عاشوراء
مراد باخريصة
حديثنا اليوم عن يوم عظيم من أيام هذا الشهر العظيم (شهر الله المحرم) أول أشهر السنة الهجرية وأحد الأشهر الحرم إنه يوم عاشوراء ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾.
إن يوم عاشوراء له شأن عظيم فهو يوم نجى الله فيه عبده ورسوله وكليمه موسى عليه السلام ومن معه وأهلك فيه إمام المتكبرين ورأس الطغاة المجرمين فرعون ومن معه.
إن فرعون أسرف في الأرض وبغى وجعل أهلها شيعا يذبح الأبناء ويستحيي النساء يذل الناس ويستضعفهم ويسخرهم لمهنه الرخيصة ويهينهم قال تعالى ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾.
إن فرعون علا زبده وارتفع دخانه فأغتر بقوته وظن أن الأمور تسير لمصلحته فأباد المستضعفين وقتل النساء والأطفال المساكين وحاول استئصال شأفة الموحدين فقال ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ وقال ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ وقال ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ﴾ وقال ﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾.
عباد الله:
إن الطغاة البغاة تخدعهم قوتهم وسطوتهم فيحسبون أنهم يختارون لأنفسهم ما يحبون وأنهم يختارون لأعدائهم ما يشاءون ويظنون أنهم على هذا وذاك قادرون ولكن الله جل جلاله يعلن إرادته ويتحدى الطغاة المجرمين ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾.
لقد ادعى هذا الأحمق المطاع أن ما جاء به موسى سحر فجمع السحرة من جميع أنحاء مملكته فألقوا سحرهم ونفثوا عقدهم فقال موسى ﴿ مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ ﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ فانقطعت حجة فرعون وخاب كيده وانكشف باطله وزيفه فلجأ إلى القوة والبطش والتشريد وارهاب الناس بالنار والحديد.
لقد عجز بالحجة واللسان فلجأ إلى القوة والسيف والسنان قال تعالى ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ ويقول جل جلاله ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾.
لقد أوحى الله إلى موسى أن يخرج بقومه من مصر ليلاً متجهاً إلى البحر الأحمر فعلم فرعون بمسير موسى فأرسل إلى قومه وجنده فأخرجهم جميعاً فلحقوا بموسى عليه السلام وأدركوه عند البحر فقال أتباع موسى ﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ فقال لهم موسى مستيقناً بوعد الله واثقاً في نصره لعباده الموحدين ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ فأوحى الله إلى موسى ﴿ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ﴾ فضربه فتحول الماء بإذن الله إلى طريق يابس كأن الماء لم يمسسه يوماً من الأيام فدخل موسى ومن معه فتبعهم الغبي المغرور فدخل بنفسه ومن معه فأوحى الله إلى البحر فانطبق على فرعون وقومه فأغرقهم جميعاً وأورث الله بلادهم وأموالهم وأملاكهم لموسى وقومه.
وهكذا انتهت المعركة بنصر المؤمنين وخذلان الطغاة المعتدين فكانت معجزة باهرة نصر الله فيها أولياءه وخذل فيها أعدائه فصام بنو إسرائيل حمداً لله وشكراً على هذه المعجزة الباهرة والكرامة الظاهرة فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد اليهود يصومون ذلك اليوم يوم عاشوراء فسألهم فقالوا هذا يوم يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر الناس بصيامه.
﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾.
الخطبة الثانية
في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما يقول عبد الله بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ((مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاّ هَذَا الْيَوْمَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ)) وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ وقال صلى الله عليه وسلم ((صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)) وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح الإمام مسلم ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ)).
بل إن صيام عاشوراء كان معروفاً عند أهل الجاهلية قبل البعثة النبوية فقد ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه)). فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه فلما فرض رمضان أمر الناس بصيام رمضان وخيرهم في صيام عاشوراء وهذا يعني أن صيام عاشوراء كان فرضاً واجباً ثم صار سنة وندباً.
لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومون عاشوراء ويصومون فيه صبيانهم وأطفالهم تعويداً لهم على الفضل وترغيباً لهم في الأجر الربيع بنت معوذ قالت أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم)) قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. [رواه البخاري].
بل إن من السلف من كان يصوم عاشوراء في السفر فلما قيل له أليس الله قد رخص للمسافر أن يفطر قال إن رمضان له عدة من أيام أخر وإن عاشوراء يفوت.
فينبغي علينا ويستحب لنا عباد الله أن نصوم يوم الغد وبعد الغد (تاسوعاء وعاشوراء) ما دام في أعمارنا فرصة وفي أجسادنا قوة وأن نصوم مخلصين محتسبين لعل الله أن يكفر عنا ذنوب عامنا المنصرم كما ينبغي أن نصوم يوماً قبل عاشوراء أو يوماً بعده مخالفة لليهود في صيامهم لعاشوراء فقط يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ابن رجب رحمه الله: "من صام من ذي الحجة وصام من المحرم فقد ختم السنة بالطاعة وافتتحها بالطاعة فيرجى أن تكتب له سنته كلها طاعة".
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك