10-11-2014, 03:17 PM
|
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 7,826
|
|
الشباب في أزمة؛ فمن ينقذهم؟
الشباب في أزمة؛ فمن ينقذهم؟
الشيخ عبدالله بن محمد البصري
أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ – ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسلِمُونَ ﴾.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد خَلَقَ اللهُ الإِنسَانَ في أَحسَنِ تَقوِيمٍ، وَمَيَّزَهُ بِالعَقلِ وَاكتِمَالِ الحَوَاسِّ وَجَعَلَ ذَلِكَ غَايَةَ التَّكرِيمِ، قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ لَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ في أَحسَنِ تَقوِيمٍ. ثُمَّ رَدَدنَاهُ أَسفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ فَلَهُم أَجرٌ غَيرُ مَمنُونٍ ﴾ وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلَقَد كَرَّمنَا بَني آدَمَ وَحَمَلنَاهُم في البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقنَا تَفضِيلاً ﴾ وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَاللهُ أَخرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُم لا تَعلَمُونَ شَيئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَالأَبصَارَ وَالأَفئِدَةَ لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ ﴾ وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ أَلم نَجعَلْ لَهُ عَينَينِ. وَلِسَانًا وَشَفَتَينِ. وَهَدَينَاهُ النَّجدَينِ ﴾ غَيرَ أَنَّ هَذَا الإِنسَانَ مَعَ تَكرِيمِ اللهِ لَهُ بِوُفُورِ العَقلِ وَاكتِمَالِ الحَوَاسِّ، فَهُوَ مَخلُوقٌ مُرَكَّبٌ مِن جَوَانِبَ حَيَوَانِيَّةٍ، تَظهَرُ في شَهَوَاتٍ يَمِيلُ إِلَيهَا قَلبُهُ، وَمُغرِيَاتٍ تَرغَبُ فِيهَا نَفسُهُ، وَهَذِهِ هِيَ نُقطَةُ الضَّعفِ الَّتي وَصَفَهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بها حَيثُ قَالَ: ﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾ فَهُوَ ضَعِيفٌ في قُوَّتِهِ الجَسَدَيَّةِ، ضَعِيفٌ في مُوَاجَهَةِ الفِتَنِ وَالبَلِيَّاتِ، ضَعِيفٌ أَمَامَ المُغرِيَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، خَاصَّةً أَنَّ تِلكَ الشَّهَوَاتِ حُلوَةٌ مُزَيَّنَةٌ، مُغرِيَةٌ فَاتِنَةٌ، وَصَفَهَا - تَعَالى - بِقَولِهِ: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنعَامِ وَالحَرثِ ﴾ وَإِنَّهُ حِينَ يُوَفَّقُ المَرءُ إِلى سُلُوكِ السُّبُلِ المَشرُوعَةِ لِتَحصِيلِ هَذِهِ الشَّهَوَاتِ، فَإِنَّ في ذَلِكَ نَجَاتَهُ وَفَوزَهُ، وَحِينَ يُخذَلُ فَيَسلُكُ سَبِيلَ الحَرَامِ، فَإِنَّ في ذَلِكَ هَلاكَهُ وَخَسَارَتَهُ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَن يَضمَنْ لي مَا بَينَ لَحيَيهِ، وَمَا بَينَ رِجلَيهِ، أَضمَنْ لَهُ الجَنَّةَ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ. لَكِنَّ الإِنسَانَ لا يُمكِنُهُ حِفظُ نَفسِهِ إِلاَّ بِحِفظِهِ مَا كَرَّمَهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهِ، وَهُوَ ذَلِكُمُ العَقلُ الَّذِي اختَصَّهُ بِهِ مِن بَينِ سَائِرِ الحَيَوَانِ. وَقَد وَبَّخَ اللهُ - تَعَالى - الكَافِرِينَ بِأَنَّهُم شَرُّ مَن دَبَّ عَلَى وَجهِ الأَرضِ ؛ لأَنَّهُم كَفَرُوا وَجَرَّدُوا أَنفُسَهُم مِن نِعمَةِ الانتِفَاعِ بِالعَقلِ، فَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُم لا يُؤمِنُونَ ﴾ كَمَا بَيَّنَ - سُبحَانَهُ - أَنَّ سَبَبَ وُقُوعِ أَهلِ النَّارِ في الضَّلالِ هُوَ تَعطِيلُهُم حَوَاسَّهُمُ الَّتي هِيَ رَوَافِدُ العَقلِ، حَتَّى صَارُوا وَكَأَنَّهُم لا أَسمَاعَ لَهُم وَلا أَبصَارَ وَلا قُلُوبَ، بَل صَارُوا أَجسَادًا حَيَّةً مُتَحَرِّكَةً كَالأَنعَامِ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بها وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ بها وَلَهُم آذَانٌ لا يَسمَعُونَ بها أُولَئِكَ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ ﴾ وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ أَم تَحسَبُ أَنَّ أَكثَرَهُم يَسمَعُونَ أَو يَعقِلُونَ إِنْ هُم إِلاَّ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَمِنهُم مَن يَستَمِعُونَ إِلَيكَ أَفَأَنتَ تُسمِعُ الصُّمَّ وَلَو كَانُوا لا يَعقِلُونَ. وَمِنهُم مَن يَنظُرُ إِلَيكَ أَفَأَنتَ تَهدِي العُميَ وَلَو كَانُوا لا يُبصِرُونَ. إِنَّ اللهَ لا يَظلِمُ النَّاسَ شَيئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ ﴾ أَلا وَإِنَّ شَرَّ آفَاتِ العَقلِ هُوَ اتِّبَاعُ الهَوَى وَالانقِيَادُ لِدَاعِي الشَّهَوَاتِ، وَلِذَلِكَ فَقَد حَذَّرَنَا - تَعَالى - مِنِ اتِّبَاعِ الهَوَى، مُبَيِّنًا أَنَّهُ ضَلالٌ وَفَسَادٌ، قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللهِ ﴾ وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهوَاءَهُم لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ وَمَن فِيهِنَّ ﴾ وَأَمَّا الشَّهَوَاتُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لا بُدَّ لِلإِنسَانِ مِنهَا بِقَدرٍ مُعَيَّنٍ، فَقَد جَاءَ الإِسلامُ بَتَهذِيبِهَا وَالأَمرِ بِطَلَبِهَا بِالحَلالِ وَالتَّوَسُّطِ في تَنَاوُلِهَا، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِن بَطنٍ، بِحَسبِ ابنِ آدَمَ أُكْلاتٌ يُقِمنَ صُلبَهُ، فَإِن كَانَ لا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ طَعَامٌ وَثُلُثٌ شَرَابٌ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ" رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "وَفي بُضعِ أَحَدِكُم صَدَقَةٌ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنَا شَهوَتَهُ وَيَكُونَ لَهُ فِيهَا أَجرٌ ؟ قَالَ: "أَرَأَيتُم لَو وَضَعَهَا في حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيهِ فِيهَا وِزرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجرٌ" رَوَاهُ مُسلِمٌ. يُقَالُ هَذَا الكَلامُ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَنَحنُ نَرَى شَبَابَ اليَومِ قَد غَلَبَت شَهَوَاتُهُم عُقُولَهُم، وَصَارُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ يُعَانُونَ مِن مُشكِلاتٍ وَتَمُرُّ بهم أَزَمَاتٌ، مَا بَينَ فَرَاغٍ فِكرِيٍّ، وَتَدَنِّي مُستَوًى عِلمِيٍّ، وَأَزَمَاتِ عَمَلٍ وَزَوَاجٍ وَسَكَنٍ، يَزِيدُهَا شِدَّةً ضَعفُ التَّوجِيهِ مِنَ الأَولِيَاءِ وَالمُرَبِّينَ، وَيُعَقِّدُهَا سُوءُ التَّربِيَةِ وَتُوَفُّرُ القُدَوَاتِ السَّيِّئَةِ وَالبَرَامِجِ المُضِلَّةِ، في ظِلِّ هَذِهِ الوَسَائِلِ الَّتي استَغَلَّهَا أَعدَاءُ الإِسلامِ لإِفسَادِ الأُمَّةِ وَإِمَاتَةِ عُقُولِ أَبنَائِهَا، وَتَبدِيلِ فِطَرِهِم وَنَحرِ حَيَائِهِم وَعَفَافِهِم. إِنَّهَا لأَزمَةٌ أَن يَعِيشَ الشَبَابُ بِلا هَدَفٍ وَلا رِسَالَةٍ، وَيَحيَونَ وَلا شُعُورَ لَدَيهِم بِمَسؤُولِيَّةٍ، أَزمَةٌ حِينَ يَتَدَنَّى مُستَوَاهُمُ العِلمِيُّ، وَيَقِلُّ وَعيُهُم بما يُرَادُ مِنهُم وَمَا يُخَطَّطُ لَهُم، أَزمَّةٌ حِينَ تَكثُرُ المَدَارِسُ وَالمَعَاهِدُ وَالجَامِعَاتُ وَالكُلِّيَّاتُ، ثُمَّ تَقِلُّ نَوعِيَّةُ المُتَخَرِّجِين فِيهَا وَيَضعُفُ مُستَوَاهُم، فَلا يُطَبِّقُونَ مَا تَعَلَّمُوهُ، وَلا يَعمَلُونَ بما دَرَسُوهُ، بَل يَكُونُ قُصَارَى جُهدِ أَحَدِهِم أَن يَكتُبَ عَلَى أَورَاقِ الإِجَابَةِ كَلامًا حَفِظَهُ بِلا عِلمٍ، وَأَن يَجتَرَّ في الاختِبَارِ نَظَرِيَّاتٍ التَهَمَهَا بِلا وَعيٍ وَلا فَهمٍ، ثُمَّ يَتَنَاسَى كُلَّ ذَلِكَ بَعدَ خُرُوجِهِ مِن قَاعَةِ الامتِحَانِ وَانتِهَاءِ مَوسِمِ الاختِبَارِ، نَاسِيًا أَنَّ العِلمَ يَجِبُ أَن يَكُونَ مِنَ المَهدِ إِلى اللَّحدِ، وَأَنَّ النَّجَاحَ الحَقِيقِيَّ هُوَ تَطبِيقُ مَا تَعَلَّمَهُ عَلَى أَرضِ الوَاقِعِ، وَالاستِفَادَةُ مِنهُ في حَيَاتِهِ العَمَلِيَّةِ وَتَعَامُلِهِ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ الشَّبَابَ يُعَانُونَ مِن أَزَمَاتٍ وَمُشكِلاتٍ، تَظهَرُ بِوُضُوحٍ في أَوقَاتِ العُطَلِ وَالإِجَازَاتِ، مِنهَا تَركُ الصَّلَوَاتِ وَاتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ، وَإِطلاقُ النَّظَرِ في فَاسِدِ القَنَوَاتِ،، وَفي جَانِبٍ آخَرَ تَجِدُ المُخَدِّرَاتُ إِلى الشَّبَابِ طَرِيقَهَا في غَفلَةٍ مِنَ الآبَاءِ، فَتُدَمِّرُ عُقُولَهُم وَتُخَرِّبُ أَخلاقَهُم، وَتُفسِدُ فِطَرَهُم وَتَجعَلُهُم يُغرِقُونَ في الشَّهَوَاتِ، ثُمَّ لا يُفَكِّرُونَ وَقَد أَدمَنُوهَا في مُثُلٍ عُليَا، وَلا يَنطَلِقُونَ في حَيَاتِهِم مِن قِيَمٍ سَامِيَةٍ، بَل يُصبِحُ أَحَدُهُم كَالبَهِيمَةِ العَجمَاءِ، وَقَد يَنحَطُّ حَتَّى يَكُونَ أَسفَلَ مِنهَا وَأَقَلَّ شَأنًا.
وَمِن أَزَمَاتِ الشَّبَابِ الانغِمَاسُ في المَلاهِي وَالمُثِيرَاتِ، مِن أَغَانيَّ مَاجِنَةٍ وَرَقصَاتٍ مَائِعَةٍ، وَرَسَائِلِ جَوَّالٍ مُنحَطَّةٍ وَصُوَرٍ مُسِفَّةٍ،، وَأَجهِزَةِ أَلعَابٍ مُدَمِّرَةٍ، تُعَلِّمُ الجَرَائِمَ وَتُعَوِّدُ عَلَى التَّمَرُّدِ، لَقَدِ انتَشَرَتِ المَسرَحِيَّاتُ وَالتَّمثِيلِيَّاتُ في أَكثَرِ القَنَوَاتِ، وَارتَفَعَ صَوتُ الغِنَاءِ وَالمُوسِيقَى، وَكَثُرَ الرَّقصُ وَالتَمَيُّعُ، وَقُصِدَ إِلى نَشرِ الإِبَاحِيَّةِ قَصدًا، وَصَارَ الرَّاقِصُونَ وَالرَّاقِصَاتُ يَتَبَارَونَ في ذَلِكَ وَيَعُدُّونَه فَنًّا مِنَ الفُنُونِ، بَل وَيُسَمُّونَهُ فَنًّا رَفِيعًا، هَكَذَا يَزعُمُونَ، وَاللهُ يَعلَمُ إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ، إِذْ إِنَّ الأُمَّةَ لم تَستَفِدْ مِن هَذِهِ المَلاهِي لا عِزَّةً في النُّفُوسِ وَلا صَلاحًا في القُلُوبِ، وَلا تَقوِيمًا لِلأَخلاقِ وَلا تَهذِيبًا لِلسُّلُوكِ، وَلا بِنَاءً لِلقِيَمِ وَلا حِفظًا لِلشِّيَمِ، لم يَرتَفِعْ بها مُستَوَى الشُّعُوبِ الثَّقَافيُّ، وَلم تُغرَسْ بها في نُفُوسِ الشَّبَابِ فَضِيلَةٌ، بَل عَلَى العَكسِ مِن ذَلِكَ كُلِّهِ، لم تُحَصِّلِ الأُمَّةُ مِنهَا إِلاَّ الخَلاعَةَ وَالمُجُونَ وَالبَلاءَ، وَذَهَابَ العَفَافِ وَنَزعَ الحَيَاءِ، وَقَلَّ أَن تُوجَدَ أُغنِيَّةٌ أَو تَمِثِيلِيَّةٌ إِلاَّ وَفِيهَا تَهيِيجٌ لِلشَّهَوَاتِ، وَحَثٌّ عَلَى مُحَرَّمِ العِلاقَاتِ، وَإِفسَادٌ لأَخلاقِ الأَبنَاءِ وَالبَنَاتِ، وَنَشرٌ لِلعُريِّ وَتَعلِيمٌ لِلحُبِّ الكَاذِبِ وَبَثٌّ لِلإِعجَابِ الخَادِعِ. وَقَدِ انسَاقَ السَّوَادُ الأَعظَمُ مِنَ الشَّبَابِ مَعَ هَذِهِ المَوجَةِ العَاتِيَةِ مِنَ المَلاهِي، فَصَارَ الغِنَاءُ لَهُم عَادَةً، يَسمَعُونَ المُطرِبِينَ وَالمُطرِبَاتِ غَادِينَ رَائِحِينَ، وَيُشَاهِدُونَ التَّمثِيلِيَّاتِ وَالمَسرَحِيَّاتِ لَيلاً وَنَهَارًا، حَتَّى طُمِسَ عَلَى قُلُوبِ بَعضِهِم فَنَسُوا ذِكرَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَانصَرَفُوا إِلى مَا أَفسَدَ قُلُوبَهُم، وَصَارَ بَعضُهُم بَدَلاً مِن أَن يَنظُرَ إِلى العُلَمَاءِ وَالبَاحِثِينَ وَالمُختَرِعِينَ بِإِجلالٍ وَتَقدِيرٍ وَيَتَمَنَّى أَن يَكُونَ مِثلَهُم، إِذَا بِهِ يَتَمَنَّى أَن يَكُونَ مِثلَ الفَنَّانِ أَوِ المُمَثِّلِ أَوِ المُهَرِّجِ. وَإِنَّهُ وَإِن كَانَ لا بَأسَ مِن أَن يَلهُوَ المَرءُ بما هُوَ حَلالٌ وَمُبَاحٌ، وَأَن يُرَفِّهَ عَن نَفسِهِ أَو يَسِيرَ في الأَرضِ لِيُمَتِّعَ بَصَرَهُ بِمَحَاسِنِ مَا خَلَقَ اللهُ، وَأَن يَستَمِعَ لِلأَنَاشِيدِ الَّتي لا تَحتَوِي عَلَى مُوسِيقَى، وَأَن يَلعَبَ الأَلعَابَ المُبَاحَةَ كَالرِّمَايَةِ وَالسِّبَاحَةِ، وَأَن يُمَارِسَ رُكُوبَ الخَيلِ أَو غَيرَهُ، وَأَن يُتقِنَ عَمَلَهُ وَيَتَفَنَّنَ في هِوَايَاتِهِ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا العَفَنَ الَّذِي تُكشَفُ فِيهِ العَورَاتُ وَتُهتَكُ السُّتُورُ، وَيُدعَى الشَّبَابُ إِلى المُنكَرَاتِ وَفَاحِشِ الأُمُورِ، إِنَّهُ لا يَستَحِقُّ أَن يُسَمَّى فَنًّا، وَلا يَجُوزُ أَن يَكُونَ تَرفِيهًا عَنِ النَّفسِ، وَإِنَّمَا هُوَ في الحَقِيقَةِ حَرقٌ لِلنُّفُوسِ وَإِفسَادٌ لِلقُلُوبِ، وَتَدمِيرٌ لِلعُقُولِ وَهَدَمٌ لِلأَخلاقِ. فَمَنِ المَسؤُولُ عَنِ الشَّبَابِ وَهَذِهِ بَعضُ حَالِهِم ؟ قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أَهلِ بَيتِهِ وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَالمَرأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيتِ زَوجِهَا وَمَسؤُولَةٌ عَن رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُم رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. فَكُلٌّ مَسؤُولٌ وَعَلَيهِ جُزءٌ مِن مُهِمَّةِ الإِصلاحِ، فَالحَاكِمُ مَسؤُولٌ وَالوَالِدَانِ مَسؤُولانِ، وَالمَدرَسَةُ مَسؤُولَةٌ وَالجَامِعَةُ كَذَلِكَ، وَعَلَى المُجتَمَعِ في هَذَا الشَّأنِ مَا عَلَيهِ، وَأَمَّا المَسؤُولِيَّةُ المُبَاشِرَةُ، فَإِنَّهَا مِنَ الشَّابِّ عَن نَفسِهِ، فَهُوَ المَسؤُولُ الأَولُ عَن إِصلاحِ قَلبِهِ وَتَهذِيبِ نَفسِهِ. وَإِنَّهَا لَمُصِيبَةٌ أَن يَظُنَّ الشَّابُّ أَنَّهُ سَيَظَلُّ هَكَذَا صَغِيرًا دَائِمًا، غَافِلاً عَن أَنَّهُ سَوفَ يَكبُرُ وَيَتَسَلَّمُ مَقَالِيدَ الأُمُورِ يَوَمًا مَا، وَمِن ثَمَّ فَلا بُدَّ أَن يَتَعَاهَدَ نَفسَهُ بِالعِلمِ وَالثَّقَافَةِ، وَأَن يَشُقَّ طَرِيقَهُ لِلقِيَادَةِ وَالرِّيَادَةِ، وَأَن يَختَارَ في طَرِيقِهِ صَدِيقًا عَاقِلاً وَجَلِيسًا صَالِحًا، وَيَنتَقِيَ خَلِيلاً تَقِيًّا وَرَفِيقًا رَضِيًّا، فَإِنَّ مَن صَادَقَ الصَّالِحِينَ اكتَسَبَ مِنهُمُ الخَيرَ وَأَخَذَ عَنهُمُ الصَّلاحَ، وَمَن عَاشَرَ الفَاسِقِينَ المَائِعِينَ أُصِيبَ بِمَرَضِهِم، وَإِذَا وَقَعَتِ الإِصَابَةُ فَهِيَ خَطِيرَةٌ جِدًّا، وَقَلَّمَا شُفِيَ صَدِيقٌ مِن عَادَةٍ سَيِّئَةٍ اكتَسَبَهَا مِن صَدِيقٍ أَحمَقَ، أَو تَعَافى مِن بَلوَى عَلَّمَهُ إِيَّاهَا رَفِيقٌ جَاهِلٌ. قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "لا تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤمِنًا، وَلا يَأكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنظُرْ أَحَدُكُم مَن يُخَالِلُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. وَلا يَغتَرَّنَّ أَحَدٌ بِمُوَافَقَةِ أَصدِقَائِهِ لَهُ فِيمَا تَهوَاهُ نَفسُهُ وَتَشتَهِيهِ، فَقَد قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - في أَمثَالِ هَؤُلاءِ: ﴿ الأَخِلاَّءُ يَومَئِذٍ بَعضُهُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المُتَّقِينَ ﴾ أَلا فَاتَّقُوا اللهَ جَمِيعًا - أَيُّهَا المُسلِمُونَ – ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ ﴾ اللَّهُمَّ أَصلِحْ لَنَا دَينَنَا الَّذِي هُوَ عِصمَةُ أَمرِنَا، وَأَصلِحْ لَنَا دُنيَانَا الَّتي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصلِحَ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا في كُلِّ خَيرٍ، وَاجعَلِ المَوتَ رَاحَةً لَنَا مِن كُلِّ شَرٍّ.
أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ ﴾.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ سَبَبَ وُقُوعِ الشَّبَابِ فِيمَا يَقَعُونَ فِيهِ مِن أَزَمَاتٍ وَمُشكِلاتٍ، إِنَّمَا هُوَ وُفُورُ الصِّحَّةِ وَكَمَالُ القُوَّةِ وَحِدَّةُ النَّشَاطِ، مَعَ كَثرَةِ الفَرَاغِ وَقِلَّةِ الشُّغلِ، وَتَوَفُّرِ المَالِ لَهُم مِن أَولِيَاءِ الأُمُورِ أَو مِن مَصَادِرَ أُخرَى. وَهَذِهِ كُلُّهَا مِمَّا يُفسِدُ المَرءَ وَيُسَاعِدُ عَلَى انحِرَافِهِ، وَقَد قَالَ القَائِلُ:
إِنَّ الشَّبَابَ وَالفَرَاغَ وَالجِدَة
مَفسَدَةٌ لِلمَرءِ أَيُّ مَفسَدَة
أَمَّا وَهَذِهِ الثَّلاثُ مُتَوَفِّرَةٌ وَلا سِيَّمَا في أَوقَاتِ الإِجَازَاتِ، فَحَرِيٌّ بِنَا أَن نَتَعَاوَنَ جَمِيعًا آبَاءً وَإِخوَانًا كِبَارًا وَمَسؤُولِينَ وَمُرَبِّينَ، فَنُوَجِّهَهَا الوِجهَةَ السَّلِيمَةَ، وَنَسعَى لأَن يُحَقِّقَ أَبنَاؤُنَا مِنهَا أَكبَرَ قَدرٍ مِنَ الفَائِدَةِ، لا أَن يَخرُجُوا مِن إِجَازاتِهِم وَقَدِ اكتَسَبُوا مِنَ الأَخلاقِ أَرذَلَهَا، وَأَخَذُوا مِنَ العَادَاتِ أَسوَأَهَا، وَهَا هِيَ النَّوَادِي الصَّيفِيَّةُ الثَّقَافِيَّةُ تُقَامُ في المَدَارِسِ، وَبَينَ أَيدِيكُمُ الدَّورَاتُ الصَّيفِيَّةُ لِحِفظِ القُرآنِ في المَسَاجِدِ، وَالسَّفَرُ لأَدَاءِ العُمرَةِ أَو زِيَارَةِ مَسجِدِ رَسُولِ اللهِ مِن خَيرِ مَا تُشَدُّ لَهُ الرِّحَالُ، وَلا بَأسَ أَن تُسَافِرَ الأُسرَةُ لِصَلَةِ رَحِمٍ أَو حُضُورِ زَوَاجِ قَرِيبٍ، أَو لِتَمشِيَةٍ في رُبُوعِ البِلادِ لاكتِشَافِ جَدِيدٍ وَتَغيِيرِ النُّفُوسِ لِلأَحسَنِ. وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِمَّا انتَشَرَ في الإِجَازَاتِ مِن طُولِ السَّهَرِ وَالعُكُوفِ عَلَى القَنَوَاتِ المَاجِنَةِ، وَتَركِ الشَّبَابِ يَجتَمِعُونَ عَلَى مَا لا يَعلَمُ الأَولِيَاءُ حَقِيقَتَهُ، ثُمَّ يَنَامُونَ عَنِ الصَّلاةِ المَكتُوبَةِ طُولَ النَّهَارِ وَكَأَنَّهُم قَد رُفِعَ عَنهُمُ القَلَمُ، فَـ "كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ".
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|