إظهار شعائر الإسلام في رمضان
محمد بن علي القعطبي
يطلُّ شهر الخير والبر والإيمان، وتطلُّ الأماني بالفوز بالجنان، والنَّجاة من النِّيران، تصفو فيه نفوسُنا وتتطهَّر، تتسامَى فيه أرواحُنا وتقرب من بارئها، يُعلِّمنا رمضان كيف نقبلُ على الخيرات ونسعى إليها، وهو مع ذلك يُؤكِّد صلتَنا بدِيننا ويشدُّ من ارتِباطنا بأمَّتنا.
علَّمَنا فيه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - البذلَ؛ فكان أسرع بالخير من الرِّيحِ المرسَلة فيه، وعلَّمَنا الصبر والحلم؛ ((إذا كان يومُ صومِ أحدِكم، فلا يرفُث ولا يفسق، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَلَه، فليقل: إنِّي صائم)).
وتزدادُ قوَّة الارتِباط بالله حينما يكونُ المسلم في بلدٍ غير مسلم، يرى الناس يفعَلون المنكرات، وهو منيبٌ إلى الله، مُتقرِّب إليه، يتضرَّع إليه، يسأله الجنَّةَ ويستعيذُ به من النار، يرى الناس يأكُلون ويشرَبون وهو صائمٌ، في يده تمراتٌ ينتظرُ أنْ تغرب الشمس؛ ليفطر مقتديًا بالنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويفتح الله على يديه ما لم يكن يحتسبُ.
حدَّثَني صديقٌ لي قال: كنت أدرسُ الصيدلة في أمريكا، وكان لدينا مادَّةٌ في مرحلة الدكتوراه، أحضرَت لنا الجامعة فيها أستاذًا زائرًا، وصادَفَ مجيئه شهر الصوم، وكنت آخُذ معي تمراتي، فإذا جاء وقت المغرب، استأذَنتُه فأفطرت وصلَّيت المغرب، وكان يوقفُ المحاضرة في انتظار أن أفطر وأصلِّي، ثم يستأنف؛ إذ كان عددنا قليلاً - بوصفها مادة في مرحلة الدكتوراه - وبعد أن انتهَتِ المادة، طلب منِّي المدرس موعدًا خاصًّا، فقابلته، وبعد أن تبادَلْنا الأحاديث، قال لي: ما كنت تفعلُه، كنتُ أرى جدَّتي تفعله من قديم؛ كنت أراها تُصلِّي وتصوم، ثم طلب منِّي أنْ أعطيه بعض المعلومات عن الإسلام، فأعطيته بعض الكُتيِّبات، ثم اتَّصل علي مِرارًا يتساءَل عن بعض أحكام الإسلام، وبعد شهرٍ اتَّصَل علي قائلاً: أريدُ زيارتَك، وجاء إليَّ وأعلن إسلامه، وكان ذلك ببركة إفطاري وصلاتي في حجرة الدِّراسة.
واليوم، وقد ازدادَ الهجوم على دِيننا وكشَّر أعداؤنا عن أنيابهم في محاربة عقيدتنا، يجب علينا إظهارُ شعائرِ الدِّين، وتقديم عقيدتِنا الصافية للعالمين، وهكذا الحق كلَّما تسلَّطَتْ عليه سِهامُ الأعداء، زادَ انبِلاجًا ونورًا، ألم يزدَدْ عددُ الداخلين في الإسلام ويتضاعَف في الولايات المتحدة ثلاثةَ أضعافٍ عن ذي قبلُ بعدَ أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟
علينا إذًا أنْ نُدرِكَ مسؤليَّتنا، ونُبادِرَ إلى إظهار شَعائر دِين الله والإصرار عليها، وكم نحن بحاجةٍ إلى تبليغ دِين الله بأفعالنا لا بأقوالنا، فهي أبلغُ أثرًا وأعمقُ وأسرعُ، وألا نتواكَلَ أو نتخاذَلَ ونتذكَّر دائمًا قولَ الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].
(المصدر: مجلة المستقبل الإسلامي - العدد 137 رمضان 1423هـ / نوفمبر - ديسمبر 2002م).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك