تعريف الإيمان، وأنه قول وعمل
محمد حسن نور الدين إسماعيل
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136].
تعريف الإيمان:
أصل الأمن: طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمانة والأمان في الأصل مصادر، ويجعل الأمان تارةً اسمًا للحالة التي يكون بها الإنسان في الأمن، وتارةً اسمًا لِما يؤمن عليه الإنسان، نحو قوله: ﴿ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ﴾ [الأنفال: 27]؛ أي: ما ائتمنتم عليه، وقوله: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأحزاب: 72]، وقيل: كلمة التوحيد، وقيل: العدالة، وقيل: حروف التهجِّي، وقيل: العقل، وهو صحيح؛ فإن العقل هو الذي لحصوله يتحصَّل معرفة التوحيد، وتجري العدالة، وتعلم حروف التهجي، بل لحصوله تعلُّم كل ما في طوق البشر تعلُّمه، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله، وبه فُضل على كثير من خلقه.
وآمن إنما يقال على وجهين:
أحدهما: متعدٍّ بنفسه، يقال: آمنته؛ أي: جعلت له الأمن، ومنه قيل لله: (المؤمن).
والثاني: غير متعدٍّ، ومعناه: صار ذا أمن.
والإيمان يستعمل تارة اسمًا للشريعةِ التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم؛ كقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ﴾ [المائدة: 69]، ويُوصَف به كلُّ مَن دخل في شريعة مقرًّا بالله وبنبوَّته، قيل: وعلى هذا قال تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106].
وتارة يستعمل على سبيل المدح، ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق القلب، وإقرار اللسان، وعمل بحسب الجوارح، وعلى هذا قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ﴾ [الحديد: 19].
ويقال لكل واحد من الاعتقاد، والقول، والصدق، والعمل الصالح: إيمان؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 143]؛ أي: صلاتَكم، وجعل الحياء وإماطة الأذى من الإيمان، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ [يوسف: 17]، قيل: معناه: بمصدِّق لنا، إلا أن الإيمانَ هو التصديق الذي معه أمن[1].
فأما الإيمان في الشريعة فلإطلاقه حالتان:
الأولى: أن يطلق على الإفراد غير مقترن بذكر اسم الإسلام، فحينئذٍ يراد به كل القول والعمل.
الثانية: أن يُطلَق مقرونًا بالإسلام، وحينئذٍ يُفسَّر بالاعتقادات الباطنة؛ كما في حديث جبريل وما في معناه؛ كقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ في كثيرٍ من الآيات، وكقولِه صلى الله عليه وسلم: ((اللهم مَن أحييته منا فأحيِه على الإسلام، ومَن توفَّيته منا فتوَفَّه على الإيمان))[2]؛ وذلك أن الأعمال بالجوارح إنما يتمكن منها في الحياة، أما عند الموت فلا يبقى غيرُ قول القلب وعمله.
قال الأوزاعي رحمه الله: كان مَن مضى من السلف لا يفرقون بين العمل والإيمان، وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى الأمصار: أما بعد، فإن الإيمان فرائض وشرائع، فمن استكملها فقد استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان[3].
وقصد الأئمة الرد على أهل البدع الذين أخرجوا الأعمال من الإيمان، أو قصَروا الإيمان على بعض أجزائه؛ كما قالوا: إن الإيمان هو مجرد التصديق، أو غير ذلك من مقالات المبتدعة الذين قالوا: لا يضرُّ مع الإيمان شيء.
ومذهب أهل السنة والجماعة يقضي بأن الدِّين الذي لا ينجو أحد إلا به: قولٌ وعمل، وهذا معنى الإيمان الذي قصده السلف؛ فالإيمان قول بالقلب واللسان، وعمل بالقلب واللسان والجوارح:
فقول القلب: هو تصديقه وإيقانه، ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 33]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات: 15]؛ أي: صدَّقوا ثم لم يشكُّوا.
وقول اللسان: وهو النطق بالشهادتين والإقرار بلوازمهما؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 13].
وعمل القلب: وهو النية، والإخلاص، والمحبة، والانقياد، والإقبال على الله عز وجل، والتوكل عليه، ولوازم ذلك وتوابعه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الأنعام: 52].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولدِه، ووالده، والناس أجمعين))[4].
وعمل اللسان والجوارح:
فعمل اللسان ما لا يُؤدَّى إلا به؛ كتلاوة القرآن، وسائر الأذكار؛ من التسبيح والتحميد والتهليل، والتكبير والدعاء والاستغفار، وغير ذلك.
وعمل الجوارح ما لا يُؤدَّى إلا بها؛ كالصيام، والركوع، والسجود، والمشي في مرضاة الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك مما في شُعب الإيمان؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوفي بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111].
[1] المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني.
[2] قال الحاكم رحمه الله تعالى: صحيح على شرط الشيخين.
[3] علقه البخاري في أول كتاب الإيمان.
[4] رواه أحمد، والبخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، رحمهم الله تعالى، عن أنس رضي الله عنه.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك