الريـاح
حسام بن عبدالعزيز الجبرين
أما بعد عباد الله:
فلله في خلقه آيات باهرة، ومعجزات قاهرة، قد يرسل بعضها بالخير والرحمة، وقد يرسله بالعذاب والنقمة، يحصل بها ابتلاء لبعضهم ونفع لآخرين.
إخوة الإيمان:
أصاب أجزاءً من بلادنا في الأيام القريبة الماضية، رياحٌ شديدة، أحمرّت فيها السماء، وملءَ الغبار الفضاء، وعظم الخطب عند المصابين بأمراض التنفس والربو.
أيها المصلون:
ولنا مع الهدي النبوي في الرياح ثلاثُ وقفات:
الوقفة الأولى: حاله صلى الله عليه وسلم في يوم الريح والغيم.
أخرج مسلم في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح والغيم، عُرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر. فإذا مَطَرت، سُرَّ به، وذهب عنه ذلك. قالت عائشة: فسألته. فقال: "إني خشيت أن يكون عذابا سلط على أمتي". ويقول، إذا رأى المطر "رحمه".
وفي رواية عند البخاري "فقال: "يا عائشة! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، عُذَّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا: هذا عارض ممطرنا.
فهذا حال أفضل البشر، فما بالك بنا، فالمشروع للمسلم أن يكون عنده خوف و وجل.
الوقفة الثانية: التأدب مع قدر الله و النهي عن سب الريح، لأنه عز وجل هو المقدّر والمصرّف لها وقد بوّب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، بابٌ النهي عن سب الريح.
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أمرت به " أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه الألباني وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار".
أما وصف الريح بأنها باردة أو حارّة أو أنها قوية فهذا جائز قال تعالى ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 6] وقال عن لوط ﴿ وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾ [هود: 77].
الوقفة الثالثة: ما يقال عند هبوب الريح.
ثبت عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: " اللهم! إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به. وأعوذ بك من شرها، وشرما فيها، وشر ما أرسلت به ".
وأما حديث "اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " فضعيف ضعف الألباني وغيره.
أيها الفضلاء إن الهواء الذي نستنشقه في كل ثانية نعمة عظيمة، وانظر إلى ضعفنا عندما يتكدر وقتا يسيرا، ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41] وقال ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً ﴾ [الإسراء: 59] قال قتادة: إن الله يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يرجعون اهـ كلامه رحمه الله.
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].
والواجب اللجوء إلى مصرفها ﴿ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ ﴾ [الأنعام: 43].
نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة، وبما صرف فيهما من الآيات والحكمة.
الخطبة الثانية
وبعد عباد الله:
الرياح آية من آياته الدالة على وحدانيته وربوبيته، والله عز وجل قد أقسم بها في عدة مواضع من كتابه فقال سبحانه ﴿ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً ﴾ [الذاريات: 1] ﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفاً فالعاصفات عصفا ﴾ [المرسلات: 1،2].
وقد ذكر الله تصريفها مع الآيات الدالة على ربوبيته وألوهيته قال تعالى ﴿ ... وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164] وقال ﴿ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الجاثية: 5].
الريح عجيب أمرها وخلقها ، جزيئات لا ترى، تقتلع الأشجار، و ترفع أمواج البحار و ربما هدّمت الديار، تأتي باردةً وتأتي حارّة، تلطف الجو أحيانا، وتدفأ البرد أحيانا.
الريح جند من جند الله سبحانه سخرها لنبيه سليمان ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ﴾ [سبأ: 12] نصر الله بالريح نبّيه يوم اجتمعت الأحزاب ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ [الأحزاب: 9] وفي الصحيحين مرفوعا من حديث ابن عباس: " نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور " قال ابن حجر: الصبا هي الريح الشرقية، والدبور هي الريح الغربية.
عباد الله:
وتحسن الإشارة هنا إلى تنبيه مهم وهو أن الظواهر الكونية وإن كان لها أسباب مادية طبيعية فلا يصح أبدا فصلها عن أسبابها الشرعية كما في آية الروم ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ وقوال الله ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].
فضعف القشرة الأرضية مثلاً سبب لحدوث الزلازل، لكنّ السؤال من الذي أضعف القشرة الأرضية؟ إنه خالقها جل في علاه.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك