12-23-2022, 09:16 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 376,241
|
|
فوائد نافعة حول الإفتاء والاستفتاء
فوائد نافعة حول الإفتاء والاستفتاء
الشيخ عبدالعزيز السلمان
اعلم وفَّقنا الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه أن الفُتْيَا أمرها عظيم، ولقد كان السلف رحمهم الله يأبون الفُتْيَا، وَيُشَدِّدُونَ فيها ويَتَدَافَعُون عكس ما عليه علماء هذا العصر.
فعن عبد الرحمن بن أبي ليلي قَالَ: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُسْأَلُ أَحَدُهُم عن المسألة فَيَرُدَّهَا هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول.
وفي رواية: ما منهم مَن يُحَدِّث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه، ولا يُسْتَفْتَى عن شيء إلا ود أَنَّ أخاه كفاه الفُتيا. وأنكر الإمام أحمد وغيره على مَن يَهْجمُ على الجواب لِخَبَرِ: أجْرَؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار.
وقَالَ الإمام أحمد: لا ينبغي أن يجيب في كل ما يُسْتَفْتَى فيه، وقَالَ: لا ينبغي للرجل أن يعرض نفسه لِلْفُتْيَا حتى يكون في خمس خصال:
أحدها: أنْ تكون له نية، وهي أن يخلص لله تعالى، ولا يقصد رياسة ولا نحوها، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور.
الثانية: أن يكون له حلم ووقار وسكينة، وإلا لم يتمكن من فعل ما تصدى له من بيان الأحكام الشرعية.
الثالثة: أن يكون قويًّا على ما هو فيه وعلى معرفته، وإلا فقد عَرَّضَ نَفْسَه لَخَطَرٍ عظيم.
الرابعة: الكفاية، وإلا أبْغَضَهُ الناس، لأنه احتاج إلى الناس وإلى الأخذ مما في أيديهم، فيتضررون منه.
الخامسة: معرفة الناس بأن يكون بصيرًا بمكرهم وخداعهم، ليكون حذرًا منهم لئلا يوقعوه في المكروه.
وإليك ما ورد في ذلك، نقل الميموني عن الإمام أحمد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه سئل عن حديث، فقَالَ سلوا أصحاب الغريب فإني أخاف أن أتكلم في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالظن فأخطي.
وقَالَ أبو داود الطيالسي: سَمعْتُ شُعْبةَ قَالَ: سألتُ الأصمعي عن حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنه لَيُغَانُ على قلبي»، ما مَعْنَى يُغَان؟
قَالَ: فقَالَ لي هذا الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فَقُلْتُ: نعم. فقَالَ: لو كان عن غير النبي -صلى الله عليه وسلم- لَفَسَّرْتُ ذلك ولكن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا أَجْتَرِئُ عليه.
وعن الأصمعي عن مُعْتَمِرُ بنُ سُليمان عن أبيه قَالَ: كانوا يتقون حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- كما يتقون تفسير القرآن.
وكان الإمام أحمد يجيء إلى أبي عبيد يسأله في الغريب روى ذلك الخلال.
وقَالَ ابن عباس: إذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله وقَالَ كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إمام المسلمين وسيد العالمين يسأل عن الشيء فلا يجيب حتى يأتيه الوحي من السماء.
وقَالَ الشعبي: لا أدري نصف العلم.
وقَالَ أحمد في رواية المروذي: كان مالك يُسْألَ عن الشيء فَيُقَدِّم ويؤخِّر يَتَثَبَّت وهؤلاء يقيسون على قوله ويقولون: قَالَ مالك.
وعن علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: من عِلْمِ الرجل أن يقول لما لا يَعْلَم: الله أعْلم، لأن الله عز وجل قَالَ لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86].
وصح عن ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: العلم ثلاثة: كتابٌ ناطِقٌ، وسنة ماضية، ولا أدري.
وقَالَ أحمد في رواية المروذي: ليس كل شيء ينبغي أن يُتَكلم فيه وذكر أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُسْأل فيقول: «لا أدري حتى أسأل جبريل».
وقَالَ عبد الله: سَمِعْتُ أبي يقول: كان سفيان لا يكاد يفتي في الطلاق ويقول مَنْ يُحْسِنُ ذا من يُحْسِنُ ذا.
وقَالَ في رواية الحارث: وَدِدْتُ أنه لا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ عن مسألة أو ما شيء أشد علي من أن أسأل عن هذه المسائل البلاء يُخْرِجُه الرجلُ عن عُنُقِه ويُقَلِّدك.
وخاصَّة مَسائل الطلاق والفُروج، ونقل الأثرم عنه أنه سأله عن شيء فقلت: كيف هو عندك؟ فقَالَ: وما عندي أنا.
وسَمِعْتُه يقول: إنما هو يعني العِلْمِ ما جاء من فوق. وقَالَ سفيان: من فتنة الرجل إذا كان فقيهًا أن يكون الكلام أحب إليه من السكوت.
وقَالَ المروذي: قُلْتُ لأبي عبد الله: إن الْعَالِمَ يظنون عنده عِلْمُ كل شيء، فقَالَ: قَالَ ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إن الذي يُفْتِي الناسَ في كل ما يَسْتَفْتُونَه لمَجْوُن. وأنكر عبد الله على من يَتَهَجَّم في المسائل والجَوابات.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أبا عبد الله يقول: لِيَتَّقِ الله عَبْدٌ ولينظر ما يقول وما يتكلم فإنه مسئول.
وقَالَ: من أفتى الناس ليس يَنَبغِي له أن يُحِيلَ الناسَ على مذهبه ويُشَدِّد عليهم.
وقَالَ في رواية القاسم: إنما يَنْبَغِي أن يُؤمر الناسُ بالأمر البين الذي لا شك فيه ولَيْتَ الناس إذا أمِرُوا بالشيء الصحيح أن لا يجاوزوه.
ونقل محمد بن أبي طاهر عنه أنه سئل عن مسألةٍ في الطلاق، فقَالَ: سَلْ غيري ليس لي أن أفتي بالطلاق بشيء.
وقَالَ في رواية ابن منصور: لا ينبغي أن يُجِيبَ في كل ما يُسْتَفْتَى. وصح عن مالك أنه قَالَ: ذِلٌ وَإهَانَةٌ لِلْعَالِمْ أَنْ تجيب كُلَّ مَن سَأَلَكَ.
وقَالَ أيضاً: كلُّ مَن أَخْبَرَ النَّاسَ بكل مَا يَسْمَعُ فهُو مَجْنُون. وقَالَ أحمد: وفي رواية أحمد بن علي الأبار وقَالَ له رجل: حَلَفْتُ بِيَمِين لا أَدْرِي إيش هي، قَالَ: لَيْتَ أنك إذا دَرَيْتَ دَرَيْتَ أَنَا.
وقَالَ في رواية الأثرم: إذا هاب الرجل شيئًا فلا ينبغي أن يحمل على أن يقول.
وقَالَ في رواية المروذي: إن الذي يُفْتِي الناسَ يَتَقَلَّدُ أَمْرًا عَظِيمًا، وقَالَ يُقْدِمْ على أمرٍ عظيم يَنْبَغِي لِمَنْ أَفْتَى أَنْ يَكُون عالمًا بقول مَن تقدم وإلا فلا يُفْتِي.
وقَالَ في رواية الميموني: من تكلم في شيء ليس له فيه إمام أخاف عليه الخطأ.
وقَالَ الثوري: لا نزال نتعلم ما وجدنا من يعلمنا. وقَالَ أحمد: نحن الساعة نتعلم، وسأله إسحاق بن إبراهيم عن الحديث الذي جاء: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار» ما معناه.
قَالَ أبو عبد الله: يُفتي بما لم يسمع. وقَالَ محمد بن أبي حرب: سمعت أبا عبد الله، وسُئِلَ عنَ الرجل يفتي بغير علم، قَالَ: يروى عن أبي موسى قَالَ: يمرق من دينه.
ونقل المروزي: أن رجلًا تكلم بكلام أنكره عليه أبو عبد الله قَالَ: هذا من حبه الدنيا يُسْأَلُ عن الشيء الذي لا يحسن فيحمل نفسه على الجواب.
ونحو هذا عن حماد، وقَالَ: كنت أسائل إبراهيم عن الشيء فيعرف في وجهي أني لم أفهم فيعيده حتى أفهم روَى ذلك الخلال وغيره.
اللَّهُمَّ نَجِّنَا برحمتك من النار وعافِنا من أُرِ الْخِزْي والبَوَارِ وأدْخِلنا بِفَضْلِكَ الْجَنَةَ دارَ القرارِ وعامِلْنَا بكَرَمِكَ وَجُودِكَ يا كريمُ يا غَفارُ، وَاغْفِرْ لنا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْياءِ مِنهُم وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ، وصَلَّى الله على مُحمَّدٍ وعلى آلهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|