آخر العام
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز الدهيشي
الحمد لله الذي كتب الفناء على من سواه، وجعل كلمة الإخلاص العروة الوثقى لا إله إلا الله، من تمسك بها وعمل بمدلولها حقًا تنفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون، في موقف الأهوال والأفزاع يسعد فيه الأبرار ويخسر فيه المبطلون، أحمده - سبحانه - وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي أنزل إليه ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162] اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.. أما بعد:
أيها الناس:
أوصيكم وإياي بتقوى الله تعالى ومحاسبة النفوس قبل محاسبة العليم الخبير، وإصلاح ما فسد من الأعمال ما دام الأمر يسير، واعلموا - رحمكم الله - أنكم أضفتم إلى قائمة أعمالكم عامًا جديدًا فاختموه بالتوبة النصوح فالأعمال بالخواتيم، وإن مرحلة كبيرة قطعتموها إلى الدار الآخرة
فأكثروا من الاستغفار والتسبيح والتهليل؛ فإن ربكم رؤوف رحيم، يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر، وأن لم ينج منه فما بعده أشد منه)[1].
واعلموا أنكم وإن غفلتم فليس بمغفول عنكم، ملك الموت له في كل ساعة لحظات في مراقبة آجالكم، والحفظة الموكلون بكم يحصون عليكم أفعالكم وأقوالكم، وغدًا سيختم على أفواهكم وتشهد عليكم جوارحكم بقبيح أفعالكم، يقول جل من قائل: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65].
فيا حسرتاه إذا شهدت اليد بتناول الحرام، وشهد السمع بسماع الآثام، وشهد البصر بالنظر إلى الصور والى المحظور والحرام، وشهدت الأرجل بالمسير إلى مناطق الآثام.
عباد الله:
تدبروا قول الله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [فصلت: 19، 23].
نعوذ بالله من الخسار في يوم عاقبته الخزي والعار، وخاتمته المصير إلى النار.
فيا أيها الغافل عن مصيره ومآله، ولم يفكر في مسيره وارتحاله، أما علمت أنك تدنو إلى الموت في كل ساعة؟
فحافظ على وقتك وأدِّ حقه من الطاعة، وإياك أن تضيع بن التفريط والإضاعة، فإنه أيام وساعات وشهور وسنوات ودقائق ولحظات، وبعده الموت وسكراته، والقبر وعقاربه وحياته، واليوم الطويل وشدته وحسراته، والميزان وخفته والصراط ودقته وتقلباته، ثم دار المأوى والمستقر، إما جنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من النعيم الذي لا يخطر على قلب بشر، وإما جحيم ولظى والهاوية، وسقر لا تبقي ولا تذر.
عباد الله:
هذا وقت التزود لدار الإقامة، فتزودوا من طاعة الله لتنالوا رضاه، واعلموا أن الأعمال بالخواتيم؛ فاختموا عامكم بالتوبة والاستغفار، وسؤال الله التوفيق لما يقربكم إلى جنته دار المتقين الأبرار، واعملوا صالحًا.
والحمد لله رب العالمين.
[1] المستدرك على الصحيحين ح (1373) وسنن الترمذي ح (2308) وحسنه الألباني.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك