- جزاء من ستر إنسانًا وامتنع عن كشف أسراره
1- حسن الثواب في الآخرة
"عن عقبة بن عامر، عن النبي r قال: لا يرى امرؤ من أخيه عورة فيسترها إلا ستره الله وأدخله الجنة"، وفي رواية عن عقبة بن عامر، قال: شهدت رسول الله r يقول: "من وجد مسلمًا على عورة فسترها فكأنما أحيا موءودة من قبرها"([1]).
واقتداءً بالرسول r ذكر ابن عربي بأن السر هو أمانة عند من استؤمن عليه وأنه إذا كشف كان بمثابة الخيانة للأمانة يؤكد ذلك قوله: "بأن كتمان الأسرار خلق مركب من الوقار وأداء الأمانة؛ فإن إخراج السر من فضول الكلام وليس بوقور من تكلم بالفضول وأيضًا فكما أن من استودع مالاً فأخرجه إلى غير مودعه فقد خفر الأمانة كذلك من استُودع سرًّا فأخرجه إلى غير صاحبه فقد خفر الأمانة"([4]).
وابن حزم جعل كتمان الأسرار طريق للفوز في الدنيا والآخرة سواء كان أسرارك أنت شخصيًّا أم أسرار غيرك وهي علامة على سلامة نفس صاحبها قائلاً: "هذه الطريق هي طريق الفوز في الدين والدنيا يحرز صاحبها صفاء نيات ذوي النفوس السليمة والعقود الصحيحة البراء من المكر والخديعة ويحوي فضائل الأبرار وسجايا الفضلاء ويحصل مع ذلك على سلامة الدهاة وتخلص الخبثاء ذوي النكران والدهاء وهي: أن تكتم سر كل من وثق بك وأن لا تفشى إلى أحد من إخوانك ولا من غيرهم من سرك ما يمكنك طيه بوجه ما من الوجوه وإن كان أخص الناس بك وأن تفي لجميع من ائتمنك"([5]).
2- حرز النفس من الوقوع في الشرور والفتن
حين لم تلتزم الستر عن كشف أسرار الآخرين فقد يُعرِّض الإنسان نفسه لنيل الأذى منهم، وهذا قد أكد عليه ابن عطاء الله في حِكَمه بقوله: "من اطّلع على أسرار العباد ولم يتخلق بالرحمة الإلهية كان اطّلاعه فتنة عليه وسببًا لجر الوبال إليه" والرحمة الإلهية هي الرحمة بالمذنبين والصفح عن الجاهلين والإحسان للمسيئين.... "فإيذاء عباد الله بهتك أستارهم هو أصل كل بلاء (وأن الراحة للنفس هي في البعد عن الفضول الذي يفضي إلى معرفة أسرار الآخرين) ويوضح هذا حكمة ابن عطاء بقوله: "ربما أطلعك على غيب ملكوته وحجب عنك الاستشراف على أسرار العباد" ويشرح الشيخ زروق هذه الحكمة بقوله: ربما أكرمك الحق سبحانه بالاطلاع على مكنون العلم ودقائق المعارف... ومع ذلك لم يطلعك على شيء من أسرار العباد خَفَّى أمورهم رحمة بك وبهم وإبقاءً عليك وعليهم وإلا فما فتح لك خير مما حجب عنك([6]).
أي أنه لولا عدم الانشغال والتلهف على معرفة الأسرار وصفاء الذهن وسلامة النفس ما حصل لك معرفة العلوم التي هي الخير كله.
وأعظم بلاء يمكن أن يتعرض له الإنسان هو هتك أسرار كل ذي سلطان وشأن وهذا قد أشار إليه ابن عربي بقوله: "وكتمان السر محمود من جميع الناس وخاصة ممن يصحب السلطان؛ فإن إخراج أسراره مع أنه قبيح يؤدي إلى ضرر عظيم يدخل عليه من سلطانه"([7]).
3- الامتناع عن هتك الأسرار يحفظ المودة بين الناس
الغزالي قد نوَّه على أثر إفشاء الأسرار من نشر البغضاء وتقطيع أواصر المحبة بين الناس ولهذا نراه هنا قد أجاز الكذب بقوله:إن الصدق ليس في كل مقام محمود فالكذب كحيلة يلجأ لها الإنسان لدفع الضغط النفسي الذي قد يتعرض له لكشف ستر إنسان ما مشددًا على النهي عن كشف الأسرار وأن من يهتك ستر إنسان لا يخلو من الوقوع في الحرام أو اللؤم إذا كان كشف السر ليس فيه ضرر قائلاً: "الآفة الحادية عشرة (من آفات اللسان هي): إفشاء الأسرار وهو مذموم لما فيه من الإيذاء والتهاون في حق المعارف والأصدقاء وهو حرام إذا كان فيه إضرار ولؤم إن لم يكن فيه إضرار" وقد عد من حقوق الأخ على أخيه في كتاب "الصحبة": "أن يسكت عن إفشاء سره الذي استودعه وله أن ينكره وإن كان كاذبًا فليس الصدق واجبًا في كل مقام فإنه كما يجوز للرجل أن يخفي عيوب نفسه وأسراره وإن احتاج إلى الكذب فله أن يفعل ذلك في حق أخيه؛ فإن أخاه نازل منزلته وهما كشخص واحد لا يختلفان إلا بالبدن"([8]).
- فوائد كتمان الأسرار
1- الخيار لك حيث الحرية في فعل ما تريده دون أن يأسرك أحد برأي أو يتحكم فيك سواء كان بتهديدك بإفشاء سرك أو أن يكون من أسررت إليه غير أمين ثرثار ذي نفس مريضة فيكشف سرك بحماقته ولهذا كان علي بن أبي طالب يقول: "سرك أسيرك فإذا تكلمت به سرت أسيره". ويروى عنه أيضًا قوله t: "من كتم سره كان الخيار في يده"([10]).
(حتى في التورع عن كشف الأسرار العادية التي ليس في إفشائها ضرر)
- ومما أُنشد في ذلك:
واحفظ لسانك واحترز من لفظه
فالمرء يسلم باللسان ويعطب
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن تكن
ثرثارة في كل ناد تخطب
والسر فاكتمه ولا تنطق به
فهو الأسير لديك إذ لا ينشب
واحرص على حفظ القلوب مـن الأذى
فـرجـوعهـا بعـد التنافـر يصعُب
إن القلوب إذا تنافر ودها
شبه الزجاجة كسرها لا يُشعب([12])
وقال حكيم: "كما أنه لا خير في آنية لا تمسك ما فيها كذلك لا خير في صدر لا يكتم سره". وقال بعض الحكماء: سرك من دمك؛ فإذا تكلمت به فقد أرقته([13]). وكم من إظهار سر أراق دم صاحبه.
2- قضاء الأعمال وإتمامها
يقول الماوردي: "اعلم أن كتمان الأسرار من أقوى أسباب النجاح وأدوم لأحوال الصلاح رُوي عن النبي r أنه قال: "استعينوا على الحاجات بالكتمان؛ فإن كل ذي نعمة محسود". وكم من إظهار سر منع من نيل مطالبه ولو كتمه كان من سطوته آمنًا وفي عواقبه سالمًا ولنجاح حوائجه راجيًا، وقال أنوشروان: "من حصن سره فله بتحصينه خصلتان:
- الظفر بحاجته.
- والسلامة من السطوات([14]).
3- إذا أفشيت السر ولو مرة واحدة فقد تكون موضع تهمة وأنت بريء
وفي هذا يقول أبو بكر بن سعدون:
سجن اللسان هو السلامة للغنى
من كل نازلة لها استئصال
إن اللسان إذا حللت عقاله
ألقاك في شنعاء ليس تُقال
4- هدوء البال والاطمئنان والسرور هي نتائج طبيعية لكتمان الأسرار
وفي هذا قال أبو عثمان التجيبي مضيفًا إلى ما سبق من فوائد كتمان الأسرار:
نزه لسانك عن قول تُعاب به
وارغب بسمعك عن قيلٍ وعن قال
لا تبغ غير الذي يعنيك واطرح
الفضول تحيى قرير العين والبال([15])
وقال آخر: "من كتم سِرَّه سَرَّه وآمن الناس شره ومن حكَّم لسانه شانه وأفسد شانه"([16]).
وبهذه الأقوال السابقة نستطيع أن نغير ما رسخ في العقول والأذهان من أن إفشاء الأسرار هو راحة للنفس لأن عواقب إفشائها أشد سوءًا على النفس عما لو ظلت مكتومة لم يبح بها وهذا ما ذكره "الشبراوي" عن بعض الحكماء بقوله: "من زعم أنه يجد راحة في إفشاء سره إلى غيره فقد اتهم عقله (مجنون)؛ لأن مشقة الاستبداد بالسر أقل من مشقة إفشائه بسبب المشاركة"([17]).
والفيلسوف الإسلامي أبو الحسن العامري قد أجمل فوائد كتمان الأسرار في وصاياه بقوله: فأول منافع تحصين الأسرار وكتمانها هو:
1- أن يكون المرء أبدًا قادرًا على إحالة الرأي وتدبيره وعلى إنفاده والإمساك عنه إلى أن يتجه له وجه الصواب فيه ما دام الأمر مكتومًا كان قادرًا عليه؛ فإذا ظهر خرج الأمر من يده ولم يقدر عليه.
2- وفي كتمان الأمر والآراء والتدابير سلامة عن الآفات ومن أفاتها الأعراض التي تعرض من إذاعتها فتصير موانع من إنفاذها وتُعنِّي ذا الرأي عن رأيه بتلك الأعراض (أي أن في الإفشاء للأسرار تثبيط الأعمال وقد لا تتم حتى إن ذا الرأي والعقل السليم قد يعجز عن إتمامها في ظل الموانع الكثيرة التي نجمت عن إفشاء أسرارها ومظاهر هذا التعب الذي يعانيه كشف عنه العامري وهو:
أ- ذهاب جدته.
ب- أن الرأي إذا ظهر قيل بالمناقضة وإذا كان محصنًا سلم من المناقضة ولكل أمر نقيض.
جـ- أن الأمر الذي فيه التدبير (أي: الذي تود فعله) والرأي لا يفطن حتى يقع فيه... وإذا ظهر قبل الوقوع قوبل بالتحرز والتحفظ وبُطل الرأي والتدبير وتعطل الوقت الذي أُفني في إحكامه([19]).
لكن إذا كان المرء لا يمتلك القوة النفسية للحفاظ على أسراره أو يود أن يساعده أحد في التماس الحلول لبعضها فماذا يفعل؟
* من تأتمنه سرك؟ وما صفاته؟
1- الأمانة والعقل والدين
يقول أبو الحسن العامري:" إن كان ولابد للمرء من المشاورة مع غيره في أرائه وتدبيراته فينبغي أن يستودعها ذا النبل وكبير الهمة وعزيز النفس وذوي العقل واللب؛ فإن أمثالهم لا يذيعونها([20]).
كما أشار الماوردي إلى صفة الأمانة والعقل والدين وأن يكون بطبعه كتومًا قائلاً: "واعلم أن من الأسرار ما لا يستغنى فيه عن مطالعة صديق مساهم واستشارة ناصح مسالم فليختر العاقل لسره أمينًا إن لم يجد إلى كتمه سبيلاً "
وهو هنا يحثنا على أن نفرق بين الأمانة في الأموال فهذا سهل فعله وأمانة الأسرار والتي تكون صعبة حتى مع من كان أمينًا معك في مالك قائلاً: "فليس كل من كان على الأموال أمينًا كان على الأسرار مؤتمنًا والعفة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار...".
- ومن صفات أمين السر عند الماوردي
أ- أن يكون ذا عقل.
ب- ودين حاجز.
جـ- نصح مبذول.
د- ود موفور.
هـ- كتومًا بالطبع.
2-وليحذر صاحب السر أن يودع سره من يتطلع إليه ويؤثر الوقوف عليه؛فإن الوديعة خائن" وهو يقصد بذلك النأي عن كشف الأسرار إلى الإنسان الذي يبدي من الحرص والفضول على معرفتها؛ لأنه ليس محل ثقة ويستشهد في ذلك بقول صالح بن عبد القدوس:
لا تذع سرًّا إلى طالبه
منك فالطالب للسر مُذيع
3- ليحذر كثرة المستودعين لسره؛ فإن كثرتهم سبب الإذاعة وطريق إلى الإشاعة وذلك لأن كل واحد منهم يجد سبيلاً إلى نفي الإذاعة عنه وإحالة ذلك على غيره فلا يتوجه عليه عتب أو يُتهم بذنب وقال بعض الشعراء:
وسرك ما كان عند امرئ
وسر الثلاثة غيرُ الخَفِ
وقال بعض الحكماء محذرا من كثرة العارفين لسرك: "من أفشى بسره كثر عليه المتآمرون"
- وعن آداب من يحفظ الأسرار يقول الحكماء: "وجب على المستودع له (السر) أداء الأمانة فيه بالتحفظ والتناسي له حتى لا يخطر له ببال ولا يدور له في خلد ثم يرى ذلك حرمة يرعاها ولا يدل إدلال اللئام"([22]).
ومما ورد من نماذج عملية على أدب حافظ الأسرار ونصحه بعدم إذاعة السر للكثرة في مجلس واحد ما ذكره الجاحظ في التاج من "أن بعض ملوك العجم استشار وزيريه فقال أحدهما: لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحدًا إلا خاليًّا؛ فإنه أموت للسر وأحفظ للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض؛ فإن إفشاء السر لرجل واحد أوثق من إفشائه إلى اثنين وإفشاءه إلى ثلاثة كإفشائه إلى جماعة؛ فإذا كان السر عند واحد كان أحرى أن لا يظهر رغبة ورهبة،وإن كان عند اثنين دخلت على الملك الشبهة واتسعت على الرجلين المعاريض؛ فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد وإن اتهمهما اتهم بريئًا بخيانة مجرم وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له وعن الآخر ولا حجة معه([24]).
4- لا تعط سرك إلا لمن تثق به
وفي هذا ذُكر أن أعرابيًّا قال لابن عم له: إن سرك من دمك فلا تضعه إلا عند من تثق به([25]). وفي المقابل نجد أن ابن حزم ينصح الإنسان بأن يكون عند محل ثقة من ائتمنه على سره فهذا دليل على صفاء النفس وقوة الدين وهي كما يقول: "أن تكتم سر كل من وثق بك". وفي الوقت نفسه ينصح بعدم الكشف عن الأسرار للآخرين؛ لأن حفظهم له أمر صعب.
فيقول ابن حزم: "ولا تأمن أحدًا على شيء من أمرك تشفق عليه إلا لضرورة لابد منها فارتد حينئذ واجتهد وعلى الله تعالى الكفاية"([26]) أي اعتمد على نفسك قدر الإمكان إذا تعذر وجود الإنسان الثقة الأمين وهو متعذر وجوده أصلاً
5- احذر أن تثق بمن منع أن يكشف لك عن سر يخصك
يقول ابن حزم: "من طوى من إخوانك سره الذي يعنيك دونك أَخْون لك ممن أفشى سرك؛ لأن من أفشى سرك فإنما خانك ومن طوى سره دونك منهم فقد خانك واستخونك"([28]).
6- احذر من صديق من تفضي إليه بسرك
وفي هذا المعنى أنشد ابن الحاج الدلغيقي:
إذا ما كتمت السر عمن أوده
توهَّم أن الود غير حقيقي
ولم أَخْفِ عنه السر من ضنّةٍ به
ولكنني أخشى صديق صديقي([30])
7- ضع سرك عند الكريم الذي يحفظه لك في حالة سرائه وضرائه معا
وهو الذي لا تخشى في حالة تغير العلاقة بينكما من أن يستغل ذلك لكشف أسرارك فهذا فعل اللئام خبثاء الطبع وفي هذا قال ابن الحاج الدلغيقي:
إن الكريم الذي تبقى مودته
ويحفظ السر إن صافى وإن صرما
ليس الكريم الذي إن غاب صاحبه
بث الذي كان من أسراره علما ([31])
- ماذا تفعل حين لا تود أن تخبر أحدًا بأسرارك وإخباره بأنه يطرح أسئلة شديدة الخصوصية دون جرح إحساسه؟
- ينصح دون جابور بالآتي:
1- إذا سُئلت سؤالاً تفضل عدم الإجابة عليه فقل ببساطة: أفضل ألا أجيب على هذا السؤال إذا لم يكن لديك مانع
- وإذا سُئلت عن سعر شيء ما وكنت تفضل ألا تناقش هذا الأمر يمكنك أن تقول: كان هدية أو كان غاليًا أو سعره معقول.
وفي الوقت نفسه فإن دون جابور ينصح بعدم الحساسية والقلق بشأن البوح ببعض المعلومات البسيطة المتعلقة بالوظيفة أو المنزل أو البوح بالآمال والأحلام والأشياء التي تجلب لك السعادة وتجلب عليك التعاسة... فإننا جميعًا نشترك في هذه التجارب الشعورية الأساسية([32]).
- في مقابل ذلك ماذا تفعل حين ترغب في الحصول على معلومات من محدثك؟
يقول دون جابور:
1- تجنب الموضوعات الشائكة في المحادثة مثل: الموت والحوادث المؤلمة والشائعات الشخصية والموضوعات العرقية أو الجنسية، لا تجذب الانتباه لمشاكلك التي لا يستطيع الشخص الذي تتحدث معه حلها بسهولة فهذه الموضوعات يمكن أن تكوِّن انطباعًا سلبيًّا لدى محدثك.
2- من الأفضل أن تبدأ بالأسئلة السهلة التي سوف تسمح لشريكك في الحوار بالشعور بالراحة كما أنها وسيلة ممتازة للتعرف على اهتماماته والأشياء التي يتجنب مناقشتها "([33]).
3- ولاستمرار المحادثة بشكل سليم باعتبار أن كثرة الحديث أعظم وسيلة لبوح الأسرار عليك أن تعبر عن أفكارك بشكل صريح وتشجع الآخرين على مشاركة أفكارهم في موضوعات متنوعة ولكن تذكر أن لكل منا وجهة نظر تختلف عن وجهات نظر الآخرين وأن المحادثة السليمة ليست جدلاً يستوجب وجود فائز ومهزوم وإنما هي تبادل للآراء والأفكار والمناقشة الواعية وليس الجدل العقيم وتعتبر وسيلة رائعة لاستمرار المحادثة وتعرف كل واحد على الآخر بشكل راق([34]).
- ماذا تفعل مع من أفشى أسرارك؟
1-عليك أن توجه اللوم لنفسك لا لمن أفشى سرك
وهذا ما أجمع عليه عقلاء الإسلام حيث إن المرء لم يستطع الصبر على كتمان سره الذي لا يعني أحدا أشد مما يعني صاحبه وعلى الرغم من ذلك تهاون في حفظه فلا تلم من أباحه؛ لأنه فعل مثل صنيعك كان صدره ضيقًا عن كتمه وهذا الموقف أكد عليه عمرو بن العاص بقوله: "ما وضعت سري عند أحدٍ أفشاه عليّ فلمته أنا كنت أضيَّق به حيث استودعته إياه"([35]). وإلى مثل هذا ذهب الماوردي حين استشهد بأبيات في وصف الشاعر كل من يلم الآخرين على إفشاء سره بالحمق قائلاً:
إذا المرء أفشى سره بلسانه
ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه
فصدر الذي يُستودع السر أضيق
ولهذا قال ابن المعتز محذرًا: "انفرد بسرك ولا تودعه حازمًا فيزل أو جاهلاً فيخون"([36]).
وعن أن أحق الناس باستوداعه سرك هو نفسك فقط قال أنس بن أسيد:
ولا تفش سرك إلا إليك
فإن لكل نصيح نصيحًا
فإني رأيت وشاة الرجا
ل لا يتركون أديمًا صحيحًا([37])
ونختم معالجة هذا الموضوع بما أسداه دون جابور من نصائح تجنبك الوقوع في شراك إفشاء الأسرار إلى جانب المحافظة على روح التواصل بقوة مع الآخرين من خلال محادثتهم فمن هذه النصائح المفيدة :
1- الحرص على عدم إفشاء كل أسرارك
لا تتطرف كثيرًا وتخبر الآخرين بكل شيء فمن الأفضل أن تبوح ببعض المعلومات عن خلفيتك وأفكارك بالتدريج وفي سياق المحادثة ولكن عليك ألا تطيل الحديث قدر الإمكان.
2- التحدث عن نفسك بواقعية
فلا تبالغ في ذكر صفاتك الحسنة وإخفاء عيوبك وأعرب عن أهدافك وطموحاتك وما تواجهه من صعوبات فالشخص الذي تتحدث معه ربما يستطيع مساعدتك بشكل ما والعكس فإنك ربما تكون قادرًا على مساعدة الشخص على تحقيق أهدافه وكن متأكدًا حينئذ من حصولك على صديق جديد([38]).
3- لا تعلق أهمية كبيرة على تفاصيل ليست في الحقيقة أسرارا يجب إخفاؤها فتنزعج بشدة إذا كشفت عن بعض جوانب حياتك لم تكن تنوي الكشف عنها لصديق أو لزميل واسأل نفسك ماذا يمكن أن يحدث؟ هل يمكن أن يستغل هذا الشخص هذه المعلومات ضدك وإذا كان الأمر كذلك فماذا سيفعل وهذه من إشكاليات البوح بالأسرار وهنا ننصح بأنه يفضل أن تحتفظ لنفسك ببعض المشاعر والأحاسيس والبوح ببعضها ممن لا يسبب ضررا لك ويمنحك عدم العيش في عزلة ووحدة بمشاركة الآخرين لمشاعرك.
وعادة حفظ الأسرار من العادات الحسنة التي تكتسب منذ الصغر حتى تصير طبعًا في الإنسان عند كبره ولذا ينبغي أن نعلمها لأطفالنا ونشجعهم ونثني عليهم حين يقومون بها كما فعلت أم أنس مع ابنها أنس في الحديث الذي رواه أنس قال: "قدم النبي r المدينة وأنا ابن تسع سنين فانطلقت بي أم سليم إلى نبي الله r فقالت: يا رسول الله هذا ابني استخدمه فخدمت النبي r تسع سنين ما قال لي لشيء فعلته لمَ فعلت كذا وكذا وما قال لي لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا وكذا وأتاني ذات يوم وأنا ألعب مع الغلمان - أو قال مع الصبيان- فسلم علينا ودعاني فأرسلني في حاجة فلما رجعت قال: لا تخبر أحدًا واحتبست عليّ أمي فلما أتيتها قالت: يا بني ما حبسك، قلت: أرسلني رسول الله r في حاجة قالت وما هي؟ قلت: إنه قال: لا تخبر بها أحدًا، قالت: أي بني فاكتم على رسول الله r سره"([39]).
المراجع
([1]) الحديث رواه أحمد ج4/147، 153، 157, الطبراني في المعجم الكبير ج 17/318، و جمع الجوامع للسيوطي ص2701
([4]) الأخلاق، لابن عربي ص18
([5]) الأخلاق والسير في مداواة الناس، ص146
([6]) حكم ابن عطاء الله شرح الشيخ زروق، ص343، 342
([7]) الأخلاق، لابن عربي ص18- 19
([8]) الأخلاق عند الغزالي، ص243- 244.
([10]) أدب الدنيا والدين، ص228، زهر الآداب، للقيرواني ج1/ص34.
([12]) مجاني الأدب،ج 4/91، قيل الأبيات لصالح بن عبد القدوس أو لعلي بن أبي طالب.
([13]) المرجع السابق، ص116، أدب الدنيا والدين، ص229.
([14]) أدب الدنيا والدين، ص229.
([15]) مجاني الأدب،ج 3/116.
([16]) نفس المرجع السابق والصفحة.
([17]) مجاني الأدب، 3/116- 117.
([19]) من وصايا الحسن العامري، من مخطوط الموعظة للفارابي معهد المخطوطات العربية ورقة رقم (15).
([20]) نفس المرجع السابق والصفحة.
([22]) المرجع السابق، ص231.
([24]) مجاني الأدب، ج 3/117.
([25]) كتاب الصمت وآداب اللسان، ص453.
([26]) الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص146.
([28]) الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص143.
([30]) مجاني الأدب، 4/99.
([31]) المرجع السابق، ج 4/118.
([32]) إدارة الخجل، ص28.
([33]) إدارة الخجل، ص28
([34]) المرجع السابق، ص30.
([35]) آداب اللسان، ص452.
([36]) أدب الدنيا والدين، ص229، زهر الآداب، للقيراوني 4/120.
([37]) الأخلاق والسير، ص147.
([38]) إدارة الخجل، ص30، 31.
([39]) مسند الإمام أحمد .
للوصول الينا ومتابعة كل جديد اكتبي بمحرك البحث (منتدى عـدلات) او (3dlat)
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك