الهجرة
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز الدهيشي
الحمد لله الذي أقام الحجة وأنار السبيل، ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - ونزول القرآن الجليل، المشتمل على كل ما فيه صلاح الدنيا والدين وإلى الوصول إلى محبة الله وجنته أعظم دليل، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلى الناس كافة يدعوهم إلى عبادة الله وحده، اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
أيها الناس:
اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون وعليكم بهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلكم تفلحون، عباد الله إن الهجرة التي تحدث عنها القرآن والسنة هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام بقصد القدرة على إظهار شعائر الدين ومناصرة الإسلام والمسلمين وتكثير هم والذب عن الدين باليد واللسان، وحذرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نكون ممن تبرأ منهم بقوله (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين)[1]، أو الهجرة لقصد دنيوي فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)[2]. تخلف رجال من المؤمنين في مكة بعد مهاجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وآثروا البقاء في مكة تحت إمرة المشركين فلما أراد أهل مكة الخروج إلى استقصاء عيرهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلب عدو الله أبوجهل أن لا يتأخر أحد وتوعد من تخلف بأن يحرق داره ويسبى ماله فخرج هؤلاء المتخلفون في مكة مع الكفار مكرهين، فقتل منهم من قتل فأنزل الله فيهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97].
ولم يعذر الله في شأن الهجرة قادرًا عليها، وإنما عذر العاجزين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فهؤلاء المتخلفون وصفهم الله بظلمهم لأنفسهم ولم يقبل منهم قولهم إنهم مستضعفون ووبخهم بقوله: ﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ﴾ [النساء: 97] وتوعدهم بالنار لعدم هجرتهم ولخروجهم مع الكفار وتكثير سوادهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ولم ينفعهم إيمانهم مع بقائهم بمكة بعد مهاجرته - صلى الله عليه وسلم -.
عباد الله:
لما ركن كثير من المسليمين اليوم إلى مجاورة الكفار ورضخوا إلى قوانينهم ولم يغاروا على دينهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الإهانة والمذلة وانتهاك الحرمات والقتل والتشريد وأنواع العذاب، فلو صدقوا الله في ادعائهم الإسلام لتمسكوا بتعاليمه وأظهروا شعائره، ومن عجز عن ذلك في بلاده مع المشركين هاجر إلى المسلمين ليكثر سواد المسلمين ويقوي دولتهم لأيدهم الله بما أيد به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من النصر والإظهار، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51] وقال - صلى الله عليه وسلم -: (نصرت بالرعب مسيرة شهر)[3]، أسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق وأن يؤيدهم بما أيد به إمامهم محمدًا - صلى الله عليه وسلم -.
والحمد لله رب العالمين.
[1] سنن أبي داود (2645).
[2] صحيح البخاري (5421)، صحيح مسلم (1907).
[3] صحيح البخاري حديث 335، 438.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك