10-13-2014, 03:53 PM
|
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 7,826
|
|
في تحقيق شهادة أنَّ محمدًا رسول الله
في تحقيق شهادة أنَّ محمدًا رسول الله
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
الحمدُ لله نحمَده، ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسِنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته، المهتدين بهَديه والممتثِلين لأوامره، والمجتنبِين لنواهيه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله:
اتَّقوا الله - تعالى - وتُوبوا إليه وأطيعوه، وامتثِلوا أمْر نبيِّه وصدِّقوه، واجتنبوا ما نهاكم عنه، وحقِّقوا معنى شهادة أنَّ محمدًا رسولُ الله، فإنَّ معناها: طاعتُه فيما أمَر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجَر، وألاَّ يُعبَد اللهُ إلَّا بما شرَع.
وقدْ أمرَكم الله بطاعته وطاعةِ نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأوجب ذلك عليكم، وقرَن - سبحانه وتعالى - طاعتَه بطاعة نبيِّه - صلوات الله وسلامه عليه - وبيَّن ذلك في كتابه - جلَّ وعلا - فمَن عصَى نبيه فقدْ عصَى الله، فخُذوا بهَدْي نبيِّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وانتهوا عمَّا نهاكم عنه، قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتُم))[1].
واعْلَموا - رحِمكم الله - أنَّكم لم تُكلَّفوا بما لا تُطيقون، وقد حرَص نبيُّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - على راحتكم وهدايتِكم، والرَّأفة والرَّحمة بكم؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بُعثتُ بالحَنِيفيَّة السَّمْحة))[2].
فتمسَّكوا بهدْي نبيِّكم الذي حرَص على إنقاذِكم مِن العذاب وهِدايتكم إلى ما فيه فلاحُكم وصلاحُكم، فأطيعوه فيما أمرَكم به، وانتهوا عمَّا نهاكم عنه، وعَظِّموا أمرَه ونهيَه، ولا تُقدِّموا عليه قول أحدٍ، واعملوا بما دلَّتْ عليه شهادة أنَّ محمدًا رسولُ الله، فإنَّ قولها باللسان دون العمل بما دلَّت عليه لا يكون قائلها مِن أهل شهادة أنَّ محمدًا رسولُ الله، كما أنَّ قولَ لا إله إلَّا الله بدون العمل بما دلَّت عليه لا يصير به مِن أهل شهادة أن لا إله إلَّا الله على الحقيقة.
فحقِّقوا إيمانكم بالله ورسوله بالعمل، فليس الإِيمان بالتمنِّي ولا بالتحلِّي، ولكن ما وَقَرَ في القلوب وصدَّقتْه الألسن، فلا بدَّ أن تظهر آثار الإِيمان وثمراتُه في العمل بالجوارح، ولا بدَّ أن يتفقَّد العبد عمله، ويعرِف أنَّه على سنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويبعد عنه ما يفسده أو يؤثِّر في إخلاصه مِن رِياء وسُمعة، وغير ذلك مما يشوبه ويؤثِّر فيه، فالبعض قد يَسْهُل عليه العمل؛ ولكن قد لا ينتبه لما يطرأ عليه مِن مؤثِّرات ومفسدات، وقد يتساهَل في دفْع ذلك وإبعاده، كما أنَّ المزارع قد يغرِس الغرْس ويبذر البذور، وتخرج وتنمو، فيطرأ عليها أمراض ومؤثرات فيتساهل في عِلاجها وإزالتها فتُؤثِّر تلك الأعراض في الأشجار والزروع، فتُقلِّل من ثمرها أو تقطعه.
وقدْ أنعم الله علينا بالعقول؛ لنميِّز بها بين النافع والضَّار، فاحمدوا الله - عبادَ الله - على نِعمة الإسلام، وبعْثة سيِّد الأنام محمَّد بن عبدالله، صلوات الله وسلامه عليه، الذي ما ترَك خيرًا إلَّا دلَّنا عليه، ولا شرًّا إلَّا حذَّرنا منه.
وممَّا يَنبغي التنبُّه له ما انفتَح على الناس اليوم مِن شرور وفِتن، قد تصدُّ عن العملِ وتشغل المسلِمَ عمَّا يجب عليه، وإذا عمِل أفسدتْ بعض أعماله، والعاقِل من يُحاسِبَ نفسه قبل أن يُحَاسَبَ، والكيس مَن دان نفسه وعمِل لما بعد الموت، والعاجِز من أتْبَعَ نفسَه هواها وتمنَّى على الله الأماني.
فانتبهوا يا عبادَ الله لأنفسكم، واصدُقوا في محبَّتكم وأعمالكم، واعلموا - رحمكم الله - أنَّ المحبَّة الصَّحيحة الصَّادقة تقتضي المتابعةَ والموافقة في حبِّ المحبوبات وبُغض المكروهات، فلا بدَّ من تقديم محبَّة الله، ومحبَّة رسوله، ومحبَّة ما يحبُّه الله ورسولُه على سائرِ محبوبات نفسِه؛ لينالَ ثواب الله ويَسلم مِن عقابه؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ [التوبة: 24].
فمَن أحبَّ الله ورسولَه محبةً صحيحة صادقة مِن قلْبه أوجب ذلك له أن يُحبَّ بقلْبه ما يحبُّه اللهُ ورسولُه، ويكره ما يكرهه اللهُ ورسوله، وأن يعملَ بجوارحه بمقتضى هذا الحبِّ والبغض، فإنْ عمل بجوارحه شيئًا يُخالف ذلك دلَّ على عدم محبته الواجبة، فعليه أن يستغفرَ الله ويتوب إليه مِن ذلك، ويَرجِع إلى تكميل المحبَّة الواجبة.
واعلموا - رحِمكم الله - أنَّ جميعَ المعاصي إنَّما تنشأ من تقديم هوى النفْس والشيطان على محبَّة الله ورسوله، فاحْذروا ذلك يا عبادَ الله، واحذروا مِن الزُّهد في هدْي نبيِّكم والانحراف عن سُنَّته، والميل إلى الضَّلالات وآراء أهل الفسوق والعصيان، وما تُمْليه عقول الرجال وأهل الأهواء والأغراض والشَّهوات، فبيْن أيديكم النَّبْعُ الصافي؛ هدْي نبيِّكم الذي ما ترَك خيرًا إلَّا دلَّكم عليه، ولا شرًّا إلَّا حذَّركم منه، يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تركتُكم على المحجَّة البيضاء، ليلُها كنهارِها لا يزيغ عنها إلَّا هالكٌ))[3].
فالخيرُ كلُّ الخيرِ فيما أمرَكم به نبيُّكم.
والشَّر كل الشرِّ فيما حذَّركم منه.
فأطيعوا أمْرَه تُفلحوا، واجتنبوا نهيَه تنجوا، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ أُمَّتي يَدخُلون الجنة إلَّا مَن أبى)). قالوا: ومَن يأبى يا رسولَ الله؟ قال: ((مَن أطاعني دخَل الجنَّة، ومَن عصاني فقد أبَى))[4].
فاتَّقوا الله عبادَ الله، وفَكِّروا فيما أنتُم عليه مِن حال، واعملوا ليومٍ تُرجعون فيه إلى الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعني وإيَّاكم بما فيهِ مِن الآيات والذِّكْر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم إنَّه هو التَّواب الرحيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمين مِن كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
واعلموا أنَّ للعبد أعداءً: هوى ونفس وشيطان، وشياطين مِن إنسٍ وجنٍّ، والكلُّ يُغِير عليه، ويُحسِّن له الشرَّ ويُثبِّطه عن الخير، ومتى عمِل العبد خيرًا سعى هذا العدوُّ في إفساده، فهو إمَّا أن يحسِّن له الشرَّ حتى يقعَ فيه، ثم يتخلَّى عنه، وإمَّا أن يُثبِّطه عن الخير ويشغله بما يُلهيه عنه، وإمَّا أن يفسد عليه ما عمِله مِن أعمال خير، ونبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - بيَّن لنا طريقَ الخير وحثَّنا عليه، ونهانا عن الشرِّ وطرقِه.
فعلى العبد أن يتفقَّد حالَه وأعمالَه؛ حتى لا يفسدها الأعداءُ عليه، وحتى دار القرار، وحتى لا ينقطع في الطَّريق إذا رجَع إلى أعماله فوَجَدها هباءً منثورًا، أو وَجَد فيها مؤثِّرات أوقعتْه في العذاب.
فاتَّقوا الله يا عبادَ الله، في أنفسكم، واهتدوا بهَدي نبيِّكم، وتمسَّكوا بدِينكم الحنيف، وتخلَّقُوا بأخلاقه، وتأدَّبوا بآدابه، فإنَّ السعادة في الدنيا والآخرة بالتمسُّك به، وأقْلِعوا عما وقعتُم فيه من المعاصي، وصحِّحوا أعمالَكم.
[1] جزء مِن حديث أخرجه البخاري رقم (7288) - الفتح: 13/264، ومسلم رقم (1337).
[2] أخرجه أحمد في مسنده (5/266).
[3] أخرجه أحمد (4/126)، وابن ماجه في المقدمة (43)، انظر: جامع الأصول (1/293).
[4] أخرجه البخاري رقم (7280) - الفتح: (13/263).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|