في التحذير من عقوبات الانهماك في اللهو
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
الحمدُ لله نحمَده، ونستعِينُه ونستَهدِيه، ونستغفِرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله، اتَّقوا الله - تعالى - واعلَموا أنَّ الكثير قد ابتُلِي باللهو وآلاته من غِناء ومزامير؛ حتى سَيْطرت على عقله، وغرق في بحورها النَّتِنة، وأصبحت حَياته حياة حيوان لا يُفرِّق بين حق ولا باطل، ولا غثٍّ ولا سمين، ولا شكَّ أنَّ هذه مصيبةٌ من المصائب العظيمة التي حلَّت بالمسلمين وغزا بها الأعداء أبناءَ المسلمين، وساعَد على ذلك انفتاحُ الدُّنيا وطمعُ الطامعين الذين لا يُفكِّرون إلا في الحصول على المادَّة ولو على حِساب ضرر الآخَرين، مع عدم إحساسِ مَن أُصِيب بهذا الداء بما أصابَه، وقلَّة التذكير والتناصُح في مجتمعه، وإلا فلو أفاقَ الناصح لنفسه ورجع إلى كِتاب ربِّه وسنَّة نبيِّه لوجد فيها السعادةَ والفلاح، والنهي والتحذير من الوقوع فيما يضرُّ بالدُّنيا والدِّين.
قال - تعالى -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان: 6].
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: هو الغناء.
وعنه - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الغناء يُنبِت النفاقَ في القلب كما يُنبِت الماء البقل))[1].
إنَّ ممَّا أُصِيب به أكثرُ المسلمين اليوم الانهماكَ في اللهو والعُكوفَ على آلات الطرب حتى غرقوا في بُحورها المنتنة وأضاعُوا أموالهم وأوقاتهم في ذلك، ولا شكَّ أنَّ ذلك خطرٌ عظيم، ومُؤذِن بالخراب والدمار والعُقوبات؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يُمسَخ قومٌ في آخِر الزَّمان قِردةً وخَنازيرَ))، قالوا: يا رسول الله، أمسلمون هم؟ قال: ((نعم؛ يشهدون أن لا إله إلاَّ الله وأنِّي رسول الله، ويصومون))، قالوا: فما بالهم يا رسول الله؟ قال: ((اتَّخذوا المعازف والقينات والدُّفوف وشربوا هذه الأشربة، فباتوا على شرابهم ولهوهم فأصبحوا وقد مُسِخوا))[2].
وعن عليٍّ - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا فعلت أمَّتي خمسَ عشرة خصلة حلَّ بها البلاء، إذا كان المغنم دولاً، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وأطاع الرجل زوجته وعقَّ أمَّه، وبرَّ صديقه وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأُكرِمَ الرجلُ مخافةَ شرِّه، وشربت الخمر، ولبس الحرير، واتُّخذت القينات والمعازف، ولعَن آخِر هذه الأمة أوَّلها - فليرتَقِبوا عند ذلك ريحًا حمراء أو خسفًا أو مسخًا))[3].
فيا عبادَ الله:
إنَّ أسباب العُقوبات معلومةٌ، وعقوبات الذنوب مُتوقَّعة إنْ لم يتب الجميع ويَرجِعوا إلى الله ويُقلِعوا عمَّا وقَعوا فيه من المعاصي، فينبغي أنْ نعتبر ونتَّعظ بغيرنا ممَّن عُوقِبوا بسبب ما وقَعوا فيه من المعاصي، فالسعيد مَن وُعِظَ بغيره، إنَّ النِّعَم المترادفة التي نعيشُها مع ما نحن فيه من ذُنوب ومعاصٍ وتساكُت ومداهنة ليس دليلاً على الرضا، وإنما قد يكون للابتلاء والامتحان.
فاتَّقوا الله يا عباد الله في أنفُسكم وفيمَن تحت أيديكم من الأهل والأولاد، فقد غرق الكثير في بحر اللهو ونسوا وتناسَوْا عُقوبات الله.
إنَّها المصائب تِلوَ المصائب أنْ يقع الناس في المعاصي فلا يفيقون حتى يُعاقَبوا، إنَّ الله ليُملِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلِته.
فما أحرى بنا، وما أحوجنا إلى الرجوع إلى الله والتوبة النصوح، والصدق مع الله في الأقوال والأفعال، قبل أنْ يحلَّ بنا ما حلَّ بغيرنا ممَّن تمادَى في غيِّه وضَلاله حتى عُوقِب على أفعاله! إنَّ الله لا يظلم الناسَ شيئًا، ولكنَّ الناس أنفسهم يظلمون، فلا بُدَّ من التعاون على البر والتقوى والتناهي عن المنكر؛ حتى يكون الفاسق والعاصي منبوذًا في المجتمع مُهانًا ذليلاً، لا يجد مُن يُقدِّره ولا مَن يحتضنه؛ حتى يعود إلى رشده، فلا بُدَّ من الاستنكار وإنكار المنكرات التي عمَّت وطمَّت وقلَّ الإحساس بها.
فاتَّقوا الله يا عباد الله، واحذَروا عقوبات المعاصي، واتَّعظوا بغيركم، فالسعيد مَن وُعِظَ بغيره.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قال الله العظيم: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [لقمان: 6-7].
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
واعلَموا أنَّ الأخلاق فسَدتْ والغيرة والشِّيَم ضعُفت، وقلَّ تأثيرُ الأولياء على مَن تحت أيديهم من أولادٍ ونساء؛ بسبب انتشار آلات اللهو والمجون وظهور النساء العاريات العاهرات، وفُسَّاق الشباب الفاتنون لضعيفات الإيمان، وتغافل الأولياء عن تفقُّد أحوال أولادهم ونسائهم، وانشغالهم بأمور دُنياهم.
فانتَبِهوا يا عباد الله من غفلاتكم، وهبُّوا من رَقداتكم، ولا تأمَنُوا مكرَ الله؛ فإنَّ الجميع على خطرٍ من عُقوباتٍ قد تعمُّ الصالح والطالح، فيندم الجميع حين لا ينفَعُ الندم، وفي الغير مواعظُ لمن يتَّعظ، فاتَّقوا الله يا عباد الله.
[1] السنن الكبرى؛ للبيهقي: 10/223، التلخيص الحبير: 4/199، مشكاة المصابيح (4810).
[2] أخرجه أبي نعيم في حلية الأولياء (3/119)، وانظر: كنز العمال (38735).
[3] أخرجه الترمذي (221).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك