه يدخل في الشرع من باب، ويخرج منه من باب آخر، وعلى ذلك نبَّه الله تعالى بقوله تعالى: ï´؟ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ï´¾ [التوبة: 67]؛ أي: الخارجون من الشرع.
العنصرالثاني: أنواع النفاق:
النفاق نوعان: النوع الأول: النفاق الاعتقادي (الأكبر):
وهو النفاق الأكبر الذي يُظهر صاحبه الإسلام، ويُبطن الكفر، وهذا النوع مُخرج من الدين بالكلية، ويُوجب لصاحبه الخلود في النار، بل في الدَّرك الأسفل من النار، ولهذا النوع من المنافقين صفات خاصة بهم، بيَّنها الله جلَّ وعلا في كتابه، ونبيُّه -صلى الله عليه وسلم- في سُنَّته، وقد جعَل الله - جلَّ وعلا - هذه الصفات دليلاً على نِفاق المرء، فمَن اتَّصف بها كان منافقًا خالصًا، لا تَنفعه شفاعةُ الشافعين، وفي نار جهنَّمَ من المخلَّدين.
وصعوبة أمْر المنافِق تكمُنُ في سَريرته التي لا يعلمها إلا الله وحْده لا شريك له، وقد أعْلَم نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم بعضَهم؛ حيث قال جلَّ وعلا: ï´؟ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ï´¾ [محمد: 30].
ولَمَّا كان شرُّ المنافقين مستطيرًا، أتينا على بعض صفاتهم، والتي منها:
1- تركُ الاهتداء بالوحي:
المنافقون جميعًا متفقون على هذا الأمر، وهو عدم الاهتداء بالوحي، أنت إنسان تحتاج إلى منهج، تحتاج إلى دستور، تحتاج إلى قانون، ما المنهج الذي تسيرُ عليه؟ ما القانون الذي يُقنِّن تصرُّفاتك؟ ما الدستور الذي تهتدي به؟
المنافقون جميعًا أنكروا الوحي ورفضوه، وأنت كمسلم تعلم حُكمَ الله في الربا، وحُكم الله في العلاقة مع النساء، وحُكم الله في الغيبة، وحُكم الله في الزواج، فإذا رفضتَ حُكمًا من هذه الأحكام - ولو كان الرفض داخليًّا - فأنتَ شئتَ أم أبيت وقعتَ في خندق المنافقين الذين اتخذوا هذا القرآن مهجورًا، وجعلوه كتابًا لا يَصلُح لهذا الزمن، وكتابًا نتبرَّك به فحسبُ، ولا نتَّخذه دستورًا لنا، ولا قانونًا، كتابًا نتلوه على الأموات، كتابًا نقرؤه لنتقوَّى به، كتابًا فصيحًا جدًّا إذا قرأناه استقامت ألسِنتُنا، ومن هنا فمعنى اتخاذ المنافقين القرآن مهجورًا عدم النظر إليه على أنه دستور كامل، والدليل قول الله تعالى: ï´؟ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ï´¾ [النساء: 60، 61].
فالمنافق لا يقبل حُكمَ الله عز وجل؛ لأنَّ شهواته تغلبُه، وقال تعالى: ï´؟ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ï´¾ [النور: 47 - 49].
المنافق يكره حُكمَ الله؛ قال تعالى: ï´؟ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ï´¾ [محمد: 9].
وهذه العَيِّنة من المنافقين ما أكثرَها اليوم! فهي في أحضان الغرْب تربَّت، وفي منابت الزندقة أُنْبِتَت، فأنتَجت أقوامًا أضلَّ من الأنعام، ينادون بإلغاء شرْع الله، وعلى أرضه يمشون! يُنادون بإلْغاء القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ومِن نعم الله يأكلون، فسبحان الله الحليم! ما أحلمه على هؤلاء؟
2- يدور مع مصالحه:
المنافق إذا اتَّفقت قضيته مع الشرع، صار مع الشرع، وإذا اتَّفقت مع القانون، صار مع القانون؛ قال تعالى: ï´؟ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ï´¾ [البقرة: 14].
وقال تعالى: ï´؟ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ï´¾ [النساء: 141].
3- الإفساد في الأرض:
قال تعالى: ï´؟ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ï´¾ [البقرة: 11، 12].
وقال تعالى: ï´؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ï´¾ [البقرة: 204 - 206].
4- الاستهزاء بالمؤمنين والطعن فيهم وتجريحهم:
فالمنافق دائمًا يسخر من المؤمنين، ويَصِفهم بكل نقيصة، ويَعيب أعمالهم، ولا يرى لهم حسنة أبدًا، وإن رأى فعلاً صالحًا شكَّك فيه وفي نية المؤمنين؛ قال تعالى: ï´؟ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ï´¾ [البقرة: 14].
وقال تعالى: ï´؟ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ï´¾ [التوبة: 64، 65].
وقال تعالى: ï´؟ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ï´¾ [التوبة: 58].
وقال أيضًا: ï´؟ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ï´¾ [التوبة: 79].
وأيضًا يَصِف المؤمنين أصحاب الرسالات الحقة بأنهم مخدوعون، ومضحوكٌ عليهم، ومُغيَّبون؛ قال تعالى: ï´؟ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ï´¾ [الأنفال: 49].
5- الحَلِف كذبًا سترًا لجرائمهم:
قال تعالى: ï´؟ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ï´¾ [المنافقون: 2].
6- الفَرَح والشماتة في مصائب المؤمنين:
قال تعالى: ï´؟ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ï´¾ [التوبة: 50].
7- الأمرُ بالمنكر والنهي عن المعروف:
قال تعالى: ï´؟ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ï´¾ [التوبة: 67].
فَهُمْ يأمرون بالإباحية، ويَنهَوْن عن الحِجاب، ويأمرون بالفُجور، وينهون عن التقوى، يأمرون بالرِّبا، وينهون عمَّا أحلَّ الله مِن البيوع، يأمرون بالخُمور، وينهون عمَّا أحلَّ الله مِن الطيبات، فعليهم لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين.
8- التغرير بالمؤمنين:
قال تعالى: ï´؟ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ï´¾ [الحشر: 11، 12].
وهذه الآيات ترسم صورةً واضحةً ومتكاملة لأخلاقهم الدنيئة؛ حيث قال تعالى: ï´؟ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ï´¾ [المنافقون: 1- 5].
النوع الثاني: النفاق العملي (النفاق الأصغر):
وهو عمل شيء من أعمال المنافقين مع بقاء الإيمان في القلب، وهذا لا يُخرج من المِلة، لكنه وسيلة إلى ذلك، وصاحبه يكون فيه إيمان ونفاق، وإذا كثُر صارَ بسببه منافقًا خالصًا، والنِّفاق الأصغر خطَرُه جسيم؛ لأنَّه وسيلةٌ للأكبر، حتى إذا استمرأَه الإنسان استدرجَه إلى الأكبر.
ومن أهم صفات هؤلاء:
1- خيانة الأمانة، والكذب والغدر، والفُجور عند المخاصمة:
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (أربع مَن كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومَن كانت فيه خَصْلة منهنَّ، كانت فيه خَصْلة من النفاق حتى يَدَعَها - إذا اؤتُمِن خان، وإذا حدَّث كذَب، وإذا عاهَد غَدَر، وإذا خاصَم فَجَر))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
2- التخلُّف عن الصلاة، وخصوصًا صلاة الفجر والعشاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليس صلاةٌ أثقلَ على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما، لأَتَوْهما ولو حَبوًا)؛ أخرجه البخاري.
3- التكاسل في أداء الصلاة والرياء في الأعمال:
قال تعالى: ï´؟ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ï´¾ [النساء: 142، 143].
4- متلوِّن بأكثر من لون:
ظاهره يختلف عن باطنه، ربما يعطي الله تعالى له هيئة وطولاً، فخامة ولونًا، عيونًا واسعة، جبهة عريضة مثلاً، وأن يكون طليق اللسان، أنيقًا جدًّا، فما قيمةُ هذا؟!
قال تعالى: ï´؟ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ï´¾ [المنافقون: 4].
وقال تعالى: ï´؟ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ï´¾ [البقرة: 171].
ومن شواهده قول الشاعر:
السيف أصدق إنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
وقال تعالى: ï´؟ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ï´¾ [التوبة: 55].
ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم؛ قال تعالى: ï´؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ï´¾ [البقرة: 8، 9].
وقال تعالى عنهم: ï´؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ï´¾ [البقرة: 204 - 206].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((تَجِدون الناسَ معادنَ، خيارُهم في الجاهلية خيارُهم في الإسلام إذا فقِهوا، وتجدون خيرَ الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهيةً، وتجدون شرَّ الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه)).
وقال تعالى: ï´؟ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ï´¾ [النساء: 143].
5- نَقْر الصلاة وإخراجها عن وقتها:
من حديث العلاء بن عبدالرحمن أنه دخَل على أنس بن مالك في دار بالبصرة، حين انصرَف من الظهر، وداره بجَنْب المسجد، فلمَّا دخلنا عليه، قال: أصليتُم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفنا الساعة من الظهر، قال: فصلُّوا العصر، فقُمنا فصلَّيْنا، فلمَّا انصرفنا، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تلك صلاة المنافق، يجلس يرقُب الشمس حتى إذا كانت بين قَرْنَي الشيطان، قام فنَقَرها أربعًا، لا يذكر الله فيها إلاَّ قليلاً))؛ رواه مسلم.
فالمنافق إما أن يكون إنسانًا مؤمنًا بالله، لكنَّ إيمانه ضعيف، وغَلبته نفسُه، فانساقَ مع شهواته، وهذا هو النفاق الأصغر الذي نرجو لصاحبه الهداية والتوبة منه؛ قال تعالى: ï´؟ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [البقرة: 19، 20].
لكنهُ لم يذهب بسمعهم وأبصارهم؛ لأنه ينتظر أن يَهتدوا وأن يؤمنوا.
وأما النفاق الأكبر، فهو أن يتنكَّر لكل ما جاء في الكتاب والسنة، ولكنه يفعل أفعال المسلمين تمشيًا مع مصالحه الخاصة؛ قال تعالى: ï´؟ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ï´¾ [البقرة: 17، 18].
يتبع
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|