12-23-2022, 09:16 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,241
|
|
مفهوم اللعن
مفهوم اللعن
عبد الإله جاورا أبو الخير
الحمد لله الذي جعل العلم منارةً للعالمين، والرسل دعاة إلى سبيل النجاة، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد انتشر اللعن في المجتمع بين أفواه الكِبار والصغار، والرجال والنساء، حتى صار اللعن عادةً وفكاهةً بينهم في بيوتهم، وشوارعهم، ومواقع التواصُل الاجتماعي، وقنواتهم الفضائية والإذاعات، وأخشى أن يأتي الجيل القادم فيعتقدون بأن اللعن ليس مُحرَّمًا؛ جهلًا منهم، أو لانتشاره بين أفراد المجتمع.
واللعن أخطر داء على حياة الفرد أو الأسرة أو المجتمع؛ لذا أحببتُ أنْ أُسطِّر سطورًا لي ولكم عسى أن نقوم بإرشاد الأمة الإسلامية، لعلَّ الله يقودنا إلى ما يحب ويرضى.
مفهوم اللعن:
اللعن: هو الطرد والإبعاد عن الخير، وإنزال الشر.
حكم اللعن:
اللعن يترتب عليه عدة أحكام:
1- الوجوب:
يكون اللعن واجبًا بين الزوجين عندما يقذف الزوج زوجته، وتنفي الزوجة ذلك فيقومان بالتلاعن فيما بينهما، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [النور: 6 - 9].
2- الحرام:
يكون اللعن حرامًا، حين يُقدِم شخصٌ على لَعْنِ غيره دون سبب، أو يَلعنُه لِحَسَدٍ أو بُغْضٍ.
3- الجواز:
يكون اللعن جائزًا عندما ينتشر ظلم الظالم بين الناس.
أقسام اللعن:
يقسم اللعن باعتبار اللاعن إلى قسمين:
1- لعن الخالق مخلوقًا من المخلوقات، قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 89].
2- لعن المخلوقين بعضهم بعضًا؛ مثل لعن الإنسان شخصًا أو أسرة أو قرية أو جِنًّا أو حيوانًا أو نباتًا أو جمادًا.
وينقسم اللعن باعتبار الملعون، إلى ثلاثة أقسام:
1- لعن المُعيَّن: وقد لعن الله سبحانه وتعالى إبليس- لعنة الله عليه- بعد عصيانه، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الحجر: 28 - 35].
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُناسًا من الكفار بعدما آذوه، منهم: عتيبة بن أبي لهب، فقد روى الحاكم (3984) والبيهقي في "الدلائل" (622) أن عتيبة بن أبي لهب كان يسبُّ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم سلِّط عليه كلبَك))، فخرج في قافلة يريد الشام فنزل منزلًا، فقال: إني أخاف دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا له: كلا، فحطُّوا متاعهم حوله وقعدوا يحرسونه، فجاء الأسد فانتزعه فذهب به.
2- لعن القوم:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: ((لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ))؛ رواه البخاري ومسلم.
3- لعن الوصف:
فعَنِ ابنِ عُمر رضي اللَّه عنْهُما: "أنَّ رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الْواصِلَةَ وَالمُسْتوصِلَةَ، والْوَاشِمَة والمُستَوشِمة"؛ متفقٌ عليه.
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: ((لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ))؛ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ غَيْرَ أَنَّ لَفْظَ النَّسَائِيِّ: ((آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ إذَا عَلِمُوا ذَلِكَ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
أسباب اللعن:
من أسباب اللعن:
1-المعاصي.
2-الظلم.
3-الحسد.
4-الغضب.
خطورة اللعن:
1- اللعن يعود على صاحبه إن تلفظ به ظلمًا:
فقد أخرج أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رجلًا نازعته الريح رداءه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلعنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعن الريح؛ فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئًا ليس له بأهل، رجعت اللعنة عليه)).
وعند أبي داود من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا لعن شيئًا، صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينًا وشمالًا، فإذا لم تجد مساغًا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان لذلك أهلًا، وإلا رجعت إلى قائلها)).
وفي رواية عند الإمام أحمد من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن اللعنة إذا وجهت إلى من وجهت إليه، فإن أصابت عليه سبيلًا أوجدت مسلكًا، وإلا قالت: يا رب، وُجِّهت إلى فلان، فلم أجد فيه مسلكًا، ولم أجد عليه سبيلًا، فيقال لها: ارجعي حيث جئت)).
2-اللَّعَّان ناقص الإيمان:
فقد أخرج الترمذي من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس المؤمن بالطَّعَّان، ولا اللَّعَّان، ولا الفاحش، ولا البذيء)).
وعند الترمذي أيضًا والبخاري في "الأدب المفرد" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يكون المؤمن لَعَّانًا)).
3- اللعن ليس من صفات الصادقين:
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ينبغي لصِدِّيقٍ أن يكون لعَّانًا)).
4- اللعَّان لن يكون شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة:
فقد أخرج الإمام مسلم وأحمد من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يكون اللَّعَّانون شُفعاء، ولا شُهداء يوم القيامة)).
• وفي رواية عند مسلم أيضًا: ((إنَّ اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة)).
عاقبة اللعن:
إن عاقبة اللعنة إهلاك النفس أو الأموال والأسرة أو المرض المزمن.
ويروى أنَّ الزمخشري صاحب كتاب الكشَّاف كان مقطوع الساق يمشي على ساق من خشب، وذات يوم جلس يحكي لأصدقائه سبب قطع رِجله، فـقــال: أمسكت عصفورًا صغيرًا، وربطته بخيط في رجله، فدخل بين حَجَرين، فجذبته بالخيط بعُنْف فانقطعت رِجْله، فـتألـَّمَـتْ أُمِّي وقـالـت: قطع الله رِجْلك كما قطعت رِجْل العصفور، فلما كَبِرتُ وأردتُ السفر لطلب العلم، سقطتُ من فوق الدابَّة، فانكـســرت رِجْلي وقُطِعَت، واسـتـجـاب الله دعـاء أُمِّي.
الخاتمة:
فعلى المسلم أن يتجنَّب لعن نفسه أو ولده أو ماله أو أي شخص دون ظلم؛ لأن اللعنة متى وافقت وقت الاستجابة، وقعت، فعن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تدعوا على أنفسِكم، ولا تدعوا على أولادِكم، ولا تدعوا على خدمِكُم، ولا تدعوا على أموالِكُم، لا تُوافقُوا من اللهِ تعالى ساعة نيْلٍ فيها عطاء فيستجيب لكم))؛ رواه أبو داود بإسناد صحيح.
اللهم صَلِّ على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|