العام الهجري الجديد عام تجديد أم تبديد؟
زكي أحمد عيديد
إن الصراع بين الحق والباطل قديم قدم الإسلام ولكن تعددت خطط ووسائل هذا الصراع وتنوعت وَفقاً لما تمليه الظروف والوقائع في كل حقبة زمنية.
فمنذ أن هاجر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة تحول هذا الصراع من السر إلى العلن بوسائل وكيفيات تتناسب مع تلك المرحلة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع البلسم الشافي لهذا الصراع حتى تكون الكفة الأرجح لأهل الحق، فحصحص الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.
إن رسول الله حينما وضع قدمه على أرض الإسلام في المدينة المنورة شرع في أمرين عظمين أساسيين هما بناء المسجد والمؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، لذلك يمكن القول إن المسجد ليس دار عبادة فحسب بل كان منبراً إعلامياً ومدرسة يتعلم فيها المسلم الأخلاق وكثير من شؤون الحياة النظرية والتطبيقية من نظم اقتصادية وعلوم عسكرية وفنون الإدارة والحكم، وكلها تستمد منهجها من الكتاب والسنة.
أما الأخوة فالأخوة مبدأ متين في الإسلام فهو من الدين بالضرورة، فالتمسك به قوة واستقرار والتخلي عنه ضعف وبوار فالأمة لا يمكن أن تبني حضارة مادية وأخلاقية في ظل وضع مضطرب لا يتغشاه التواد والتعاطف والتراحم بين كل شرائح المجتمع، لأن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً، فالأمة لا يمكن أن تبدع في كل المجالات إلا في ظل الاستقرار وغياب الأزمات ولكن للأسف فقد استطاع أعداء الإسلام أن ينقلوا الأزمات إلى أرض الإسلام لوقف التنوير الفكري والحضاري فأحيوا الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية وظلوا يغذونها بالفكر والمال والسلاح كي تؤتي أكلها فتحرق الأخضر واليابس.
والأمة بدلا من أن تسخر قوتها وتشحذ همتها في محاربة العدو الحقيقي، أصبحت تتآكل من الداخل بكل أطيافها في إطار القطر الواحد لأنها لم تستوعب قواعد الخلاف، والمدارس الإسلامية مشغولة هي الأخرى بخلافات وجدل لا ينتهي مستخدمة أسلوب القدح لا المدح لإفراغ كل مدرسة من محتواها، فتحول هذا الجدل إلى معول هدم يدمر كل شيء جميل بدلاً من أن يكون وسيلة للبناء يظهر مكنونات الفكر الإسلامي، حتى تحول المجتمع المسلم إلى مجتمع تحكمه الأهواء لا تهمه العواقب.
الجدير بالذكر أن الاختلاف سنة كونية لا تتغير ولا تتبدل فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن لسنة الله تحويلاً، لا سيما وقد قال الله عز وجل في محكم التنزيل ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [هود: 118]. فالاختلاف سلمت به الأمة منذ عصر المذاهب الأربعة فمن عمل بأحدهما فهو على هدى، فهم أهل السنة والجماعة وهم المرجعية لكل التيارات والمدارس الإسلامية بعد الكتاب والسنة.
وهكذا فإن الرعيل الأول لم يغيرهم الاختلاف ولم يثنهم بل كانوا يداً واحدة في بناء دولة الإسلام حتى صارت حضارة راقية من الطراز الأول استمد منها الغرب قوتهم ونهضتهم.
فهل سيكون العام الهجري الجديد عاماً للتجديد وإحياء الماضي المشرق؟ أم للتبديد ولمزيد من التمزق والاختلاف؟
المصدر: مجلة شعاع الأمل، العدد 128، ديسمبر 2012 م
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك