فضل يوم عاشوراء
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز الدهيشي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.. أما بعد:
فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى والتزود من الأعمال الصالحة ما دمتم في زمن التحصيل، ولا تغتروا بالدنيا وزينتها فإنها متاع قليل، وخذوا بوصية نبيكم - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمر الصحابي الجليل؛ حيث يقول: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"[1] ومعلوم أن الغريب لا يهتم إلا بقضاء حاجته ليعود إلى وطنه، وكذا عابر السبيل، فإنكم في هذه الدنيا مسافرون إلى دار القرار فازرعوا الخير تحصدوا ما دمتم في وقت البذر، واعلموا رحمكم الله أن كل يوم يقربكم مرحلة إما إلى الجنة وإما إلى النار، فما بين العبد وبين الجنة والنار إلا خروج روحه من جسده، وحينها تنقطع عن الميت الأخبار، فالقبر إما روضة من رياضة الجنة للمتقين وإما حفرة من حفر النار للمجرمين.
عباد الله.. بادروا أوقاتكم قبل فواتها واعمروها بالطاعة لتجنوا في يوم تشقق فيه بالسماء بالغمام، وتبرز الخلائق حفاة عراة للملك العلام، في يوم كان مقداره ألف سنة من هذه الأعوام، تدنو فيه الشمسي ويضاعف حرها ولا ظل ولا شراب ولا طعام، إلا ظل عرش الرحمن، يستظل به من تقبل الله منه الصيام والقيام، وفي هذا الموقف العظيم يظهر الغبن ويعض الظالم على يديه حسرة وندامة على ما أضاع من وقته وما فاته من كرامة ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 27]، فلا ينفعه الندم ولا عضه على يديه حيث فرط في وقت كان أمر نفسه إليه.
واعلموا رحمكم الله أن يومكم هذا يوم عظيم أظهر الله فيه معجزة موسى - عليه السلام - فهو يوم الزينة الذي جعله موسى - عليه السلام - موعدًا لمبارزة سحرة فرعون ومصارعة الباطل بالمعجزة النبوية، وذلك أن موسى - عليه السلام - لما أرسله الله تعالى إلى فرعون وأيده بالمعجزات الباهرة وآياته الظاهرة ودعاه لعبادة ربه قال له فرعون: ﴿ قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴾ [طه: 57-59]، قال ابن كثير - رحمه الله -: قال ابن عباس رضي الله عنهما: وكان يوم الزينة يوم عاشوراء وكان يوم عيد لهم فجمع فرعون السحرة وحثهم على معارضة موسى والتفوق على معجزته ووعدهم بالأجر والتقريب، فلما حان الوقت بعد أربعين يومًا يعدون فيها عدتهم من السحر والأباطيل وحضر الناس في المكان المعد لذلك جاء السحرة يحملون عصيهم وحبالهم المشربة بالسحر فتحدوا نبي الله موسى - عليه السلام - بقولهم: ﴿ يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ﴾ [الأعراف: 115]، قال ألقوا فألقوا حبالهم وعصيهم حتى امتلأ الوادي وكانت تضطرب ويركب بعضها بعضًا فخشي موسى - عليه السلام - أن يفتتن الناس بسحرهم قبل ظهور معجزته فأوحى الله إليه أن ألق عصاك فألقى عصاه فصارت تنينًا عظيمًا هائلًا ذا قوائم وعنق ورأس فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي فتبتلعها حتى لم تبق منها شيئًا والناس والسحرة ينظرون فقامت المعجزة وظهر الحق وبطل السحر، فعلم السحرة أن ما جاء به موسى ليس من السحر وأنه حق لا مرية فيه فخروا لله سجدًا وقالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون، فهددهم فرعون بالصلب والقتل ولم يثنهم ما هددهم به عن اتباع الحق لما ظهر لهم، قال الأوزاعي: لما خروا سجدًا رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها فقتلوا من يومهم فكانوا أول النهار سحرة وآخره شهداء ثورة، وفي هذا اليوم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، وذلك أن الله أمر موسى - عليه السلام - أن يخرج ببني إسرائيل ليلة ويفلتهم من قبضة فرعون واستعباده لهم، فخرج بهم كما أمره الله فغضب فرعون وجمع وجنوده وندبهم للقضاء على موسى وقومه وهون من شأنهم فلحقوهم عند طلوع الشمس، فلما رآهم بنو إسرائيل قالوا: إنا لمدركون، قال موسى: كلا إن معي ربي سيهدين، فوقفوا والبحر أمامهم وفرعون وجنوده خلفهم فجاء نصر الله فوق المستحيل بآية عظيمة باهرة لم يتحدث عن مثلها تاريخ، أمر الله موسى أن يضرب بعصاه البحر فانفلق فأمر الله الريح فلفحت قاعه حتى يبس فسلكه موسى وقومه آمنين وتبعهم فرعون وجنوده باغين متجبرين، فلما تكاملوا فيه أجمعين انطبق عليهم فلم ينج منهم أحد وكانت أجسامهم للغرق وأرواحهم للحرق، فصامه موسى شكرًا لله تعالى، ولما قدم محمد - صلى الله عليه وسلم - المدينة وجد اليهود يصومونه فقال: ما هذا اليوم الذي تصومونه قالوا: هذا يوم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى فنحن نصومه فقال - صلى الله عليه وسلم -: (نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه)[2] وقال: (خالفوا اليهود صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده)[3] وقالت - صلى الله عليه وسلم -: (يوم عاشوراء أحتسب إلى الله أن يكفر السنة التي قبله)[4] قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما جاء من الذكر الحكيم أقوله قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
والحمد لله رب العالين...
[1] رواه البخاري (6053).
[2] صحيح البخاري (1900).
[3] صحيح البخاري (2095).
[4] صحيح البخاري (1162).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك